التهدئة بين حماس وإسرائيل.. ازدواجية اللغة والتكتيك?

الرابط المختصر

ثمّة مفارقة عجيبة في ترحيب التيار الاسلامي واسع النفوذ في الأردن والمتداخل مع حماس باتفاق التهدئة الذي أبرم قبل أيام بين هذه الحركة الإسلامية الفلسطينية وإسرائيل بوساطة مصرية.

المفارقة تكمن في ازدواجية اللغة حيال الموقف من الجهات التي تتعاطى مع إسرائيل. فالتيار الاسلامي ما يزال متمسكا بهدف إلغاء معاهدة السلام التي وقعتها المملكة مع إسرائيل عام 1994 عبر اللجوء إلى مختلف الوسائل القانونية والديمقراطية المتاحة. وهو لا يتوقف عن المطالبة بطرد السفير الإسرائيلي وإغلاق سفارة الدولة اليهودية في عمان وإرجاع السفير الأردني من تل أبيب, كلما شنّت إسرائيل غارة جوية على الضفة الغربية او قطاع غزة.

لكن عندما يخدم التسكين عبر التهدئة والتكتيك وضع الحليف ويساعده على شرعنة موقفه, تنقلب الآية.

في تصريح لـ »العرب اليوم«, يرحّب جميل أبو بكر, الناطق الإعلامي باسم الإخوان المسلمين في الأردن, باتفاق التهدئة, قائلا: "في ظل هذه الظروف والمعطيات والشروط القائمة أصبح أمرا مفترضا لا بد منه". ويشرح الناشط الإسلامي الأردني "أن الهدنة مع العدو جائزة ضمن شروط زمنية أو سياسية بحيث لا يحصل أي تنازل عن الحقوق حتى تتحسن الظروف للقتال, بخاصة إذا كانت الأراضي مقدسة".

محلّلون في الشأن الإسلامي والقضية الفلسطينية, يرون أن الإزدواجية في المعايير الأخلاقية والمواقف السياسية حال حركات التحرر كافة التي تفتعل البراغماتية والواقعية السياسية بمجرد أن تشم رائحة الوصول إلى السلطة وتعزيز المكاسب والحضور والنفوذ. الأمر قد ينسحب على حماس التي انتزعت السلطة وترغب في الاحتفاظ بها, ومن حقها ذلك.

ويتساءل هؤلاء عن المكاسب, الرابح والخاسر? حين تصبح التهدئة نجاحا كبيرا لدبلوماسية البندقية, تزف للشعب الفلسطيني بصفتها مكسبا كبيرا سيوفر الدم والدمار على الفلسطينيين, ينهي الحصار ويفتح المعابر بغض النظر عن الشروط والترتيبات التي تمخضت عنها المفاوضات الصعبة والطويلة والسرية بوساطة مصرية ودعم أمريكي مباشر وغير مباشر, من دون التزام سوى الامتثال التام لوقف النار ووقف جميع الأنشطة العسكرية.

ضمن هذه المعادلة يستمر التساؤل: "لماذا لا تلجأ حركات التحرر إلى الانتهازية السياسية التي تتعلمها باستمرار من الدول والحكومات العربية والاجنبية, لان المهم في نهاية المطاف خدمة المصالح الذاتية على حساب القضايا القومية والمصالح الاستراتيجية? فكيف إذا سعى جميع اللاعبين إلى تثبيت الأوضاع القائمة وإعادة ترتيب الأوراق على أمل جمع مكاسب في مرحلة الضعف الامريكي. ينسحب ذلك على الرسميين; عربا وإسرائيليين, وعراقيين (رئيس الوزراء نوري المالكي ونائبه طارق الهاشمي) وإيرانيين فضلا عن أحزاب مثل حماس وحزب الله اللبناني.

فالجميع يسعى لاستغلال الفترة المتبقية لرئاسة جورج بوش وجمع أكبر عدد من الأوراق.

