الدعم الدولي لخلق فرص عمل للاجئين السوريين في الأردن تعرقله قوانين الاستثمار (بيانات)

المجتمع الدولي لن ينفق المليارات من الاستثمارات بغياب البيئة المناسبة للنجاح.

ربما كانت ريم الحسان مصيبة في قرارها بدخول الأردن عبر الحدود بطريقة شرعية في الـ 23 من نيسان عام  2013 كان قرابة 203 آلاف لاجئ سوري ممن عبروا الحدود بشكل غير شرعي، محشورين في 5 كيلومترات مربعة من الأرض وسط البادية الأردنية الشمالية في ما يسمى الآن مخيم الزعتري، ويعتمدون في غالب الأوقات على المساعدات الأممية للبقاء على قيد الحياة.

 

عندما وصلت الحسان عام 2013 إلى الأردن هاربة من مدينتها دمشق بسبب الحرب الدائرة هناك، كان اللاجئون السوريون يتدفقون إلى البلاد بأعداد كبيرة يومياً. تتذكر الحسان الساعات الخمس التي مرت عليها لعبور الحدود الأردنية، أعداد غفيرة من السوريين تجمعوا في المنطقة المحايدة لمعبر جابر نصيب بانتظار السماح لهم بالوصول إلى بر الأمان.

 

مسلحة بمهنتها كمعلمة رسم ولإجادتها فنون التصميم الجرافيكي المطلوبة في أي سوق عمل، بدأت الحسان حياة جديدة في الأردن، لعل أهم ما فيها هو منح طفليها ذوي الـ 10 و 5 أعوام حياة كريمة وتعليماً مناسباً بغياب والدهما بعيداً عن الحرب في الوطن.

 

أمهات يجررن أطفالهن، وأباء يحملون أطفالهم الرضع، بعضهم ينتظر السماح له بالدخول منذ عدة أيام. فأمام هذا العدد الهائل من اللاجئين السوريين، كانت السلطات الأردنية تسمح لأعداد قليلة فقط بدخول البلاد يوميا.



 

الأردن ليس وحيداً في تحمل أعباء اللجوء السوري.

حال ريم الحسان كحال 670 ألفا آخرين من اللاجئين السوريين مسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأردن، وتؤكد الحكومة الأردنية أن 750 ألفا من السوريين كانوا يقيمون في الأردن قبل بدء الحرب في بلادهم ليسوا مسجلين لدى المفوضية، ليصل عدد السوريين في البلاد إلى قرابة 1.3 مليون. العدد الذي اعتمده الاتحاد الأوروبي في ميثاق الأردن عام 2016 في لندن. ص 11

 

وضع هذا العدد من اللاجئين السوريين البلاد أمام تحدٍ كبير لتأمين وسائل البقاء لهم، والمحافظة على مستوى الخدمات المقدمة للسكان في الأردن والمقدر عددهم في 2020 بقرابة 11 مليون شخص، ثلثهم تقريبا من الوافدين واللاجئين.

 

خطة الاستجابة للأزمة السورية

 

جاءت خطة الاستجابة للأزمة السورية من الحكومة الأردنية كمخطط عمل للتخفيف من أعباء اللجوء السوري على البلاد، وتضمنت هذه الخطة تبرعات ودعماً دولياً مستمراً لتعزيز صمود اللاجئين السوريين. وأنفق المجتمع الدولي مليارات من الدولارات كمساعدات للأردن على مدى العقد الماضي لتحقيق هذا الهدف.

 



 

 







 

حصلنا على قاعدة بيانات المساعدات الدولية للأردن من موقع منظمة إحصاءات التنمية الدولية، لكن قبل الخوض في تحليل هذه المساعدات نحن ملزمون بتقديم توضيح مهم، وهو أن أموال المساعدات هذه لم تذهب جميعها إلى الحكومة الأردنية ولم تدخل خزينة الدولة، فجزءٌ كبيرٌ من هذه المساعدات هو تمويل لجهود المنظمات الدولية والمحلية غير الربحية العاملة في الأردن.

 

ولابد من التأكيد أيضاً على أن هذه المساعدات هي ليست جميع المساعدات التي حصل عليها الأردن، فبعض الدول لا تقدم تقاريرها لمنظمة التنمية الدولية بالمساعدات أو التبرعات التي تقدمها للدول الأخرى، أو تقدم تقارير مجتزئة فقط.

