التلفزيون الأردني: مسلسل مكسيكي طويل عن سقف الحرية والتطوير

الرابط المختصر

التلفزيون الأردني، مثله كمثل، الكثير من ملفات القضايا الإعلامية مفتوح دائما على الأخذ والرد وهو يحظى بمعظم الجدل كونه الوسيلة الإعلامية الأكثر شعبية، وبقي على الدوام محل ارتباط واهتمام ومتابعة الحكومات وأجهزة السلطة التنفيذية.مؤخرا شهد التلفزيون تغييرات عديدة أشارت إلى بداية عصر جديد في الانفتاح الذي طال انتظاره وكتب عنه الكثير. ولكن ما أن بدأ المشاهد بتلمس بعض هذه التغييرات حتى ارتكس التلفزيون مرة أخرى وعاد إلى عاداته القديمة للعمل تحت سقف حرية اقل انخفاضا.



وفي هذا السياق، يعتبر بعض المحللين أن الدورة البرامجية الجديدة وما حملته من محو لبرامج حوارية اتسمت بسقف حرية أعلى وشكلت منبرا للرأي والرأي الآخر، والتركيز على البرامج الترفيهية والعودة إلى قديم التلفزيون في البرامج الحوارية القابلة للضبط والربط، هذه اعتبرت من قبل المحللين نكوصا عن ما تحقق نحو إعلام أكثر حرية.



في حواره مع صحيفة "العرب اليوم"، يعزو المدير العام لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون، محمد الصرايرة، وقف ثلاثة برامج حوارية سياسية إلى "وجود 16 برنامجا تتشابه من حيث الشكل والمضمون".



وتؤكد معلومات تم استقصاؤها من مصدر مطلع أن استطلاعات للرأي لم تنشر، ومنها استطلاع أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، أن البرامج ("مثلث الحوار" تقديم جميل النمري، و"قضايا وأحداث" تقديم عريب الرنتاوي) تحظى بنسب مشاهدة عالية، وتحل ثالثا بعد نشرة أخبار الساعة الثامنة والمسلسل اليومي، إلا أن الصرايرة في مقابلته يورد العكس، إذ يقول: "لدينا استطلاعات للرأي تؤكد العكس. وقد كان أحد أسباب وقفها أنها لا تحظى بنسبة مشاهدة عالية، بل أن نسبة مشاهدتها كانت متدنية، ومتدنية جدا".



بيد أن جميل النمري، مقدم برنامج "مثلث الحوار" الذي محته الدورة البرامجية الجديدة، يرى أن برنامجه حديث نسبيا (عام ونصف) وما زال في مرحلة صعود. "وقد أخبرني المدير السابق ورئيس مجلس الإدارة أنه الأول بين البرامج الحوارية".



ومع ذلك فإن الصرايرة يؤكد على أن البرامج الحوارية التي كانت قائمة لم تكن "صيغة انفتاح سياسي وفكري منظم، لم تشكل قيمة الحوار الفكري والسياسي بمستوى متقدم وراق". في حين يرى في البرامج القائمة "سقف حرية مرتفع جدا، ولكنها تعالج الأشياء بمسؤولية، وعلى سبيل المثال فبرنامج "يحدث اليوم" يتناول قضايا بمساحة كبيرة جدا، وبرنامج "من عمان بصراحة" يطرح قضايا تأتي في صميم اهتمامات المجتمع الأردني".



ويرد النمري: "من الواضح أن النية كانت مبيتة لوقف بعض البرامج لأسباب لا صلة لها بالنجاح أو نسبة المشاهدة، بل العكس فقد تم التمهيد ببرنامج بديل هو "من عمان بصراحة" الذي ظهر قبل عدة سنوات ولا ينطوي على أية فكرة جديدة أو تطوير. استبدلت كل البرامج الحوارية ببرنامج واحد وفق المقاسات المرغوبة".

