التيار الوطني: الحكومة تتمسك بنهج اقتصادي من الماضي

التيار الوطني: الحكومة تتمسك بنهج اقتصادي من الماضي
الرابط المختصر

طالب التيار الوطني الديمقراطي ( تجمع أحزاب معارضة) في مذكرة رفعوها إلى مجلس الأمة تخفيض أسعار الفائدة على التسهيلات الائتمانية للاقتصاد الحقيقي لتمويل المشاريع الاستثمارية بما تتناسب مع الميل العام نحو انخفاض الفائدة عالميا, وتخفيضها على قروض الإسكان وفقا للشروط التي كانت سائدة عند تعاقد العملاء مع المؤسسات المصرفية.

و اعتبر  التيار في المذكرة التي خصها لمناقشة مشروع الموازنة لعام 2009 أن الخلل الرئيسي والخطير في الموازنة "عدم اعتمادها على إيرادات معقولة من الثروات الوطنية والتي قدرت بحوالي  50 مليون دينار على الرغم من مضاعفة قيمة هذه الإيرادات  في هذا العام قياسا للأعوام الماضية".


أوفيما يتعلق بأولويات الإنفاق يرى التيار ان مشروع قانون الموازنة أولويات الحكومة في الإنفاق استنادا لتوجهاتها العامة، في الميادين الاقتصادية والاجتماعية، ولمعرفة هذه الأولويات وبالتدقيق على أهم أبوابها تبين ان الحكومة خصصت 816 مليون دينار تعويضات العمال من رواتب وأجور وضمان اجتماعي،و714 مليون دينار تقاعد وتعويضات ، وبذلك تشكل رواتب العاملين والمتقاعدين حوالي 32% من قيمة النفقات الجارية، في حين شكلت نسبتها في موازنة 2008 إعادة تقدير26.6%، وبنسبة نمو حوالي 25% وقد بلغت قيمة الفوائد على الدين العام الداخلي والخارجي حوالي 435 مليون دينار حوالي9% في حين شكلت الفوائد بموازنة 2008 إعادة تقدير 8.4%،  وبنسبة نمو حوالي 12% ، ومخصصات الجهاز العسكري حوالي 1620 مليون دينار وتشكل حوالي 33.8% ،وكانت في موازنة 2008 إعادة تقدير28.7.% وبنسبة نمو 22.5% وقد أظهرت أبواب الإنفاق المبينة أعلاه زيادة ملحوظة في نفقاتها ، لكن اللافت ان الحكومة تتحدث عن زيادة سنوية للموظفين تقدر بحوالي 7% على الراتب الأساسي، بينما نسبة  نمو حصة الرواتب تصل إلى حوالي 25%، يبدو ان هناك توجه لدى الحكومة بالتوسع في التوظيف خلال العام القادم.

وفيما يلي نص المذكرة:


تناول خطاب الموازنة التوجهات العامة للحكومة بجوانبها الاقتصادية والاجتماعية لعام قادم ، متضمنا التأكيد على تمسكها  “ بالنهج الإصلاحي”  الذي اختطته منذ عدة سنوات ، والغريب ان الحكومة ما زالت تتمسك بهذا النهج الذي ينتمي للماضي ، على الرغم من الانهيار الكبير الذي شهده العالم بفضل هذا النوع من الإصلاح ، بدلا من إجراء مراجعة شاملة لهذه السياسات التي طبقت  بوحي من الليبراليين الجدد، فعلى الحكومة التحلي بالجرأة الكافية والإعلان رسميا بالتخلي عن هذه السياسات التي اعترف الجميع بفشلها، فالحكومة بفضل هذه السياسات عاجزة عن القيام بواجبها أمام ابسط القضايا ، في الدفاع عن المواطنين بتخفيض أسعار السلع الأساسية على ضوء الانخفاض العالمي، لم يعد يملك وزير المالية سوى  مناشدة القطاع الخاص للاستجابة للانخفاض العالمي ، وبلا جدوى ..!  ومع ذلك يعلن ان الحكومة ستواصل حث القطاع الخاص على التجاوب مع الانخفاضات العالمية ..! نعتقد ان “ سياسة الإصلاح “ المزعومة أوصلت الحكومة الى  وضع لا تحسد علية، لا خيارات أمامها سوى إصدار قوانين جديدة لإعادة دور الدولة وحماية المواطنين من جشع التجار واستغلالهم .


