البطالة في (الصالون السياسي): قلق حكومي ورضا شعبي!

الرابط المختصر

في سياق "الفزعة" الإعلامية التي تلت خطاب الملك، تناول برنامج "الصالون السياسي" موضوع البطالة، مثله مثل الصحف المحلية التي زخرت في الأيام الأخيرة بتقارير ومقالات حول القضية. لم يختلف البرنامج التلفزيوني في تناوله للبطالة عن غيره من وسائل الإعلام المحلية، فجاءت تغطية تقليدية لم تضف جديدا للجمهور، سوى المزيد من فقدان الثقة بإعلامه. فكعادتها، مالت وسائل الإعلام للدعاية الحكومية عبر الاكتفاء بنقل التصريحات الرسمية حول الموضوع، وتضخيم بعضها لإنجازات أفراد أو مؤسسات دون غيرها، لتهمش في وسائل إعلام أخرى ارتأت تسليط الضوء على نشاطات غيرهم في الحكومة أو البرلمان.

وفي هذا المجال تفوق برنامج "الصالون السياسي" عن كل ما كتب أو بث حول البطالة، في انحيازه للحكومة وتقديمه مادة دعائية أكثر مما أرادته الحكومة لنفسها. هل السبب في كونه برنامجا للتلفزيون الأردني، أم لأن معده ومقدمه وزير سابق، أم كلاهما معا؟

حاول زيد حمزة إظهار التوازن في برنامجه عبر استضافة وزير العمل باسم السالم، كطرف حكومي، والنائبة فلك الجمعان، كممثل لمجلس النواب، ورئيس جمعية المصدرين وصاحب مصانع ومؤسسات استثمارية، أيمن حتاحت، من القطاع الخاص. وحرص المقدم على الالتزام بالدور لتوزيع الحديث على ضيوفه في الأستوديو. لكن الوقت الذي أتاحه المقدم للمتحدثين كان متفاوتا، بحيث بدت النائبة وممثل القطاع الخاص أشبه بديكور في استوديو البرنامج، فيما حصل الوزير على الوقت بأريحية ليروج فيه لإنجازات مؤسسته، ولم يقاطعه المذيع، فكان أن أخذ دوره، وحول الحديث إلى التالي من الضيوف، بعدما انتهى من كلامه.

وجاء الريبورتاج أو التقرير التلفزيوني الذي تخلل الحلقة ليخل أكثر فأكثر بتوازن البرنامج. حيث أجرى مندوب البرنامج لقاءات مع مجموعة من أصحاب العمل والعاملين الذين ألقوا جميعا باللائمة في مشكلة البطالة على العاطل عن العمل، وهو صاحب المشكلة والغائب الوحيد عن الحلقة. فلم يتوجه معد التقرير إلى أي عاطل عن العمل لسؤاله عن رأيه في سبب مشكلته.

أما إجابات العينة المختارة في التقرير فكشفت عدم عفويتها وأوحت بأنها معدة ومتفق عليها مسبقا، أي أنها كلام "مفبرك". فبالإضافة إلى لغتهم شبه الفصحى والمنمقة وسلاسة تدفق الأفكار دون أي وقفة، أجمع المجيبون على أن العاطل عن العمل هو المسؤول الوحيد عن مشكلته. وعكس المتحدثون من أصحاب العمل عن نماذج إيجابية جدا تحرص على تشغيل العمال الأردنيين عبر توفير ظروف عمل ملائمة لهم. في حين أظهر المشاركون في التقرير من العمال صورة مثالية لحملة شهادات لم يجدوا عملا في مجالاتهم فتوجهوا إلى حرف مهنية نجحوا فيها وهم الآن راضون جدا عن مهنهم.

بعد أن تحدث أحد أصحاب العمل عن تطبيق قانون العمل وتوفير الضمان الاجتماعي ومنح العامل كامل إجازاته وحسابه على العمل الإضافة، توجه معد التقرير إلى إحدى العاملات وسألها حول إن كانت قد واجهت صعوبة كفتاة في إيجاد عمل، فأجابت: "طبعا لا. الفرصة كانت متاحة لي منذ نزلت إلى السوق، وكان هناك تشجيع من أصحاب العمل ولم يكن هناك اعتراض على أن أبدأ مباشرة رغم أنه لم يكن لدي خبرة مسبقة في مجال العمل، فرحبوا بي وصرت منتجة".

وانتقل مندوب البرنامج في تقريره إلى أحد العاملين في مجال التجميل وسأله إن كان راضيا عن عمله أم أنه اضطر لهذا العمل تجنبا للبطالة، فأجاب: "صدقا أنا راضي عن العمل، وفعليا أنا اضطررت له...".

