التصوير: آلاء نديم
" زمان كنا نستفيد من الزراعة بس الآن يادوب، مناخد حاجتنا والي بزيد بنبعته للسوق المركزي في إربد وعمان بس هو وقلته واحد بروح أجرة عمال وطريق" جملة لخصت فيها المزارعة الخمسينية رحمة عبود واقع الزراعة في الأغوار الشمالية أكثر المناطق إنتاجا للمحاصيل الزراعية في الأردن كما عرفت عبر الزمن.
إلا أن هذه المنطقة كغيرها تأثرت بما أحدثه التغير المناخي الذي ضرب المنطقة ككل وأثر على أنماط الزراعة والإنتاج وحتى طبيعة وتوزيع المواسم الزراعية فيها، كما أخبرنا سكان هذه المنطقة، إذ تحولت الزراعة فيها لموسم واحد بعد أن كانت تقسم الى ثلاثة مواسم، وهو موسم الحمضيات والذي يمتد على مدار 4 شهور فقط خلال السنة، يعمل فيها المزارعون بكل طاقتهم، لتكمل بعدها النساء المزارعات رحلة الزراعة على مدار العام بأجور متدنية واضعة على عاتقها تأمين دخل متواضع لأسرتها.
ويعتبر التغير المناخي أحد أبرز تحديات العصر لما له من آثار سلبية على القطاعات التنموية كافة، كما يؤثر على المجتمعات البشرية ويرفع بسبب ازدياد النشاط البشري من نسب الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي الذي بات يحبس المزيد من الحرارة، وأيضا يؤثر على معدلات التساقط المطري وقلتها وهذا كله يؤثر بالدرجة الأولى على الزراعة المحلية والمواسم الزراعية.
ولم يرتبط هذا التغير فقط بنسب المزروعات وإنما وصل إلى حد التحكم في القوى العاملة، فليجأ أصحاب بعض المزارع في الأغوار لطلب السيدات المزارعات للعمل، وذلك للتحكم في الأجر إذ تتقاضى السيدات ثلث ما يتقاضاه الرجل وهو 5 دنانير، في ظروف عمل صعبة تتعرض خلالها للحرارة الشديدة أثناء النهار ومدة راحة لا تتجاوز العشرة دقائق.
أما في حال التداخل بين نوعية الزراعة والسيدات فهناك سيدات يضطررن للقيام بأعمال الزراعة هذه في الأراضي الزراعية الخاصة بهم وعائلاتهم وذلك لأن المزارعين الرجال لا يرون فيها هذه الجدوى وتدخل مردود مالي قليل جدا مقارنه بزراعة الحمضيات كما وضحت الكثير من المزارعات خلال حديثهن.

المزارعات .. معيلات لأسرهن
توضح رحمة عبود والتي تملك هي وعائلتها أرض زراعية مساحتها 2 دونم ونصف، وتعمل في الزراعة منذ زمن طويل، أن أنماط الزراعة كانت في القديم مختلفة كليا وحاليا بسبب قلة المياه نتيجة التغيرات المناخية قلت مساحة الزراعة الخضروات التي تعتمد على المياه بشكل كبير، واقتصرت في غالبها على ما يمكن اعتباره مؤونة للبيت فقط قليلة الاعتماد على الماء فمثلا "ما بنقدر نزرع أرض كاملة بندورة لانه مافي مي".
أما ديمة نجيب المزارعة الأربعينية والتي تعمل في أرض لها ولزوجها مساحتها 30 دونم منذ سنوات طويلة تزرع بالحمضيات وبعض أنواع الخضار التي يتم بيعها في السوق المركزي في عمان وإربد.
ديمة كانت من ضمن النساء اللواتي اضطررن للعمل في الزراعة إلى جانب زوجها لاحساسها بالمسؤولية تجاه أسرتها، وبسبب تقلص الموسم الزراعي في الأغوار وشح المياه وارتفاع درجات الحرارة تضطر لمشاركة زوجها وزراعة جزء من ال30 دونم بالملوخية والبامية والمزروعات التي لا تحتاج لكميات مياه كبيرة لريها.
تقول ديمة أن النساء بالاصل يساعدن أزواجهم في الزراعة إلا أنه وبسبب التغيرات المناخية الحاصلة وعدم قبول الرجال العمل في زراعة هذه الخضراوات تحت بند أنها أقل جدوى ولا تؤتي ثمار تعبها" وأن دخل هذا النوع المحاصيل ليس كزراعة الحمضيات فاضطرت النساء للقيام بها لسد حاجة أسرتها في ظل قلة المدخول المالي وبالتالي خلال هذه الفترة أصبحت هي المعيل لأسرتها أي في غير موسم الحمضيات.