   بهذه المقدمة نتفهم بأي منظور قدم مشروع قانون الموازنة العامة للدولة، والذي يشكل الركيزة الأساسية لمنهاج عملها وخطتها للمرحلة القادمة ، فالموازنة تعكس رؤية الحكومة الحقيقية تجاه الشرائح والفئات الاجتماعية ،وبغض النظر عن الطروحات السياسية والإعلامية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي ، فالمعيار الحقيقي لتوجهاتها وسياساتها في هذا المجال، ما تترجمه أرقام الموازنة بشكل ملموس حول الأبواب الأساسية من مصادر إيراداتها، وأولويات نفقاتها، ما هي المصادر الرئيسية للخزينة.؟ وما هي نسبة مساهمة الضرائب في إيرادات الخزينة..؟  وما هي أبواب الإنفاق . .؟   وهل مبدأ إعادة توزيع الدخل،  يحقق قدرا من العدالة الاجتماعية، وبالتدقيق في مشروع قانون الموازنة يتضح ما يلي:

بلغت النفقات العامة المقدرة في مشروع قانون الموازنة للعام المقبل بحوالي 6155 مليون دينار وفق التقديرات الأولية للحكومة  وبزيادة عن موازنة 2008 مقدرة بحوالي 930 مليون دينار, و 465 مليون دينار إعادة تقدير 2008 ، أما الإيرادات المحلية فقدرت بحوالي 4783 مليون دينار بزيادة قدرها 390 مليون دينار عن عام 2008. وبعجز قدره حوالي 1372 مليون دينار قبل المساعدات ، وتقدر نسبة العجز 9.2% من الناتج المحلي الإجمالي.


ومن المتوقع ان تغطي الإيرادات المحلية قيمة النفقات الجارية ، أما النفقات الرأسمالية والبالغ قيمتها حوالي 1365 مليون دينار سوف تعتمد الحكومة في تمويلها على حوالي 688 مليون دينار عن طريق القروض المحلية، وحوالي 684 مليون دينار منحا متوقعة حسب ما ورد في موازنة التمويل, وان كانت هناك شكوك بإمكانية تحققها، وتظهر موازنة التمويل عزم الحكومة على اقتراض حوالي 2788 مليون دينار، منهم حوالي 75 مليون دينار قروضا خارجية، والباقي قروض داخلية، سوف تستخدم هذه القروض لإطفاء دين داخلي مستحق، وإطفاء سندات دين للبنك المركزي، وتسديد عجز الموازنة.
الإيرادات المحلية ومصادرها

    بلغت الإيرادات المحلية المقدرة حوالي4783 مليون دينار منها حوالي 3257 مليون دينار إيرادات ضريبية، وبلغت إيرادات ضريبة الدخل حوالي 664 مليون دينار. أما الإيرادات المحلية غير الضريبية وقيمتها حوالي  1525 مليون دينار، منها حوالي 756 مليون دينار جاءت تحت بند إيرادات بيع السلع والخدمات  ، وهو البند الأهم في الإيرادات غير الضريبية، ومن هذا البند حوالي 250مليون دينار رسوم تسجيل الأراضي، وباقي القيمة عبارة عن رسوم ترخيص مركبات ورسوم محاكم ورخص ، وهي مسميات مختلفة لضرائب تتقاضاها الخزينة من المواطنين ، أما أهم وابرز عائدات الدولة من غير الضرائب فهي حوالي  191 مليون دينار من هيئة تنظيم قطاع الاتصالات، وهو رقم استثنائي يبدو ان له علاقة برسوم ترخيص الجيل الثالث من الاتصالات الخلوية، حيث تقدر قيمة إيرادات العام الماضي بحوالي 97 مليون دينار ، وعائدات التعدين قدرت ب 50 مليون دينار.


أما المنح  وتقدر بحوالي 684 مليون دينار معظمها من العربية السعودية وأميركا،  وقروض محلية بحوالي 688 مليون لتغطية العجز المقدر. 

