الرفاعي:الأردن صمد في مواجهات وتحديات كبرى دفاعا عن قيمه ويستحق من العالم الدعم والرعاية

الرابط المختصر

الرفاعي في قمة وارويك الاقتصادية 2023: 

الأردن صمد في مواجهات وتحديات كبرى دفاعا عن قيمه ويستحق من العالم الدعم والرعاية

على مجتمعاتنا والعالم مساعدة 100 مليون شاب وشابة عرب لتحقيق طموحاتهم وأحلامهم

نحتاج إلى خطة مارشال دولية للنهوض بالأردن والمنطقة

رغم التحديات ما زال الأردن بقيادة جلالة الملك يحمل مشعل الديمقراطية والتنوير في المنطقة

الأردن يسعى لتحقيق نموذج ديمقراطي حداثي يحتذى في المنطقة وعلى العالم واجب مساعدته

أزمات الإقليم أجبرت الأردن على مراكمة ما يعادل 250 عاما من المديونية في 10 سنوات

المواطن العربي يقارن: كيف هب العالم لنجدة أوكرانيا منذ اليوم الأول فيما يغض الطرف عن القضية الفلسطينة منذ عقود

شارك رئيس الوزراء الأسبق، رئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية المنتهية أعمالها، سمير الرفاعي في الدورة الثانية والعشرين لقمة وارويك الاقتصادية 2023 التي انعقدت على مدار 3 أيام في جامعة وارويك في مقاطعة كوفنتري بالمملكة المتحدة ضمن نخبة من أبرز القيادات السياسية والاقتصادية العالمية.

وفي جلسة رئيسية ضمن أعمال اليوم الثاني للقمة ألقى الرفاعي كلمة شخّص فيها الواقع السياسي والاقتصادي للأردن والمنطقة، وتحدث عن منظومة الإصلاح الشمولي السياسي والاقتصادي والإداري التي يقوم بها الأردن، وخاصة ما يتعلق بنتائج وأعمال اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية.

واستهل الرفاعي حديثه بتلخيص واقع التجربة السياسية والديمقراطية في المنطقة العربية وجذورها التاريخية وما آلت إليه اليوم، ثم تحدث الرفاعي عن التجربة الديمقراطية الأردنية منذ انتخاب البرلمان الأول في 1929 مرورا بمحطات التحديث والتطوير السياسي المختلفة وصولا إلى تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وما تمكنت من تحقيقه.

كما استعرض الرفاعي المسيرة التي تمثل إصرار الأردن وجلالة الملك عبدالله الثاني على التحديث والتطوير الشمولي رغم ما عصف بالأردن والمنطقة من أزمات وحروب متلاحقة، وموجات لجوء متتالية، وما خلفته من آثار اقتصادية سلبية كبيرة على الأردن، خاصة في العقد الأخير.

وتايا نص خطاب الرفاعي وما تلاه من مناقشات مع الحضور والمشاركين في قمة وارويك الاقتصادية:

"هذه زيارتي الأولى إلى جامعة وارويك وكنت أعتقد أن جامعة كامبريدج كانت مثالا للجامعات الجميلة وللطلاب المميزين، أما الآن فإنني آمل أن أتمكن من زيارتكم هنا مرات عديدة في المستقبل. 

إنه لشرف عظيم أن تتم دعوتي للمشاركة في قمة وارويك الاقتصادية لعام ٢٠٢٣. وأود أن أبدأ بتوجيه الشكر إلى كل من شارك في تنظيم هذا الحدث وعلى إتاحة الفرصة لي للتحدث إلى هذه المجموعة الرائعة من الأفراد الحاضرين معنا فعليا وافتراضيا. 

يجب أن أعترف أنني دائما أشعر بالتفاؤل عندما أتحدث إلى القادة الشباب المتحمسين، إن اندفاعكم وتصميمكم يجعلنا نرغب في إعادة تشكيل العالم ليكون مكانا أفضل وأعتقد أن الوقت قد حان وعليكم أنتم القيام بذلك.

هذه القمة ليست استعراضا للشخصيات من مختلف أنحاء العالم بل هي تجمع للعقول من جميع الأعمار لتشكيل مسارات جديدة نحو السلام والازدهار وعالم أفضل. إن جهود الشباب المذهلة في تنظيم هذه القمة تظهر إيمانكم العميق بالقيم، ولولا ذلك لما كنا هنا اليوم.

