الخبرة غير ضرورية!
لاشك أن افتراض حسن النوايا في حالة كهذه هو ضرب من السذاجة!
ثمة إعلانات توظيف غامضة تثير الريبة حكما، مثل إعلان شائع ينص على أنه مطلوب "فتاة ذات مظهر لائق، الخبرة غير ضرورية! لأن أي جهة توظيف تحترم نفسها تصر على وجود الخبرة كشرط اساسي، بل وتحدد الراتب بحسب سنوات الخبرة.
وقد تتساهل هذه الجهة في شأن الخبرة ولكن الى حد ما. مثلا في حال كانت المتقدمة للوظيفة تحمل من حيث المبدأ شهادة في اختصاص السكرتريا وتتحلى بالمهارات الإدارية التي تؤهلها لاكتساب خبرة في هذا المجال، فتمنحها فرصة لإثبات نفسها، وهذا إجراء إداري صائب من شأنه إطلاق الطاقات وتوفير فرص عمل واستثمارها لمصلحة العمل بالنتيجة.
غير أن ما يحدث على أرض الواقع مختلف تماما، فحالات الاستغلال لفقر الفتيات وحاجتهن الماسة للوظيفة تثير الهلع فعلا، وقد تتعرض تلك الفتيات لأسوأ أشكال الامتهان في مكاتب تشبه الدكاكين من حيث بدائيتها! فتجد الواحدة منهن نفسها ضمن الوصف الوظيفي الجائر قد أصبحت خادمة!. من المؤكد أن الخادمات الوافدات من سيرلانكا يحظين بظروف عمل أكثر إنسانية!
ويحدث أن يتضمن الاتفاق في بعض الاحيان مع رب العمل أن تنظف المكتب وتقدم القهوة للضيوف وتستقبل المكالمات الهاتفية، وتقوم بأعمال السكرتاريا من طباعة وغيرها مقابل راتب ضئيل مخجل لا يتناسب بأي حال مع الجهد المبذول، ليس ذلك فحسب بل كثيرا ما يتعرضن للتحرش الجنسي، إذ يفترض بعض اصحاب العمل أن أولئك الفتيات الصغيرات متاحات لمجرد تواجدههن في المكاتب، لعل السينما ورسوم الكاريكتير والنكت المتداولة والثقافة السائدة كرست صورة نمطية غاية في السلبية لمهنة السكرتاريا، كموضوع جنسي قابل للتطاول!
ولا يخلو الامر من حالات لفتيات وقعن في فخ الحاجة والطموح السريع فقدمن ما يؤكد النمط، وقدمن تنازلات فادحة مع صاحب العمل كوسيلة سريعة للخلاص من عبء الفقر والحاجة، وأقدمن على تصرفات مشينة، ما ساهم في تعميم الصورة السلبية لهذه الوظيفة الحيوية، وتعزيز نظرة مغلوطة للعاملات في هذا الحقل اللواتي يعانين على الدوام من الالتباس وسوء الفهم.
مع ضرورة الاشارة الى ان أولئك الفتيات المجتهدات العاملات بكل احتراف ومهارة هن العماد لكبريات المؤسسات والشركات القائمة بفضل نفانينهن، وعلينا كمجتمع الاعتزاز بمنجزهن وحضورهن الواثق والحضاري والمتقدم علميا، في زمن اصبحت السكرتاريا علما قائما بذاته، واصبح الحصول على وظيفة سكرتيرة تنفيذية انجازا يستحق التهنئة.
من هنا لا بد من التمني على بناتنا عدم الاستعجال والاستسهال مهما بلغت صعوبة الظروف المعيشية. عليهن التسلح بالعلم والمعرفة اولا ليقدمن انفسهن في سوق العمل بثقة، وليتوخين اقصى درجات الحيطة والحذر قبل التورط في اوضاع وظيفية غير لائقة، لأن ما يحصن الفتاة من الوقوع السريع في شرك الاستغلال وعيها ودرجة احترامها لذاتها وزهدها بأسباب الكسب مهما بلغ بريقها حين يكون المقابل امتهان كرامة الروح والجسد!
*نقلا عن صحيفة الغد الأردنية