الإيرادات المحلية 2008-2009


   يتضح من الجدول المبين أعلاه ان معظم مصادر الإيرادات من الضرائب والمنح والقروض، وتشكل الإيرادات الضريبية حوالي 68% من إجمالي الإيرادات المحلية ، أما إيرادات ضريبة الدخل تقدر بحوالي 14% ، وإذا أضفنا بند بيع السلع إلى الإيرادات الضريبية تصبح نسبتها حوالي 84% من الإيرادات المحلية، وتتجه السياسة العامة للحكومة نحو زيادة الإيرادات الضريبية في السنوات القادمة، مما يشكل العبء الضريبي أهم عائق أمام النمو الاقتصادي الحقيقي ، ويمثل رافعة لزيادة التضخم، ويسهم بزيادة الفوارق الاجتماعية كون مساهمة ضريبة الدخل متواضعة مقارنة مع إجمالي الإيرادات الضريبية، وقد لوحظ انخفاض في الإيرادات غير الضريبية للعام القادم مقارنة مع 2008 إعادة تقدير، والسبب في ذلك ان وزارة المالية أدخلت قيمة بيع ارض العقبة 355 مليون دينار ضمن إيرادات الخزينة الأمر الذي أدى إلى تخفيض عجز الموازنة 2008 إعادة تقدير، علما ان جزءا من هذه القيمة دخل ضمن شراء ديون دول نادي باريس كما ما ورد سابقا.

 

     أن الخلل الرئيسي والخطير في الموازنة عدم اعتمادها على إيرادات معقولة من الثروات الوطنية والتي قدرت بحوالي  50 مليون دينار على الرغم من مضاعفة قيمة هذه الإيرادات  في هذا العام قياسا للأعوام الماضية. الأمر الذي يقتضي إجراء مراجعة للأوضاع الاقتصادية، وإعادة النظر بالنهج الاقتصادي السائد ، والتوجه نحو سياسات اقتصادية تستند الى الثروات الوطنية، وتعظيم دور الاقتصاد الحقيقي بإسهامات مباشرة للحكومة بمشاريع استثمارية تنموية بالتعاون مع القطاع الخاص، فقد سقطت سياسات التنظير الليبرالية القائمة على مغادرة الدولة القطاع الاقتصادي، وثبتت صحة الأفكار التي طالبت بتدخل الدولة لتحقيق تنمية اقتصادية، ليس هذا فحسب بل ينبغي التأكيد على ان الأسباب الحقيقية وراء الأزمة المالية في الولايات المتحدة الأمريكية تراجع دور القطاع الحقيقي  - إنتاج الخيرات المادية لتلبية احتياجات المجتمع – لذلك لا بد من التوجه نحو تنمية اقتصادية حقيقية  كخطوة استباقية لحماية الاقتصاد الأردني من الأزمات المرتقبة والناجمة عن الكساد المتوقع ان يداهم اقتصاديات العالم ، والقيام بمشاريع اقتصادية في المجالين الزراعي والصناعي، والاستفادة من الثروات الوطنية المميزة، من البوتاس والفوسفات واليورانيوم والنحاس والصخر الزيتي وغيرها، بالإضافة إلى تطوير القطاع الزراعي النباتي والحيواني، واجتذاب رؤوس الأموال المحلية والعربية للمساهمة بهذه المشاريع ، وإعادة إحياء دور القطاع الاقتصادي المختلط - العام والخاص-  بمشاريع إستراتيجية تنموية مشتركة .