أثناء التحضير لهذه المناسبة والتفكير في واقع شبابنا في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا وجدت نفسي أعود مرارا وتكرارا إلى سؤالين: 

أولا: ما المطلوب لدفع منطقتنا إلى الأمام في ظل تطلعات وآمال أكثر من ١٠٠ مليون شاب وشابة عرب تتراوح أعمارهم بين ١٥ و ٢٩ سنة؟ 

ثانيا: كيف يمكن للعالم وخاصة البلدان التي تؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون أن تساعد في خلق مستقبل أكثر ازدهارا واستقرارا في منطقتنا والعالم؟ 

قبل أن نفكر في الإجابات المحتملة لهذه الأسئلة، دعونا نستعرض بعض الحقائق حول وطني الشرق الأوسط والذي أفتخر بتمثيله اليوم. 

لم تعرف الدول العربية أبدا النموذج الغربي للديمقراطية، لكن هذا لا يعني أن حياتنا تتعارض معها، لكننا لم نمر بثورة صناعية وليس لدينا إعلان استقلال أو وثيقة ماغنا كارتا، وعلى الرغم من أن الإسلام والمسيحية والديانات الأخرى ليست على خلاف مع الديمقراطية لكن لا زلنا لم نصل إلى الشكل المدني التام للدولة.

لقد احتلت الإمبراطورية العثمانية منطقتنا طوال ٥٠٠ عام وبعد انهيارها قسمت القوى الاستعمارية المنطقة لمدة ٥٠ عام أخرى، وعندما انتهى هذا الاستعمار وجدنا أن ما كان دولة واحدة واسعة أصبح العديد من الدول الأصغر بسبب اتفاقيات مثل سايكس بيكو وسان ريمو ومعاهدة لوزان، والآن أصبحنا نقاتل للدفاع عن هذه الحدود المصطنعة. 

انتهى الحلم العربي بدولة عربية موحدة وتلاشى نضال نسيجنا الثري من الهويات والثقافات الذي كان يسعى من أجل حقوقنا الموحدة، وانشغلت كل قطعة من هذا النسيج الممزق بنفسها والمحافظة على وجودها ومصالحها. 

الدول الثرية وذات الموارد الطبيعية أنفقوا على شعوبهم لكنهم أبعدوهم عن السياسة، دول أخرى حاولت تبنّي الديمقراطية وسعت إلى انتخاب قادتها لكن الذين وصلوا إلى السلطة تشبثوا بها، في بلدان أخرى كانت هناك ثورات و انقلابات عسكرية. 

لكنني فخور أن أقول أن الأردن رغم كل الصعاب حافظ على مسار ثابت من الاعتدال والتطور. 

الأردن بلد صغير المساحة وموارده محدودة جدا، حتى الماء يكاد لا يكون موجودا فنحن ثاني أفقر بلد في العالم من حيث المياه ومع ذلك لقد حافظنا على استقرارنا طوال المئة عام الماضية. 

الأردن مؤمن دائما بالقيم الحقيقية للديمقراطية وهو حليف وثيق للغرب، لدينا برلمان منتخب منذ عام 1921، وحصلت النساء على حق التصويب قبل بعض الدول الاوروبية، وكان لدينا حكومة برلمانية منذ عام 1956، لكن للأسف لم يدم هذا طويلا بسبب الاضطرابات في المنطقة التي كان علينا دائما دفع ثمنها. 

بعد ذلك، خسر الأردن الضفة الغربية في حرب ١٩٦٧، ثم جاءت حرب ١٩٧٣ واستمرت أزمات المنطقة بلا توقف. 

تولى جلالة الملك عبدالله الثاني العرش عام ١٩٩٩ وذلك بعد وفاة والده المغفور له الملك الحسين طيب الله ثراه، ولم تكن سنوات حكمه أسهل من سنوات حكم جلالة الملك الراحل ولا من سنوات تأسيس الأردن عام ١٩٢١.

حيث شهدت سنوات حكم الملك عبدالله الثاني انتفاضة الأقصى عام ٢٠٠٠، وهجمات الحادي عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١ و ما تلاها من حرب على الإرهاب، واحتلال العراق عام ٢٠٠٣، والحرب على القاعدة، و أحداث ٩-١١ الأردنية التي شهدت تفجيرات عمان عام ٢٠٠٥ والأزمة الاقتصادية العالمية عام ٢٠٠٧ والربيع العربي وتداعياته ابتداء من ٢٠١١ وصعود داعش عام ٢٠١٤ وحرب اليمن عام ٢٠١٥ والصراعات المباشرة و غير المباشرة بين دول منطقتنا التي لا تزال مستمرة حتى اليوم ثم وباء كورونا وأخيرا الحرب الروسية الأوكرانية. 

على الرغم من كل الذي سبق لم يستخدم الأردن هذه الأزمات كذريعة لتغيير اتجاهه، بقي الأردن ثابتا مصمما على العمل والنضال من أجل الحق والحفاظ على نهجه ومنجزاته. 