 

21.7 مليار دولار تقريباً مجمل المساعدات التي قدمها المجتمع الدولي للأردن منذ بدء الأزمة السورية، بين عامي 2011 و 2018 الجزء الأعظم من هذه الأموال أنفق داخل البلاد ودخل عجلة الاقتصاد الأردني.

 

ولا بد من التأكيد أن هذه المساعدات لا تشمل جميع قروض البنك الدولي للأردن والتي بلغ مجموعها حتى 30 سبتمبر 2020 ما مقداره 1.76 مليار دولار. بل تشمل فقط الجزء الذي قدم للأردن حتى نهاية عام 2018.

 

يضاف إلى هذه المساعدات مبلغ 4.16 مليار دولار حصل عليها الأردن في العام 2019، والتي أعلنت عنها وزارة التخطيط والتعاون الدولي في تقرير المساعدات الدولية على موقعها الرسمي.

 

71 دولارا من كل مائة من هذه الأموال " 15.4 مليار دولار" كان عبارة عن هبات وتبرعات، و 29 دولاراً من كل مائة، "6.3 مليار دولار" كانت على شكل قروض واستثمارات في أسهم الشركات المحلية.

 

أقل من الربع بقليل من مجمل المساعدات 4.9 مليار دولار تم تخصيصها من قبل المتبرعين للاجئين بشكل عام "سوريين، عراقيين، فلسطينيين، سودانيين، صوماليين، يمنيين"، بينما خصص المتبرعون 14 دولارا من كل مئة من المساعدات "3 مليارات" للاجئين السوريين والمجتمع المحلي، وخصصوا 11 دولارا من كل مئة من المساعدات "2.4 مليار" للاجئين السوريين مباشرة.

 

 



 

الأمر أكثر من مجرد تأمين الطعام.

بعد أربع سنوات في عام 2016، قررت ريم الحسان البدء بمشروعها الخاص، فالعمل لصالح الآخرين لم يمنحها سوى كفاف العيش، وكانت الفكرة أن تصنع وسائد خاصة للأطفال تساعد الأمهات والأطفال، ليصبح ذهاب الطفل إلى السرير للنوم ممتعاً ومسلياً.

 

آلة صغيرة للطباعة الحرارية على القماش ومكنة خياطة متواضعة وقليل من المواد الأولية للعمل، هذا كل ما يحتاجه الأمر للبدء بالمشروع. بلغ رأس المال الكلي للمشروع ألف دينار أردني "$1400" استطاعت الحسان اقتراضها من الأصدقاء والأقارب للبدء بالمشروع.

 

لكن قبل البدء سجلت الحسان فكرتها أيضاً كبراءة اختراع في وزارة الصناعة والتجارة ووزارة الثقافة لحمايتها من الاقتباس أو التقليد. كانت البداية موقفة وحققت النجاح المأمول، إلا أن المعوقات الكثيرة التي بدأت بالظهور امام رائدة الأعمال الصغيرة، لم تسمح لها بالانتقال إلى الخطوة التالية للتوسع والتحول إلى مشروع تجاري.

 

ولكن ماذا عن أكثر من نصف اللاجئين السوريين في الأردن القادرين على العمل؟ هل حالفهم الحظ في البدء بحياة جديدة ؟ 

 

في أحدث دراسة أعدها مركز فافو بالاعتماد على بيانات المسح الأصلية عن اللاجئين السوريين في الأردن والذي أجرته دائرة الإحصاءات العامة الأردنية بين تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 ويناير (كانون الثاني) 2018.

 

نجد أن أكثر من نصف اللاجئين "52 من كل مئة" ممن تتجاوز أعمارهم الـ 15 عاما، قادرين على العمل أي ما يقارب الـ 346 ألفا . إلا أن قرابة الثلث، 33 لاجئاً من كل مئة منهم منخرطون في سوق العمل المحلي، و23 لاجئاً تقريباً من كل مئة منهم "ما يقارب الـ 80 ألفا" كانوا يعملون في الفترة التي أجري فيها المسح. أي أن عدد اللاجئين العاطلين عن العمل أكثر من ربع مليون لاجئ "266 ألفاً.

 

تضع هذه الظروف الدولة الأردنية والمجتمع الدولي أمام معضلة تأمين وسائل البقاء لقرابة 590 ألفا من اللاجئين السوريين ليس لديهم أي مصدر دخل ويعتمدون في البقاء على المساعدات المقدمة لهم من المجتمع الدولي. 