ويتحدث جميل النمري عن نزعة محافظة تطرأ على التلفزيون، وعن تراجع الحماس لشعار التنمية السياسية.

"المسار الذي كان يسير به التلفزيون، وهو الانفتاح الليبرالي المهني، توقف مع مجيء المدير العام الجديد، هذا واضح وملموس لكل من يراه. هل هو جزء من تغيير عام، أعتقد ذلك بنسبة معينة. هناك مظاهر منذ ما قبل التعديل الحكومي كان هناك هجمة على التنمية السياسية، وتم تنحيتها كشعار على الأقل، أصبحت المسألة أكثر غموض. نشتم في الجو رائحة وجهة محافظة تعتبر أن الباب فتح أكثر من اللازم للهواء الليبرالي والديمقراطي. لا نلمس تغيرات دراماتيكية لكن ما يمكن أن يكون عمليا هو لجم ووقف الموجة التي بدأت باتجاه التغيير والتنمية السياسية والليبرالية".

قضية إلغاء البرامج الثلاثة أثيرت في مجلس النواب، وطرح بعضهم تساؤلات وطالب آخرون بعودة البرنامج. لجنة التوجيه الوطني في المجلس ناقشت الموضوع، والتقت المدير العام للتلفزيون الذي أفادت ادعاءاته بانخفاض نسبة مشاهدة هذه البرامج. لكنه لم يطلع اللجنة على استطلاع الرأي المذكور.

وأفاد رئيس لجنة التوجيه الوطني في مجلس النواب، خالد البريك، أن اللجنة التقت بالمدير العام لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون وشرحت له وجهة نظر النواب والفعاليات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ممن وجهوا ملاحظات حول برامج التلفزيون.

"عطوفة المدير العام كانت له وجهة نظر ممكن أن تكون خاصة به شخصيا أو سياسة الإذاعة والتلفزيون كمؤسسة فاعلة وعاملة في الحكومة، ولكن هو مع التجديد والتطوير".



وأشار البريك إلى دراسات وإحصائيات تحدث عنها الصرايرة أمام لجنة التوجيه الوطني، دللت على تدني نسبة مشاهدة البرامج التي تم توقيفها.

"لم نطلع على الاستطلاع، لكن تم توجيه هذا السؤال على المدير العام، بحضور معالي رئيس المجلس الأعلى للإعلام إبراهيم عزالدين. وقد وعد بموافاتنا في المستقبل بنتائج هذه الدراسات والاستطلاعات. يجب أن نطلع على هذه الدراسات ومن أية جهة هي وما الأسس التي اتبعت لتقييم هذه البرامج".

وأشار النائب إلى لقاء قادم مع الصرايرة، بحضور وزيرة الثقافة، الناطق الرسمي أسمى خضر، لمناقشة البرامج النوعية والهادفة اللازمة للتلفزيون.

تشير المعلومات المتجمعة من مصادر عدة أن صراعا خفيا يدور خلف كواليس التلفزيون حول التوجهات الجديدة التي عبرت عنها الدورة البرامجية الحالية، التي أعدت من خلف ظهر الدكتور مصطفى حمارنة، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، وفقا ما نقلته صحيفة "الهلال" في عددها الأخير عن النائب جمال الضمور. ويدور كلام كثير عن محاولة خفض سقف الحرية في التلفزيون ليس إلغاء البرامج الحوارية الثلاثة سوى احد مظاهره.

ويعتقد على نطاق واسع أن أعضاء مجلس إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون منقسمون على أنفسهم بين دعم السياسية الانفتاحية والتوجهات الجديدة ولقد حاولنا استطلاع رأي أعضاء المجلس بيد أن اغلبهم آثر التهرب وعدم الرد، وآخرون أكدوا ما قاله مدير التلفزيون.