إن جلالة الملك مؤمن بضرورة تبني ديمقراطية مؤسسية راسخة وهو ما سعى إلى تحقيقة طوال الـ24 سنة الماضية من خلال العديد من المبادرات، للأسف معظم هذه المبادرات لم تنجح، ليس بسبب قلة العمل والمحتوى بل لأسباب مثل عدم كفاية عدد الأعضاء أو ضعف التمثيل السياسي والفكري والاجتماعي، وكانت بعض النتائج التي قدمت بحاجة إلى مزيد من التطوير قبل تطبيقها أو قوننتها، ومع ذلك فقد أرست هذه الخطوات السابقة أساسا متينا لإصلاحات أكبر ومن شأنها تعزيز حقوق الأفراد وتجذير العملية الديمقراطية والانتخابية.

في عام ٢٠٢١ أتيحت لنا فرصة للبناء على هذا الأساس، فتم تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية بموجب إرادة ملكية، وكان لي شرف رئاستها والعمل على تجاوز الأخطاء السابقة، لذلك فإن هذه اللجنة ضمت ٩٢ عضوا يمثلون مختلف الأطياف السياسية والأيديولوجية من الأكاديميين إلى نشطاء المجتمع المدني وكل الطيف السياسي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بما في ذلك الإسلاميون، وكان بها تمثيل كبير للشباب والمرأة، وفي الرسالة الملكية لتشكيل اللجنة ضمن جلالته أن الحكومة ستحيل نتائج عمل اللجنة إلى مجلس النواب دون تعديل، وكان ذلك قبل أن يعرف جلالته ماهية هذه النتائج.

أنهت اللجنة أعمالها في ٤ أشهر بنجاح، وأنتجت قانون الأحزاب السياسية وقانون الانتخابات وتعديلات دستورية تقدمية ضمنت مزيدا من تمكين المرأة والشباب، وتوصيات حول اللامركزية.

شيء آخر أراده جلالة الملك هو أن لا يتم التصويت على أي من مخرجات اللجنة بل أن يتم كل شيء بالتوافق. ويمكنكم أن تتخيلوا ما يعنيه ذلك عندما يكون لديك مختلف الأطياف السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وعليك كرئيس للجنة الوصول بهم إلى التوافق، وهذا ما حدث؛ واليوم تم إقرار هذه القوانين وتعديل الدستور. 

الاختبار الحقيقي اليوم هو هل مواطنونا وأحزابنا السياسية جاهزة؟ لدينا أحزاب منذ سنوات عديدة لكن ليس لدينا أحزاب برامجية، لكن قانون الأحزاب الجديد غير ذلك بالكامل، واليوم نأمل أن يتبنى كل حزب مجموعة من القضايا ويعمل على معالجة الإشكالات والتحديات المختلفة التي تواجهنا. 

وقد كان هناك مسألة ثالثة أرادها جلالة الملك، وهي خطة طويلة الأمد فقد كنا نأمل أن يكون في البرلمان القادم نسبة ٣٠٪ من التمثيل الحزبي، ثم نقيّم التجربة. لكن جلالته قال إذا بدأنا بنسبة ٣٠٪ ولم يكن هناك خطة فلن نتقدم أبعد من ذلك، لذلك في غضون عامين سيكون هنالك ٣٠٪ ثم ٥٠٪ وفي المرحلة الأخيرة ستكون ٦٥٪، كحد أدنى من المقاعد المضمونة للأحزاب السياسية. 

هذا الإصرار على الإصلاح يمثل تحديا لبلادنا خاصة أن المنطقة ودولها لديها توجه مختلف عن ذلك، وهناك تحد آخر يتمثل في الظروف الاقتصادية القاسية التي لا تجعل التنمية السياسية أولوية لدى المواطنين، بل وتفسح المجال أمام الشعبوية كتعبير عن الغضب ينعكس في صناديق الاقتراع. 

السؤال الآن، كدولة صغيرة ذات موارد محدودة للغاية لكنها لا تزال تؤمن بقيم العدالة والمساواة والديمقراطية وسيادة القانون وتريد أن تنشئ نموذجا مختلفا في وسط منطقة مضطربة، كيف يمكن تحقيق ذلك بينما المنطقة في حالة اضطراب والظروف الاقتصادية في البلاد سيئة، ومعظم ما نقوم به لا يتم استقباله بحماس من العديد من البلدان في منطقتنا؟

والسؤال أيضا، هل تلقينا دعما من أصدقائنا وحلفائنا؟ والجواب نعم، تلقينا الدعم، ولكن هل كان كافيا؟ للأسف لا!