 

تحليل اليد العاملة السورية في الأردن ونسبة المنخرطين في سوق العمل.

 

تعزيز صمود اللاجئين السوريين اقتصاديا ليس أولوية.

 

في العام 2016 كان أحد أهم مخرجات مؤتمر لندن هو اتفاق الأطراف على ضرورة خلق 1.1 مليون فرصة عمل في دول الجوار السوري التي تؤوي أكبر عدد من اللاجئين السوريين لمساعدة هؤلاء اللاجئين في إيجاد سبل للعيش ودعم الاقتصاد المحلي.

 

وكان على الأردن تقديم تسهيلات قانونية تسمح لـ 200 من اللاجئين السوريين بالاندماج في سوق العمل المحلي مقابل حزمة من التبرعات والدعم الاقتصادي يقدمها الاتحاد الأوروبي في الأعوام التالية.

 

ولكن كيف لنا أن نعرف ما إذا كانت الأطراف قد حققت عهودها في ذلك الاتفاق؟

 

حسنا لننظر معاً ماذا لدينا من معطيات. بناء على تحليل بيانات المساعدات الدولية المقدمة للأردن والمنشورة على موقع إحصاءات منظمة التنمية الدولية نرى بروداً كبيرا من المجتمع الدولي في سياق تقديم المساعدات التي تهدف لخلق فرص عمل إن كان للاجئين السوريين أو المواطنين الأردنيين على حد سواء.

 

فبين العامين 2011 و 2018 قدم المجتمع الدولي مساعدات لتحسين ظروف العمالة في الأردن بقيمة 1.5 مليار دولار، منها 390 مليون دولار تهدف لتحسين ظروف عمالة اللاجئين السوريين تحديداً، تشمل التدريب والتعليم وخلق فرص عمل جديدة.

 

أما المساعدات الدولية التي تهدف لخلق فرص عمل وخلال ذات الفترة فبلغت 617 مليون دولار تقريباً، منها 151 مليون دولار تقريباً تهدف لخلق فرص عمل للاجئين السوريين تحديداَ. أما المساعدات المتعلقة بالطوارئ والإغاثة فبلغت خلال ذات الفترة 3.4 مليار دولار وذلك دون احتساب النفقات التشغيلية الخاصة بالمنظمات الدولية العاملة في الأردن. 

 

وكانت بريطانيا أكبر الداعمين لتحسين ظروف العمالة من اللاجئين السوريين بتبرعها بـ 113 مليون دولار كان 1.6 مليون دولار منها بهدف خلق فرص عمل للاجئين ولم يكن من قبيل الصدفة أن التبرع كان في عام 2016 في ذات العالم الذي انعقد فيه مؤتمر لندن.

 

نلاحظ أيضاً أن أكبر الداعمين لتحسين ظروف العمالة في الأردن هو البنك الدولي بقيمة 441 مليون دولار والتي هي بالكامل قروض تنموية بتسهيلات كبيرة لكن يتوجب على الأردن ردها للبنك الدولي. أما ثاني أكبر الداعمين فهي الولايات المتحدة التي تبرعت بـ 192 مليون دولار، وثالث أكبر الداعمين هي كندا التي تبرعت بـ 186 مليون دولار.

 

إلا أن جميع هذه الجهود لم تغير من واقع الأمر كثيراً، فكما كان السوريون يمارسون المهن ذات المهارات والأجور المنخفضة مازال الحال على ماهو عليه حتى الآن.

 

 

 

معادلة صعبة تفرضها قوانين الاستثمار الأردنية.

في عام 2013 اضطرت اللاجئة السورية لارا شاهين مغادرة مدينتها دمشق إلى الأردن هاربة من الحرب. وهنا قررت بدء حياة جديدة والبدء بمشروع صغير تستثمر فيه جنى العمر. كانت الفكرة انشاء ورشة صغيرة ببضعة ماكينات خياطة بسيطة لتصنيع المشغولات شبه اليدوية.

 

فشلت الخطة بسبب عقبات التسجيل والترخيص، فهذا يعتبر نشاطاً صناعياً ولا يمكن مزاولته إلا على مستوى صناعي يحتاج لاستثمار صخم لا تملك شاهين كلاجئة حتى الجزء اليسير منه.