في خلفية المشهد الاقليمي اتصالات غير مباشرة بين إسرائيل وأطراف مثلث الممانعة في المنطقة; سورية, حماس وحزب الله. رغم ظاهر العداء بين هذين الخندقين فإن النتائج قد تبشر بالخير ولو مرحليا في ملفات كان يصعب, قبل فترة قصيرة, تصور أي نهايات إيجابية لها. هدوء على جبهات المواجهة بين غزة واسرائيل, عبر تفاهمات تقضي بوقف اعمال المقاومة التي اقتصرت أخيرا على صواريخ حماس التي ساهمت في اثبات الوجود وتكريس قوّة الأمر الواقع حتى ولو كانت أضرارها أكبر من منافعها, بحسب ساسة ومراقبين. في المقابل باتت توصم سلطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله بالمستسلمة. الأمر ذاته ينسحب على الحركة الدبلوماسية النشطة على اكثر من جبهة في الشرق الأوسط الجديد من إجراء محادثات سورية-اسرائيلية غير مباشرة بوساطة تركية إلى صلح الدوحة لحل الأزمة في لبنان, وصولا إلى الهدنة بين حماس وإسرائيل والمفاوضات بينهما حول صفقة تبادل الاسرى.

من أبرز المفارقات الأخرى أن مناهضة نهج التفاوض مع إسرائيل لا تنطبق, في نظر الممانعين العرب, على خصوم الداخل المحليين حتى من أبناء الجلدة الواحدة أو الخصوم الإقليميين. رغم التهدئة في غزة, فإنه لم يحصل تقارب بين فتح وحماس حتى الآن حيال المطالب الوطنية والقضية الفلسطينية. كذلك الحال في لبنان, حيث لم يعكس حزب الله خطابا ينادي بالتهدئة الداخلية ودعم الدولة شانه في ذلك شأن غالبية اطراف المعادلة السياسية اللبنانية, مع انه يتفاوض مع اسرائيل- كما فعل في السابق- لتأمين عودة الأسرى. أما سورية فلا مشكلة لديها في الدخول في مفاوضات من أجل استطلاع الآفاق وكسب الوقت وتخفيف ضغوط أمريكا حول المحكمة الدولية فيما تتصدع علاقات دمشق, لم تنجح في رأيه بعد أي وساطة عربية مباشرة وغير مباشرة.

حين لم تكن في دائرة الاهتمام, تلك الأطراف كانت تعرقل المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية مثلا أو تفرمل فرص إنهاء الاستعصاء اللبناني.

الجميع إذا يحاول إدارة النار على قرصه على حساب الآخر. مثل حكاية "اعتدال" التي ذهبت إلى الطابون لخبز أرغفة تسد من رمق أشقائها, لكنهم غافلوها ونتشوا الخبز من باب النار لتبقى جوعانة.

الضحية الأكبر لتلك الممارسات الانتهازية- إلى جانب أبناء القضية أنفسهم, هي دول الاعتدال العربي, التي تخسر جولة بعد اخرى. أحلام هذه الدول بحلحلة القضية الفلسطينية قبل نهاية العام تبخرت, وبالتالي تعطل مفتاح إطفاء الأزمات الأخرى في العراق, لبنان وسورية. هذه المعادلة, فتحت الباب واسعا أمام تمدد النفوذ الايراني في ظل تخبّط أمريكي. السعودية ومصر, كما يرى بعض المراقبين, اعطتا الاولوية لمصالحهما الذاتية على حساب قضايا الأمة.

إذن تسير الرياح بغير ما تشتهي أشرعة الاعتدال. وفشل الرهان الأردني على أمريكا ومن ورائها السعودية ومصر. يقف الأردن مكبل اليدين تحت ضغوط اقتصادية وسياسية امريكية, استحقاقات معاهدة السلام مع إسرائيل, والحاجة الى دعم مالي من السعودية. تحاول أمريكا جاهدة تقييد عمان في الحديث مع حزب الله وفي التقارب مع سورية, وفي إعادة التواصل مع حماس بحجّة أنها لا تلتزم شروط الرباعية الدولية. وهي مارست ضغوطا كبيرة على المملكة لاستقبال رئيس الوزراء العراقي رغم تحفظات الأردن وغيره من الدول العربية على سياساته وأدوار الاحزاب التي تشكل حكومته.