بذلك بدا الشارع الأردني، الذي من المفترض أن يعكس التقرير رأيه، بدا راضيا جدا ولا يشكوا من أية بطالة. في حين بدت الحكومة، كما عكسها ضيوف استديو "الصالون السياسي"، قلقة من هذه المشكلة الخطيرة. فهل يمكن القول أن التقرير موضوعي ويعكس الواقع؟ لنترك الإجابة للعاطلين عن العمل.

الريبورتاج الثاني لم يكن بحال أحسن، فاحتلت مقابلة رئيس صندوق التنمية والتشغيل، علي الغزاوي، الجزء الرئيسي منه فتحول التقرير إلى دعاية حكومية من جديد.

مقدمة الحلقة بشرت ببداية عهد جديد في برامج التلفزيون الأردني، أشار فيها المقدم إلى نسبة البطالة العالية في الأردن والزيادة السكانية التي تفاقم من المشكلة، و"التأمين ضد البطالة" كإحدى مهمات الضمان الاجتماعي التي لم نتمكن من تطبيقه حتى الآن، ودور "الديمقراطية والعدالة الاجتماعية" في هذه القضية، وتحدث عن "أجور بخسة يتقاضاها من يعظمون بإنتاجهم حصة أصحاب العمل من كعكة الأرباح الكبيرة".

وقدم حمزة ضيوفه واختار الوزير ليبدأ الحديث دون أن يوجه له سؤالا محددا: "دون أن نسأله، فلديه الكثير ليقوله، تفضل...". قدم الوزير عرضا موجزا تضمن معلومات وأرقاما، وحاول تشخيص مشكلة البطالة كما تراها الوزارة، فقال أن الزيادة السكانية هي السبب الرئيس للمشكلة، لكن "العمالة الوافدة" احتلت القسم الأبرز من حديثه. وختم بأن الوزارة أخذت على عاتقها حل ما أمكن من المشكلة. وورد في حديثه بعض المصطلحات باللغة الإنجليزية لم يتنبه مقدم البرنامج لترجمتها لجمهور أردني قد لا يتقن الإنجليزية.

وتابع مقدم البرنامج الحديث حول قضية "العمالة الوافدة" من زاوية وجوب توفير ظروف عمل أفضل للأردني ليقبل على المهن التي يقوم بها العمال الوافدون، طالبا من رئيس جمعية المصدرين التعليق على ذلك، والذي قدم بدوره مثالا على تجربته في إحلال العمالة المحلية بدل الوافدة. وأثنى حمزة على "نموذج نرجو أن يحتذى به"، لكنه استدرك قائلا: "إننا لسنا ضد العمالة الوافدة التي ساهمت طويلا في بناء الوطن، لكننا ننظر أيضا إلى الموضوع من زاوية مشكلة البطالة وكيف يمكن حلها من خلال عمالة أردنية". وسلم الحديث للنائبة جمعان التي تابعت الحديث في نفس الموضوع، أي العمالة الوافدة. ونسي الضيوف، كما المضيف، جميع العوامل الأخرى المسببة لمشكلة البطالة والتي أشاروا إليها كل في بداية حديثه.

وفي حين انشغلت النائبة جمعان بالحديث عن ضرورة إحلال العمالة المحلية محل الوافدة، نسيت الرد على اتهامين خطيرين وجههما مقدم البرنامج إلى مجلس النواب، أولهما أن المجلس لم يقدم أي تصور أو اقتراح لحل مشكلة البطالة بناء على طلب الملك، والثاني تحميلهم مسؤولية انتشار الواسطة في توفير فرص العمل.

لكن مقدم البرنامج لم يغفل، ولو للحظة، الالتزام بالدور في تداول الحديث بين ضيوفه، حتى وإن كان على حساب ضرورات النقاش وأهمية تسلسل الأفكار أمام المشاهد. فكان حمزة في كل محور جديد يبدأ بتسليم الحديث للوزير ومن ثم رئيس جمعية المصدرين، الجالس بجانب الوزير، وانتهاء بالنائبة التي نجح مقدم البرنامج في منعها من مقاطعة الوزير في كل مرة أرادت التعليق على حديثه. كما حرص على أن يحظى الوزير بمداخلات أطول من الوقت الذي سمح به لضيفيه الآخرين مجتمعين.

وللإنصاف، لن ننسى التنويه بالبادرة الطيبة من مقدم البرنامج باستضافته امرأة من أعضاء مجلس النواب، بغض النظر عن قيمة وجودها في الحلقة. وظل حريصا طوال الحلقة على التنويه بضرورة الحفاظ على التاء المربوطة في كلمة نائبة.

أضف تعليقك