ورغم إلحاحنا على عضو المجلس طوني صباغ، للتعليق على الدورة البرامجية الجديدة، إلا انه أصر على عدم التعليق طالبا الرجوع إلى الصرايرة أو التحدث مع أعضاء المجلس الآخرين. وأخيرا رفض الحديث بدعوى عدم توفر الوقت.



عدنان عبيدات، عضو آخر في مجلس الإدارة، اعتذر أيضا عن التعليق لـ"إنشغاله وضيق وقته". وعندما طلبنا موعد للاتصال به في اليوم التالي اعتذر، وعن الأسبوع القادم قال أنه سيكون "مشغولا طوال الفترة القادمة".



عضو مجلس إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، محمد كعوش، رفض التعليق طالبا منا كذلك الرجوع للمدير العام، الصرايرة، للحديث حول الموضوع.

ولم نحظ بأي تعليق من رئيس مجلس الإدارة، مصطفى حمارنة، رغم محاولاتنا الاتصال به منذ شهرين. وأبلغتنا مصادر مقربة منه أنه "مستاء جدا مما يجري في المؤسسة".

والخلاف بين الصرايرة وحمارنة، حول مدى حرية التلفزيون، لم يعد سرا بعد أن خرج إلى صفحات الصحف. وقد عزا الصرايرة هذا الخلاف في تصريحاته للـ"العرب اليوم" إلى أن "الدكتور مصطفى مغرق في ليبراليته وأنا أؤمن بالليبرالية المحافظة".

ويؤكد المدير العام للمؤسسة على أنه كان وما زال "مع الإعلام المسؤول وبأن يكون للإعلام رسالة". وينفي وجود رقابة مسبقة، ويقول: "يمكنكم أن تسألوا الموظفين عن ذلك".



عضو مجلس الإدارة ونائب الرئيس، سمير الحياري، يوضح أن المدير العام للمؤسسة عرض على مجلس الإدارة في آخر اجتماع قضية الدورة البرامجية الجديدة. "وقد تبين أن نسبة مشاهدة بعض البرامج الحوارية كانت متدنية جدا، بل متدنية للغاية، وأن كلفة هذه البرامج السياسية، وخاصة برنامج الزميل عريب الرنتاوي وآخرين، كانت كلفة عالية مقارنة مع نسبة المشاهدة المتواضعة، بل الضئيلة، المعدومة في بعض البرامج، أدت إلى موافقة مجلس الإدارة على خطة المدير العام بوقف البرامج الثلاثة المشار إليها".



ويرى الحياري أن برنامج "مثلث الحوار" الذي يقدمه جميل النمري قد استنفذ المهمة التي جيء به من أجلها، "مما أقنع مجلس الإدارة باقتراح المدير العام بوقف هذه البرامج والاستعاضة عنها ببرامج أخرى ممكن أن تجعل نسبة المشاهدة ترتفع وأن يصبح التلفزيون الأردني فعلا ملاذ حقيقي لأي باحث وأي إنسان يرغب بالاستفادة من المشاهدة".

"مثلث الحوار" الذي كان يبث مساء كل ثلاثاء أوقف ليبث عوضا عنه، في نفس الموعد، فيلم مصري، قديم في الغالب شاهده معظم الجمهور المحلي على الفضائيات في سنوات ماضية. فهل سيكون أكثر فائدة للمشاهدين من البرنامج الحواري المختص بالسياسة المحلية؟

ويشير الحياري إلى آخر استطلاع رأي أعده مركز الدراسات الإستراتيجية، الذي يديره مصطفى حمارنة، حول نسبة مشاهدة برامج التلفزيون الأردني، "وعرض على مجلس الإدارة من خلال السيد طوني صباغ، أكد أن نسبة مشاهدة بعض هذه البرامج كانت معدومة، ونسبة بعض البرامج الأخرى كانت متدنية جدا ولا تذكر، على العكس ربما هناك أغاني لتوفيق النمري أو برامج أرشيفية كانت أقوى وأفضل نسبة مشاهدتها من تلك البرامج".