هذا يقودنا إلى سؤال آخر.. هل العالم الغربي مهتم بالاستقرار والديمقراطية في الشرق الأوسط، أم فقط في أوروبا والولايات المتحدة؟ 

على الرغم من المنحة الديموغرافية المتمثلة في نسب الشباب في منطقتنا لكن وفقا لأحدث مسح للأمم المتحدة صدر في ديسمبر ٢٠٢٢ سجلت المنطقة العربية معدل بطالة بنسبة ١٢٪ وهو أعلى معدل في العالم، ولعل المأساة هي أنه وفقا لإحصائيات منظمة العمل الدولية فإن أعلى معدلات البطالة هي بين الشباب في سن الدخول إلى سوق العمل حيث تصل الى ٢٤.٨٪ ، بينما وصلت نسبة بطالة الشباب في الأردن إلى أكثر من ٤٠٪. 

ولا يزال علينا ترقب الآثار العميقة التي وقعت على الشباب نتيجة الموت والدمار في منطقتنا طوال العقد الماضي في البلدان التي مزقتها الحروب، إذا لم يشارك مواطنونا بشكل فاعل في بناء الاقتصاد فلن يشاركوا بفاعلية كأفراد منتجين في مجتمعنا بما في ذلك في العملية الديمقراطية وسنجد أنهم سيتحولون إلى قنابل موقوتة من اليأس والغضب والإحباط. 

وأطرح مثالا على ذلك، عندما تم إنشاء اللجنة قمنا بقياس قبول الناس لما يحدث، وكانت النتيجة أنه بين سن ١٨ إلى ٢٤ كانت هناك موافقة وقبول بنسبة ٦٦٪، أما من سن ٢٥ إلى ٢٨ فانخفضت النسبة إلى ٣٠٪ ، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية السيئة وعدم تمكن الشباب من العثور على عمل.

لقد استقبل الأردن موجات كبيرة من اللاجئين، لقد فتحنا أبوابنا للاجئين الفلسطينيين بين عامي ١٩٤٨ و ١٩٦٧وكذلك السوريين واللبنانيين والعراقيين، ويستضيف الأردن لاجئين من ٥٣ جنسية بمن فيهم جنسيات أوروبية، وفقا للإحصاءات هناك حوالي ٣.٧ مليون لاجئ يقيمون في الأردن بينما يبلغ عدد المواطنين حوالي ٧.٥ مليون أي أن واحد من كل ثلاثة أشخاص في الأردن يحمل صفة لاجئ.

تخيل للحظة إذا كان واحد من كل ثلاثة أشخاص في بلدك لاجئا، وتخيل انعكاسات ذلك على التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تخيل للحظة عندما يكون في غرفة الصف ٢٠ طالبا وفجأة يصبحون ٨٠ طالبا في الغرفة الصفية، وذلك لأننا نعامل اللاجئين كما نعامل أنفسنا.

إن الأردن يدفع هذه الفاتورة بصمت نيابة عن العالم منذ عام 1926 لكن ما نحصل عليه من مساعدات لا يتجاوز ٢ مليار دولار سنويا في ذروته، في حين أن تكلفة إطعام اللاجئين في مخيم الزعتري، وهو واحد من ثلاثة مخيمات للاجئين السوريين في الأردن، وصلت إلى ١٤ مليون دولار يوميا، فيما لم يغطي التمويل الدولي لخطة الاستجابة للأزمة السورية سوى ٢١% فقط من إجمالي الاحتياجات.

لقد اتحد العالم لبضع سنوات ثم انتقل إلى أولويات مختلفة.

لكن ما رأيناه خلال الأسبوع الماضي من الدعم لتركيا وسوريا بغض النظر عن السياسة يعطي بارقة أمل في أنه يمكننا النظر إلى الأمور بشكل إيجابي ودعم البلدان التي تمر بأزمة دون النظر الى التداعيات السياسية.

إنني آمل أن يكون هذا طريقا جديدا ينتهجه عالمنا، وليس مجرد استجابة لحظية أخرى لأزمة أخرى ثم ننتقل إلى ما بعدها.

اليوم يرى الأردنيون مئات المليارات من الدولارات تذهب إلى أوكرانيا، ويرون العالم يفتح كل الابواب أمام اللاجئين الأوكرانيين، ولا يسعهم إلا التساؤل: هل هناك ثمن لحياة الانسان؟ هل تتغير قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان لأن بلدا ما بعيد أو لأنه ينتمي لقارة مختلفة.

بالطبع نحن لا نقلل من حجم الفظائع التي حدثت في أوكرانيا، لكن السؤال -وهنا لا بد أن أؤكد مسبقا أننا جميعا نؤيد أن أي استيلاء على أي أرض بالقوة هو أمر غير قانوني ويدينه القانون الدولي ونحن نحترم الاستجابة السريعة التي حدثت في أوكرانيا- لكن السؤال هو: لماذا لم يحدث هذا في فلسطين طوال الخمسين عاما الماضية؟

هذا ما يشعر به مواطنونا ويتساءلون، هل نحن جميعا مواطنون في قرية عالمية حقا؟ أم أننا لا نتتمي إلى بقية العالم.

