التغير المناخي يزيح الزراعة عن وادي الأردن إلى الشرق

الرابط المختصر

"إني أبيع أرضي الي أفنيت عمري فيها وكانت رزقتي ورزقت ولادي منها ما كان قرار سهل لكن الجو ما يساعد نعيش بالغور ولا فلحت الزراعة فيها بالسنوات الأخيرة"، بهذه الكلمات عبر المزارع محمد أبو صهيون من بلدة وقاص في الاغوار الشمالية عن الأوضاع المناخية وحجم تأثيرها على المعيشة والاستقرار.

 

 يشكو مزارعون في الأغوار الشمالية من أعباء إقتصادية ترتب عليهم على مستوى المنزل والمزرعة دفعتهم لحلول بعيدة عن مزارعهم.

يعيدون ذلك الى غياب واضح لنتائج الحلول الحكومية حول مساعي تنمية قدرات ومهارات المزارع للتكيف مع التغيرات المناخية التي تسبب في خسارات زراعية كبرى جراء موجات الحر غير المعتادة، و يوازيها بالأثر الصقيع المدمر لمساحات زراعية كبرى

وأوضح العامل في القطاع الزراعي في منطقة "الجسورة" الأربعيني علا أبو شفاعة، أن ارتفاع درجات الحرارة خلال موجات الحر بشكل غير اعتيادي أدى إلى جفاف التربة وتراجع قدرتها على الاحتفاظ بالرطوبة، وبالتالي أصبح من الصعب ريّ المحاصيل بالشكل المطلوب وفي الوقت المناسب.

وأشار أبو شفاعة إلى أن تكاليف الإنتاج شهدت ارتفاعًا كبيرًا، خاصة فيما يتعلق بتوفير المياه بعد أن كانت الشكاوى محدودة على أسعار البذور والأسمدة، ما قيد المساحة الزراعية المستغله وقلل من الإنتاج، فأصبحت الأرباح التي كانت تُجنى في السابق وتغطي احتياجات المزرعة والعمالة فيها إلى أرباح بالكاد تغطي التكاليف لـ نصف المساحة الزراعية المستغلة.

 

ويوضح المزارع الخمسيني فاروق أبو شندي وهو أب لـ أربعة أبناء، ان أزمة المناخ أثرت على مصدر دخله الوحيد، إذ أن الاعتماد على الزراعة وحدها غير كافٍ لتغطية المصاريف اليومية أو توفير الحد الأدنى من احتياجات الأسرة.

وعن خيارات المزارعين في مواجهة هذا الواقع، قال أبو شندي إن العديد منهم بدأوا يفكرون في ترك الزراعة نهائيًا أو اللجوء إلى مهن بديلة ربما يجدونها في المدينة، بعد التقلبات المناخية غياب واستمرار الانحباس المطري وقلة الحلول الواقعية، مما أحدث نقلة قسرية في مصادر العيش والاعتماد على بدائل خارج القطاع الزراعي.

ويقول الأربعيني عمر خطايبة "مالك مزرعة في الأغوار الشمالية" وهو أب لـ أربعة أبناء، ان انحباس الأمطار وتراجع معدل الهطول أدى إلى إرتفاع الطلب على المياه الزراعية مما دفع المزارعين لاستنزاف المياه الجوفية المحدودة، باعتبار أن "قناة الملك عبدالله" وهي مصدرهم الوحيد للمياه الزراعية قد تراجع تدفق المياه منها بشكل ملحوظ وهو ما عمق الأزمة المائية.

وبيّن الخطايبة أن هذا الوضع دفعه كباقي المزارعين أصدقاءه من المنطقة، إلى ترك أجزاء من أراضيهم بورًا، بسبب نقص المياه وضعف الكميات المتوفرة، مما أدى إلى تقلص المساحات المزروعة عامًا بعد عام.

 

وفي تصريح لمدير زراعة لواء الرمثا م.عاهد عبيدات، كشف عن إنتاج منطقة الرمثا ولوائها من البطاطا بـ 

225 ألف طن سنويا، ما يجعلها في المركز الأول بين المناطق الأردنية في إنتاج البطاطا في نجاح زراعي بارز في منطقة غرب إربد.

 

وشدد المزارعون على ضرورة أن يشمل صندوق إدارة المخاطر الزراعية عدد أكبر من مسميات الكوارث الطبيعية خاصة الناجمة عن تداعيات التغير المناخي مثل الجفاف الناتج عن ضعف الهطول المطري وانحسار الفصول، وموجات الحر والصقيع غير المعتادة مطلقًا.

