الثلج والإعلام يعصفان بالحكومة

الرابط المختصر

قليلة هي المرات التي يقود التلفزيون الأردني الرسمي الإعلام في مسائلة الحكومة، ولكنه هذه المرة فعلها وكانت العاصفة الثلجية المفاجئة ومحاصرة المواطنين والسياح فرصة لإثبات كفاءة التلفزيون ودوره الريادي عندما يراد له ذلك.مساء الأربعاء داهمت الأردن وخاصة محافظاته الجنوبية عاصفة ثلجية أدت إلى إغلاق الكثير من الطرق، ومحاصرة المئات من المواطنين والسياح الذين عجزت أجهزة الدفاع المدني وأجهزة المحافظات عن إنقاذهم.

وامام هذا الوضع خصص التلفزيون الأردني وقتا طويلا من بثه مساء الاربعاء لتلقي اتصالات المواطنين المحاصرين، واستضافة المسؤولين المعنيين من مدراء الدفاع المدني الى المحافظين وصولا لوزير الداخلية. والى جانب هذا كان خصص وقتا لبث أحوال الطقس والطرق العامة.

على ان اجهزة الدفاع المدني والبلديات عجزت عن فتح الطرق وإنقاذ المواطنين، وكان على مذيعي النشرة مساءلة المعنيين، الامر الذي اغضب وزير الداخلية عيد الفايز الذي هاجم الإعلام، منتقدا ما وصفه بـ"مبالغات الإعلام"، ورفض الوصف الذي أطلقه بيان جهاز الدفاع المدني على المواطنين "المحاصرين" بالثلوج، مصرا على تسميتهم بـ"من تقطعت بهم السبل"، معتبرا ان قضية محاصرة أكثر من ألف مواطن وسائح وعاصفة ثلجية بقضية صغيرة لا تستحق إزعاج الملك بها.

وقد ظهر الوزير عاجزا عن الدفاع عن وجهة نظره، بل وعاجزا عن تبرير التقصير او تقديم حلول فورية لمن تقطعت بهم السبل فحمل الإعلام مسؤولية "المبالغة"، ويبدو ان اكثر ما أثار حفيظة الوزير هو تصدي التلفزيون الرسمي للقضية.

والانكى من كل ذلك، ان الوزير ومحافظ الكرك حملا المواطنين مسؤولية ما حدث، وقد قال الوزير ان المواطنين كانوا على علم بتساقط الثلوج ولم من الضروري الخروج من منازلهم، وكأنه يريد تعطيل الحياة في البلد بسبب الثلج عوضا عن ان تكون اجهزة الدولة حاضرة لمواجهة أي طارئ كهذا.

وقد أدى أداء التلفزيون وخاصة المذيع عساف الشوبكي الذي اظهر تميزا في محاورة الوزير الى تنبيه الصحافة التي صدرت في اليوم التالي بتغطية موسوعة للعاصفة الثلجية والمحاصرين وأداء اجهزة الدولة وتدخل الملك.

وقد كتبت "العرب اليوم" الخميس، تقريرا مطولا حول تقصير اجهزة الدولة، فيما كتبت "الغد" تقريرا آخر.
وفي "الغد" 29/12، كتب سميح المعايطة مقالا بعنوان "حكومات صيفية"، معلقا على أداء هذه الاجهزة، قائلا بنوع من السخرية "نقترح على رئاسة الوزراء إصدار مدونة للسادة المسؤولين بأن أشهر الشتاء تمتد من شهر 10 الى شهر 3، وان الثلوج قد تقطع الطرق وتحاصر الناس، وان مناهل المياه في الشوارع يجب تنظيفها قبل الشتاء، وان الصقيع يأتي في الشتاء ويمكن تخفيف أضراره على المزروعات. وفي نهاية المدونة، ملاحظة بأن مقياس نجاح أي جهاز أو مؤسسة او مسؤول ليس في المؤتمرات الصحافية وجلسات النقاش، بل عندما تأتي المشكلات".

وكتب في "الدستور" 29/12، باتر علي وردم مقالا بعنوان "تسونامي الشوراع الاردنية"، قائلا، وبسخرية أيضا: "وكان الإعلان عن توقع هطول الثلج يعني عملية استنفار تامة في أجهزة الدفاع المدني وتحضيرات غذائية في المنزل ترتبط مع جهود تخزين مصادر الطاقة ومحاولة تصليح أعطال السيارات واستعداد التلفزيون الأردني لاستخراج أغنيات فيروز عن الثلج ومسرحيات عادل إمام وسعيد صالح وربما شراء الناس لكميات من الكستناء التي كانت رخيصة بينما سعادة الأطفال دائما واضحة بسبب التغيب عن المدرسة وفرصة اللعب بالثلج ، ولا يزال كل الناس يتذكرون مظاهر الدهشة التي كانت تنتاب الجميع في صباح يوم مثلج لم يكونوا يتوقعونه. البنية التحتية في شوارع عمان كانت تحتمل أمطارا وثلوجا أكثر مما نراه الآن وكانت الحياة تسير بهدوء وسلاسة والإجراءات المتبعة للتعامل مع الموقف في منتهى الدقة، أما الآن وفي القرن الحادي والعشرين تصبح شوارعنا عبارة عن برك مياه تتعطل فيها السيارات وحركة السير وتتميز بسوء التصرف من السائقين وأزمات سير لا مبرر لها، ويتم حصار مجموعة طلبة جامعيين لمدة ساعات بسبب انقطاع الطرق ويعاني المواطن من عدم القدرة على تحسين الدفء في المنزل بسبب الزيادة الكبيرة في أسعار المحروقات".

على أي حال، فقد اثبت التلفزيون الرسمي قدرة كبيرة في التعامل مع قضية محلية حياتية كهذه، واثبت في الوقت نفسه ان التعاطي مع القضايا المحلية هو أجدى بكثير من نقل أنباء عربية وعالمية عن وكالات الانباء فلا يستطيع التلفزيون منافسة الفضائيات الاخرى.

ان أداء التلفزيون في أزمة الثلج شكلت نقطة مهمة في كيفية ان يكون الاعلام ملتزما بمهمته في خدمة الجمهور وفي اطلاعه على الحقائق، وقد كان لأداء التلفزيون رد فعل كبير في اوساط المشاهدين الذين شعروا للمرة الاولى ربما ان ما يدفعونه من ضرائب شهرية للتلفزيون لا تذهب هدرا.

ولكن هل هذه التغطية كانت مجرد "سقطة"، أم أننا امام تحول جدي في أداء التلفزيون الرسمي؟

أضف تعليقك