للأسف إذا نظرت إلى ما يحدث في العالم اليوم فإن هناك ستارة حديدية تتحرك باتجاه الشرق، وبعض الدول تتحرك معها، وعلينا أن نكون حذرين حول ما قد يؤول إليه العالم في المستقبل.

أليس علينا واجب تجاه الديمقراطيات الناشئة بأن نضمن لها فرصة الازدهار، بدلا من التساؤل الذي يدور في بلادنا حول كيف تحمي بعض القوى أصدقاءها أكثر مما يفعل الغرب لأصدقائه؟؟ لقد أصبح هذا حديث المواطن العادي في كثير من دول العالم.

تشير الأدلة العلمية إلى أنه حتى في ظل أفضل الظروف بما في ذلك النمو الاقتصادي المطرد وغياب الصراع الداخلي أو الاقليمي فإن الشروع في إصلاحات هيكلية لبناء دولة حديثة واقتصاد تنافسي هو في أفضل الأحوال مسعى يمتد لعقد من الزمان.

إن من الواضح أن هذه الظروف المواتية غير موجودة في منطقتنا اليوم كما أننا لا نملك شبكات الأمان والدعم التي قدمها الغرب لأوروبا الشرقية بعد انهيار الشيوعية.

إن حل مشكلة الأردن وضمان استدامة ما نحاول القيام به من نموذج من الديمقراطية في المنطقة، يتطلب خطة شمولية مثل خطة مارشال، ويجب أن تدعمها الدول التي تؤمن بهذه القيم، ولكن ليس كل الدول تفعل ذلك.

في الأردن يتم إنفاق غالبية الميزانية السنوية للحكومة على الرواتب والمعاشات التقاعدية والإعانات مما يترك القليل للمشاريع والبرامج التنموية، لكن هذا ما يجب أن يتغير لأنه قبل مساعدة الآخرين نحتاج لمساعدة أنفسنا .

وبالتالي وبالتوازي مع عملية الإصلاح السياسي أطلق الأردن أيضا خططا لإصلاح الاقتصاد والقطاع العام ونأمل أن نصل بموجب هذه الخطط إلى حكومة رشيقة، وإيجاد مليون فرصة عمل خلال العقد القادم، لكن هذا يحتاج إلى نظام دعم دولي لإتاحة الفرصة لشبابنا لمحو ذلك الرقم الذي يقول بفقدان الأمل في عمر ٢٤ عاما.

نأمل أنه مع تحسين بيئة الأعمال وانطلاق العملية السياسية وانتهاء البيروقراطية أننا سنكون قادرين على أن نكون مثالا مشرقا لما يمكن القيام به في منطقتنا من العالم.

إنه من المحزن أن تنظر إلى الدول الأوروبية التي تختلف عن بعضها البعض في اللغة والثقافة وبعضها بينه تاريخ طويل من الحروب، ثم كيف أصبحت اليوم مثالا للوحدة ومنارة لحقوق الإنسان في العالم، لأن هذا يعني بالتأكيد أن العرب مع تاريخهم وحضارتهم المشتركين قادرون على فعل الشيء نفسه إذا أتيحت لهم الفرصة.

ببساطة نحن نستحق أفضل مما نحن فيه اليوم وما بدأه الأردن هو ما يستحقه مواطنونا، لكن للاسف فإن هذا النهج لا يرضي الجميع. 

لذلك فالدعم من البلدان التي تؤمن بهذه القيم أمر ضروري، ومع إدراكي صعوبة طلب الدعم من الدول التي تمر اليوم بظروف صعبة مثل أوروبا والولايات المتحدة، وأتفهم الضغط الذي قد يمارسه مواطنوها على حكوماتهم فيما يتعلق بمساعدة دول بعيدة عنهم.

لكن مرة أخرى يجب أن اؤكد أنه لا وجود في العالم اليوم لشيء إسمه دولة بعيدة، وقد أثبت لنا التاريخ طوال القرن الماضي أن المصاعب التي تحملتها أوروبا والولايات المتحدة ودول أخرى كان من الممكن تجنبها لو لم يغض السياسيون الطرف وظنوا أن ما يحدث في مكان بعيد من العالم لن يؤثر عليهم.

في الختام اسمحوا لي أن أتقدم ببعض النصائح.. 

أيها القادة الشباب الذين يستحقون عالما أفضل، يجب أن تشكلوا المستقبل لكم ولأطفالكم ويجب أن تصنعوا العالم الذي فشلنا في صنعه، ويجب أن تدعموا وتشاركوا ليس فقط في القضايا المحلية ولكن أيضا في القضايا الدولية التي تمثل قيمكم.

