الحمامات التركية في عمّان للنخبة فقط

الرابط المختصر

لدى وصولي إلى أحد الحمامات التركية في عمّان شعرت أنني انتقلت إلى ذاك الزمن الأصيل حيث البساطة وجمال المنظر الطبيعي والمياه المنسابة والتي أصبحت نادرة هذه الأيام.إذ صادفني درج وكأنه مرصوف في مكانه منذ مئات السنين، وعلى أطرافه تترامى أغصان من الطبيعة والجدار المنقوش بالزخارف التي صممت حقا بطريقة تبهر العين، وكأنه مرّ على هذا المكان آلاف السنوات على بنائه.

وحين وصولي إلى القاعة الرئيسية وجدت نفسي بين أسوار بيت جدتي القديم حيث المهباش والستائر اليدوية والمخرز ودلة القهوة القديمة.
 
وتناهى إلى مسمعي صوت أيقظني بقولة "أهلا وسهلا بك" فعدت من ذاك العالم البعيد إلى الواقع لأدرك بأن حياة الحمامات القديمة وأصالتها قد عادت من جديد.
 
هذا الحمام نموذج على شاكلة الحمامات التركية القديمة، التي تقدم خدمات علاجية وصحية ونفسية، وهو أحد خمس حمامات موجودة في عمّان أقدمها حمام النصر المتواجد وسط البلد منذ حوالي تسعون عاماً تقريباً.
 
أحد الحمامات
صاحب حمام "خان زمان" سائد البيراوي تحدث لعمان نت عن فكرته لعمل حمام تركي قديم بأنها : "تبلورت الفكرة منذ خمسة أعوام وذلك لعدم كثرتها في الأردن إذ تكاد معدومة، فضلا عن حبي وتمسكي بها انطلاقا من دراساتي وقراءتي المكثفة عنها".
 
وتحدث البيراوي عن محاولته في بناء حمام تركي، التي يصفها بالمختلفة نوعا ما عن غيره "استطعت أن اجمع ما بين نظام الحمام المغربي والتركي والشامي والعربي الأصيل والروماني لأقدم حماما بحلة جديدة وجميلة يتمتع بأرفقه مختلفة وخدمات متنوعة تجذب المواطن الأردني والسائح الأجنبي".
 
 يعمل الحمام على فترتين، فترة صباحية للنساء ومسائية للرجال، وهناك كادر متخصص من السيدات يعملن صباحا لخدمة السيدات اللواتي يترددن على الحمام.
 
وعن مراحل دخول الحمام التركي كما يصفها البيرواي تبدأ بارتداء الملابس الخاصة بالاستحمام، ثم التوجه بعدها إلى غرفة خاصة لتجري عملية التكييس بهدف التنظيف والتخلص من الأوساخ وتفتيح مسام الجلد  بواسطة البخار الكثيف.
 
ويوجد بالحمام بركة معدنية مساحتها 16 مترا معدة للاسترخاء وهي مأخوذة عن نظام الحمامات الرومانية، وبعدها يقوم الزبون بالاستلقاء على ظهره لمدة 20 دقيقة على الدائرة المستديرة للاسترخاء.
 
ويستخدم الزائر بعد ذلك الساونا والجاكوزي ومن ثم يتم تدليك جسده بواسطة المساج، بعدها يغتسل بالماء وصابون الغار بالماء الباردة للعمل على إخراج الحرارة من الجسم وتنشيط الدورة الدموية.
 


حمامات الفقراء حكر على الأغنياء..
وإذا عدنا بالزمن للوراء؛ نجد بأن أكثر رواد تلك الحمامات كانوا من الطبقات الفقيرة والبسيطة التي كانت تجده ملاذا لها وراحة للجسد والنفس، أما الأغنياء فكانت لهم أماكنهم الخاصة يتواجدون بها.
 
ولكن في زمننا اليوم وبحسب ما يقول البيراوي فإن الصورة "انقلبت وأصبح رواد الحمامات هم من ذوات النخب الرفيعة في مجتمعنا، والإنسان الفقير تحكمه الأوضاع المادية والحياتية، وللأسف لا تزال فكرة الحمامات تلك عند بعض الأشخاص ضعيفة جدا، رغم أهميتها وكثرة فوائدها، إلا أن المواطن الأردني لا يتعرف على تلك الحمامات إلا عن طريق مشاهداته للتلفاز على المسلسلات السورية خاصة".
 
