الخطوط الحمراء في الإعلام: ما هي ومن يحددها؟
تعددت الخطوط الحمراء في الإعلام وتفاوتت بين صحفي وآخر وبين وسيلة إعلام وأخرى، كل رسم خطوطه وفق تفسيره للقوانين، السياسات، الأديان، أنظمة المجتمع والمصالح. إعلاميون يفشون عن خطوطهم الحمراء في برنامج عين على الإعلام.
بين الرقابة الذاتية والرقابة الخارجية:
يؤكد رئيس تحرير صحيفة الغد اليومية فؤاد أبو حجلة لعين على الإعلام، أنهم في الصحيفة يرسمون لأنفسهم خطوطا لا يتجاوزونها، نافيا أن يكون هنالك من يضع لهم خطوطا حمراء من الخارج.
فهنالك توافق، بحسب أبو حجلة، في "الغد" على تقييم المعلومات، وإجماع على عدم المساس بالأمن المجتمعي، وبالمقابل، محاولة العمل، إن أمكن، على تطوير وتسريع عجلة النمو في الأردن.
أما مندوب صحيفة العرب اليوم الصحفي منصور معلا، فيشير إلى وجود خطوط حمراء تتمثل بالتركيبة الاجتماعية المعقدة ووجود تقاليد "محافظة"، مارستها العشائر الأردنية على مدار عدة عقود.
ويوضح معلا، ومن خلال عمله بتغطية "المناطق الساخنة" في المملكة، أن الصحفي يتعرض في بعض الأحيان إلى ضغوطات وتهديدات من قبل عدة أطراف.
وأشار إلى تعرض صحيفته إلى ضغوط من قبل مسؤول سياسي سابق من إحدى المناطق "الأمنية" التي تناولها في تقرير صحفي، بحجة الإساءة لتلك المنطقة مما يؤدي إلى انخفاض أسعار الأراضي فيها، موضحا أن ذلك المسؤول ينطلق في احتجاجه من منطلق استثماري وليس من باب الحرص على الأمن الوطني.
"هنالك قوى في الظل لها نفوذ، ومن الممكن أن تتجاوز به القانون مما يعرض حياة الصحفي شخصيا للخطر"، يضيف معلا.
وحول الرقابة الذاتية، يؤكد معلا، لعين على الإعلام، أنه لم يصطدم مع مؤسسته طيلة عمله بنوع من الرقابة أو المنع إلا في حالة واحدة، حيث رأت الصحيفة أن التقرير الذي رصد فيه ظاهر استعلاء البعض ونبذ الآخر في إحدى المناطق، يحمل نوعا من إثارة النعرات.
ويؤكد علاء فزاع رئيس تحرير موقع "كل الأردن" الإخباري، أن الرقابة الذاتية موجودة لدى الجميع، وعلى الإعلامي أن يدرك الحدود ونقاط القوة والضعف لديه للتعامل معها.
ويلفت إلى أن الخطوط الحمراء مفهوم نسبي، فنشر اسم القاتل أو المقتول في مشاجرة عشائرية، على سبيل المثال، يعد خطا أحمر لساعات فقط، لما لنشرها فور معرفتها من تأثير ومساهمة في تأجيج الموقف.
مديرة البرامج في إذاعة "فرح الناس" نهاد جريري، تفرق من جانبها بين المعايير التي تضعها المؤسسة الإعلامية لنفسها كسياسة تحريرية، وبين الخطوط الحمراء التي تفرضها جهات مختلفة، نافية وجود مثل تلك الضغوط الخارجية على مؤسستها، في حين لم تنكر وجود بعض المواضيع التي يرون أنها قد تسبب صداما مع بعض الجهات.
أما المواضيع الحساسة التي تخص المرأة، كالمرأة والجنس وعذرية المرأة وغيرها من المواضيع التي تعد لدى البعض من "التابوهات"، فأوضحت جريري أنه يمكن التعامل معها بـ"ذكاء"، من خلال الخطاب المهني الذي يعتمد لغة علمية مجمع على الإقرار بها، لافتة إلى أن الحديث عن السياسة أكثر سهولة من الحديث عن مواضيع المرأة الحساسة والتي تعد أبوابا مغلقة.
الخطوط الحمراء والحرية:
يعتبر رئيس تحرير موقع "كل الأردن" علاء فزاع، أن الخطوط الحمراء من أكثر المواضيع جدلية إعلاميا، مؤكدا أنه لا توجد وسيلة إعلام بكافة أشكاله ليس لها مثل هذه الخطوط والمحاذير.
وهنا، يضيف فزاع، تكمن مهارة الصحفي بقدرته على تجاوز أكبر قدر ممكن من تلك الخطوط، مشيرا إلى أنه لا يمكن تجاوزها تباعا وإنما تدريجيا، "فنحن أمام جهات متنفذة تتحكم بالبلد، وتتصرف بطريقة صبيانية"، على حد تعبيره.
أما رئيس تحرير "الغد" فؤاد أبو حجلة، فيشير إلى أنه لا توجد حرية مطلقة، ومن باب تجاوز الحقيقة عدم الاعتراف بوجود خطوط حمراء للعمل الصحفي، لافتا إلى وجود مثل هذا الخطوط في كبريات المنابر الإعلامية في العالم.
ويوضح أبو حجلة أن المقصود بالحرية هنا هي الحرية غير المنضبطة والتي تتناول المعلومة بغض النظر عن مدى تأثيرها في المجتمع.