أولويات الإنفاق تعكس الرؤية الاجتماعية للحكومة

يظهر مشروع قانون الموازنة أولويات الحكومة في الإنفاق استنادا لتوجهاتها العامة، في الميادين الاقتصادية والاجتماعية، ولمعرفة هذه الأولويات وبالتدقيق على أهم أبوابها تبين ان الحكومة خصصت 816 مليون دينار تعويضات العمال من رواتب وأجور وضمان اجتماعي،و714 مليون دينار تقاعد وتعويضات ، وبذلك تشكل رواتب العاملين والمتقاعدين حوالي 32% من قيمة النفقات الجارية، في حين شكلت نسبتها في موازنة 2008 إعادة تقدير26.6%، وبنسبة نمو حوالي 25% وقد بلغت قيمة الفوائد على الدين العام الداخلي والخارجي حوالي 435 مليون دينار حوالي9% في حين شكلت الفوائد بموازنة 2008 إعادة تقدير 8.4%،  وبنسبة نمو حوالي 12% ، ومخصصات الجهاز العسكري حوالي 1620 مليون دينار وتشكل حوالي 33.8% ،وكانت في موازنة 2008 إعادة تقدير28.7.% وبنسبة نمو 22.5% وقد أظهرت أبواب الإنفاق المبينة أعلاه زيادة ملحوظة في نفقاتها ، لكن اللافت ان الحكومة تتحدث عن زيادة سنوية للموظفين تقدر بحوالي 7% على الراتب الأساسي، بينما نسبة  نمو حصة الرواتب تصل إلى حوالي 25%، يبدو ان هناك توجه لدى الحكومة بالتوسع في التوظيف خلال العام القادم.


أما أبواب الإنفاق التي شهدت انخفاضا في حصتها من النفقات الجارية مقارنة مع عام 2008 إعادة تقدير هي: دعم المؤسسات الحكومية ودعم  المواد التموينية ، وشبكة الأمان الاجتماعي فقد بلغت حصتها في المشروع  278 و215 و 167 مليون دينار على التوالي، علما إنها بلغت في موازنة 2008 إعادة تقدير و352 و375 و466 مليون دينار. وقد شكلت نسبة الانخفاض في مخصصاتها 45% وذلك بتأثير الانخفاض العالمي للأسعار الناجم عن حالة الركود الاقتصادي.


أما النفقات الرأسمالية فقد استحوذت المباني والإنشاءات والأراضي على 52.5% من النفقات الرأسمالية وقدرت بحوالي 717 مليون دينار ونفقات إدامة وتشغيل حوالي 11% ومعدات وآلات ومركبات حوالي 8.3% ،وقد شكل نصيب وزارتي الصحة والتعليم حوالي 211 مليون دينار  15.4% من إجمالي النفقات الرأسمالية.

جدول يوضح  نسبة نمو النفقات الجارية خلال عامي 2008- 2009

 

يتضح مما تقدم  ان نسبة نمو النفقات الجارية تشكل حوالي 3.4% بشكل إجمالي، وهي نسبة غير مرتفعة،  لكن التعديلات الملموسة بحصص بنود الإنفاق أدت إلى نمو بعض البنود بشكل كبير وانخفاض بنود أخرى ، فقد تراجع نصيب النفقات المتعلقة بدعم المواد التموينية وشبكة الأمان الاجتماعي بحوالي 459 مليون دينار ، وتخفيض حصة دعم المؤسسات الحكومية بحوالي 74 مليون دينار، وبذلك تبلغ قيمة التخفيضات على البنود الثلاث 533 مليون دينار، كان يفترض الاستفادة من هذه التخفيضات لصالح تخفيض عجز الموازنة والبالغ قيمته 688 مليون دينار لكي يتراجع العجز إلى 155 مليون دينار، اما النفقات الرأسمالية والتي سيتم تمويلها عن طريق الاقتراض او المنح في حال تحققها ، من المفترض حصرها بالنفقات الأكثر أهمية، مثل حصة وزارتي الصحة والتعليم والنفقات الضرورية المتعلقة بالصيانة والإدامة والتشغيل، وما يحتل أولوية للبنية التحتية المرتبطة بالزراعة والمشاريع الاستثمارية، وإنهاء فكرة تمويل مشاريع عن طريق القروض، فهي ليست ضرورية من حيث الأهمية لدولة تعاني من عجز كبير في الموازنة ومديونية مرتفعة، وبذلك يمكن تخفيض جزء من النفقات الرأسمالية والمتعلقة بالإنشاءات والأراضي والسيارات للسيطرة على عجز الموازنة وتقديم موازنة بلا عجز، في حال وفاء الدول المانحة بتحويل المساعدات كما هي واردة في مشروع قانون الموازنة. مع الاعتقاد السائد بان قيمة المساعدات الواردة مبالغ بها على ضوء الأزمة الاقتصادية التي طالت الدول المانحة.