 

وعبر الناشط الزراعي الشاب أحمد الغزاوي من الأغوار الشمالية، عن أمله بألّا تصل المنطقة إلى مرحلة تصبح فيها غير صالحة للزراعة، خاصة وأن الأوضاع تستدعي إعلان المنطقة "منكوبة بيئيًا" والعمل الحكومي المضاعف عن الحالي لخطة طوارئ استراتيجية تنقل النمط الزراعي الى مستدام، إلى جانب تفعيل القرار السابق لحكومة الدكتور عبدالله النسور، يقضي بمنع البناء على أراضي الأغوار.

وفي متابعته لاستجابة الجهات الرسمية، يرى الغزاوي أن ما يحدث لا يرقى إلى مستوى الإدارة المتكاملة، بل يعتمد على ردود الفعل الآنية، وهو ما وصفه بـ"نظام الفزعة"، مشيرًا إلى غياب التخطيط البيئي العابر للحكومات والإدارات.

وبين أن كثير من المزارعين يواجهون خسائر متراكمة، ليس فقط بسبب المناخ، بل أيضًا بسبب ضعف آليات تسويق المحاصيل، وغياب أنظمة التعبئة والتغليف التي تحافظ على جودة المنتجات، إلى جانب غياب التبريد وعدم تطبيق عمليات تشميع الحمضيات، مما يؤدي إلى تلفها.

 

ومن جانبه، قال رئيس فرع نقابة المهندسين الزراعيين في محافظة إربد المهندس بشار نوافلة، إن الأغوار الشمالية شهدت خلال السنوات الأخيرة تغيرات مناخية واضحة، تراجعت على أثرها كمية الإنتاج وتدهورت جودة المحاصيل، علاوة على ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب الحاجة المتزايدة إلى مياه الري، إلى جانب اتساع رقعة التصحر، نتيجة زيادة الطلب على المياه بفعل الحرارة المرتفعة.

 

ونوه النوافلة أن ارتفاع درجات الحرارة وتراجع الأمطار غيّرا مواعيد الزراعة وأثرا سلبًا على نوعية المحاصيل، مما تسببت في تقصير فترات النمو، وتأخير نضج المحاصيل، فضلًا عن زيادة الحاجة إلى الري، مشيراً إلى أن درجات الحرارة التي تتجاوز 40 درجة مئوية تؤدي إلى توقف التمثيل الغذائي في النباتات، مما يمنع نقل العناصر الغذائية داخلها، وهو ما ينعكس سلبًا على نمو الثمار ويقلل من قدرتها على الوصول إلى الحجم القابل للتسويق.

 

وفي ما يتعلق بالمحاصيل الأكثر تضررًا، بين أن الموز تراجع حجمه وانخفضت جودته، فيما الخضروات تتعرض للذبول والتلف، أما النخيل فتأثر نموه وإنتاجه من التمور، مبيناً أن المزارعين بدأوا بالفعل بتغيير أنماط الزراعة لمواجهة هذه التحديات، من خلال تعديل مواعيد الزراعة، واستخدام تقنيات ري أكثر كفاءة، وزراعة محاصيل أكثر مقاومة للجفاف، وتنويع الإنتاج لتقليل المخاطر.

وعن مياه الري، كان لمياه السدود والينابيع نصيبًا في التأثر بالأزمة المناخية حيث انخفضت كميات التخزين في السدود مما يرفع تكاليف الإنتاج بالتالي تزايد خطر تصحر أراضي سلة الغذاء الوطنية بالتالي تخلي المزارعين عن مزارعهم.

وفي الجانب الاجتماعي، لفت نوافلة إلى أن الأزمات المناخية والمائية فاقمت حالات الفقر والبطالة في مجتمع يصنف أنه أكثر المجتمعات هشاشة اقتصاديًا واجتماعيًا.

 

وفيما صرح مدير صندوق إدارة المخاطر الزراعية في وزارة الزراعة م.خالد الطلافيح، ضمن ورشة عمل مناقشة الأنظمة لقانون صندوق التكافل للحد من المخاطر الزراعية "أن القانون سيكون له مدى تفاعلي مع المزارعين بحيث يتم تطوير عملية التعويض والاشتراك مما سيؤدي إلى استمرارية العملية الزراعية والإنتاج".

 

طور هذا التقرير ضمن المبادرة الصحفية (ECO Media) التي تأتي ضمن برنامج "جيل جديد" المنفذ من منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية - أرض.