البنات والمواصلات العامة... حكاية المضايقات والصمت

الرابط المختصر

لا تستطيع أي فتاة الاستغناء عن استخدام المواصلات، لكن تعرضهن للتحرش والمضايقات بشكل متكرر ومسكوت عنه بذات الوقت، جعل من المواصلات العمومية وسيارات الأجرة أماكن خصبة لمثل هذه المشكلات.مضايقات صامتة...
تتعرض الفتيات للمضايقات والتحرشات بصمت، ودون أن ينتبه أحد، فيجلس شاب الى جانبها في الباص مثلا ويضايقها فيما يكون خجلها وخوفها من العواقب (في أغلب الأحيان ) سبب في صمتها عن الاعتراض.

منى طنوس وصديقتها ضياء الخطيب اتفقتا على أن المضايقات تكثر في الباصات، وخاصة من قبل بعض الشبان الجاهلين، حيث تقول منى "هناك الكثير من الأشياء نتعرض لها في المواصلات، فهؤلاء الشباب يجهلون أن من يضايقونها قد تكون أختهم أيضاً، في الباص يحاولون أن يستغلوا جلوس فتاة الى جانبهم وقد نتعرض للمس أو الالتصاق أو أي نوع من أنواع المضايقات".

وتشاركها ضياء الرأي مضيفة أنها أحياناً تتعرض للمضايقة من سائق التكسي، قائلة "أخاف أن أركب تكسي وحدي خاصة إذا كانت المسافة طويلة، فما أدراني إذا كان هذا السائق سيء أو لا، كما أنهم أحيانا يتلاعبون في العداد لأنني فتاة ويطلبون مبلغاً أكثر من المفروض، كما أنهم قد يقلّون معك فتاة ويقول لي (وماذا يعني هي فتاة مثلك فلما لا) لكني أرفض وأدخل معه في مشاحنة، فالمفروض أن من يركب التكسي يكون طلباً خاصاً لا يشرك معه أحد".

فيما تقول بنان طوالبة أنه "حتى لو لم يكن هناك أزمة على الباص فإن الركاب يتعمدون المزاحمة حتى يلامسونا ويحتكوا بنا، لكن طبعاً الأمر يزيد في الزحمات".

الخوف من الشكوى
"النقل لدينا ينتقص بشكل عام للمؤهلات ليقل بناتنا وزوجاتنا"، هكذا يصف الدكتور محمد الحباشنة اختصاصي علم النفس، مضيفاً "أولوية النقل في العالم هي من حق الجميع، ففي العالم وسائل النقل العامة محترمة ويوظفون سائقاً فيه مواصفات عامة محترمة تضمن للركاب الأمان فيها".

أما فيما يخص الصمت على هذه التحرشات في المواصلات فيقول الحباشنة "النقطة المرعبة أننا ما زلنا نحمل في أنفسنا رهاب الشكوى أي أن نتقدم للشكوى من قبل اي شخص وخصوصاً الأنثى فيما يتعلق بموضوع التحرش بشكل عام، والأنثى العربية والأردنية تحمل الشك في أن التهمة قد توجه بشكل عكسي عليها أو بما يمس سمعتها، وأن الشخص المتحرش قد لا يتابع قانونياً وقد لا يعاقب وهذا يمنعها بشكل كبير من الشكوى، وخوفنا من تطبيق القانون وإجراءاته يمنعنا من ضبط هؤلاء الذين تسول لهم أنفسهم بالتحرش".

غياب القيم ورسوخ الفراغ
وتصف منى طنوس المضايقات بأنها كثيرة سواء في الباص أو التكسي أو حتى وهي تنتظر الباص وتقول "إذا ما وقفت لأنتظر الباص أو التكسي، فلا أستطيع أن أصف لك كم كلمة أتعرض لها وكم نظرة وكم مضايقة، لكن بصراحة قد يكون الحق على الفتيات، فبعضهن يرتدين ملابس لا يمكن للشاب إلا أن ينظر إليها، هي طبيعة في الإنسان حتى أنا كفتاة تلفت لي نظري بملابسها الفاضحة فماذا عن الشباب".

