الانجيليون في الأردن بلا محكمة كنسيّة
يعاني أبناء الطائف الإنجيلية المسيحية في الأردن من حالة الفوضى والضياع بسبب غياب وجود محاكم كنسية متخصصة تبت في أحوالهم الشخصية، من زواج وطلاق وحصر إرث، وذلك لعدم استكمال الاعتراف بهم رسميا في قانون الطوائف المسيحية الصادر عام 2014، علما أنها تعمل قانونيا منذ أوائل القرن الماضي.
يقول اللواء المتقاعد عماد صليبا المعايعة “للمغطس” وهو رئيس مجمع الكنائس الانجيلي الأردني السابق، ورئيس اتحاد مجامع الكنائس الانجيلية في الأردن والأراضي المقدسة، إنه ” عندما كنت عضوا في مجلس النواب عام 2003 أرسلت رسالة للحكومة آنذاك بخصوص إيجاد محكمة كنسية للطائفة الإنجيلية، وتم التوقيع عليها من قبل العديد من النواب، لكن الحكومة أنهت القضية بكلمة واحدة ” اذهبوا لمجلس رؤساء الكنائس”. ويوضح المعايعة “للمغطس” أن الكنائس الإنجيلية معترف بها وتم نشر تسجيل ذلك في الجريدة الرسمية ولكن ما ينقصنا فقط هو السماح لنا بإقامة محكمة كنسية. وكان من الواجب على الحكومة أن تراعي في قانون المجالس المسيحية عام 2014 عدم معالجة الشؤون القانونية لكافة الكنائس المسجلة العاملة رسمياً في المملكة.” ويطالب الانجيليون في الأردن بمساواتهم بالمسيحيين غير الأردنيين من أقباط و موارنه معترف بكنائسهم، في وقت لا تعترف الدولة بحق المسيحيين الانجيليين الاردنيين.
عماد صليبا المعايعة
ويلفت المعايعة في حديثه “للمغطس” إلى أن عدد أفراد الطائفة الانجيلية في الأردن يقارب 10 آلاف مواطنا ومواطنة، بالإضافة لوجود نحو 70 مؤسسة إنجيلية من كنيسة، مركز ديني، مركز طبي ومدارس، مؤكدا أن أتباع الطائفة هم مواطنون أردنيون بالدرجة الأولى، وذا أرادوا بناء أي كنيسة يتم أخذ موافقة مؤسسات الدولة.
القس ديفيد الريحاني رئيس المجمع الإنجيلي يصرح “للمغطس” إننا نثق بالعائلة الهاشمية وعميدها جلالة الملك بإنصاف الانجيلين في هذا الخصوص لما فيه مصلحة مواطنين أردنيين مخلصين للعرش الهاشمي”.
أصبحنا نعتمد على مزاج محاكم الكنائس الاخرى
وعن الصعوبات التي تواجه أبناء الطائفة الإنجيلية في ظل عدم وجود محكمة كنسية يؤكد المعايعة “للمغطس” أن “الصعوبات تأتي من الدولة والحكومة، كما نضطر للانتظار أوقات طويلة من أجل الحصول على موافقة المحاكم الكنسية للطوائف الاخرى لحل مشاكلنا”.
وتوضيحا لذلك يقول “إن من بين المشاكل التي تحدث أن يأتي شخص من أمريكا للأردن لغايات حصر الإرث وأن نحاول الاتصال عشرات المرات برؤساء المحاكم الكنسية الأخرى لحين الرد والبت في الموضوع، أو أب يريد أن يوزع الإرث بين أولاده وهو على فراش الموت، لكن لا يوجد محكمة للنظر بهذه القضية”.
وعن سبب عدم وجود محكمة كنسية يبين المعايعة للمغطس” للأسف الشديد لم يتم تشكيل محكمة كنسية سابقاً، ولم يفكر من سبقونا بهذا الأمر، بنفس الوقت الآن نبحث عن محكمة حتى تقوم بمتابعة قضايا رعايانا في أمور الأحوال الشخصية”.