 

 إلا أنها مسلحة بتصميم الشباب غيرت الخطة لتصبح مركزاً للتمكين الاقتصادي للمرأة السورية في الأردن، تعمل على مساعدة النساء في تطوير المهارات اليدوية والصناعات المنزلية الطبيعية الى ان تصل الى مرحلة التسويق لمنتجاتهم. 

 

تقول شاهين أن قانون الشركات الأردني يضع عقبات كبيرة أمام رواد الأعمال الصغيرة من ناحية التسجيل عموماً، أما بالنسبة للسوريين فهم مقيدون ضمن شروط خاصة وقطاعات محددة يمكنهم مزاولة نشاطهم التجاري فيها.

 

وبالطبع هناك أيضاً شرط وجود الشريك الأردني بنسبة تزيد عن 50% من المشروع منذ اللحظة الأولى لبدايته وحتى قبل أن يختبر السوق نجاح المشروع، وحتى بوجود الشريك الأردني فالشركة مقيدة ضمن نشاطات تجارية وصناعية محددة لوجود الشريك الأجنبي.

 

وحتى بوجود الدعم المالي لتأمين رأس المال الأولي المطلوب إيداعه في بنك محلي وبوجود الشريك الأردني، هناك مجموعة من العقبات أثناء عملية التسجيل، كنوع الشركة أو مجال عمل الشركة، ثم الترخيص والحصول على رخصة المهن.

 

العقبة الأهم أمام رواد الأعمال الصغار تكمن في التغير المستمر في الأنظمة والقوانين الخاصة بتسجيل الشركات للوافدين. والتي تربك حتى المحامين المختصين في ترخيص الشركات تعتقد شاهين.

 

ولا تنتهي هذه التحديات عند محاولة رائد الأعمال فتح حساب بنكي، فبغياب وثائق تسجيل الشركة لن يستطيع فتح حساب بنكي. وحتى إن احتاج إلى استيراد مواد خاصة لعمله من الخارج فالأمر مقيد بالنسبة للوافدين

 

في العام 2019 تم السماح للأفراد بإنشاء مشاريع صغيرة منزلية والحصول على ترخيص لها وقد يبدو الأمر أن بعض التسهيلات قد حصلت، إلا أنه على الرغم من ذلك فهناك قطاعات من المهن مغلقة أمام اللاجئين السوريين لممارستها.

 

وترى شاهين أن الأردن كبلد هو حاضنة جيدة لرياديي الأعمال الصغيرة، إلا أن هناك حاجة ملحة لوضع حزمة شاملة من القوانين والأنظمة تسهل للرياديين الصغار عملية البدء بمشاريعهم وتميزهم عن الشركات الكبيرة بانظمة خاصة تراعي حجم هذه المشاريع الصغيرة.

 

جميع هذه المعوقات أمام وصول اللاجئين السوريين إلى سوق الاستثمار المحلي وسوق العمل حددتها دراسة للظروف المعيشية اللاجئين السوريين في دول الجوار أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العام 2017، والتي ما زالت تقف عقبة أمامهم لدخول سوق العمل أو التفكير في البدء بمشاريعهم الخاصة.

 

وهذه المعوقات بالتحديد هي ما أجبر سيدة الأعمال السورية ابنة مدينة دمشق مايا الببيلي بالهجرة إلى تركيا للبدء بمشروعها الصغير هناك. فبعد سبع سنوات من لجوئها إلى  الأردن لم تستطع مطابقة شروط قوانين الاستثمار الأردنية ولم تتمكن من تضخيم رأس المال الذي تملكه ليتطابق مع هذه الشروط.

 

بينما تمكنت من تسجيل شركتها في تركيا خلال شهر واحد فقط، ولم تحتج لتجميد أي رأس مال أولي في البنك، ولم يشترط قانون الاستثمار التركي عليها وجود شريك محلي للموافقة على عملية التسجيل، ولم يقيدها القانون أيضاً في ممارسة أي مهنة أو نشاط تجاري أو صناعي.

 

تقول الببيلي: بعد منحي الترخيص، شرط واحد يضعه قانون الاستثمار التركي أمامي، وهو تحقيق دورة مالية خلال العام الأول من العمل بمقدار 10 آلاف دولار تقريباً كواردات بغض النظر عن الإنفاق، وذلك لأتمكن من تمديد الترخيص في العام التالي والاستمرار في العمل.