تحدثوا بصدق وصراحة وتولوا زمام القيادة واعملوا بشكل أفضل مما فعلنا نحن.

مرة أخرى اسمحوا لي أن أشكركم على منحي الشرف بوجودي بينكم اليوم وأتطلع إلى مناقشتنا التالية".

كما تبع الخطاب مناقشات أجاب خلالها الرفاعي على عدد من أسئلة الحضور والمشاركين في قمة وارويك الاقتصادية 2023

"برأيك كيف استطاع الأردن أن يستضيف ويدمج اللاجئين في المجتمع رغم موارده المحدودة؟

بصعوبة بالغة، لكن مع الإيمان بأن هذا هو التصرف الأخلاقي الذي علينا القيام به، وهنا لا بد أن أكرر أننا ثاني أفقر دولة في العالم في المياه، ولك أن تتخيل أن هذه الدولة تستضيف 3.7 مليون لاجئ لم نكن نخطط لاستقبالهم وحجم تأثير ذلك على البنى التحتية والمدارس والمستشفيات وكل ما يرافق ذلك من تكاليف.

منذ نشأة الأردن في 1921 وحتى مغادرتي موقع رئاسة الوزراء كان مجموع المديونية الأردنية هو 15 مليار دولار تراكمت على امتداد 90 عاما من عمر الدولة أما اليوم وخلال السنوات العشر الأخيرة تضاعفت المديوينة من 15 مليار إلى 50 مليار دولار، بزيادة 35 مليار، أي أننا راكمنا ما يعادل 250 عاما من الدين خلال 10 سنوات، هذا كان بسبب ظروف الإقليم، وللأسف عندما تنظر الى إقليمنا تجد أنه يسهل على البعض أن يقول سوف أحاصر هذه الدولة وأفرض عقوبات على تلك الدولة متناسين أن هؤلاء جميعا هم جيراننا، فيصبح السؤال ماذا سنفعل الآن مع اللاجئين السوريين مثلا؟ 

يجب أن نجد حلولا لهذه الأزمات، لا يجوز الإبقاء على بؤر التأزم في منطقتنا لأنها عاجلا أو آجلا ستسحب جيرانها إلى دوامة الأزمة سواء كان ذلك في اليمن أو سوريا أو لبنان أو ليبيا، كلها دول تحولت إلى بؤر للأزمات اليوم ولا يمكننا القول أننا سنتجاهل وضعهم ولن نتعامل معهم، لأننا إن فعلنا ذلك فهناك قوى أخرى فاعلة في المنطقة مثل روسيا والصين، ودول مستعدة لخوض الحروب فقط لأن الغرب لا يريد التدخل في إنهاء صراعات الإقليم ولا يسمح لغيره أن يساعد في ذلك أيضا.

نعم هناك مبادئ وقواعد وأمور مقبولة وأخرى غير مقبولة لكنني أؤمن أيضا أنه لا يجوز أن نترك بعض الدول تدفع ثمن هذه الأزمات فقط بسبب موقعها الجغرافي.

بخصوص الأعداد الكبيرة من اللاجئين الذين يتوافدون إلى الأردن، هل هناك أي منطق اقتصادي وراء ذلك؟ مثلا هل يزيد اللاجئون من القدرات الانتاجية للاقتصاد؟

للأسف لا، فالسبب الذي يدفع اللاجئين للقدوم إلى الأردن ليس قرارا أردنيا باستجلابهم، بل هو رد فعل على ما يرزحون تحته من معاناة في بلادهم، وبالتالي فالسماح لهم بدخول الأراضي الأردنية هو قرار أخلاقي، وبالطبع فكلفة ذلك ضخمة جدا على الأردن.

نحن نتمنى أن تحل القضية الفلسطينية وأن تستقر المنطقة ليعود جميع اللاجئين إلى بلدانهم سواء الفلسطينيون أو السوريون أو العراقيون أو اليمنيون، وهنا أذكّر أننا نستضيف لاجئين من 53 جنسية.

الأردن محدود الموارد جدا وبالتالي هناك محدودية كبيرة في فرص العمل، وفرص العمل التي لدينا يفترض أن تكون للأردنيين، نتمنى أن يكون المستقبل أكثر ازدهارا وأن ينتج الاقتصاد فرص عمل ويصبح الأردن مستقطبا للعمالة، لكن هذا يحتاج أن تتحرك عجلة الاقتصاد ولذلك نحتاج أن تستقر المنطقة.