وحول ذات القضية السابقة تؤكد المحامية الكنسية ندى الور توفر محكمة الكنيسة الأسقفية وتوضح للمغطس أنه كان هناك محكمة كان يمكن للطوائف الإنجيلية في الأردن الاستفادة منها وهي المحكمة الإنجيلية الأسقفية العربية الواقعة في جبل عمان ممثلة برئيسها القس لؤي حداد،
لكنها “أًغلقت جزئياً منذ عام 2017 لافتة إلى المشاكل والصعوبات التي واجهها أبناء الطائفة في ظل إغلاق المحكمة”. وتضيف للمغطس ” الإغلاق الجزئي أدى إلى تراكم المشاكل بين الأزواج وزيادة المشاكل بين العائلات التي كانت من الممكن أن تًحل في المحكمة الكنسية الانجيلية، بالإضافة إلى أن الكثير من العائلات تفككت مع زيادة المشاكل غير المنظور فيها”.
فيما يتعلق بأسباب الإغلاق الجزئي للمحكمة الكنسية تقول الور للمغطس” لا يوجد أسباب واضحة حول سبب ذلك، هناك أقوال إن الكادر المسؤول عن المحكمة غير متفرغ، واقوال إنه لا يوجد مشاكل، أو أنه لا يوجد تنسيق بين الجهات المعنية”.
وعن الحلول المقترحة تلفت الور للمغطس إلى أنه “من خلال قرار بتحويل المشاكل إلى واحدة من المحاكم الكنسية الأخرى، سواء أرثوذكسية أو لاتينية أو كاثوليكية، وعن الميراث تبين سواء مسيحيين أو مسلمين نمشي على تقسيمة الشريعة الإسلامية، لذلك التقسيم لدى أي محكمة لطائفة أخرى، سيكون تقسيما واحدا، في هذه الحالة يستطيع الشخص الذهاب لأي محكمة كنسية أخرى”.
المحكمة الأسقفية مغلقة لقضايا الطلاق والحضانة ونفقة
بدوره يوضح المحامي الكنسي هيثم سالم عريفج حول الإغلاق الجزئي للمحكمة الإنجيلية الوحيدة في الأردن للمغطس “أنها أغلقت في عام 2017 أمام قضايا الزواج، لتبقى مفتوحة أمام قضايا حصر الإرث و التخارجات، لافتا إلى العائلات التي كان لها قضايا أمام المحكمة الإنجيلية الأسقفية العربية لغاية الآن معلقة ولم يتم النظر فيها إلى الآن، مشيرا إلى هذه المحكمة الكنسية متاحة لكل الطوائف الإنجيلية منها “جماعة الله، الخمسينية ،المعمدانية، والسبتية وغيرهم في الأردن ” هذه الطوائف ليس لها محاكم لأنه جزء كبير منها غير معترف بها رسميا من الدولة، ومنها ما هو معترف بها”.
المحامي هيثم سالم عريفج
وعن المشاكل التي تواجه المحامين الكنسيين في هذا الشأن يشير عريفج للمغطس “واجهنا صعوبات بحل مشاكل موكلينا، مثل نفقة، انفصال، وحضانة”، لافتا إلى أن هناك بعض القضايا القليلة جدا التي ذهبت لمحكمة البداية، قبل صدور أي قرار برفض قبول الدعاوي ” أنا لدي قريبة دكتورة زوجها في الخارج، للآن غير قادرين نأخذ بطلان زواج، أو تحويل القضية لمحكمة طائفة أخرى، وهناك تعسف بشكل هائل في استخدام السلطة، الإنجيليون الآن في حالة ضياع، ولا يوجد محكمة فعالة فيما يتعلق بقضايا الفسخ والزواج”.
وعن تحويل القضايا بمحاكم أخرى يبين عريفج للمغطس “بعض القضايا ذهبت لمحاكم كنسية لطوائف أخرى، إذا كان أحد أطراف القضية معمد الكنيسة التابعة للطائفة، مثل الأرثوذكسية، أو الكاثوليكية، أما قضايا الاشخاص غير المعمّدين في الكنائس الأخرى لا زالت موقوفة فلا يوجد حل للآن”.
