البقعة..بين كثافة السكان وقسوة العيش

البقعة..بين كثافة السكان وقسوة العيش
الرابط المختصر

*لاجئون في البقعة: الإنجاب يحمي لنا حق العودة من الاندثار*البطالة والفقر مستقبل يرسمهما النمو السكاني في البقعة *مفاهيم إنجابية خاطئة تنقل مخيم البقعة إلى حافة العوز

يصعب تمييز سناء، وهي محاطة بأطفالها الأحد عشر في أزقة مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين، عن غيرها من النسوة اللواتي يمضين سويعات النهار في الأزقة الضيقة مستندات إلى جدران بعضها آيلة للسقوط، بيّد أنها  تفاخرهن بـ"انجازها الأسري".

 سناء ( 39 عاما) ترتسم على شفاهها بسمة قد لا يفرقها المرء عن الأخاديد التي تملئ وجهها وكأنها ابنة السبعين عاما تقول:"حبي الشديد للأطفال دفعني للإنجاب، ولن  يتصور احد  كم تغمرني السعادة  في كل مرة  ارزق  فيها بطفل فضلا عن رضا زوجي وحماتي عني".

 

 تكابر سناء وهي تلج  باب دارها البسيطة الذي يروي كل شبر فيها عن حالها، بين جدران غرفة جلوس مسقوفة بـ"الزينكو" و بضع فرشات متواضعة "مهترئة" ملقاة على ارض إسمنتية مشققة تستقبل في أحضانها أطفالا جياعا يتزاحمون على أرغفة الخبز.

 

تتقاضى سناء بعد وفاة زوجها، 200 دينار تجمعه بصعوبة بالغة من لجنة الزكاة وجمعيات خيرية داخل المخيم، بيد أن هذا المبلغ يجد طريقه لتسديد نفقات الأسرة وأجرة المنزل التي تأكل نصف هذه المعونات، أما باقي المبلغ  تحاول أن تنفقه  "لبل ريق" أحد عشر طفلا تبددت أحلامهم باقتناء العاب الكترونية أو حتى دمية خشبية.

 

 طفرة سكانية وتضارب في الأرقام

 الطفرة السكانية في المخيم الذي أنشئ عام 1968 على بعد 20 كيلومترا من العاصمة عمان لاستقبال النازحين واللاجئين الفلسطينيين في أعقاب حرب 1967، آخذة بالتضخم، بعد أن تعاقبت عليه الأجيال دون استيعاب الزيادة السكانية التي فرضتها ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية.

 

  ويرافق هذا التضخم تضارب ملحوظ في الأرقام والإحصاءات التي تقرأ واقع المخيم السكاني فوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الاونروا"  تبين أن عدد سكان المخيم البالغ مساحته (1.5 كلم مربع)، يصل إلى 104.566 فرداً، يشكلون 19.060 عائلة، من إجمالي قرابة 341.494  لاجئ ضمن ثلاثة عشر مخيما للاجئين الفلسطينيين في الأردن.

 

ويظهر التضارب حينما تبين أرقام لجنة تحسين مخيم البقعة التابعة لدائرة الشؤون الفلسطينية غير ذلك معتبرة ان سكان المخيم لا يتجاوزون 110 آلاف فردا ، في حين تقول دائرة الإحصاءات العامة ان ما يقارب 71 ألف شخص يسكنون المخيم حتى عام 2008 .

 

توضح دراسات صادرة عن مركز الفينيق للدراسات بان " هذا التضارب في الأرقام يعود إلى اختلاف المنهجيات المستخدمة في جمع البيانات وتوفيرها ما بين دائرة الإحصاءات العامة التي تعتمد على التعداد السكاني لمن يقطنون داخل المخيمات. ووكالة "الاونروا" التي تعتمد في إحصاءاتها على الأشخاص الذين يتعاملون مع مكاتبها طوعا بهدف تسجيل أبنائهم والمواليد الجدد وإضافتهم على بطاقة المؤن للحصول على الخدمات الصحية والتعليمية والاغاثية وتثبيت الحق القانوني بأنهم لاجئين لذا تكون أرقامهم أكثر دقة فيما يتعلق بأعداد أللاجئين على مستوى الأردن والذين يقاربون المليون و983 ألف.

 

 تقليص في الخدمات واستفحال للفقر

بعد ان أعلنت وكالة "الاونروا" عن تقليص خدماتها في المخيمات بسبب الأزمة المالية زادت أوضاع الناس في المخيم سوءا حسبما صرح به الكثير من السكان لعمان نت حيث اعتبروا أن " تقليص الخدمات مشكلة تضاف إلى مشاكلهم الأخرى؛ فأصبحت إعالة معظم عائلات المخيم أكثر صعوبة على الأسر الكبيرة تحديداً".