 

تمكنت مايا الببيلي أخيراً من تحقيق حلمها بانشاء ورشة صغيرة لتصنيع مواد العناية بالبشرة من مواد طبيعية يتم صنعها يدوياً، وتنظر الى المستقبل بآمال كبيرة وتخطط للتوسع وافتتاح أفرع أخرى لمشروعها، وتشغيل عدد أكبر من المواطنين الأتراك معها. 

 

توزع اللاجئين السوريين في سوق العمل الاردني.png



 

مشاريع تدريب اللاجئين السوريين لا تلبي حاجاتهم.

خلقُ 1.1 مليون فرصة عمل لتشغيل اللاجئين السوريين الذين فروا من الحرب في بلادهم إلى دول الجوار، كان أحد أهم مخرجات مؤتمر لندن عام 2016 بالنسبة للاجئين السوريين أنفسهم، وحسب الاتفاق كانت حصة الأردن توليد 200 ألف فرصة عمل لهؤلاء اللاجئين خلال العشر سنوات التالية مقابل حزم من الدعم الاقتصادي للمملكة على شكل منح وقروض إنمائية ميسرة.

 

وقامت الحكومة الأردنية بإعفاء اللاجئين السوريين من رسوم تصاريح العمل، وبدأت منظمة العمل الدولية في الأردن ومؤسسات كثيرة أخرى، بدعم الجهود الحكومية للتنفيذ مخرجات هذا الاتفاق، بتنفيذ مشاريع خاصة بتدريب وتسهيل وصول اللاجئين السوريين إلى فرص العمل.

 

 إلا أن هذه الجهود لم تنجح حتى الآن في جذب اهتمام اللاجئين السوريين إلى هذه الفرص التي كانت لا تجتذب المواطن الأردني في العام 2017 بحسب تقرير مركز الفينيق للدراسات  الاقتصادية والمعلوماتية، وبحسب الدراسات اللاحقة للمركز للأعوام 2018 و 2019 ما زالت هذه الفرص غير جاذبة.

 

والسبب الأهم في عدم جذب هذه الفرص للعمالة السورية واضح للعيان، فاللاجئين السوريين ليسوا عمالة وافدة جاءت لكسب المال، إنما هم مهجرون حقيقيون وصلوا إلى دول اللجوء كعائلات وتحتاج لدخلٍ أكبر من العمالة الوافدة، ولا تلبي هذه الفرص حاجات الإنفاق الضرورية لهم.

 

ففي حين أن العامل الوافد يستطيع التقنين بالعيش في مساكن جماعية بأجر زهيد، أو يجبر على المبيت في ماكن العمل، لا يستطيع اللاجئ السوري فعل ذلك، فهو مسؤول عن أسرته وأطفاله وتعليمهم ورعايتهم ونفقاتهم، و في الكثير من الحالات هو مسؤول أيضاً عن رعاية الأهل من كبار السن ممن يحتاجون نفقات طبية أخرى.

أهداف كثيرة يتجاذبها اللاعبون على طاولة المفاوضات.

في مؤتمر لندن عام 2016 لم يكن بدء تحرك المجتمع الدولي بتقديم المساعدات للاجئين السوريين لتحسين ظروف العمل على خجله عفوياً، حسب رأي الباحث الاقتصادي في معهد غرب آسيا وشمال إفريقيا كريم الشرابي.

 

إنما كان الهدف من المبادرة بهذه الجرعة من المساعدات، هو السيطرة على أوضاع اللاجئين السوريين في الأردن ومنح من يفكر منهم بالهجرة الأمل في تحسن ظروفهم المعيشة في الأردن لتشجيعهم على البقاء فيه وكبح تدفقهم خصوصاً إلى أوروبا.

 

ويرى الشرابي أن الحكومة الأردنية اقتنصت هذه الفرصة بوضع بعض الشروط لهذه المساعدات كان منها على سبيل المثال أن أي مساعدات تصل إلى اللاجئين السوريين في الأردن لابد أن ترفق بمساعدة إلى الأردنيين من الفئات الضعيفة بنسبة 7 سوريين مستفيدين يجب أن تقدم المساعدة لـ 3 أردنيين.