وهذا على العكس من السائح الأجنبي الذي كما يقول البيراوي "يتناول فكرة الحمامات التركية من منطلق فوائدها وأهميتها، حتى أنهم يقومون بدراستها في جامعاتهم".
 
ويشكو البيرواي قلة اهتمام المؤسسات السياحية في الأردن بهذه الحمامات، ويضيف: "عدم اهتمام الشركات السياحية ولا حتى تعريف السائح عليها، فالسائح لا يقوم بزيارة تلك الحمامات إلا برغبته، أو من ضمن البرنامج المتفق عليه، فضلا عن تقصير وزارة السياحة لهذا القطاع وعدم الاكتراث به، وهذا ما جعل بيننا وبين المواطن هوة كبيرة ساعدت في ضعف الإقبال عليها".
 
تكلفة ثابتة
أما عن التكلفة العملية الاستحمام يؤكد البيراوي على أن "عملية الاستحمام تأخذ من ساعة إلى ساعتين، مروراً بالمراحل التي ذكرتها سابقا، وتكلف الشخص 20 دينارا، وهذا الرقم ثابت منذ خمس سنوات على الرغم من ارتفاع الأسعار والغلاء الحاصل، إلا أننا نراه سعراً متوسطا يرضي الجميع".
 
زفة للعريس ونصيب وافر للعروس
وما زالت الحمامات تحتفظ بمكانتها التاريخية كأحد المعالم السياحية والتراثية ترتبط بها العديد من العادات القديمة كزفة العريس وحناء العروس كما تتمتع بأهمية خاصة لدى النخب الرفيعة في المجتمع ومنها استمدت شهرتها.
 
وما يزال كثير من الناس يحافظون على هذه العادة حيث يزف العريس منه، وتقيم العروس حنائها فيه أيضاً إضافة إلى الطقوس التي ترافق ذلك من غناء واحتفال.
 
فوائد الحمام كثيرة
وللحمام التركي فوائد جمة حيث يساهم بتخفيف الكثير من الآلام  كأمراض الروماتيزم والأعصاب والآم المفاصل والمعدة وكسور العظام، من خلال المياه الساخنة والمعدنية وبواسطة المساج، كما تنشط الدورة الدموية، وتضيف نعومه على البشرة، كما يساعد في  التخلص من سموم الجسم، فضلا عن الشعور بالراحة النفسية والتجدد.
 
وبالنسبة للنساء فهن يحافظن على استخدام الحمام التركي من أجل الحفاظ على الجسد مشدودا متماسكا خاصة بعد فترة الولادة والرضاعة، إضافة إلى تنظيف البشرة وتفتيح مسامات الجلد بشكل طبيعي دون الحاجة إلى استخدام مسحوقات كيميائية ترهق البشرة.
   
مقارنة بين القديم والحديث
الحمامات القديمة كانت تقوم على النار، بحيث يتم تسخين الأرضية وتمرير الهواء الساخن أسفل الحجر، إضافة إلى إدخال أشعة الشمس عبر فتحات دائرية مغطاة بالزجاج، وكانت تقام على نبعه المياه الساخنة حيث كانت منتشرة في ذلك الوقت.
 
وفي الوقت الحاضر استبدلت الينابيع الساخنة بما يسمى الجاكوزي والبويلر والساونا لتسخين المياه.
 
زوار الحمّامات
لكن من بين الكثيرين من أهل عمان، فالحمامات لها زوارها ومريدوها، ومن هؤلاء من التقيناهم أثناء زيارتهم لتلك الحمامات، حيث يبدو بان الحمامات تلقى استحسانا من قبل زائريها، ويبدو أن الحمامات ما زالت تحتفظ بمكانتها التاريخية كأحد المعالم السياحية والتراثية وما يزال ارتباط بعض العامات بها كزفة العريس وحناء العروس، وما يرافقه هذا من طقوس غناء واحتفال.
 
د.محمد صبري احد رواد تلك الحمامات تحدث عن تجربته بقوله "إنني مسرور بتلك التجربة لحرص القائمين عليها فيما يقدمونه من خدمات ممتازة سواء على صعيد العلاقات العامة أو ما يقدمه الشباب العاملين للزبائن فهم ممتازين ويتمتعون بإدارة متميزة، وهذه الخصائص نادرا ما تجدها في مكان يتمتع بمرافق متنوعة ومختلفة تقدم خدمة للجمهور".
 