 

ويعود التضارب في الأرقام مرة أخرى فيما يتعلق بمتوسط حجم الأسرة في مخيم البقعة حيث بين رئيس البرنامج الصحي في وكالة الغوث الدولية د. اشتيوي أبو زايد، ان متوسط حجم الأسرة في البقعة  حوالي 5.1 عام 2010 مقارنة بالسنوات العشر الماضية، التي كان فيها متوسط حجم الأسرة يصل إلى ستة أفراد". وحسب آخر دراسة أجرتها لجنة تحسين المخيم، في العام 2004 وصل متوسط حجم الأسرة إلى 7.3 لكل امرأة بحسب رئيس لجنة تحسين خدمات المخيم د. محمود الأمير.

 

فقر وبطالة ترسم ملامح المخيم

يفتقر المخيم إلى إحصائيات رسمية حول نسب الفقر والبطالة، فيما "يستفيد من خدمات الإغاثة 3920 شخصاً، أي 1329 عائلة"، من إجمالي 51،277 حالة يشكلون نسبة 2,6 من مجمل اللاجئين المسجلين في "الاونروا"، وفق مساعد مدير خدمة الإغاثة في وكالة الغوث الدولية في الأردن حسام صادق.

 

  ويضيف صادق  ان متوسط حجم الأسرة التي تتقاضى المعونة، يتراوح بين "ثلاثة إلى أربعة أفراد، أما العائلات المكونة من 7 أفراد وما فوق، فتصل نسبتها إلى 30 % ممن يتقاضون خدمات الإغاثة".

 الكثافة السكانية الأعلى في الأردن

تصل الكثافة السكانية في مخيم البقعة لمعدلات عالية، حيث يقطن أكثر 100 ألف نسمة في مساحة لا تتجاوز الكيلو ونصف متر مربع، "في ظل احتلال المقبرة و16 مدرسة لأكثر من 80 دونماً من مساحة المخيم، ناهيك عن السوق الشعبي الذي يشكل ما نسبته 5% من المساحة" حسب الأمير. على الرغم من ان الكثافة السكانية في المملكة تصل إلى 64 فردا لكل كيلو متر مربع.

 

ومثلما تعاني الأزقة والأسواق من الاكتظاظ ، تكاد المدارس تضيق بمن فيها من التلاميذ، إذ تضم المدارس الـ 16 نحو 27 ألف طالبا، هم ثلث سكان المخيم، إلى مشكلة التسرب من المدارس التي  بلغت ألف طالب سنويا بسبب الالتحاق بالعمل أو لأسباب أخرى.

 

شأن سناء وأبنائها، شأن العديد من العائلات داخل مخيم البقعة ، من حيث حجم العائلة، إضافة إلى بنية الأسرة الممتدة السائدة في المخيم، إذ غالباً ما تجد الجد والأب والابن يعيشون في منزل واحد لا تتجاوز مساحته 96 متر مربع كحال معظم الوحدات السكنية الأخرى في المخيم.

 

خليل: كثرة الأبناء عزوة

الأربعيني خليل، احد سكان المخيم، لديه من الأبناء ثمانية، يرى بأن كثرة الأبناء تزيد من "عزوة العائلة" وان الفقر لا يؤثر في حب العائلة للإنجاب. في حين يرى البعض ان إنجاب عدد كبير من الأطفال يساعد في "استعادة الحقوق المغتصبة"، بل ويشير عدد آخر من السكان حول رغبتهم المستمرة  بالإنجاب والتي أرجعوها إلى الحصول على مساعدات إضافية من "الاونروا" التي تقدم هذه الخدمات الإضافية  لكل فرد جديد في العائلة.

 

ويؤكد أستاذ علم الاجتماع د. حسين الخزاعي ان زيادة الخصوبة في المخيمات تعود لأسباب سياسية لاعتقادهم "بأنها تشكل عوناً في الحفاظ على بقاء القضية وتوارثها عبر الأجيال". مبينا ان "الكثافة السكانية أفرزت آثارا نفسية واجتماعية واقتصادية سلبية على سكان المخيم".

هذه الحقائق دفعت د. الأمير الى الإقرار بتردي الوضع في المخيم من الناحية الاقتصادية، "وان كانت مستويات الفقر والبطالة مرتفعة في شتى المناطق في المملكة، إلا أن للمخيمات وضع خاص".

  

الخمسيني عبدالله متزوج من سيدتين أنجب منهما أحد عشر طفلا، ويعيلهم بأجر شهري يبلغ 180 دينارا، وعند سؤاله عن كيفية تلبية احتياجات أسرته و أبنائه رد بقوله " الرزق على الله".

 

 خليل صاحب محال تجاري، يعتبر "أن الفقر ساهم لدى بعض العائلات في كثرة الإنجاب، معللا ذلك بان رب الأسرة العاطل عن العمل يعيش ترف الوقت في ظل عدم الوعي بالصحة الإنجابية".