حسب تعميم المساواة بين الجنسين والأطفال والشباب الذي تضمنته السياسة الوطنية للتغير المناخي في المملكة الأردنية الهاشمية 2022-2050، تشكل النساء والأطفال والشباب شريحة كبيرة من السكان ويتأثرون بشكل غير متناسب بالصدمات بما في ذلك آثار التغير المناخي وتقلب المناخ والكوارث.
ووفقا للخطة الوطنية للتكيف مع التغير المناخي 2022 تؤثر المخاطر المتعلقة بتغير المناخ على الأردن بشكل كبير خاصة فيما يتعلق منها بارتفاع درجات الحرارة وفترات الجفاف وحوادث الفيضانات والعواصف الشديدة والانهيارات الأرضية، وتتزايد وتيرة وشدة تلك المخاطر بسبب تغير المناخ.
وعن حجم المنتجات الزراعية الأردنية الناطق الاعلامي باسم وزارة الزراعة لورانس المجالي بين في تصريح سابق حجم ما ينتجه الاردن سنوياً بـ 2 مليون ونصف طن من الخضار والفواكه وأنه مما لا شك فيه أن القطاع الزراعي في الأردن ومنذ أعوام تأثر بالتغيرات المناخية والإزاحة المطرية وقلة الأيام المطرية أدى إلى تغير في مواعيد الزراعة أيضاً وهذا أثر بشكل مباشر على المحاصيل الحقلية مثل القمح والشعير والتي تدنت بسبب انخفاض كميات الأمطار وأيضاً على بعض المزروعات الشتوية التي أدى انخفاض الأمطار إلى تأخر الكميات المنتجة ما يعكس الأثر الكبير لهذا التغير سواء كان من خلال الصقيع أو موجات الحر على القطاع الزراعي وأدى إلى خسائر ومخاطر كبيرة.
حقائق مائية
الدكتور عبدالرحمن ركاد الشبيب خبير أنظمة علوم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد في إدارة الموارد المائية أكد على أن التغير المناخي يعتبر أحد أبرز التحديات كما له من آثار سلبية على مختلف القطاعات التنموية وأكثر هذه الآثار أهمية هي ندرة المياه والجفاف حيث عكس ذلك على المنطقة ويشهد الأردن فترة جفاف هي الأسوأ في تاريخه وهي ناتج عن التغير المناخي التي سببت انخفاض في معدلات الهطول المطري وارتفاع درجات الحرارة وهو ما يعكس بصورة كارثية على قطاع المياه والزراعة في مناطق تعتبر سلة القطاع الأردني وهي مناطق الأغوار ووادي الأردن والبادية .
وتابع أصبحت مناطق الأغوار ووادي الأردن مهددة وغير قادرة على استدامة إنتاجها من آثار التغيرات المناخية المتوقعة على الموارد المائية منها زيادة الاحتياجات المائية للمحاصيل الزراعية كذلك نقص في تغذية المياه الجوفية وكذلك التناقص المستمر في كميات مياه الري السطحية العذبة المتاحة للزراعة وتدني نوعيتها كذلك من آثار التغيرات المناخية المتوقعة على الموارد المائية اللجوء إلى الحاجة إلى استعمال مصادر المياه الأخرى في الري مثل المياه المستصلحة والمالحة والرمادية.
أما الناطق الإعلامي باسم وزارة المياه الأردنية عمر سلامة فقال حول كميات الأمطار ونتائج التغيرات المناخية عليها، إن الأردن يعاني من تحديثات مائية كبيرة في ما يتعلق بموضوع توافر مصادر المياه المتاحة، بخاصة أنه من المناطق الشحيحة والجافة وشبه الجافة في العالم، بمساحته التي تبلغ 98 ألف كيلومتر مربع، 92 في المئة منها هي عبارة عن أراض جافة، إذ إن الهطول المطري فيها لا يزيد على 50 مليمتراً، فيما تحظى المناطق الغربية أو الشفاغورية بكميات وفيرة من الأمطار.