واليوم تجد عمان نفسها مرغمة على أن تتعايش مع هدنة غزّة الأخيرة التي تلقى قبولا لدى فئات واسعة من الشعب الأردني مع أن الحكومة لم تصدر بعد أي تصريح رسمي ترحب فيه بالاتفاق على قاعدة أنه يساعد على رفع معاناة أهالي غزة ويفتح صفحة جديدة بين حماس وفتح التي تسيطر على الضفة الغربية. وعليها ان تتأقلم مع واقع جديد ازدادت حماس فيه قوة على حساب الرئيس عباس, حليف الأردن الاستراتيجي بسبب خذلان إدارة بوش له و لدول الاعتدال العربي. فلم تعد منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني, بحسب قرارات القمم العربية المتتالية منذ عام ,1973 وإنما صارت حماس غير المنضوية تحت لواء المنظمة, أيضا تمتلك حق تمثيل شرائح واسعة من الشعب الفلسطيني من دون أن تكون جزءا من التركيبة الرسمية.

أما إسرائيل فبامكانها التبجج بأنها تتحدث اليوم مع كيانين منفصلين: على خارطة طريق, ليس لها بوصلة, مع أبي مازن وعلى هدنة مع حماس ما يصب في مصلحة دولة الاحتلال التي لن تقبل بقيام دولة فلسطينية في ما تبقى من الضفة الغربية وقطاع غزة.

كيف سيتصرف الاردن الرسمي أمام هذه الاستحقاقات في زمن ما زالت الدولة تصر فيه على عدم الحديث مع تنظيمات داخل دول? وفي حالة حماس, على تسوية القضايا الامنية العالقة بين عمان والحركة على خلفية ضبط اسلحة ومتفجرات تقول الرواية الرسمية انها كانت موجهة ضد الاردن?

المسؤولون يفضلون التكتم بانتظار خطوات لاحقة مرتقبة مثل عودة الأسير في القطاع جلعاد شاليت, وفتح المعابر ومدى سيطرة حماس على سائر فصائل المقاومة في القطاع وفيما إذا كانت قادرة على منعهم من تعكير الهدنة, لتحكم اذا كانت الهدنة تغير استراتيجي او مجرد تكتيك.

كما تريد عمان الانتظار لرؤية من الدول العربية والغربية ستتصل مع حماس والاعتراف بها بعد أن أصّرت على مقاطعتها منذ فوزها في الانتخابات التشريعية عام .2006 كما يحتاجون إلى وقت لرؤية اذا ما كانت اسرائيل ستوقف عملياتها العسكرية في الضفة الغربية ام انها مجرد لعبة ليدخل وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك على خط منافسة رئيس الوزراء ايهود اولمرت الذي يواجه مصيرا سياسيا بائسا بسبب تحقيقات فساد قد تطيحه من موقعه وتحضر الاجواء لانتخابات جديدة. يدخل باراك من باب انه استعاد الأسير شاليت ونجىّ الاسرائيليين من خيار اجتياح غزة الذي كان سيوقع خسائر بشرية كبيرة لدى الجانبين, وقد تثبت في النهاية انها لم تكن حاسمة في انهاء الهجمات الصاروخية عبر الحدود التي يشنها نشطاء. لذا أدخلت بنود مرحلية لقياس التنفيذ وأجلت أي عمليات لحين اطلاق سراح شاليت.

لكن سيأتي اليوم الذي سيضطر فيه صاحب القرار القبول بالأمر الواقع الذي تفرضه هدنة حماس مع إسرائيل ومع القبول بأن فترة حكم أبي مازن ستنتهي مع قرب استحقاق الانتخابات التشريعية مطلع العام المقبل, وأن على عمّان "العمل على إخراج جميع بيضاتها التي وضعتها في سلة أبي مازن, ووضعها في سلال أخرى ومن ضمنها سلّة حماس".

ذلك يتطلب أيضا بدء ارسال اشارات رسمية تدعم المصالحة بين السلطة الفتحاوية والحماسية على أمل انجاز توافق على حكومة وحدة وطنية تضم حماس, ما يساعد الاردن على تجنب الحديث المباشر مع حماس وانما الاتصال معها بصورة غير مباشرة عبر شراكتها في الحكومة الجديدة. هذا يساعد المملكة على شراء الوقت قبل صدور أحكام نهائية اذا كان ما قامت به إسرائيل مع حماس يمثل تغييرا استراتيجيا, او انه مجرد تكتيك لتجاوز التداعيات الداخلية وتحويل انظار العرب صوب إيران وسورية ولبنان على حساب حلّ المسار الفلسطيني وبدء تقطيع الاراضي المحتلة الى كيانين منفصلين بانتظار قدوم إدارة أمريكية جديدة تقرر استراتيجيتها تجاه المنطقة.

* نقلا عن العرب اليوم