الترحال: يؤرخ الحياة السياسية في مدينة حماة السورية في الأربعينات

الرابط المختصر

يتناول فيلم "الترحال"، أحداثا جرت في مدينة حماة السورية في فترة الأربعينات من رصد للواقع الاجتماعي الذي كان سائدا هناك، فمنذ اللحظة الأولى يضعك المخرج ريمون بطرس داخل زقاق تلك المدينة ومشهد الأطفال وهم يلعبون. تبدأ الأحداث من خلال عائلة مسيحية مكونة من الأم وابنتها الكبرى وأخواتها الصغار، ويذهب رب الأسرة مع المجاهدين إلى فلسطين، هنا يسلط المخرج الضوء على عادات الأخوة المسيحيين، ومدى التصاقهم بأخوتهم المسلمين، حيث تواجه الأسرة الصعاب كونها دون أب والذي غاب ويعتقد أنه اختفى ولن يعود.



تواجه الأم الصعاب ويمثل الدور الممثلة السورية سمر سامي، والتي أدت دورها بإتقان شديد، مع تحملها أخيها وتسلطه المدفوع من قبل زوجته المغرورة والتي تحاول باستمرار أن تزوج ابنة شقيقة زوجها لأخيها، ذاك الشاب الأخرق.



ومن خلال أحداث اجتماعية بين العائلة والجيران، وأحاديث النساء ومراهقة الصبية الكبيرة، أنت تستذكر أحداثا حصلت في سوريا كانقلابات في الحكم، كحسني الزعيم والشيشكلي، ومن خلال المنشورات التي تهبط على رؤوس الأطفال وهم يلهون بالزقاق.



ويدور الفيلم حول معاناة تلك الأسرة دون أب يرعاها، ومدى الجور التي تقع به ابنتهم الكبرى والتي تزوج عنوة من الشاب الأخرق؛ هي تظهر واقع العادات والتقاليد التي تحكم العائلات منذ عقود كأن تزوج البنت خوفا من العار، كونها تحب ابن الجيران، ومن خلال خالها العنيد وصاحب الولاية على العائلة، حيث يضربها ذات يوم لأجل لإقناعها بضرورة الزواج كي لا تنكسر كلمته أمام زوجته وخوفا من محاربته ومجتمعه الذكوري، وهنا يحاول المخرج ومن خلال شخصية أخيها الصغير الذي يرفض ما يحصل لأخته، كأن يتشاجر مع خاله.



الخال والذي تحكمه العادات والتقاليد، المسكون بالسيطرة وضرورة إطاعته، يحاول دائما أن يرضي زوجته المتعجرفة على حساب ابنة شقيقته، ويعمل بائعا للخضار، لذلك دائم الهواجس بما تقوله الألسن، هو نموذج لكثير من رجال مجتمعاتنا المهووسين بالـ قال والقيل.



الأب لا يعود وتتزوج الابنة وتسافر بعيدا، وتبقى الأم تحت وطأة مجتمع لا يرحم، تصارع مشاغل الحياة وأطفال يكبرون يسألون دوما عن أبيهم الغائب ينتظرون مجيئه ذات يوم، وفعلا حصل في يوم وجاء الأب والذي يمثل دوره الممثل جمال سليمان، وهنا يفرح الأبناء والزوجة الصبورة والمؤمنة ويستشيط الأب غضبا عندما يعرف بأن أبنته تزوجت عنوة ووفقا لرغبة خالها، فيذهب إلى محله ويحدث النزاع ومن ثم تهدأ الخواطر لحظة تجمهر أبناء الحي والذين يرحبون بعودة الأب البطل.



يؤرخ الفيلم مجيء الفلسطينيين إلى مدينة حماة عام 1948 وكيف استقبلوا أهالي المدينة بالورود والترحاب وفتحت ساحات المدارس بيوتا لهم، مظهرة الأحداث واقع التهجير والتشرد على الفلسطينيين والتشرد، من خلال مشاهد تظهر العواصف والشتاء الذي داهم الكثير من الخيم، ما أدى إلى استقبال الكثير من العائلات في بيوت أهالي حماة.



"الترحال" فيلم حقق الاهتمام والمتابعة في آن لحظة عرضه في سوريا عام 1997، كونه يتطرق إلى تفاصيل وخبايا عائلة سورية مسيحية، تؤكد دوما على عروبتها ومدى انغماس السوريين بالسياسية، في فترة الأربعينات والخمسينات هي السنوات التي عاشت فيها سوريا فترات الانقلاب من حكم إلى آخر، ومدى اندماج المواطن السوري بالمتابعة والمشاركة بالحياة السياسية على عكس سنوات التسعينات والتي أصبح فيها المواطن لاهثا وراء خبزه اليومي.



قد يجده الكثير من المتابعين بأنه عادي ولم يتميز بأي شيء سواء في القصة وحبكته وجمالية وقوة اللقطات المأخوذة، لكن الجانب الآخر في الفيلم مؤثر وواقعي والذي يحسب بالنقطة الإيجابية لمخرجه ريمون بطرس صاحب الفيلم الروائي الطويل "الطحالب".



برع الممثلون في أداء أدوارهم، مؤكدين على حرفيتهم في التعامل مع الفيلم، كيف لا وقد غدت الدراما السورية مرتعا للباحثين عن المختلف في الدراما العربية، ومن الممثلين المشاركين في الفيلم، جمال سليمان والذي أدى دور الأب الغائب عن بيته، سمر سامي الأم الصبورة، سلوم حداد الخال المحكوم بالعادات والتقاليد، ونورا رحال الابنة المرغمة على الزواج، سلاف فواخرجي ابنة الجيران والتي يحبها الطفل أبن تلك العائلة.

أضف تعليقك