النفقات الجارية 2009 كما في مشروع قانون الموازنة

 

المديونية الداخلية والخارجية
لا شك ان المديونية من اخطر ما يواجه الاقتصاد الأردني لعدم تمكن الحكومة الوفاء بالتزاماتها وتسديد الإقساط والفوائد بمواعيدها، فتتجه الحكومة نحو المزيد من الاقتراض لتغطية خدمات المديونية، ليس هذا فحسب بل تقوم الحكومة بتمويل الانفاق عن طريق الاقتراض ،الامر الذي يستنزف قدرات الخزينة اولا والمواطن ثانيا بصفته دافع الضرائب، ما يولد شعورا عاما بان السياسة الضريبية ليست اكثر من جباية، لم تنطلق فلسفة الضريبة المطبقة من مبدأ اعادة توزيع الدخل بهدف تحقيق برنامج وطني اجتماعي يوفر الحماية للفقراء من الجوع والبطالة.
فتشير دراسة لدائرة الإحصاءات العامة ان 10 بالمئة من السكان لا يزيد دخل الفرد منهم على دينار واحد يوميا, وان تكلفة الخدمات الصحية والتعليمية أصبحت ترهق موازنة الأسر من مختلف الشرائح الدنيا والمتوسطة، كون جزءا مهما من الإيرادات الضريبية لا ينفق بالاتجاه الصحيح فعلى سبيل المثال ينفق أكثر من 9 بالمئة من النفقات الجارية على فوائد الديون، بينما ينفق على وزارة الصحة حوالي 7 بالمئة ووزارة التربية والتعليم 10 بالمئة من النفقات الجارية ،مما يشير الى ضخامة العبء الذي تشكله المديونية وخدماتها على المجتمع.


 حاولت الحكومة إقناع الرأي العام انها خفضت عبء المديونية حين تم تسديد ديون دول نادي باريس من عائدات التخاصية والبالغ قيمتها حوالي 1.5 مليار دينار إضافة الى جزء من  قيمة ارض ميناء العقبة ، ليكتشف المواطن ان الديون الخارجية والداخلية المترتبة على الدولة وفق احدث تقرير للبنك المركزي الصادر في شهر أيلول الماضي 7842 مليون دينار علما ان قيمة الدين العام قبل تسديد دول نادي باريس في نهاية العام الماضي بلغ 8199 مليون دينار وبذلك بلغ الانخفاض فقط 358 مليون دينار، ما يعادل ثمن ارض العقبة وحدها ربما يتساءل البعض اين ذهبت عائدات التخاصية المليار ونصف المليار ..؟  تبين ان الحكومة بعد تسديد  1673مليون دينار لدول نادي باريس، قامت باقتراض 1315 مليون دينار باصدار سندات خزينة وقروض داخلية.


يتضح مما تقدم ان الحكومة اقترضت خلال العام الحالي هذه المبالغ لتغطية النفقات والعجز المتكرر والمدور، والسؤال المطروح اذا كانت الحكومة استخدمت عوائد التخاصية كافة لتغطية العجز المدور، ما هي مصادرها الجديدة لتغطية العجز المترتب على زيادة الإنفاق في الأعوام المقبلة خاصة اذا ما أضفنا تأثير المستجدات العالمية على الاقتصاد الأردني، فمن المتوقع انخفاض إيرادات الموازنة، فليس هناك ضمانا باستمرار المنح كما وردت في الموازنة، كما ان الحكومة طرحت موازنتها للعام القادم على أساس زيادة الإيرادات الضريبية بحوالي 13 بالمئة علما ان كل التقديرات تشير إلى أن انخفاضا ملموسا سوف يطرأ على النمو الاقتصادي، فما هي المعطيات التي استندت اليها في مثل هذه التقديرات وكيف نفسر تصريحات وزير المالية ان مشروع قانون الموازنة استجاب وتحوط للازمة المالية وأثرها على الاقتصاد الوطني، ويتحدث عن نسبة نمو اقتصادي للعام المقبل تتراوح ما بين 5 و 6 بالمئة، هل هذه التقديرات اخذة بعين الاعتبار آثار الأزمة على البلاد، وكيف استجابت الموازنة للازمة، هل بفرض ضرائب جديدة على المواطنين . .؟