وللمرة الثالثة تقوم سوسن بزيارة للحمام فكما تقول فإنها وجدت ما تبحث عنه "أعطاني هذا المكان شعورا جميلا بالراحة، والمجيء إلى هنا هو الخروج عن المألوف والمعتاد، حيث يكون الجو غريبا  نتمتع بجلسة رائعة مميزة تترك طابعا في النفس، ناهيك عن فوائده التي تعود على الجسم من نظافة ونشاط وحيوية وتجديد لخلايا الجسم".
 
عروس الحمام
وسبب وجود هديل في الحمام هو لأنها عروس ورغبتها في مشاركة صديقاتها وأقاربها بعضا من طقوس فرحها دفعها لخوض تلك التجربة "سررت كثيرا بوجود صديقاتي وأقاربي في هذا المكان فهنا نستطيع أن نعبر عن فرحتنا، علما أن هذه الزيارة الأولى لي للحمام".
 
ووجدت هديل في الحمام ما تحتاجه أي عروس من نظارة ونظافة وتؤكد "إن القيام بعملية الاستحمام مرورا بالمراحل المختلفة يعطي للمرأة شكلا جميلا من حيث النظافة الزائدة والنظارة ومن تفتيح للبشرة ويضيف نعومة فائقة، وكوني عروس هذا ما احتاجه في ليلة زفافي".
 
خلود أيضا تزور الحمام لأول مرة حيث أرادت قبل سفرها عمل شيء جديد فكان اختيارها لهذا المكان موفقا بحسب ما تقول: "وجدت فيه بالفعل ما كنت ابحث عنه من راحة نفسية وانتعاش لجسدي ونظافة مميزة، وبعد انتهائي من عملية الاستحمام شعرت أنني مولودة من جديد".
 
زبائن دائمين
هيا، زبونة دائمة منذ 8 سنوات لإحدى الحمامات تتحدث عن تجربتها بشغف، تقول:" يحرص الحمام الذي أتردد عليه بفصل قاعات السيدات والرجال عن بعضهما وكل له مواعيده، كما يحرص على التنظيم بحيث لا يأخذ أحد مكان الآخر، ويتمتع بنظافة عالية".
 
وتؤكد هيا بأن"القيام بعملية المساج والساونا والبخار أمر جميل  يعطي نوعاً من الراحة والاستجمام، كما انه يعمل على شد الجسم بطريقة طبيعية ومفيدة، ويخلص الجسم من التعب والإرهاق الذي اشعر بهما بعد الانتهاء من عملي".
 
وجمعتنا الصدفة بلقاء مواطن عراقي وتحدّث عن الحمامات مقارنة بحمامات العراق، قال: "أتردد ومنذ فترة إلى حمام متميز في عمان فاعتدت في وطني بالعراق زيارة الحمامات بشكل مستمر، مضيفا إلى أن "الحمامات هنا تقدم خدمات متميزة ومرافق رائعة ومن شتى النواحي".
 
ويشير إلى أنها "متطورة أكثر من الحمامات الموجودة في العراق من حيث الديكورات والتصميم، إذ يشعر الزائر لحظة دخوله المكان بقيمة التراث والأصالة المدموجة بالحداثة والتطور والحضارة، التي تجمع بين الحمامات التركية والمغربية والشرقية معا مما يضيف للمكان تميزا يشعرك بأجواء ذاك الزمان".
 
ومن ناحية أخرى تشير مها إلى أن" الذهاب إلى الحمام بين الفترة والأخرى يعمل نوعا من التغيير وكسر لروتين الذي نحتاج إليه دوما، وهذا يولد شعورا جميلا ورائعا، رغم بذل الجهد الكبير للقيام بهذه العملية إلا أنها في النهاية تجد راحة".
  