لكن استطلاع الرأي المذكور لم يتم نشره، وحين استعلمنا من مركز الدراسات الإستراتيجية حوله، أكدوا أنهم أعدوه بناء على طلب التلفزيون وهم غير مخولين للكشف عن نتائجه. وعند الاتصال بالجهات المختصة في التلفزيون أجابوا أن الاستطلاع للاستعمال الداخلي وليس للنشر.

يقول النمري: "أتحدى أن يحضروا هذا الاستطلاع وينشروه حتى نقارن. ما هي البرامج الناجحة لديهم؟ من يريد أن يستشهد باستطلاع فليعلنه ويعلن الآلية المستخدمة فيه، حتى نتمكن من دراسته وتقييمه معا. إلى ذلك الحين ذلك كلام مرفوض. إذا كنا مختلفين إلى هذه الدرجة فلتكلف جهة محايدة وتقوم بهذه المهمة".

الحياري يؤكد أن مجلس الإدارة الجديد وافق بالإجماع على الدورة البرامجية الجديدة التي طرحها المدير العام. "لم تكن هناك اختلافات واسعة إلا في قضايا بسيطة جدا، كبرنامج إبراهيم شاهزادة ونسبة مشاهدته، وكموضوع وقف البرامج الحوارية التي دار حوار حولها. لكن اقتنع المجلس بأن المدير العام والذين وضعوا وخططوا للدورة البرامجية الجديدة كانوا على حق".

ويضيف: "كان هناك آراء بأن شاهزادة تم استنفاذه بصورة كاملة، وبأنه من غير المعقول أن يبقى الوحيد الذي يطل على شاشة الأخبار على مدى سنوات طويلة. ولهذا كانت الفكرة بأن يتم إيجاد موقع آخر له في البرامج، فأعطي برنامج من عمان بصراحة".



لينا التل، عضو مجلس الإدارة منذ قرابة ستة شهور تنفي وجود أي خلاف في المجلس وتؤكد الانسجام في التوجه العام لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون. "وإذا كان هناك اختلاف فيكون على أمور شكلية. في الأمور الجذرية والأساسية هناك تناغم كامل في هذا المجلس، حتى مع مدير عام مؤسسة الإذاعة والتلفزيون".

وترفض التل اطروحات النمري بوجود تراجع عن التنمية السياسية. وتقول أن التلفزيون الأردني يمر الآن بفترة "تغيير وإصلاح وتطوير إداري وفني وإعادة هيكلة، يمر بمرحلة تجريب. التغيير يحتاج إلى وقت، ويجب أن نتحمل هذه التغييرات حتى نصل إلى الأفضل".

وترى أن البرامج التي أضيفت هي برامج ثقافية تنقص التلفزيون الأردني. "برامج تعكس الوضع الثقافي في الأردن، وخصوصا الخاص بالأدباء والكتاب والفنانين التشكيليين والممثلين والمخرجين".



وتلفت إلى أن البرامج تتبدل وتتغير في كل دورة. "وهذا ليس من الخطأ، بل من واجب التلفزيون الأردني أن يجدد في البرامج".

بالمناسبة حملت الصحف المحلية الصادرة بتاريخ 18 الشهر الجاري خبرا مفاده انه تقرر رفع راتب مدير التلفزيون من 1500 دينار إلى 3 آلاف دينار، وبأثر رجعي.

على أية حال، فإن مسلسل تطوير التلفزيون ورفع سقف الحرية وتحويله من إعلام حكومة إلى إعلام وطن ودولة، والحوارات التي لا تنقطع حول الفارق بين الحرية والمسؤولية أصبحت مسلسلا طال عرضه باطول من مسلسل "بيتون بليس" الذي استمر التلفزيون الأردني بعرضه أكثر من خمس سنوات خلال السبعينيات أو المسلسلات المكسيكية المدبلجة التي تبدو بلا نهاية وتتحفنا بها الفضائيات العربية ليل نهار.