الموازنة العامة في ضوء الأزمة المالية والاقتصادية


قدمت الحكومة مشروع قانون الموازنة دون أية اعتبار او مراعاة للمستجدات التي يشهدها العالم ، على الرغم من التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء أمام مجلس النواب بقوله،  واهم من يعتقد إننا بمنأى عن الأزمة العالمية مشيرا الى الآثار السلبية على القطاعات الاقتصادية الحيوية كالصادرات الوطنية والسياحة وحوالات الأردنيين العاملين في الخارج, وبالتالي على النمو الاقتصادي بالمملكة وعجز الحساب الجاري لميزان المدفوعات.
وعلى أهمية الاستنتاجات التي توصل إليها رئيس الوزراء في حديثه مع النواب حول فشل سياسة اقتصاد السوق, والمساعي الأمريكية من اجل تعميم هذه السياسة على بلدان العالم, وما احدثته هذه السياسات من أزمة مالية واقتصادية عالمية وآثارها على الاقتصاد الأردني, الا ان الاعتراف بهذه الحقيقة ليس كافيا, ان الوصول لمثل هذه الاستنتاجات  يتطلب اتخاذ إجراءات واسعة لتصويب الأوضاع الاقتصادية ، ووقف معاناة الغالبية العظمى من أبناء المجتمع الأردني، ان فشل  سياسة اقتصاد السوق وتحرير الأسعار ، وتحرير التجارة الداخلية والخارجية، وسياسة التخاصية،السياسات المسؤولة عن الكوارث والويلات في العالم ، يتطلب اتخاذ إجراءات وتدابير ملموسة لمواجهة الأزمة ومن ابرزها ما يلي:-

 
*إعادة هيكلة الموازنة على أسس جديدة بإعطاء الأولوية للخدمات الصحية والتربوية، والبنية التحتية التي تخدم مشاريع إنتاجية، وتجميد النفقات الرأسمالية المتبقية والتي تعتمد بتمويلها على الاقتراض ، ووقف سياسة الإنفاق عن طريق الاقتراض، وتجميد المشاريع غير الحيوية التي ليس لها تمويل.

* إتباع سياسات مالية تسهم  بتخفيض عجز الموازنة من خلال ضبط النفقات العامة وتخفيض نسبة نمو الإنفاق السنوي بما يتناسب مع نمو الإيرادات المحلية ووقف سياسة الهدر والإنفاق الحكومي واستنزاف أموال الدولة والحد من الاستثمار بالمشاريع العقارية الضخمة على غرار مشروع مجمع الدوائر الحكـومية البــاهظ التكاليف وغيرها من المشاريع غير الضرورية.

* تحقيق إصلاح ضريبي ينطلق من مبدأ تفعيل الضريبة التصاعدية المنصوص عليها في الدستور، وزيادة الإيرادات الضريبية من القطاعات المالية وشركات التأمين والاتصالات، بهدف زيادة الإيرادات للخزينة وتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية ، واستخدام السياسة الضريبية كأداة لتطوير القطاعات الإنتاجية.
* تقليص ضريبة المبيعات  وبشكل خاص على القطاعات الإنتاجية والمواد الغذائية وحصرها علي السجاير والمشروبات الروحية والسيارات والكماليات.

* وضع قواعد وأسس ضبط للإنفاق ومراقبة وتعزيز دور ديوان المحاسبة بما يحفظ المال العام من التبذير او الضياع والاختلاس.ومكافحة كافة إشكال الفساد المالي والإداري  ومعاقبة الفاسدين.

