البخيت.. رئيس وزراء في مهمة أمنية

الرابط المختصر

ملفات عديدة وضعت على أجندة الرئيس معروف البخيت عندما شكل حكومته في 27 تشرين ثاني 2005، من أبرزها تسريع وتيرة الإصلاح بكافة جوانبهوخصوصا الاقتصادي والسياسي- اللذان تبلورت معالمها في لجنتي الأجندة والأقاليم- الموروثتين عن حكومة فيصل الفايز.

وتعهدت الحكومة في حينها بتسريع وتيرة الإصلاح من خلال انجاز ثلاثة قوانين على وجه السرعة هي الانتخاب والأحزاب والبلديات، وأعلن رئيس الوزراء في رده على خطاب التكليف انه سيشكل على الفور لجانا وزارية لهذه الغاية.

اليوم وبعد مرور مئتي يوم على تشكيل الحكومة برزت العديد من المؤشرات على الساحة تنذر بتصدر الملف الأمني أجندة الرئيس "ذو الخلفية العسكرية" فلم يكن تعامله مع أزمة الإسلاميين إلا مؤشرا على "المخزون الأمني" الذي يتمتع به الرئيس في مواجهة الأزمات فقد استخدم كل أساليب المواجهة مع الإسلاميين من اعتقالات وتحشيد شعبي وإعلامي وحزبي، ولعل قول الرئيس في لقائه مع الإعلاميين بعد الأزمة الأخيرة "بدنا فزعه" مؤشرا على أجندة أمنية يحملها الرئيس لمرحلة أمنية يعيشها الأردن بعد ان ضربت يد الإرهاب في الداخل.

لكن هناك من يرى من المحللين ان الرئيس أسيرا للأجندة الأمنية التي فرضتها عليه الدوائر الأمنية التي تحاول رد اعتبارها بعد تفجيرات عمان، ويعلق المحلل السياسي فهد الخيطان " الأجندة الأمنية للدولة على مستوى أعلى من الرئيس فرضت عليه ان يعطي الأولوية للمسائل الأمنية، وهذا أدى الى ان تتخلى الحكومة تدريجيا عن دورها في الحياة العامة، والرئيس طرح برنامجا سياسيا واقتصاديا لكنه برنامج محكوم بالمتغيرات والاعتبارات الأمنية وهو لا يستطيع ان يتقدم خطوة في الجانب السياسي دون غطاء امني وموافقة أمنية على توجهاته".

وفيما يتعلق بأسلوب إدارة الأزمة مع الإسلاميين يرى الخيطان ان "هذه الأزمة تدار من قبل جهات أخرى الى جانب الحكومة وخصوصا من قبل دوائر الأمن التي تشرف على هذه القضية وتتعاطى معها حتى في الجانب الإعلامي، و يلعب الرأي الأمني الثقل الأساسي في صناعة القرار، والحكومة في هذه المرحلة أداه تنفيذية".

المحلل جميل النمري يرى ان أسلوب الحكومة في معالجة الأزمة مع الإسلاميين أسلوب امني كلاسيكي. ويزيد "هذه الإحداث أثبتت ان لدينا مشكلة حقيقة وهي غياب الحياة السياسية فعلى سبيل المثال الحكومة تلجأ لتحشيد الموظفين ورموز العشائر ضمن آلية تقليدية لإرسال برقيات الولاء والاستنكار وهذا الأسلوب ينتمي الى الماضي وهذه المواجهة أثبتت ضرورة الإصلاح السياسي".

يبدو ان المرحلة القادمة ستكون مرحلة يتربع فيها الملف الأمني على سلم أولويات الحكومة على الرغم من "الواجهة الديكورية الإصلاحية" التي وضعتها الحكومة من خلال مناقشة بعض القوانين مثل البلديات والأحزاب الذي لم يخلو أيضا من بعض البنود الأمنية المقيدة للحياة الحزبية خصوصا فيما يخص التمويل، ويرى البعض ان خطة الحكومة لمكافحة الفقر أيضا هي عملية " لذر الرماد في العيون" فقد كان الرئيس واضحا كل الوضوح عندما أعلن في رده على خطاب التكليف السامي بأن حكومته "ستمضي قدما في الحرب الوقائية على الإرهاب وثقافة التكفير".