 

وبالفعل يرى الشرابي أن الحكومة الأردنية حاولت الاستفادة من شرط تشغيل 200 ألف عامل سوري على أمل إحلال العمالة السورية مكان العمالة الوافدة من الجنسيات الأخرى، للاستفادة من الوعود بالمنح والقروض الميسرة التي قدمها المجتمع الدولي آنذاك، بدون أي تغيير في قوانين الاستثمار لتسهيل دخول المستثمرين الصغار إلى هذا السوق.

 

إلا أن هذه الأمال تعثرت لاحقاً عندما أحجم اللاجئون السوريون عن فرص العمل المتدنية الأجور، فتسهيل عملية الحصول على تصاريح العمل ومنحها للاجئين لا يعني بحد ذاته حصولهم على عمل لائق، وطالب الأردن الاتحاد الأوروبي بإعادة النظر في شرط تشغيل اللاجئين السوريين المتفق عليه في مؤتمر لندن 2016.

 

وبحسب الشرابي، كان أحد أهم أسباب عدم إقبال اللاجئين السوريين على إشغال فرص العمل التي خططت الحكومة الأردنية لإحلالهم فيها هو تخوفهم من فقدان الدعم الذي يحصلون عليه من المنظمات الدولية المحلية، على الرغم من أن هذه المنظمات قدمت وعودا بعدم تأثر المساعدات بحصول اللاجئ على عمل ودخل إضافي.

 

ويعتقد الشرابي أن فرصة نجاح الأردن في تحقيق شرط إدماج العمالة السورية في الاقتصاد الأردني خلال السنوات العشر القادمة ضئلة جداً، لعدم وجود مشاريع حتى الأن تستطيع إبتلاع هذا العدد من الأيدي العاملة إلا أن الفرصة ما زالت متاحة لتغيير هذا الواقع مع الوقت خلال السنوات القادمة.

 

أما عن برامج التدريب، فيقول الشرابي: بالفعل هناك بعض المهن تحتاج إلى تدريب ولك هذا لا يقتصر الأمر على اللاجئين السوريين فقط، وعلى الرغم من ذلك، فالكثير من اللاجئين السوريين حضروا الى الأردن تاركين أعمالهم خلفهم في بلدهم الأم ولم يتمكنوا من مزاولة مهنهم السابقة بسبب قيود قوانين العمل للعمالة الوافدة، وإن سمح لهم مزاولة هذه المهن فلن يحتاجوا إلى تدريب.

 

ويضيف الشرابي، إن سألت السوريين عن التدريب، سيقولون لك لقد كفرنا بالتدريب، نحتاج إلى فرص عمل، فالكثير من السوريين الذي تم تدريبهم على مهارات النجارة أو الطبخ لم يجدوا عملاً لاحقاً، أو أن أجور العمل الذي وحدوه متدنية جداً لا تلبي أكثر ظروف الحياة تقشفاً.

 

يختم الشرابي حديثه لعمان نت بقوله: إن قوانين الاستثمار والعمل المحلية تضع قيوداً كبيرة أمام المستثمرين والعمال الأجانب، وإذا كانت الدولة الأردنية ترغب في تطوير اقتصادها لابد من العمل على تطوير هذه القوانين لتحقيق الفائدة الفعلية من الاستثمارات الصغيرة.

 

أما بالنسبة للسوريين فيجب أولا إلغاء شرط وجود الشريك الأردني والسماح لهم بدخول سوق التجارة المحلي، ففي النهاية سينعكس ذلك بالفائدة على الاقتصاد المحلي، عبر تشغيل عدد أكبر من المواطنين الأردنيين في المشاريع الجديدة، وتحقيق وارد ضريبي إضافي  لخزينة الدولة.

 

 

في نهاية هذه القصة لابد من الإشارة إلى عبارة قصيرة تختصر كل شيء في التقرير الأممي "توفير فرص العمل يحدث الأثر المنشود" ص3 تقول: ورغم كل هذه الجهود التي بذلها المجتمع الدولي، والحكومات المضيفة، والمجتمعات المحلية لتقديم الدعم للاجئين السوريين والمشردين داخلياً، فإننا ما برحنا نرى ظروفهم المعيشية تتدهور باستمرار مع تواصل الأزمة.

 

وما زال الحال على ما كان عليه حتى اليوم، وعلى ما يبدو أن جميع ما أنجزته مشاريع الحلول التي نفذت حتى الآن لم تقدم حلولاً مستدامة على الأرض ولم تستطع سوى تأجيل حل المشكلة. 

 

أضف تعليقك