* تحقيق تنمية اقتصادية هادفة  كخطوة هامة  وضرورية لحماية الاقتصاد الوطني  من اثار ونتائج الركود الاقتصادي العالمي، بهدف تعظيم دور القطاعات الإنتاجية  في المجالين الصناعي والزراعي، و من المفيد التذكير ان احد اهم  أسباب الأزمة الاقتصادية في اميركا ضعف الاقتصاد الحقيقي .      *توفير مناخ استثماري نحو مشاريع إستراتيجية مولدة للدخل بالاعتماد على الثروات الوطنية، واستقطاب رؤوس اموال محلية وعربية لانشاء قطاع اقتصادي مختلط  بين القطاعين العام والخاص ، وتوفير فرص عمل للحد من زيادة معدلات البطالة والاعتماد على الذات بتوفير الاحتياجات الضرورية.

*الاهتمام والعناية بالقطاع الزراعي بفرعيه النباتي والحيواني لتوفير الأمن الغذائي للبلاد، لمواجهة أزمة الغذاء العالمي ، والحد من استيراد المنتجات الزراعية ، لذا لا بد من التدخل الحكومي من اجل حماية وتطوير هذا القطاع  ودعمه بما يحقق هذه الأهداف.

* تخفيف عبء المديونية والتخلي عن سياسة الاقتراض ووقف بيع سندات الخزينة لتمويل الإنفاق الحكومي التي تمتص السيولة في الأسواق المحلية, وتسهم بزيادة الأعباء على الخزينة لتكلفتها المرتفعة.

* تخفيض أسعار الفائدة على التسهيلات الائتمانية للاقتصاد الحقيقي لتمويل المشاريع الاستثمارية بما تتناسب مع الميل العام نحو انخفاض الفائدة عالميا, وتخفيضها على قروض الإسكان وفقا للشروط التي كانت سائدة عند تعاقد العملاء مع المؤسسات المصرفية.
 * تعزيز وتطوير وتكثيف الرقابة على البنوك والمؤسسات المالية وشركات البورصة, ورفع نسبة التأمينات بما يتناسب مع حجم تعاملاتها في السوق المالي, وزيادة نسبة الاحتياطي لدى البنك المركزي  وخاصة بعد إعلان الحكومة عن ضمان كافة الودائع في البنوك حتى نهاية عام 2009 , كي لا  تتحمل الخزينة اية مخاطر جراء هذا القرار،  مع توفير الضمانات الكافية لحماية اموال المستثمرين والمودعين بشفافية عالية.

* وقف سياسة الانفلات الاقتصادي، وحماية المواطنين من جشع التجار بوضع سياسات ثابتة لتسعير السلع والمواد الأساسية، ومراقبة تطبيق هذه السياسات، بإعادة وزارة التموين.

* الإشراف على التجارة الخارجية وربطها بالمصالح العليا للبلاد وبما يسهم في تخفيض عجز الميزان التجاري الذي بلغ 5195 مليون دينار خلال الشهور التسعة من العام الحالي.

*وقف سياسة الخصخصة على ما تبقى من قطاعات مملوكة للدولة، وخاصة في المجالات الصحية والتعليمية.
* طرح برامج وطنية لمعالجة قضايا الفقر والبطالة، واحتساب  زيادة رواتب الموظفين على إجمالي الراتب وليس على الراتب الأساسي كما أعلن وزير المالية والفروقات شاسعة ما بين طريقتي الاحتساب.

* في ضوء تجاهل مشروع قانون الموازنة من أي إشارة للإصلاح السياسي الذي هو قاعدة الإصلاح الشامل الأساسية والفعلية وفي كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية, فإننا نطالب مجلس الأمة بالعمل على إعادة الاعتبار الى منحى التطوير في النظام السياسي لصالح الحقوق الدستورية للمواطن والحقوق المهنية والمعيشية للعديد من القطاعات ومنها الشباب والطلاب والمعلمين والعمال والمرأة ولصالح التحولات والتغييرات الديمقراطية, ومن اجل تحديث القوانين والتشريعات بما ينسجم مع الحقوق التي كفلها الدستور, وإلغاء كافة القيود والمحددات التي فرضتها الحكومات المتعاقبة على حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والعمل الحزبي والنقابي والمؤسسات الأهلية, وإصدار قانون انتخاب ديمقراطي يعتمد النسبية, ودعم حقيقي للأحزاب من الخزينة العامة وبقانون يصدر عن مجلس الأمة.