"الدعوة عامة للرجال والنساء والأطفال"
"الدعوة عامة للرجال والنساء "والأطفال"..كانت هذه العبارة غير مسبوقة في دعوتها للأطفال علانية للمشاركة في اعتصام نفذه حزب جبهة العمل الإسلامي السبت الماضي للتضامن مع غزة..
دعوة الأطفال للمشاركة بشكل خاص كانت السبب الأقوى لتغطية الحدث الذي كان في الساعة الثانية ظهراً، وعندما وصلت إلى المكان كانت الأجواء اعتيادية كما في كل حدث يحمل ذات الطابع.
..تحت شمس الظهيرة سمعت صيحات النساء اللواتي لم أستطع التحدث معهن!، وأطفالٌ سمر وحمر البشرة يحاولون محاكاة ذويهم.
اقتربت من الأطفال أكثر فكانت هذه بعض من هتافاتهم "فليعد للدين مجده أو ترق منا الدماء..الجهاد غايتنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا".
الطبيب النفسي محمد الحباشنة بين أن الطفولة السليمة يجب أن تحمل معها معنى "الأمان" تجاه العالم دون تشويه لبراءة الطفولة بعبارات العنف والإيذاء "العنف بأشكاله فوق التصور الطبيعي والمنحى التطوري المعرفي للطفل..فهو يستقي هذه العبارات والأفكار من الآخرين دون قناعة".
ويرى الحباشنة أن الأطفال يجب أن يعيشوا الواقع وأن يكونوا جزءاً منه ولكن بعيداً عن أدوات العنف "أن يكون الطفل جزءاً من الصراع هو تلويث للطفولة..نحن ننمي فيهم الأخلاق والمبادئ والمعرفة وعندما يكبرون يختارون الطريقة المناسبة للتعبير".
الطفل عمران ذو السبعة أعوام يشعر بالسعادة لوقوفه بجانب أهل غزة "مش حاس بالعطش أو التعب من الشوب، أنا لازم آجي عشان حصار الإسرائيليين لغزة".
ويردد الطفل إبراهيم ذو التسعة أعوام وراء قائد الاعتصام، ولكن براءته جعلته يردد بشكل عكسي "يا مسلم فجر فجر..جيش اليهود يكّبر".
أما أُبي، 13 عاماً، فقد جاء من بيته البعيد وحيداً للمشاركة في الاعتصام "هو الجو غبرة بس معلش احنا فدا أهل غزة، وبدنا نفرجي اليهود انو احنا مش ساكتين".
في المجمل ينساق الأطفال في خضم الأجواء الانفعالية فيها بطريقة غير مباشرة، ولكن في الغالب ما يتم توجيهم في هذه الفعاليات فيرددون ما لذ وطاب من هتافات المشاركين أو ما يملى عليهم من الدخلاء.
أحد الإعلاميين التابعين للحزب، يحمل بيده المايكريفون وبصحبته رجل الكاميرا، تقدم من الأطفال بخطوات واثقة تنم عن خبرة طويلة وقال لهم "احكوا: إحنا ضد الحصار المفروض على غزة، وجينا نتضامن معهم" فردد الأطفال ورائه كما تؤكد السلوكية.
خالد الرنتاوي، أب لثلاثة أطفال، يؤمن بمشاركة الأطفال في المسيرات والاعتصامات كونهم جزء من هذا الواقع "أعتقد أن مشاركة الأطفال مهمة في الاعتصامات ليدركوا ما يجري من حولهم بداية، ولأني مقتنع بجدواها"
ويضيف الرنتاوي قائلاً "الواقع الذي نعيشه فرض علينا هذه المواجهة، وسيفرضها على أطفالنا في المستقبل..والهتافات التي تردد في المسيرات من قتل أو استشهاد أو.. هي وليدة المشاهد التي يرونها دائماً على شاشات التلفزة".
من وجهة نظر علم الاجتماع يرى المحلل الاجتماعي مجدي الدين خمش أن مشاركة الأطفال في هذه المسيرات تؤثر سلباً على مشاعرهم وطفولتهم "الأحزاب تستغل الأطفال الذين لا يعلمون شيئاً عن السياسة، وذلك ربما يكون لزيادة عدد المشاركين".
بالمقابل يبرر خمش مشاركة الأطفال في الفعاليات الاجتماعية ولكن بعيداً عن السياسة، بل ويعتبرها" نوع من التدريب على الخدمة الاجتماعية وتعزيز مفهوم المشاركة لديهم" في إشارة إلى المسيرات المنددة بحوادث السير أو للتوعية بمخاطر المخدرات أو مرض ما أو غيرها.
أمين عام حزب حشد أحمد يوسف يؤكد أن مشاركة الأطفال في المسيرات التي ينظمها الحزب تعتمد على معايير محددة "يجب أن يكون المكان والزمان ونوع المسيرة مناسباً، أنا مع أن يعبر الطفل عن تضامنه أو تنديده بما يحدث ولكن ليس بالهتافات التي تعلم أطفالنا العنف".
ولكن ما قيل لا يتفق مع ما نراه في الفعاليات الحزبية المختلفة إذ أن استخدام الأطفال في المسيرات لا يقتصر على حزب دون غيره، ولكن الدعوة للأطفال بشكل مباشر لم توجه بصورة مباشرة كما هو الحال في دعوة حزب الجبهة.
ولكن انطلاقاً مما يحدث على أرض الواقع قلما يلتزم المشاركون بهذه الفعاليات بالتعليمات التي تحدث عنها خمش -إن وجدت-بعدم استخدام العبارات العنيفة؛ فيفقد منظمو هذه الفعاليات والمسيرات السيطرة على سير الفعالية فتصبغ مطالبهم المشروعة بصبغة سلبية بصور الأطفال المرددين لعبارات عنيفة ودموية في الغالب.
حزب جبهة العمل الإسلامي كان قد خرج في مسيرة للتنديد بالرسوم المسيئة للرسول، إلا أن جزءاً ملحوظاً من المسيرة اعتمد على أطفال مدارس دار الأرقم، ولم يبدو الأمر عفويا كما خطط له بل اختلطت عفوية التعبير عن غضب مشروع بالاعتماد على أطفال المدارس.
صحيح إن تفعيل المشاركة ورفع مستوى الوعي لدى الأطفال، وحثهم على أن يكونوا نواة لجيل واع ومنتج من خلال تفاعلهم بما يحيط بهم هي غاية مشروعة وواجبة، إلا أنه من الضرورة الانتباه بجدية وإنسانية لجميع الطرق التي تسلك للوصول إليها.