التكرار يقتل الدهشة والعبرة ليست في الغزارة

التكرار يقتل الدهشة والعبرة ليست في الغزارة
الرابط المختصر

ما يزال الكتاب يكتبون وينشرون بشكل متواتر ومستمر، لكن بعضهم يكتب كأنه يسابق الريح أو كأنه يريد أن يستنزف الكتابة قبل أن تستنزفه، والبعض الآخر ما يزال يتروى في كتاباته حتى يفسح لنفسه نفسا كتابيا بين الكتاب والآخر."الكثافة الكتابية لا تتوافق مع جودة المكتوب في الغالب"، هذه مقولة منطقية لكنها في الحقيقة لا تندرج على ما نراه في الساحة الثقافية، فبعض الكتاب - بدون تعميم بالتأكيد - سواء الروائيين والقاصين والشعراء لا يتمهلون في الإنتاج والنشر، فتراهم يصدرون كل عام رواية أو مجموعة قصصية أو شعرية، فهل هذا في صالح الكاتب والمثقف والقارئ؟

رئيسة تحرير مجلة تايكي القاصة بسمة النسور والتي أصدرت حتى الآن خمس مجموعات قصصية، آخرها كان (مزيدا من الوحشة) ترى أن الكتابة فعل يحتاج الى الوقت والى الروية، فتقول "في عالم الإبداع لا شيء يسمى حتمية، ففي تجربتي أنا مقلًة في الكتابة الى حد ما، فخلال 15 سنة عملت 5 مجموعات قصصية فقط، وفي أحيان كثيرة تمرّ علي سنتين أو ثلاثة لا أكتب فيها قصة، ولا أعتقد أن هذا يهدّد مكانتي الأدبية أو منجزي".

"يجب أن يكون الكاتب صادقاً مع نفسه"، بهذا تعلق النسور على سؤالنا إن كان لابد للكاتب أن يكون له برمجة في الكتابة وأن يصدر بشكل دوري، وتتابع "يجب أن يكون هناك ما يحركه ويدفعه للكتابة، شيء أكبر من أن أكون موجودة في الساحة ويُكتب عني، فظاهرة الغزارة التي نراها حالياً بنظري تثير الريبة، فالكم بمعظم الحالات يكون على حساب الكيف أو الجودة أو مدى أهمية العمل".

حاجة للظهور لا أكثر..
يهم الكتاب أن يظهروا على الساحة الثقافية، فبعضهم يعتقد أن الإسم يعلق في ذهن القارئ على كمية ذكره في الفعاليات وعلى كمية إصداراته وكتبه، وتعارض النسور الفكرة مؤكدة "على المبدع أن يكون بمنأى عن الهم الإعلامي، فأحيانا لا يكون عند الكاتب شيء لكنه يكتب، ليس من الضروروي أن يخترع أي شيء حتى يقول أنا موجود وأنا على الساحة ولي منجزاتي، فعشرات القصص والأعمال الروائية والدواوين الشعرية لا تعني أن هذا الكاتب له مكانة أو أنه حقق شيء مميز بل على العكس فهناك كتاب عالميين مشهورين عرفوا بعمل او عملين

وتتمنى "أن يكون الكاتب أكثر تصالحاً مع نفسه، وأكثر ثقة بها لأنه ليس من الضرورة أن أكتب كل يوم، ليس من داع أن يصدر عني أو عن غيري من الكتاب عملاً كل سنة، ماركيز نفسه لو كتب كل عام رواية فلن يقنعني، فبالنهاية من أين سيأتي بالكلام، ستنتهي الحالة الكتابية".

التكرار يقتل الدهشة، هذا ما تشير إليه بكلامها حين تتابع "حينما نتكلم عن فعل إبداعي فلابد أن يكون هناك عنصر إدهاش فلكي أُدهش القارئ يجب أن أُدهش نفسي أولاً، وأكون مختلفة ولا أكرر، فنحن لسنا نجوم فيديو كليب كي نصدر كل عام ألبوم، بعض الكتاب يعتقدون أنهم في سباق، لست أدري مع الزمن أو مع الحاجة إلى الظهور".

"الرغبة في الظهور حاجة إنسانية وقد تكون مشروعة"؛ لكن "نحن الكتاب الذين ندعي أننا أكثر وعياً، والمفروض أن نبرمج هذه الرغبة، فلا أحد لا يحب الظهور وإلا فلا أحد منا نشر كتاباته ولوضعنا كلنا أعمالنا الأديبة في الدرج".

حسب العمل نفسه..
ويتفق الروائي الأردني هاشم غرايبة مع النسور في مسألة برمجة العمل الإبداعي فيقول "أي عمل إنتاجي بما في ذلك الكتابة يحتاج الى خطة وبرمجة كبرنامج عمل ضروري، والإلهام أو الفكرة يمكن أن تلمع في أي وقت وأي زمان، لكن لتحويل هذه الفكرة الى منتج إبداعي ككتاب أو قصة قصيرة منشورة أو الى قصيدة شعرية أو لوحة شعرية أو أي شكل من أشكال الفن، فسيحتاج الى خطة عمل ووقت مستقطع لإنتاجه".