القس لؤي حداد ينفي
من جهته ينفي القس لؤي حداد رئيس المحكمة الإنجيلية الأسقفية العربية إغلاق الكنيسة أمام قضايا الزواج وحصرها بقضايا الارث والتخارجات، لافتا لى أنها مفتوحة أمام الجميع. وردا على السؤال التالي عبر الوتساب للقس لؤي حداد بعد محاولة الاتصال به عبر الهاتف لعدة مرات “وصلنا خبر أن المحكمة الكنيسة الأسقفية معطلة (سوى حصر الإرث) منذ أربع سنوات هل هذا صحيح؟ وجاء الرد عبر الوتساب “ليس صحيحا ما جاء في رسالتكم.” ولم يرد القس باي تعليق آخر رغم المحاولات الحثيثة معه ومع المطران حسام نعوم.
وقد تواصلت المغطس مع عدد من المحامين الموكلين الذي أكدوا غياب شبه كامل لرئيس المحكمة الكنسية موضحين أن هناك مزاجية في التعامل، وقد استمعت المغطس لمكالمة عديدة في أوقات دوام مختلفة مع سكرتارية المحكمة والتي كانت تقول بشكل دائم أن رئيس المحكمة غير موجود. وقد أكد أحد المواطنين الذي ينتظر منذ أربعة سنوات لسماع قضية بطلان زواج ان كل محاولاته لعقد جلسة المحكمة باءت بالفشل. ويأمل العديد من المحامين الموكلين أن يقوم المطران الجديد حسام نعوم بإيجاد حل لشلل محكمة الكنيسة الأسقفية.
ليث نصراوين يشير للقانون ويتجاهل الواقع
بدوره يقول أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق الجامعة الأردنية الدكتور ليث نصراوين للمغطس أن ” الفيصل الأساسي في هذا الموضوع هو القانون الخاص بالطوائف المسيحية في الاردن لعام 2014، والذي نص أن الطوائف المسيحية يتم الاعتراف بها بقانون، ويكون لها مجالس طوائف حسب أحكام القوانين الخاصة بها، مبينا أن في الجدول الملحق بالقانون عدد 11 طائفة مسيحية معترف بها في الأردن”.
الدكتور ليث نصراوين
يضيف نصراوين للمغطس أن هذا الاعتراف يعني أن الطوائف الواردة في الجدول لها الحق في أن يكون لها اعتراف رسمي في الدولة، ومن نتائج هذا الاعتراف أن يكون لها محاكم كنسية خاصة بها، لافتا هناك طوائف مسيحية في الأردن غير معترف بها في هذا الجدول، وطالما أنها غير معترف بها فليس من الحق أن يكون لها كنائس أو محاكم كنسية”.
وعن الحلول المقترحة يبين نصراوين للمغطس أن الحل “أن تتقدم هذه الطوائف بطلب اعتراف رسمي بها، إلى وزارة الداخلية حسب الأصول، فإن قررت الدولة ممثلة بمجلس الوزراء الاعتراف بهذه الطائفة يتم إضافتها إلى الجدول الطوائف المعترف بها في القانون”.
يشار إلى القانون القديم في الثلاثينات، كان يعترف ب 9 طوائف مسيحية في الأردن، ومع تعديل القانون عام 2014 تم اضافة طائفتين وأصبح هناك 11 طائفة معترف بها.
ويؤكد الدكتور نصراوين للمغطس أن “هناك تعاميم صادرة عن الحكومة ورؤساء الحكومة باعتبار أن مجلس رؤساء الكنائس، هو المرجعية العليا فيما يتعلق بالشؤون المسيحية في الأردن”، مشيرا أنه يفترض بالحكومة إحالة أي طلب الاعتراف بأي طائفة لمجلس رؤساء الكنائس، لإبداء الرأي، واستشارته، لغايات إصدار القرار، مبينا بنفس الوقت أن الإحالة ليست من ضمن الإجراءات المنصوص عليها بالقانون. لافتا إلى أنه حينها يصبح لها وجود أو كينونة قانونية في الأردن، ويحق لها بعد ذلك أن تباشر بأعمالها الدينية، الكنسية، وبالنهاية أن تقوم بإنشاء محاكم كنسية خاصة، للأحوال الشخصية لرعاياها”.
