البورصات الوهمية.. لنتعظ مما حدث

الرابط المختصر

بعد شهور من الصمت الحكومي على مجريات التحقيق في فضيحة الاحتيال الشهيرة على المواطنين التي عرفت بالتعامل في البورصات العالمية كشفت الحكومة عن تفاصيل في غاية من الاهمية وخرجت في المحصلة باعلان بدء صرف اموال المتعاملين في نهاية شهر تموز, في خطوة اعادت الابتسامة لآلاف العائلات التي تورطت في تلك الاعمال.

ما اعلنه رئيس الوزراء نادر الذهبي عن تفاصيل حجم قضية البورصات العالمية يشير الى عمق الازمة الاقتصادية المخدرة التي كان يعيش بها المجتمع بعد ان انخرط اكثر من 100 ألف مواطن في التعامل مع تلك الاعمال التي اتسمت بالاحتيال والتلاعب بعقول المواطنين الذين انجرفوا وراء الطمع والربح غير الشرعي.

اكثر من 460 ألف شكوى تعامل معها محققو نيابة الدولة, قد تكون اكبر قضية مرت بها النيابة العامة وبهذا النحو والتشابك, وفي النهاية استطاعوا باقتدار ان يحققوا نتائج ايجابية للغاية, سيكون لها الاثر الفاعل في اعادة الاستقرار والامن الاقتصادي والاجتماعي للاردنيين.

حجم القضية المالي والمقدر بحوالي 300 مليون دينار يجعلنا نقف مقدرين جهود حكومة الذهبي والطواقم الحقيقية التي وقفت لاعادة الحقوق لاصحابها, ويعطي اليوم اجابات مقنعة لاصدار الحكومة قانونا مؤقتا بطرق مستعجلة أثارت نقدا من بعض الجهات, اليوم ونقولها بصراحة لولا اجراءات الحكومة ونظرتها العميقة لطبيعة الازمة ومدى خطورتها وانتشارها وتداعياتها على الامن الوطني باشكاله كافة, ولو تنصلت الجهات الرسمية كما فعلت الحكومات السابقة لكان الرقم النهائي لقضية البورصات قياسيا وخطيرا.

سير التحقيق الامني في القضية مكن الحكومة من وضع يدها على ما يقارب 157 مليون دينار من اصل المبلغ الاجمالي, وبالتالي سيكون معدل الاموال التي سيتم اعادتها بنسبة 50 بالمئة على اقل تقدير, شاملة بذلك ما عرف "الارباح" التي حصلوا عليها, وهذا لا يعني انتهاء ملف القضية او تسوية الامر, فالقضاء سيواصل تحصيل الاموال من تلك الشركات حتى ترد الاموال الى اصحابها.

آلية العمل في التحقيق استندت على فلسفة مكنت الاجهزة الرسمية من تحصيل تلك الاموال, وهو ان الغرض النهائي هو اعادة الاموال وليس ايقاع العقوبات على الافراد الذي مارسوا تلك الاعمال.

ملف قضية البورصات لن ينتهي ابدا لعدة اسباب, اولا البعض من المحتالين ما زال يتعامل بالخفاء ويعيد نشاطه بطرق سرية وبعضهم فتح مكاتب في دول الجوار, كما ان المواطنين ما زالوا يسلكون نفس السلوك السابق المبني على الطمع والجشع ومخالفة القانون.

الدولة بأجهزتها وبعد ما حدث وسنها لقانون واضح ورادع لا تتحمل مسؤولية في انقياد المواطنين وراء اعمال النصب تلك, وعليهم ان يدركوا انهم سيتحملون مسؤولية تجاوزهم القانون هم واصحاب تلك المكاتب الوهمية السرية.

الاموال التي ستُعاد للمواطنين سيكون لها اثر ايجابي في السوق وتعيد بريق الحياة لآلاف الاسر التي باعت كل ما تملك واقترضت وراء الربح الوهمي السريع.

ما حدث يعطينا من الدروس والعبر ما يلجم سلوكيات فيها إهانة للعقل البشري, المهم ان يكون هناك من يتعلم مما حدث فعلا, وفي اعتقادي ومن خلال خارطة التوزيع الجغرافي لاعمال النصب التي انتشرت في الارياف والقرى فان من المفروض ان تمارس قوى المجتمع الفاعل من نواب ونقابات واحزاب دورا توعويا فاعلا ورادعا وموجها للمواطنين نحو العقلانية والعمل والانتاج والابتعاد عن الاتكالية والسلوكيات المشينة.