التلفزيون الأردني: بؤرة صراع تيارين

الرابط المختصر

أحدث تطورات الصراع الدائر بين "مركزي نفوذ" للحكومة في المؤسسة كان مذكرة رفعها موظفون في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون إلى رئيس الوزراء، ناشدوه فيها "إطلاق يديه (المدير العام للمؤسسة) للإصلاح دون قيود"ويستمر الحديث عن فريق من "المحافظين" أو "تيار شد عكسي" أو "حرس قديم"، وغيرها من تسميات تطلق على من يحرصون على بقاء المؤسسة في قبضة الحكومة، في مواجهة تيار آخر يصف نفسه بـ"الليبرالي" أو "الإصلاحي". فهناك من يرى أن الخلاف بين رئيس مجلس إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون وبين مديرها العام ما هو إلا مثال لما يحدث في باقي مؤسسات الحكومة.



كتبت رنا الصباغ مقالا في صحيفة "الحياة" اللندنية-26 شباط (بعدما رفضت صحيفة "الغد" نشره ما دفعها للاستقالة من الصحيفة)، حول استقالة وزير التخطيط باسم عوض الله، أشارت فيه إلى "ظاهرة تعدد المرجعيات في الدولة... واستمرار هيمنة الأجهزة الرقابية الرئيسية، وبقاء الإعلام مرعوبا".



قد يكون ما يميز هذا الصراع في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون عنه في مؤسسات أخرى هو لجوء أحد أطرافه، أي المدير العام للمؤسسة محمد الصرايرة، إلى الصحافة لحشد أصوات مؤيدة له في معركته ضد رئيس مجلس الإدارة مصطفى حمارنة، سواء من داخل المؤسسة أو خارجها. فالصرايرة دائم الحضور في اليوميات، عبر مؤتمرات صحفية "تروج" لإنجازاته ومخططاته في مجال "تطوير" المؤسسة، آخرها كان في اليوميات الرئيسية يوم الأربعاء (2آذار)، أو حتى مقابلات خاصة مطولة يتحدث فيها علانية عن صراعه مع الحمارنة، أبرزها كان في صحيفة "العرب اليوم" (3كانون ثاني).



الحمارنة بدوره آثر الاعتكاف في "قلعته العاجية" (مركز الدراسات الإستراتيجية) رافضا التصريح لأي وسيلة إعلام عما يدور في المؤسسة، مغفلا أنها مؤسسة "قطاع عام" وللمواطنين الحق في معرفة ما يجري والمشاركة في تقرير مصير مؤسسة يعيلونها من جيوبهم. ورد حمارنة على خصمه بأن امتنع عن عقد اجتماعات مجلس إدارة المؤسسة منذ شهرين، ليشل بذلك نشاطات الصرايرة الذي دفع بدوره النائب حاتم الصرايرة لإثارة القضية في مجلس النواب.



وعاد المدير العام مجددا، عبر وسائل الإعلام، للتلويح "بوجود قضايا فساد عديدة بالمؤسسة ... تم إحالتها إلى الجهات الأمنية ذات العلاقة".



مديرية مكافحة الفساد هي الجهة الأمنية ذات العلاقة التي قمنا بالاستفسار من مديرها العام مصلح الكايد الذي نفى تحويل أية قضية، من أي نوع، من قبل مؤسسة الإذاعة والتلفزيون.



طفت الخلافات على السطح بعدما عقد عضو مجلس إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، سمير الحياري، مؤتمرا صحفيا أعلن فيه عن دورة برامجية جديدة خلت من برامج حوارية سياسية كانت امتازت بسقف حرية أعلى من المعهود في التلفزيون الأردني. وتسرب في حينها أن الدورة الجديدة أُعدت وأُعلنت دون علم، أو في أحسن الأحوال دون موافقة، رئيس مجلس إدارة المؤسسة. ووصفت الخطوة بأنها "تراجع عن التنمية السياسية" تمثلت في جوانب عديدة أخرى مثل مشروع قانون الأحزاب وقانون الصوت الواحد في النقابات ومنع النشاطات السياسية في الجامعات والنقابات وغيرها.



