الدولة... راعية مصالح المحتكرين!
تم الاسبوع الماضي خلال احتفال لشركة الاتصالات الاردنية توزيع ما نسبته 100% من ارباحها على المساهمين، وهي أرباح حققتها الشركة العام الماضي على عملياتها، بعد ذلك قررت الحكومة التدخل لحماية صناعة الحديد بفرض رسوم جديدة على المستوردات، فما هي العلاقة بين الاتصالات والحديد؟! كلا القطاعين يعتبران من القطاعات ذات الصبغة الاحتكارية، الأولى تنفرد في السوق، والقطاع الثاني يتميز بهيمنة عدد من الشركات على أكثر من 80 في المائة من الإنتاج والاستيراد.
"احتكار القلة" كما هو متعارف عليه في الأدبيات الاقتصادية سمة مميزة للعديد من القطاعات في الاردن، وهذا الكلام ليس انطباعيا، بل مبني على عدد من الدراسات المفصلة التي نفذتها مديرة المنافسة في وزراة الصناعة والتجارة على مدى الأعوام القليلة الماضية.
وليس المطلوب تفكيك تلك الاحتكارات، أو محاربة الشركات العاملة في تلك القطاعات، بل هناك، انسجام مع فلسفة الاقتصاد الحر، إجراءات يمكن اتخاذها لتسهيل الدخول الى تلك القطاعات لتعزيز حالة المنافسة، ويمكن للدولة أن تقدم حوافز لمن يرغب في الدخول الى تلك القطاعات، الى جانب ذلك هناك حاجة لإجراءات رقابية تضمن تحقيق "المصلحة العامة".
فكيف تعمل الدولة على تحقيق تلك المصلحة المزعومة؛ في حالة الحديد كان التدخل لحماية "الإنتاج الوطني"، وهذا تدخل لحماية فئة معينة على حساب المستهلك الذي لا يجد من يدافع عنه أمام "احتكار القلة"، والأمر لم يقف عند هذا الحد، بل إن الدولة تتدخل بشكل غير مبرر في ظل تبني سياسات حرة، وهذا يكشف التناقض في السياسات المجتزأة التي نطبقها، فإذا كنا مع الاقتصاد الحر؛ لماذا لا ندع سياسات السوق تأخذ مداها، والمجادلة بضرورة التدخل أحيانا لها مبرراتها التي نعيها، لكن الانتقائية في التطبيق هي التي تخلق التشوهات التي نسعى لعلاجها منذ سنوات.
وإلى هنا نكتفي بالحديث عن الحديد، فماذا عن الاتصالات التي تحقق أرباحا طائلة، وراكمت احتياطيا وصل الى 300 مليون دينار على مدى الأعوام القليلة الماضية، هل لنا أن نتساءل عن الخدمات التي تقدمها الشركة، ما هي الاستثمارات الجديدة فيما يخص خدمات الانترنت، وهل تعتبر نسبة الاشتراك في الانترنت مقبولة عند مستواها الحالي، وهل يعقل أن تكون تسعيرة هذه الخدمة أعلى مما هي عليه في الولايات المتحدة، ولماذا تعتبر هذه الخدمة مقتصرة على المراكز الحضرية، وما حجم الاستثمارات المطلوبة في البنية التحتية، وهل استثمار جزء من الاحتياطيات يعتبر سلبيا، وما دور الدولة في وضع قيود وتحديد شروط العمل خلال الخمس سنوات المقبلة؟.
كلها تساؤلات مشروعة في ظل التسارع التكنولوجي، فرغم وجود هيئة لتنظيم القطاع، والتي يفترض أن تدافع عن المستهلك والمصلحة العامة، إلا أن هذه الهيئات تكتفي برسم ملامح عامة، ومرة أخرى يختلط الأمر علينا بين قطاع خاص يعمل وفق قواعد السوق، ودولة شبه غائبة، فتخصيص القطاع رفع من مستوى الأداء ولا شك، ولكن هل الارباح المتحققة في ظل سيادة الاحتكار لها ما يبررها؟.
ويمكن لنا سرد أمثلة كثيرة أخرى تظهر أن تعريف المصلحة العامة بات يعرف من منظار ضيق، وليست هناك مشاركة شعبية فاعلة في تحديد هذا المفهوم المبهم، والدولة الراعية، باتت ترى أن رعاية مصالح المحتكرين هي ضمن الأولويات، والمفارقة أن "القلة" المنتجة والمحتكرة قادرة على تعريف مصالحها وبالتالي الدفاع عنها، في حين أن مصالح المستهلكين على اتساعها لن تجد من يتصدى للدفاع عنها، إذا لا توجد حوافز جماعية ولا يوجد جهد لأي شكل من أشكال العمل الجماعي الذي يمكن ان يحقق التوازن بين السوق والمستهلك، والحال كذلك ستستمر الشركات بالترويج لخدماتها وتحقيق الارباح دون إحداث نقلة نوعية في الخدمات تبرر تحقيق تلك الارباح التي يبدو أن لا علاقة لها بالأزمة المالية العالمية وتداعياتها، فالمحتكر قادر على تحديد هامش الربح الذي يريد برعاية رسمية.











