والعمل وإنتاجه برأي غرايبة يحتاج الى وقت بحسب العمل نفسه، و "ليس ضروريا أن ينتج رواية أو عملا إبداعي كل عام او بشكل دوري، فبعض الأعمال تستغرق وقتاً قصيراً وبعضها وقتاً طويلاً، والبعض الآخر يكون بحاجة الى خطة الكاتب حتى يكملها في عام وقد تمتد لأعوام، والبعض يكون في خطته أن يكتبها سريعاً لكنه يتعثر ويؤجلها لفترة أخرى، لكن لابد له أن يخصص وقتاً دائماً للكتابة".

ويتفق في أن الجودة قد لا تتفق مع الغزارة فيعلق "إذا كان الإنتاج بقصد الإنتاج فقط، فبالتأكيد سيؤثر على الجودة الإنتاجية، أما إذا كان الكاتب متفرغاً وعنده الطاقة والأفكار والجهد لينتج أعمالاً بشكل متواصل، فلما لا والحكم الأول والأخير للمنتج الإبداعي نفسه، وهل هو ذو سوية عالية ومتميزة أم هو مجرد إنتاج إبداعي تراكمي كمي يندرج في أنه أنتج عملاً فنياً هذا العام أو لم ينتج هذا العام فالحكم أولاً وأخيراً على جودة العمل الإبداعي وهذا العمل الإبداعي قد ينتج خلال فترة طويلة او قصيرة".

الإبداع ليس مبرمج..
وترى الناقدة رفقة دودين المسألة بالإستناد الى مسائل الإلهام "لا يمكن أن تبرمج كما يريد الكاتب تماماً، فالبرمجة يصلها الكاتب عندما يصل الى حد الإحتراف، وقد يصل الكاتب الى الاحترافية لكنه ربما يصل الى مرحلة ينضب فيها الإبداع، وأعطي على ذلك مثالاً ماركيز الذي أعلن أنه قد توقف عن الكتابة الإبداعية وكان هذا القرار باسل من كاتب كوني كماركيز".

"في عمر الكاتب فترة تشبه فترة الشباب يستطيع فيها أن يضاعف جهوده وأن يكتب ويكتب كثيراً، لكن ثمة محاذير من هذه المسألة وهو أن يكرر نفسه أو أن يجتر نفسه، وعادة يقال أن الكاتب يكتب عملاً واحداً كبيراً ويظل يدور حول هذا العمل، ويطرحون مثالاً على ذلك الطيب صالح و(موسم الهجرة الى الشمال)" تتابع دودين.

وتعتبر أن العمل النقدي قد يتضمن برمجة وخطط عمل للكاتب أما كتاب الرواية أو القصة أو السعر فلا يحتاجون الى برمجة، وتشرح "لكن هناك كتاب وهبهم الله قدرة استثنائية كما أنه متفرغ لمشروعه الإبداعي وهي مسألة تؤخذ بعين الإعتبار، ولا أعتقد بالإستناد الى تجربتي وبمقاربة لمعظم الكتاب والذين أقرأ لهم وأحتفي بهم، أنه يضع برمجه على صعيد العمل الإبداعي وثمة مسألة مختلفة أنه فإذا أراد الكاتب أن يكتب عملاً نقديا قد تخضع للبرمجة فمثلا سأتحدث هذا العام عن الرواية وسأتناول قصيدة النثر في العام القادم وما إلى ذلك".

مضيفة "الكتابة الإبداعية تصعب جدا موقعتها ضمن معيار زمني محدد، وأشير أن بعض الكتاب الكبار قد تسنى لهم نوع من هذه البرمجة قد لا تلائم عصرنا الحالي، مثال ذلك نجيب محفوظ الذي كان يكتب كل ست أشهر خلال السنة بشكل متواتر وكامل ويترك باقي السنة للراحة".

نصيحة نقدية..
ونسأل الدكتورة الناقدة دودين كيف تقيم بعض الكتاب المحليين يصدرون رواية أو كتابا كل عام؟ فتجيب "ربما يقع هذا الكاتب تحت حالة حثيثة من الكتابة، وربما كان يسابق الزمن، هذه مسألة تتعلق بالكاتب، ولو أردت أن أعطي نصيحة أقول أن على الكاتب أن يكتب بحيث يحج عاماً ويغزو عاماً، فيكتب عملاً، ثم يستريح قليلاً يقرأ ويعيد بناء قدراته ثم يستعد للعمل القادم".

والسبب "خوفاً من أن يجتر نفسة، وخوفاً من مسألة غاية في الأهمية وهي أنك إذا كتبت أحيانا فقط من قلب الحدث كأن تتناول ما يجري مثلا لتسابق الزمن، قد لا تأتي هذه الكتابة بالمستوى الفني الجمالي المطلوب، أيضا أنا لا أكتب من أجل أن أضع معلومات وأحداث وغيرها، أنا أكتب كي أحقق وأدخل الى مساحات جمالية جديدة في التجربة الإبداعية"

وتختم الناقدة رفقة "أنا مع أن يرجأ الكاتب بعض الكتابة لوقت آخر حتى تختمر قليلاً، وحتى يستطيع أن يكتب، وللذين يسابقون الزمن فنحيي فيهم هذه القدرة على المثابرة والإنجاز".

المادة الإبداعية لا تستطيع فرض نفسها وإسمها سوى مع الزمن، والتاريخ يثبت من عليه أن يبقى بأعماله الرائعة، ومن عليه أن يغيب دون مجرد ذكر إسمه، وعلينا انتظار التاريخ حتى يغربل نفسه ويبقي على ما يراه الأفضل.

أضف تعليقك