 

هذه الحقائق بينت ان نسبة البطالة في مخيم البقعة وصلت إلى 26% في عام 2010، بحسب الأمير. فيما تشير تقديرات الإحصاءات العامة حول نسب البطالة، بين السكان محافظة البلقاء، التي يقع المخيم من ضمنها، إلى 12.8% بين الذكور 10،6،  وبين الإناث 21،4 %.

  محاولات لتمكين المرأة 

لجنة تحسين خدمات المخيم ترى أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة، الضغوط الاجتماعية، والزواج المبكر أدت إلى ارتفاع نسبة الطلاق لمن هم دون سن العشرين، بنسبة 85 %.

وهذا الواقع دفع عدة مراكز نسائية في المخيم الى لعب دور هام في تمكين المرأة في شتى المجالات بحسب مديرة مركز البرامج النسائية عبير عليوة التي أكدت أن" المركز ساهم في رفع كفاءة المرأة من خلال التثقيف في عدة مجالات كالصحة وتربية الأطفال وتنظيم النسل".

 

 فريال 24 عاما لم يمض على زواجها سوى شهرين، تأمل بان تنجب طفلين وتباعد بينهما لإيمانها بتوفير حياة كريمة لعائلتها وقليل عدد النساء في المخيم اللواتي يفكرن بتباعد فترات الولادة للحفاظ على المستوى المعيشي.

  

البقعة مجتمع فتي

ويعد مخيم البقعة مجتمعاً فتيا، حيث تصل النسبة لمن هم أقل من 16 عاماً وفق دراسة للجنة تحسين المخيمات إلى 35% من مجموع السكان فيه. ويصاحب هذه النسبة انخفاض في معدل وفيات الأمهات للعام 2009 ما بين 20 إلى 21 لكل مائة ألف سيدة حامل، كما وأظهرت سجلات السيدات في سن الإنجاب داخل عيادات "الاونروا" أن عدد المستفيدات من برنامج تنظيم الأسرة باستعمال الموانع الحديثة قفز بنسب كبيرة من 33.9 % للعام 1995 إلى 53% للعام 2009 .

 

وبسبب تغطية "الاونروا" لمطاعيم الأطفال لعشرة أمراض قاتلة حسب البرنامج الوطني بنسبة تفوق 98% ، أكد رئيس البرنامج الصحي د شتيوي أبو زايد أن هذا أدى إلى انخفاض معدل وفيات الأطفال حيث كان يصل إلى 160 لكل ألف طفل مولود في الأعوام 1950-1960، وانخفض إلى 22 طفل من كل ألف طفل مولود حي في عام 2009.

 

 في المقابل، يصل عدد المسجلات والمستفيدات من وسائل تنظيم الأسرة الحديثة في مخيم البقعة بحسب آخر إحصائية لعام 2010 " 4216 سيدة في سن الإنجاب" من أصل 35129 مستفيدة من خدمات تنظيم الأسرة الحديثة و مسجلة في عيادات وكالة الغوث الدولية ال 24 في الأردن في نفس العام.

 

بيد ان الحال اخذ بالتغير إذ يصل معدل السيدات اللواتي يستخدمن وسائل تنظيم الأسرة الحديثة الآن، إلى 53%، فيما وصلت نسبة الإنجاب بين السيدات المستفيدات من خدمات "الاونروا" إلى 3،3%. والتي اعتبرها خبراء في المجال السكاني نسبة "منخفضة".

 ترسيخ لمفهوم الصحة الإنجابية

وساهم المجلس الأعلى للسكان في توعية سيدات في المخيم ضمن مشروع الصحة الإنجابية بحسب منسقة مشروع الصحة الإنجابية في المجلس رانيا العبادي "المجلس نظم عدة محاضرات فردية للتوعية بأهمية تنظيم الأسرة داخل المخيمات لاقت ردود أفعال إيجابية بين المستفيدات".

 

يتحدد موقف الشريعة الإسلامية من تنظيم النسل بحسب أستاذ الشريعة د. محمد القضاة بأنه "جائز باتفاق الزوجين شريطة أن لا تصدر الدولة تعميما بتنظيم النسل بشكل جماعي، أما تحديد النسل فهو محرم إلا إذا كان هناك خطورة على حياة الأم".

 

ويحمل بعض من شباب مخيم البقعة ردة فعل تجاه تجربة خاضوها وسط عائلة كبيرة الحجم بظروف لا تلبي أبسط احتياجاتهم المادية والمعنوية وحرمتهم من فرصة تعليم جامعي فرضتها ظروف مالية صعبة، فيرفض  الشاب سائد "33 عاما" تكرار ذات التجربة وسط أسرته المكونة من عشرة أفراد لينقلها إلى بيته فيقول "ثلاثة أولاد يكفي لان أوفر لهم حياة كريمة".