التشويه البصري
حركة العين تعمل على اكتناز المشاهد التي تحيط بنا بطريقة لا ارادية ناهبة لكل ما تقع عليه عين المشاهد ، لكن هذه المشاهد سرعان ما تتأرشف في الذاكرة لتأخذ بعدها الجمالي او بعدها المشوه. ان هذه العشوائية اللاإرادية في العين الرائية او المشاهدة هي التي تجعل الواحد منا يحرك جفنيه اعجاباً بالمشهد او تقززاً منه.
ونحن كلما ابتعدنا عن المشهد المديني للعاصمة وذهبنا نحو الطبيعة الممتدة امامنا بجبالها ووديانها واشجارها وحقولها وربما انهارها وسيولها نشعر بان العين بدأت بالاغتسال والتطهر من تراكمات التشوه البصري الذي يثقل اعيننا. وان المدى امامنا صار نقياً. نعم ان المدينة التي تمزق جسدها الذي بدأ عفويا بالشوارع والازقة والساحات والاضاءة الباهظة التي توزع اشعاعاتها بحسب الرغبة بالتسويق تقوم في اغلب الاحيان بالتسرب الى اعيننا بما يشبه الدلف كي تعمل على تشويه ذائقتنا البصرية.
وانت اينما ذهبت في عمان على سبيل المثال ستجد آرمات المحلات التجارية وقد شكلت تحالفاً بشعاَ في عدم الاتساق في الالوان. وبعض الآرمات تراها تعتدي على الشارع باضواء ممتدة وبراقة قادرة على نهب عين مشاهدها. هذا عداك عن ظاهرة الاعلانات التي بدأت بالتورم حد احتلال المدينة. فهناك الباصات التي اعتدنا تاريخياً على مشاهدتها بوضعيتها التصنيعية الاولى التي تحولت الى يافطات اعلانية متجولة قادرة على تسويق اي شيء بغض النظر عن تجريح الجانب الجمالي في عين المشاهد ، وهناك الاستثمار الاعلاني السمج الذي يحط على مقطع جانبي لاي بناية واضحة المعالم. وحينما تلحظ السلعة التافهة التي تأخذ كل هذا المشهد في العين ستتأكد من فعل التشويه البصري الذي تقوم به مثل هذه الاعلانات.
ان حالة التوتر العامة التي عادة ما تميز الازدحامات المرورية والشتائم الطائرة والاحتكاكات النزقة هي احدى النتائج الطبيعية للعين التي تم تشويه قواها البصرية. اذ لا يعقل ان نصاب بالتوتر امام مشهد هو اقرب الى امنا الطبيعة. بينما من الطبيعي جدا ان يأكلنا الاكتئاب والنفور من الأماكن العامة حينما يتم تشويه الذائقة البصرية بكل تلك القسوة.











































