التطبيع من "المانجا" وصاعدا
قبل أيام ، كانت النقابات المهنية ومعها الناشطون في مناهضة "التطبيع" على موعد مع تظاهرة منددة باستيراد منتجات زراعية إسرائيلية ، وداعية لوقف "التطبيع الزراعي".
من الناحية القانونية ، هذا حق يكفله الدستور للمواطنين الأردنيين ، ومن
الناحية السياسية يمكن أن ننظر لتحرك كهذا على أنه صرخة احتجاج في وجه
دولة الاحتلال والتوسع والعنصرية التي لم تنصع لكل نداءات العالم من أجل
بناء سلام عادل ودائم وشامل ، قائم على إعادة الحقوق المغتصبة لأصحابها.
والحق أنني لم أتعرف بعد على سر شغفنا المفاجئ بـ"المنجا" ونحن الذين
قضينا عقودا من عمرنا لا نعرف عنها سوى ما كنا نقرأه في الكتب والمجلات ،
كما أنني أجهل الخصائص التي تميّز "المانجا" الإسرائيلية عن مثيلتها
المصرية أو السودانية ، ولا أدري بأي حق يزيل التجار "العلامة التجارية"
وكافة الإشارات الدالة على منشأ السلعة ، أليس من حق المستهلك أيضا ، أن
يعرف ماذا يأكل ومن أين تأتيه البضائع قبل أن يضعها على مائدته أو يصبها
في جوفه ؟،.
طالما أن الدولة موقعة على معاهدة سلام مع إسرائيل وملتزمة بها ، فلا
ينبغي أن ينتظر أحد من الحكومة أي حكومة أن تقوم بمنع الاستيراد والتصدير
(لأسباب سياسية أو احتجاجية) ، وطالما كان الحال كذلك ، فإن استيراد السلع
من اسرائيل واستهلاكها لن يعد جريمة يحاسب عليها القانون ، ولا يحق لأحد -
قانونيا - تجريم الفاعل ـ الفاعلين ، وإن كان بمقدوره أن يفعل ذلك أخلاقيا
وسياسيا.
في المقابل ، لا يحق لأحد أن "يخم" المواطن الأردني ، ويبيعه سلعا غير
معروفة المنشأ ، أو بمعنى آخر أن يبيعه سلعا ذات منشأ إسرائيلي" جهد في
إخفائه ، فتلك حيلة قذرة وجشعة ، لا يجوز السكوت عنها بحال من الأحوال.
التطبيع مع إسرائيل مرهون بالسلام معها ، والسلام مع إسرائيل ناقص وغير
نهائي ما لم تصل فلسطين إلى سلامها الخاص ، وما لم يستعد الفلسطينيون
حقوقهم الثابتة وغير القابلة للتصرف ، أولا وقبل أي شيء آخر ، وهذا ما
يبدو أننا نبتعد عنه بدل أن نقترب منه.
وإذا كانت كافة أشكال التطبيع مرفوضة في ظل تفشي مناخات الغطرسة
والعدوانية والاستخفاف بالدم الفلسطيني ، فإن التطبيع الأخطر من "المانجا"
، هو ذلك النوع الذي نشهد بعضا من فصوله وتجلياته في "بيت إيل" حيث ينتقل
التنسيق الأمني بين الأجهزة الفلسطينية والإسرائيلية إلى "التحالف" ضد
"العدو المشترك" وهو في اللحظة الراهنة حركة حماس ، التي يقال بأنها شريك
في الوطن ، ومدعوة للحوار وطرف في المصالحة والتوافق الوطنيين.
التطبيع الأخطر ، هو من ذاك الطراز التي تكشف عنه صحف إسرائيل وتسريبات
أجهزتها الأمنية صبح مساء ، عن ارتفاع مستوى التنسيق الأمني بين "الموساد"
من جهة وأجهزة أمنية عربية تتبع دولا لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل
، وهو التنسيق الذي من دونه ما كان اغتيال عماد مغنية القائد العسكري لحزب
الله ممكنا.
التطبيع الأخطر هو من ذاك الطراز الذي تتحدث عنه وسائل إعلام ومواقع
الكترونية استخبارية إسرائيلية مدعما بالصور ، لصحفيين (وصحفيّات) عرب
يتلقون تدريبات في "فن الاستقصاء" الأمني وليس الصحفي ، وعلى يد خبراء
إسرائيليين وفي إسرائيل ، ومرة أخرى لمواجهة العدو المشترك والذي هو هذه
المرة: حزب الله.
نعم "المانجا" تطبيع مذموم خصوصا في الشرط السياسي الراهن ، ولكن ماذا
نقول عن التنسيق البالغ حدود التحالف والتدريب المشترك وتبادل الأنخاب بعد
إغلاق نفق أو تفكيك خلية أو اغتيال ناشط ؟،.











