كيف تنظر إلى الاحتجاجات الشعبية الأخيرة في إيران؟ وبرأيك كيف يجب أن يتصرف المجتمع الدولي حيالها؟

أظن أن التدخل في الشؤون الداخلية للدول ليس أمرا صائبا وقد رأينا نتائج ذلك في العراق وأفغانستان وغيرها، لذلك أظن أنه قبل أي تدخل يجب دراسة تبعات ذلك على هذه الدولة على المدى الطويل، لكن هذه التظاهرات هي مؤشر واضح أن جزءا كبيرا من الشعب في إيران غير راضون عن ما يجري في بلادهم، وكما أنه لا يجوز لبعض الدول أن تتدخل في الشؤون الداخلية لغيرها فإن على إيران بدورها عدم التدخل بالشؤون الداخلية للآخرين، فعندما تقوم بالتدخل عليك أن تتوقع أن هناك من سيتدخل بشؤونك.

لكن لا بد من الإشارة هنا أن أي نظام سياسي مستعد لإراقة دماء أبناء شعبه ستكون إزاحته أصعب كثيرا من النظام الذي لن يفعل ذلك.

لذلك آمل أن يمكننا إيجاد حلول لهذه الأزمات في إطار منطقتنا، ولنتذكر أن إيران لاعب على الساحات العراقية والسورية واللبنانية واليمينة.

يجب الوصول إلى حلول توافقية لأن التعاطي مع الأمور بمنطق أن ربح أحد الأطراف يجب أن يعني خسارة الطرف الآخر هو أمر غير واقعي أحيانا، لذلك علينا إيجاد وسائل للتوافق على حلول مقبولة لجميع الأطراف، وإذا لم ينجح ذلك فهناك القنوات الدولية مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن التي يمكنها فرض الشرعية الدولية، شريطة أن يتم ذلك بطريقة تظهر قوة وجدية القرار الأممي، فلو نظرنا إلى القرار الأممي 242 الذي تم اتخاذه في أعقاب الاحتلال الاسرائيلي في العام 1967 سنجد أنه حتى الآن مجرد قرار لم يتم تطبيقه وبالتالي فهو مثال على عدم احترام القرارات الدولية.

تاريخيا تنظر الدول إلى اللاجئين كعبئ ومشكلة لكن مؤخرا ظهرت آراء تقول أنه يجب النظر إليهم كمورد ومحرك اقتصادي يمكن الاستفادة منه عبر مساعدتهم على تغيير حياتهم نحو الأفضل، فهل هناك ما يكن للأردن أن يقدمه في هذا الإطار؟

الإجابة ستكون من شقين، أولا يجب حل القضية الفلسطينية ويجب أن يكون حل الدولتين هو النتيجة النهائية لهذا الصراع، بعد ذلك يمكن لهؤلاء اللاجئين أن يكون لديهم حق تقرير المصير وهل يريدون العودة إلى وطنهم أم الاستمرار في الدول المستضيفة كمقيمين فاعلين يتمتعون بالحقوق المدنية.

فيما يخص الأزمة السورية يجب حل هذه الأزمة، فمن غير المنطقي أن 5 ملايين لاجئ سوري موزعين بين الأردن وتركيا ليس لديهم الخيار للعودة إلى وطنهم.

لكن بالطبع أؤمن أن وجود أي إنسان موهوب سواء كان لاجئا أو عمالة وافدة هو أمر إيجابي إذا كان الاقتصاد قادرا على توظيف مواهبه، لكن اقتصادنا اليوم غير قادر على ذلك وعندما يحصل اللاجئ أو الوافد على عمل في الأردن فهو يأخذ فرصة الأردني في هذا العمل.

لذلك ولنستطيع القيام بهذا الدور نحتاج خطة شبيهة بخطة مارشال.

ألا يرى العالم أن تراكم المديونية في الأردن سببه أننا ندفع ضريبة قرارات لم نتخذها؟ 

على العالم أن يعترف أن الأردن دولة تملك المقومات والقدرات والرغبة في أن تصبح منارة للأمل ولما يجب أن يصبح عليه الشرق الأوسط بأكمله

وأطرح مثالا: فعندما كنت رئيسا للوزراء كنت أتحدث مع شخصية دولية عن دور الذي يجب أن يضطلع به الأمريكيون والأوربيون، فقال لي: إن ملك الأردن هو حفيد مباشر للنبي (عليه الصلاة والسلام) وبالتالي فلديه أكبر شرعية دينية، وبلدكم ترتبط بمعاهدة سلام مع إسرائيل وأنتم أقرب حليف للغرب وشركاء في الحرب على الإرهاب، وأنتم تعملون على التحديث الديمقراطي والتطوير، لكن بصراحة عندما ننظر إلى منطقتكم لا نرى إمكانية للوصول للأفضل، لذلك سنبقى من جانبنا نهتم بشؤوننا وعليكم الاهتمام بشؤونكم.