ويرد اللواء المتقاعد عماد المعايعة للمغطس أن مجلس رؤساء الكنائس ليس هيئة رسمية ولا يوجد لها أي صفة قانونية لنأخذ مباركتها، لافتا إلى أن هذا الأمر “ليس صحيحا أن تأخذ طائفة مباركة طائفة أخرى سواء دستوريا، او دينيا، أو برلمانيا مهما كان مصدره.”
ويفيد العديد من رؤساء الكنائس الانجيلية أن طلبات متكررة للاعتراف تم تجاهلها وعدم التعامل معها من قبل الحكومة وتم تحويلها لمجلس الكنائس والتي الكنائس الانجيلية غير عضو فيها على رغم أن القانون يحصر الدور لمجلس الوزراء.
اللقاء مع الأمير غازي لم يسفر عن حل
أعضاء الهيئة الإدارية للمجمع الانجيلي الأردني اجتمع في قصر الحسينية مع سمو الأمير غازي بن محمد 12 كانون أول 2019 حيث نقل الأمير رغبة جلالة الملك بإيجاد حل يوفر الحقوق الدستورية للمسيحيين الإنجيليين الأردنيين. وقام الأمير باقتراح ضرورة توحّد الإنجيليين في كنيسة واحدة كخطوة مهمة ستسهّل الأمور المتعلقة في توطيد علاقة الإنجيليين بالدولة الأردنية.
وجرى خلال اللقاء الذي تم بدعوة من سمو الأمير وبحضور د. بشر الخصاونة مدير مكتب الملك لشؤون التنسيق والتواصل آنذاك وكمال الناصر مستشاراً للملك للسياسات والإعلام والسيدة هيفاء خريشة.
وبعد الاجتماع أقرت الهيئة الإدارية للمجمع الانجيلي الأردني في اجتماع استثنائي عقد يوم السبت 21-12-2019 على توحيد العمل لإقامة كنيسة إنجيلية وطنية موحدة. وتم مناقشة خطة من عدة مراحل تهدف الى التوصل إلى ضم الكنيسة الإنجيلية الوطنية قائمة الكنائس في الأردن حسب قانون الطوائف المسيحية رقم 28 لعام 2014.
وقد تقدّم المجمع بمسودة نظام داخلي وحدوي بعد عدة أشهر قام أحد كبار المكاتب القانونية بصياغته تم توقيعه من رؤساء الكنائس الانجيلية إلا أن ذلك لم ينتج عنه حل الإشكال وبقيت الدولة الأردنية ترفض إدراج المجمع الإنجيلي أو الكنائس الخمس المنضوية تحته في ملحق قانون 2014 وبذلك تم حرمان الإنجيليين من تشكيل محكمة كنسية رغم وجودهم القانوني منذ عشرينيات القرن الماضي.
يشار إلى أنه صدر تعميم بتاريخ 31 كانون الثاني 2021 ، يدعو المحاكم الابتدائية النظامية بعدم قبول أي دعوى من مسيحيين ليس لهم محاكم وأن يتم تحويل تلك القضايا لمجلس رؤساء الكنائس، فيما وجه رؤساء خمس كنائس إنجيلية رسالة للقاضي محمد الغزو رئيس محكمة التمييز رئيس المجلس القضائي اعتراضا على التعميم، لافتين في رسالتهم بالقول إن “المشرع الأردني لم يعلق مسألة الاعتراف بالطوائف على شرط وجود محاكم كنسية تتبع لها وحيث أن المراكز القانونية التي تحققت لرعاياها وأبناء هذه الطوائف مسجلة وفق أحكام التشريعات السارية النفاذ وتسجيلها منشور بالجريدة الرسمية، وهي بذلك تتمتع بالشخصية الحكمية التي منحتها حق التملك والتصرف وممارسة كافة أعمالها وأنشطتها الدينية والاجتماعية “.
وقد تم فيما بعد التراجع عن قرار رئيس المجلس القضائي ولكن الآلاف الأردنيون الإنجيليون بقوا للان يعيشون في فراغ قانوني في كل ما يخص قضايا الأحوال الشخصية للمسيحيين.
المصدر المغطس