وتقدم مها نصيحة لكل السيدات "بان يتوجهن إلى الحمام لتجني الكثير من الفوائد، التي تعود على جسدها ونفسيتها بالراحة"
 
ربما الحمام العادي لا يساعد الإنسان من التخلص من الأوساخ العالقة بالجسد بشكل المطلوب فهذا ما أكدته لما من خلال تجربتها وتقول:" يجب على كل شخص القيام بمثل هذه التجربة لأنها بالفعل تعمل على تجديد خلايا الجسم، كما يعمل على تنظيفه بطريقة تختلف كليا عن الاستحمام العادي بحيث يضيف لمعانا وبريقا رائعا على الجسد فضلا عن أن البشرة تصبح ملساء وانعم وكأنه يعيد خلقها من جديدة " 
 
الحمامات.. ليست للجميع
وعلى الرغم من الفائدة الكبيرة التي تتمتع فيها الحمامات إلا أن أسباب كثيرة حالت دون انتشارها بين الأردنيين بشكل كبير.. ومن تلك الأسباب: أولا شح المياه في الأردن بشكل عام  وبالتالي قلة الحمامات نفسها، وارتفاع أسعار دخولها وبالتالي اقتصارها على المقتدرين من الناس، لكن تلك الأسباب بحسب مواطنين قد لا تكون الحجة الكافية لعدم زيارة هذه الحمامات والاستفادة ولو مرة كل شهرين او حتى كل نصف سنة.
 
فالسيدة أم محمد لم تقم بزيارة إلى  الحمام ولكنها من مشجعي الفكرة ومحبيها "لم أقم بهذه التجربة لعدم  توفرها في زمننا، ولكن أبنائي يذهبون للحمام بين الفترة والأخرى، والاحظ مدى انعكاسه ايجابيا عليهم".
 
لكن مها أخفقت بتجربتها الوحيدة بزيارتها لإحدى الحمامات فكما تقول أنها لم تكن بالشكل المطلوب، ولكنها تصف فكرة الحمامات بالناجحة وخاصة للسيدات وتقول:" إنها فرصة تجمع السيدات مع بعضهن البعض في المناسبات مثل الأعراس وغيرها، ثم أن هذه التجربة تشعرك بالارتياح إذ ينأى الإنسان بتفكيره عن أي شي يحيط به من مشكلات ومشاغل حياتية".
 
وتشكو مها من سوء استغلال تلك الأماكن وان هدفها فقط الربح المادي والتجارة دون النظر على أنها مفيدة "اعتقد أن أسعارها ليست مناسبة لجميع الفئات وتحتاج لميزانية إذا فكر شخص بأخذ عائلته، وخصوصا بالمناسبات، على العكس من حمامات الشام تجدها نوعا من التقليد المميز الذي يترك بصمة وصورة جميلة في نفس زائريها فضلا عن تكلفتها الرمزية".
 
ويتفق أشرف مع ما قالته مها " بان هذه الأماكن ليست متوفرة للجميع وإنما مقتصرة على فئات معينة من المجتمع، لان تكلفتها غالية، وبالتالي سينعكس ذلك على الكثير ممن يرغبون بالدخول اليها والمانع هو الوضع المادي وعدم قدرته على الدفع".
 
لا دعاية
محمد عبد الرحمن مواطن أردني مغترب لم يسمع عن الحمامات التركية الموجودة في الأردن بحسب قوله ويعتقد أنها منتشرة في سوريا فقط ولكن يصفها بأنها" فكرة جميلة وإنني أشجعها برغم من عدم معرفتي بوجودها، واعتقد أن عدم الإعلان عنها وبشكل المطلوب هو السبب الحقيقي لذلك، علما بأنه يجب الاهتمام بهذه الأماكن وتعريف السائح بوجودها والمواطن أيضا وستجد إقبالا كبيرا".
 
وهل إن كان سيقوم بزيارتها بعد أن تعرف عليها قال محمد: "بالتأكيد، ولكن إذ توفر بها كل المواصفات المطلوبة، لن أتردد".
 
يمتاز الأردن بالأماكن السياحية المنتشرة في شتى أنحاء العاصمة والمحافظات، إلا أنها مغيبة عن بعض أماكنها القديمة، التي لو تم استغلالها لأصبحت معلما سياحيا يتردد عليه الكثير.
 
ومن بين تلك الاماكن؛ حمام عفرا المتواجد في الطفيلة ويعد من أقدم الحمامات قدما على وجه الأرض الذي يعود بعهده إلى سيدنا سليمان، وما زال موجودا حتى الآن لكنه يشكو الإهمال.

أضف تعليقك