لذلك للإجابة على سؤالك: حتى نستطيع فعل ما تحدثت عنه تجاه اللاجئين نحتاج إلى خطة تساعدنا على إيجاد المكونات التي يحتاجها الأردن ليزدهر ثم يصبح بإمكانه استيعاب مواهب جديدة.

ففي ظل الوضع الحالي حتى لو كان لديك أشخاص ذوي مواهب كبيرة لا يمكننا توظيف مواهبهم خاصة أن معظم موارد الدولة تنفق على الرواتب والتقاعدات بينما يبقى جزء بسيط جدا للمشاريع والبنى التحتية وهي مشكلة يجب حلها. والدول الأخرى في منطقتنا منشغلة بخططها الخاصة للتطوير ولا تسعى كثيرا إلى مساعدة الآخرين، وما نقوم به يشكل نهجا مختلفا عما يسعى له الآخرون في منطقتنا، لذلك أقول أنه يجب أن نتناسى المفاهيم والمحددات الجغرافية وننظر إلى القيم وندعم هذه القيم

هل تظن أن الغرب لديه اهتمام حقيقي بالشرق الأوسط؟

نعم لديه اهتمام حقيقي، لكن السؤال هو ما هدف هذا الاهتمام؟ هل هو استغلال مواردنا الطبيعية؟ أم هو تنمية القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان؟

نحن نتمنى أن يكون الاهتمام ليس منصبا على استغلال الموارد الطبيعية فقط ونتمنى أن تتم ترجمة ذلك بالأفعال لا بالأقوال فقط، فنحن في الأردن لا نقوم بهذه الأدوار لأننا لا نؤمن بها أو نستغلها، على العكس نحن نقوم بذلك من إيمان مطلق، فالأردن كبلد يستضيف 3.7 مليون لاجئ يقوم بذلك لأنه يؤمن أن ذلك قرار أخلاقي بغض النظر عن سلبياته وإيجابيته، وما يريده جلالة الملك للأردن في مئويته الثانية هو كيف نحدّث منظومتنا السياسية والاقتصادية والإدارية حتى نصبح مثالا مشرقا، لكن هذا يحتاج الى الدعم، فمجموع المساعدات الدولية التي نحصل عليها وهي قرابة 1.7 مليار دولار سنويا لا تعادل كلفة صيانة حاملة طائرات واحدة في السنة هذا دون احتساب أثمان الأسلحة والذخائر.

وهو ما يدفع بعضنا للتفكير أحيانا هل تحمل عبئ القيام بما هو أخلاقي أقل قيمة من كلفة صيانة حاملة طائرات؟ 

صحيح أننا نأمل أن يأتي اليوم الذي لا يحتاج فيه عالمنا إلى كل هذه الأسلحة لكن ذلك سيستغرق وقتا طويلا.

لكن هناك أمل، فعندما حشدت أوروبا جهود العالم لدعم أوكرانيا كان ذلك لإيمانها بعدالة هذه القضية، لكن هناك تناقضا كبيرا بين ما رأيناه من رد فعل أوروبي وأمريكي تجاه أوكرانيا وما نراه من إهمال الجراح النازفة في منطقتنا، الأردن يقدر عاليا الدعم الذي يحصل عليه من أصدقائه وحلفائه لكنه ليس إلا نقطة من بحر ما نحتاجه فعلا للإصلاح الهيكلي الحقيقي الذي سيحدث في الشرق الأوسط ككل عندما ينجح الأردن في بناء نموذجه، وينظر إليه الجيران ويقولوا هذا ما نريد أن نصل إليه."

يذكر أن قمة وارويك الاقتصادية هي حدث منتظم منذ العام 2000 وتبحث في قضايا الاقتصاد والسياسة والإعلام، وكانت جلالة الملكة رانيا العبدالله قد شاركت في قمة وارويك في العام 2021، فيما ضمت قائمة المتحدثين الرئيسيين لهذا العام إلى جانب الرفاعي شخصيات عدة منها: د. إدموند فيلبس الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، د. بيتر دايموند الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، د. محمد البرادعي الحائز على جائزة نوبل للسلام ومدير وكالة الطاقة الذرية الدولية الأسبق، تاريا هالونن رئيسة جمهورية فنلندا السابقة، سارا كوغونجيلوا أمادهيلا رئيسة وزراء ناميبيا، جلالة الملك ليتسي الثالث ملك ليسوتو، هنرييتا فور المديرة التنفيذية السابقة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، إيجناسيو فيسكو محافظ البنك المركزي الإيطالي، وبابلو هيرنانديز دي كوس محافظ البنك المركزي الإسباني.

 

 

أضف تعليقك