واشتدت المعركة أخيرا عند توقيع عدد من موظفي المؤسسة على مذكرة تناشد رئيس الوزراء "دعم المدير العام للعمل لصالح المؤسسة وموظفيها وإطلاق يديه للإصلاح داخل المؤسسة دون قيود".



لم يكتف معد المذكرة بجمع توقيعات عدد من زملائه بل أرسل نسخة منها إلى صحيفة "الدستور"، كما أكد لـ"عمان نت" راجيا عدم ذكر اسمه، موضحا أن الموضوع انتهى ولا داعي لفتحه الآن. ورفض تحديد عدد الموقعين على المذكرة، لكنه أكد أن موظفين هددوا بالاستقالة في حالة إقالة الصرايرة، أيضا دون تحديد عددهم.



وتحدث عن "محاولات لإقالة الصرايرة لأنه يقود حملة إصلاح في التلفزيون تستهدف تفعيل الكادر المجمد بدلا من إحضار خبراء من الخارج ودفع آلاف الدنانير لهم، فالموظفون في التلفزيون أحق بهذه الأموال".



نيفين عبدالهادي من "الدستور" تلقفت المذكرة وتابعتها في تقرير بعنوان "الخلافات في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون هل هي شخصية أم مهنية". وفيه وضعت الحيادية المهنية جانبا واصطفت إلى جانب الصرايرة، حيث كتبت عن مذكرة وقعها عدد محدود من الموظفين، فتقول: "انبرى موظفو المؤسسة للدفاع عن مديرهم في وجه حملة منظمة ضده من مجلس الإدارة لأسباب ما تزال مجهولة إذ قاموا برفع مذكرة إلى رئيس الوزراء ناشدوه فيها دعم الصرايرة وإطلاق يده للإصلاح".



وفي حين كان من الممكن لتصريح حمارنة أن يجعل التقرير أكثر موضوعية وتوازنا، إلا أن عبدالهادي "أساءت نقل ما قيل"، على حد قول حمارنة.



ورغم حصول "الدستور" على نسخة من المذكرة، كما ورد في التقرير وكما أكد معد المذكرة، إلا أنها لم ترفق مع التقرير صورة عن المذكرة وعليها التوقيعات بل اكتفت بنشر صورة لأحد استوديوهات التلفزيون.



استطلعنا آراء عدد من موظفي مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، تم اختيارهم عشوائيا، منهم من لم يسمع بالمذكرة ومنهم من سمع بها ولم يراها، أو رآها ولم يوقع عليها، باستثناء موظفة قالت أنها وقعت وأن عدد الموقعين كان قرابة الخمسين، في حين قال موظف آخر أنهم قاربوا المئة والسبعين.



مديرة أحد الأقسام في التلفزيون الأردني، تمنت عدم ذكر اسمها، تقول أنها لم تر المذكرة المشار إليها، بل علمت بها فيما بعد. لكنها تؤكد أن هناك اتجاه عام لدى الموظفين على ضرورة بقاء الصرايرة في منصبه. فقد تولى مهامه منذ عدة شهور فقط، وهي غير كافية لتقييم تجربته، خصوصا أنه أظهر نجاحا حتى الآن، فهو إداري وإعلامي ناجح، وهذا ما يصعب جمعه. وتنتقد كثرة تغيير من يتناوبون على منصب المدير العام في المؤسسة.



قد يتبادر إلى الأذهان سؤال عن دور باقي أعضاء مجلس الإدارة الستة.



استطلعنا في حلقة ماضية آراء أعضاء مجلس إدارة المؤسسة حول هذا الخلاف، منهم من أنكر وجود خلاف، رغم كل ما أثير في الصحف، ومنهم من رفض التصريح بحجة "ضيق وقته" أو "عدم الرغبة في الحديث حول الموضوع".



وتبقى الاحتمالات مفتوحة أمام تفسير أزمة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون. فهناك من يرى أنها صراع بين تيارات سياسية مختلفة.. أو بين مراكز قوى.. أو تضارب مصالح شخصية.. في كافة الأحوال، قد يساعد الخلاف على تحريك الماء الراكد في مؤسسة طالما استقرت في أحضان الحكومة.

أضف تعليقك