ويضيف بأن "الحقيقة ليست مجرد معلومات تخفى أو تعلن"، وأن عدم نشرها لا يعني بالضرورة إخفاء للحقيقة، فهذا كلام نظري لا ينطبق على أرض الواقع، ولا يعني عدم نشر ما يسيء للسلم المجتمعي أو يؤثر على الاقتصاد الوطني، على سبيل المثال، إخفاء للحقيقة.
"فليست كل معلومة متاحة قابلة للنشر"، وليس ذلك من باب تقييد الحرية، وإنما يأتي من باب الحرص على المصلحة الوطنية"، فدور الصحافة المستقلة وغير المؤطرة فكريا أو حزبيا أو حكوميا، ينحصر في تقديم المعلومة بشكل موضوعي ومجرّد آخذة بعين الاعتبار المصلحة الوطنية بشكل أساسي، بحسب أبو حجلة.
ويقول "ليس المسؤول خطا أحمر، وإنما الوطن والمجتمع الأردني والسلم المجتمعي وغيرها من القضايا الوطنية هي ما تمثل خطوطا حمراء".
تقرير "مراسلون بلا حدود":
التقرير السنوي الأخير للحريات الصحفية لمنظمة “مراسلون بلا حدود”، أشار إلى بقاء “خطوط حمراء” في الأردن تصطدم بها حرية التعبير ولا يجوز للصحافيين تجاوزها، تمثلت، بحسب التقرير، بالدين والملك إضافة إلى مؤسسات الدولة ورجالها، بالرغم من التعديل التشريعي وتصاريح الملك عبدالله الثاني المشجّعة.
وأضاف التقرير “أن الصحافيين المجبرين على الالتحاق بنقابة الصحافيين الأردنيين الخاضعة لإمرة الدولة يواجهون رقابة أجهزة الاستخبارات المشددة، فتبقى الدولة من المساهمين الأساسيين في أبرز الصحف وتستمر في ممارسة نفوذ كبير على منشورات المملكة الأساسية (شأن الرأي وجوردان تايمز والدستور) مع أن ثغرة فتحت في بداية العام 2004 في احتكارها لقطاع الإذاعة والتلفزيون مع انطلاق أول قناة تلفزيونية عامة خاصة”.
وذهب التقرير إلى أنه وبالرغم من إلغاء العقوبات من جنح الصحافة نظرياً في آذار 2007 إثر تصويت للبرلمان على تعديل قانون الصحافة والمطبوعات، بيد أن صحافيي المملكة لا يزالون يخشون السجن، حيث يسمح أكثر من مئة حكم من أحكام التشريعات الوطنية (قانون العقوبات، وقانون الاستثناء، وغيرهما) بزج الصحافيين وراء القضبان”.
ولفت إلى أن عملية إلغاء العقوبات هذه اقترنت بارتفاع قدر الغرامات الملحوظة في قانون المطبوعات بشأن جنح “التشهير” و”الإساءة إلى الدين” و”نشر أخبار من شأنها إثارة النعرات الطائفية والعرقية”، وقد تصل هذه الغرامات إلى 40000 دولار.
فضلا عن ذلك، لم يساهم التصويت على قانون الإعلام في العام 2007 أيضاً في تسهيل عمل الصحافيين الذين لا يزالون يصطدمون بممثلين للحكومة لا يحبّذون فضح نشاطاتهم. ومنذ العام 2007، تخضع المنشورات الإلكترونية للقانون نفسه الذي يرعى شؤون الصحافة المكتوبة.
ومع أن الملك عبدالله الثاني أدلى في تشرين الثاني 2008 بتصريحات مشجّعة لحرية الصحافة أعاد فيها التأكيد أنه لا يجوز سجن أي صحافي بسبب نشاطه المهني، غير أن إقدام المحاكم على تفسير القانون بشكل اتفاقي يعدّ من الأسباب الرئيسة لاعتباطية الإدانات الموجهة ضد قطاع الصحافة. فإذا بجو من الخوف يشيع في الجسم الصحافي دافعاً الصحافيين ورؤساء التحرير إلى الحد من تصاريحهم وتفادي أي تحقيق من شأنه أن يهدد السياسيين، وفقا لما جاء بالتقرير.
فيما رفضت نقابة الصحافيين الأردنيين ما ورد في تقرير المنظمة بأن النقابة “تأتمر بأمر الدولة ” وانتقدتها لتطبيق مبدأ الزامية العضوية على كل من يعمل بمهنة الصحافة .
وقال نائب نقيب الصحافيين حكمت المومني “نحن في نقابة الصحافيين نعتبر أن الحريات الصحافية خط أحمر والنقابة تقوم بدورها وواجبها في مجال الدفاع عن الحريات الإعلامية وحماية الصحافيين، مشيرا إلى قيام النقابة بتأسيس وحدة قانونية مهمتها الدفاع عن الصحافيين، إضافة الى برامج التدريب التي تطلقها النقابة للإرتقاء بمستوى المهنة، مشددا على أن النقابة تمارس عملها باستقلالية تامة وبعيدا عن أي تدخل من أية جهة كانت .
*للاستماع إلى الحلقة والاطلاع على مختلف القضايا الإعلامية: عين على الإعلام











