غياب الدين والقيم والوعي هو ما يُحدث هذه المشكلات في مجتمعنا، تقول سعدية محمد وتؤكد أنها لا تتعرض لمضايقات كثيراً، "فأنا لا أرتدي ما يلفت النظر، لكن قد لا يكون هناك متسع في الباص فنجلس ثلاثة فتيات في كرسي ثنائي فأكون غير مرتاحة في جلستي بالباص، الأمر لا يصل الى التحرش الجنسي بالنسبة لي فأنا أركب مع صديقاتي وليس وحدي، لكن هناك بعض الأنفس المريضة وغياب الدين والقيم من أنفسهم يخلق المجال لهذه المشكلات ويجعل البنات يتعرضن للتحرش والمضايقات".

حسب الفتاة.. وحظها
ديما لا تجد في المواصلات الكثير من المتاعب، فهي تستخدم الباص أو التكسي في طريق الذهاب والعودة من عملها، وتؤكد لم أتعرض لأي مضايقات أو تحرشات والحمدلله".

وتشاطرها هبة الرأي التي تقطن بالقرب من الجامعة حيث تدرس وتستخدم التكسي في تنقلاتها، وتقول "كل شخص وحظه أنا لم اتعرض لأي مضايقات لكني أسمع أحياناً عن بنات تعرضن لبعض التحرش من قبل سائقي التكاسي هذا لم يحدث معي والحمدلله، ربما يحدث هذا بحسب الشخص الذي قد تركب معه وحسب المكان والوقت أيضاً فمن غير الممكن أن تركب التكسي في وقت متأخر لوحدها مثلاً".

وترى ندى عمران والتي ما تزال تدرس في الجامعة، والتي تستخدم سيارتها "الخاصة" أن "ذلك أسهل لي كما أنني لم أكن أحب استعمال الباص لأنه يكون ممتلأ و"عجقة"، التاكسي أضمن وأسهل".

لا نظام.. لا رقابة
آلاء جبريل تركب ثلاث باصات من الزرقاء الى عمان يومياً وتتعرض الى الكثير من المضايقات والتي تكون في أكثرها من عمال وشباب من المناطق الشعبية وتقول "الأزمة المتكررة على الباصات تضطرنا للوقوف طوال الطريق، وأحيانا يجلسونا ثلاث بنات على كرسي زوجي، ويكون الشباب واقفين أمامنا والى جانبنا فيميلون علينا ونتخبط بهم طوال الطريق، ليس هناك نظام ولا رقابة، وبالنسبة لتحرشات الشباب هي عائدة لقلة الدين وللفراغ الذي يعيشونه، والفتيات يزودونها باللباس، فليس مناسباً أن تركبي في باص به عشرات الاشخاص وأنت ترتدين ملابساً مبالغ بها".

وتدعو صديقتها دعاء شريف طالبة في الجامعة الأردنية أن يكون لهن باصات خاصة بالبنات وتقول "أحيانا يكون الباص ممتلأ فأضطر للجلوس الى جانب شخص لا يحترم وجوده في باص فأطلب منه أن يبتعد قليلاً فلا يستمع ولا يستوعب، أنا أسكن في جبل الحديد وأتعرض للكثير من المضايقات أثناء ركوبي الباص، ذات مرة ركب الى جانبي شخص يعمل في الدهان، فوصلت البيت وثيابي ممتلئة بالدهان الأبيض، أتوقع أننا نستحق أن يكون لنا باصات وحدنا ولما لا".

ضوابط فطرية..
إلا أن الدكتور الحباشنة يرى أن منظومة الأخلاق والدين المتجذر فينا يضبط الغريزة الإنسانية من التأثر المباشر حيث يقول "إذا كان هناك مثير جنسي نستقبله بإثارة جنسية مباشرة لإذن لم يعد هناك فرق بين الإنسان والحيوان، لكن الدماغ المتطور الذي يحمل معه الأخلاق والتعليمات وما هو ممنوع وما هو مسموح، والمنظومة الفكرية الضابطة للإنسان يجعل الغريزة مضبوطة بشكل يتماشى مع الأخلاق ومع العرف السائد".

ويتابع "نحن نعيش في مجتمع انتقالي والقواعد فيه غير مضبوطة وغير سليمة لكن ذلك لا يعني أنه ليس هناك أساسيات ومبادئ، نحن لدينا أساسيات ضمنها الدين والعرف بحيث تجعل من موضوع التحرش بفتاة أو سيدة في أي مكان ممنوعا ومرفوضا ومنبوذا أيضاً".

أضف تعليقك