ولفت سلامة الى أن حصة الأردن من مصادر المياه السطحية قد تراجعت، إذ يحصل من نهر الأردن على 30 مليون متر مكعب بموجب اتفاقية السلام 1994، بعدما كان يحصل على مليار و250 مليون متر مطلع الخمسينيات من القرن الماضي نتيجة الظروف الجيوسياسية التي حدثت في المنطقة والتغيرات الديموغرافية في المنطقة العربية. وتراجعت حصة المياه من حوض نهر اليرموك بشكل كبير، فالتدفق كان يبلغ عند توقيع اتفاقية نهر اليرموك عام 1987، 300 متر مكعب في الثانية، أما الآن فأصبح أقل من متر مكعب واحد في الثانية.
في المقابل، يؤمن مشروع الناقل الوطني 300 مليون متر مكعب من مياه البحر المحلاة، لكنه يحتاج إلى ميزانية مرتفعة في ظل توقعات ازدياد العجز المائي من 50 الى 100 مليون متر مكعب حتى عام 2030 بالتزامن مع زيادة أعداد السكن، بحسب سلامة.


مزارعات وتجاوزات حقوقية
"الزراعة بصراحة متعبة كمان وعلى جسم النساء انا موت بس كنت اقول معلش معلش الواحد ولا بيفتح ايده للعالم" هذا ما قالته تماضرسامي وهي ثلاثينية مطلقة اضطرت للعمل في الزراعة في الأغوار لسد حاجتها هي واختها المنفصلة بشروط مجحفه إلا أنها هي الخيار الوحيد المتاح لهن في المنطقة، فتضطر تماضر لقطع مسافات كبيرة للعمل بأجر يومي يبلغ الـ5 دنانير رغم الطقس وتغيراته وأخطاره على المرأة، وهذه الشروط المجحفة نتيجة قلة المواسم الزراعية والتغيرات المناخية الكبيرة وقلة المياه وهذا أدى الى وضع اشتراطات منها زراعة النساء تحديدا للأجر الأقل مرتين من الرجل.
وتعمل تماضر في الزراعة المتاحة في أي مزرعة كانت بأي نوع من أنواع الزراعة قليلة الحاجة للمياه لسد حاجتها ، وبسبب التغيرات المناخية تعاني تماضر بشدة من قلة المياه، والتي تضطر أن تقتطع جزءكبير من أجرتها القليلة في الزراعة لشراء "تنكات مياه للبيت بسبب انقطاع المياه عنه والتي تأتي كل 15 يوم.
وحول ذلك توضح المحامية في تمكين أسماء عميرة والمتخصصة في القضايا العمالية والاتجار بالبشر أنه قانونياً لا يجوز أن يكون هناك فيه تمييز بين المرأة والرجل في العمل، والمادة 2 من قانون العمل عرفت ماذا يعني التمييز في الأجر وهي عدم المساواة بين العمال في الأجر عن كل عمل ذي قيمة متساوية,
وتابعت في حال كان نفس العمل وهناك تمييز قائم على الجنس فهذا يعد تمييز يتعرض صاحب العمل فيه لمخالفة بموجب قانون العمل والزراعة تعتبر من الأعمال الخطيرة على الجنسين ليس فقط النساء، إذ أنهم يتعرضون لدرجة الحرارة المرتفعة. وممكن عدم توافر أدوات صحة وسلامة عامة لهم، إلا أنه ممكن أن يكون سبب إعطاء الذكور أجر أعلى ربما بنظرهم يعتمد على القوة الجسمانية للرجل وقدرته على حمل المعدات الثقيلة ولكنه أيضا أمر مخالف.
وأكدت على ضرورة حصول النساء العاملات في الزراعة على حقوقهم التي أوردها قانون العمل ونظام عمال الزراعة والذي انبثق عنه تعليمات عن الصحة والسلامة العامة وأنه يجب أن تحصل المرأة على إجازة أمومة وتعمل 8 ساعات. فقط وتخضع للضمان الاجتماعي وتحصل على الحد الأدنى للأجر بالإضافة لإجازة أسبوعية وإجازة سنوية وفي حال عملت بشكل تحصل على 125% من أجرها المعتاد و150% في حال عملت أيام العطل.
أما بالنسبة لصاحب العمل الذي يميز بالأجر حسب الجنس، فتوجد المادة 53 من قانون العمل والتي تنص على أن صاحب العمل يعاقب بغرامة لا تقل عن 500 دينار ولا تزيد عن 1000 دينار، بحسب عميرة.
طور هذا التقرير ضمن المبادرة الصحفية (ECO Media) التي تأتي ضمن برنامج "جيل جديد" المنفذ من منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية - أرض.











