في ضوء الظروف الحالية حسب الكاتب الصحفي جميل النمري " سيكون للجانب الأمني موقع هام في أجندة الحكومة والدولة عموما، مع مراعاة عدم النظر للحكومة من زاوية ضيقه، فالرئيس البخيت طرح برنامج إصلاحي وفقا لكتاب التكليف لكن هذا البرنامج يختلف في لهجته فقد جاء أكثر حذرا وهذا واضح بما يردده الرئيس دائما " نريد ان نمشي بانتباه لكي لا نسقط" وشمل هذا البرنامج أبعاد اقتصادية وسياسية وطرح سلسلة مشاريع مثل قانون الأحزاب والبلديات ومنظومة النزاهة الوطنية وإشهار الذمة المالية مكافحة الفساد ديوان المظالم وهذه كله يعطي صورة إجمالية لبرنامج إصلاحي".

موازنة 2005 لم تخلو أيضا من مؤشرات أمنية، فقد جاءت أيضا تحمل كل الدعم المادي للأجهزة الأمنية، ففي استثناء خاص يشذ عن قاعدة تقليص الدعم أعربت الحكومة عن نيتها دعم القوات المسلحة والأجهزة الأمنية بدون تحديد سقف أعلى لذلك، وقال وزير المالية د. زياد فريز في خطابه لمناقشة الموازنة لعام 2005 عن الأجهزة الأمنية" إنها حامية سياج الوطن وآمنه لها كل الدعم والمساندة ومن دون حدود، حتى يظل الأردن كعهده دائما صامدا كالطود أمام الأخطار لن يهن له عزم ولن تلن له قناة ويبقى مثابرا على نشر رسالته في تعزيز أركان البناء والسلام وموئلا حاضنا للاستثمارات المحلية وموئلا جاذبا للاستثمارات الخارجية".

المراقبون يجدون ان هذه الخطوة ردة فعل متوقعة بعد الاعتداءات الإرهابية التي تعرضت لها العاصمة عمان، لكن البعض يذهب لأبعد من ذلك ويقول "إن خلفية الرئيس البخيت العسكرية لها تأثير في خلق نوع من التعاطف مع زملاء السلاح الذين يعشون ظروف مادية صعبة ومن هنا جاء الدعم المادي للأجهزة".

ملف البخيت العسكري كبير، فقد التحق بالجيش الأردني منذ عام 1964 وأحيل على التقاعد برتبة لواء ركن عام 1999، وهو عسكري يوصف بـ"الهادئ" امتهن السياسة مبكرا".

وخلال حياته العسكرية التي استمرت 33 عاماً تولى قيادة الفريق المسؤول عن العلاقات الأمنية مع الدول الأجنبية والمؤسسات الأمنية الأوروبية ومثل الأردن في محادثات الحد من التسلح والأمن الإقليمي وعمل في اللجان المتعددة التي أطلقها مؤتمر مدريد للسلام عام 1991. ومن ابرز مهماته بين 1999 و2002 شغل منصب مقرر اللجنة التوجيهية العليا ومنسق عام لقضايا السلام قبل تعيينه سفيرا لدى تركيا بين عامي 2002 و2005.


هذه الخلفية السريعة عن حياة البخيت العسكرية تدلل على ان الحكومة مكلفة بجملة من الاستحقاقات السياسية والأمنية خلال الفترة القادمة في مقدمتها الملف الأمني لجهة الحرب على الإرهاب والفكر المتطرف التكفيري، فيما ستكون مخرجات الأجندة الوطنية وخصوصا الجانب السياسي منها في الأدراج لحين إيجاد صيغة سياسية تكفل إعادة الإسلاميين الى قمقم الحكومة.

لكن رئيس اللجنة التوجيهية للأجندة الوطنية مروان المعشر يرى ان لا تراجع للأجندة والإصلاح السياسي والاقتصادي لصالح الأجندة الأمنية، وحسب المعشر "موضوع الأمن مهم للغاية خصوصا بعد التطورات في المنطقة، ولذا نحن بحاجة لمعالجة هذا الموضوع بأساليب سياسية واجتماعية الى جانب الأساليب العسكرية، وهنا يأتي دور الأجندة في معالجة الأزمات من خلال الاتفاق على قواعد اللعبة وهنا أقول لا تخلي عن الأجندة الوطنية لأنها معده لمدة عشر سنوات ولا يمكن تنفيذ بنودها في عام واحد ".


هل سيكون الملف الأمني من أهم أولويات الحكومة؟ وهل سيتقدم على الملف الاقتصادي الذي يحتاج الى غرفة الإنعاش ؟ هذا السؤال يثير مخاوف العديد ممن يربطون ذلك بتعيين عدد من رجال السلك العسكري السابقين في مناصب حساسة في الدولة.

أضف تعليقك