الاعلام والفقر: شو هالايام ...!

الاعلام والفقر: شو هالايام ...!
الرابط المختصر

تسأل الكاتبة في صحيفة "الغد" جمانة غنيمات:" من يعرف عدد الفقراء في الاردن؟"، قد يكون سؤال غنيمات موجها الى الدوائر الرسمية، ولكن، ماذا عن الاعلام ودوره في تغطية قضايا الفقر والفقراء.تنشر احدى الصحف اليومية، من ضمن سلسلة اعتادت عليها الصحيفة وصحف اخرى في موسم رمضان، تنشر "تحقيقا" عن اسرة فقيرة في جبل النصر فتقوم الملكة رانيا بزيارة مفاجئة للاسرة وتنهي مشكلتها، فكأنما انتهت مشاكل الفقراء جميعا.
ما يحصل ان شهر رمضان يشكل مناسبة خاصة ونموذجية للاطلاع على الكيفية التي تعالج بها وسائل الاعلام المحلية مشاكل الفقر. وبشكل عام فأن الصحف تبدي اهتماما اكبر لمشاكل الفقر والغلاء والاسعار في هذا الشهر لعدة اسباب.
لقد درجت العادة عند بعض الصحف اليومية "الغد، والدستور" تحديدا، على نشر "تحقيقات" يومية عن اسر تعاني شظف العيش بسبب الفقر.
وقد خصصت صحيفة "الدستور" زاوية يومية تحت عنوان "حكايات لا يعرفها أحد". فيما خصصت صحيفة "الغد" زاوية "محرمون بيننا" لنفس الغرض. لكن هذا لا يعني ان الصحف الاخرى لا تنشر قضايا فقر متفرقة على نمط هذه "التحقيقات".
لكن، البحث عن "الاسر المستورة" ونشر تحقيقات عنها لم يعد حكرا على الصحافة المكتوبة، بل امتد الى الاعلام المرئي، الذي اطلق لنفسه العنان في تنظيم حملات "تسول جماعية" تحت مسميات "الرحمة والصدقة والزكاة في رمضان" وغيرها.
يعرض الاعلام "الاسر المستورة" الى ما يشبه "هدر ماء الوجه"، مستغلا حاجتهم وتعلقهم بقشة لعرض صورهم واسمائهم وظروف معيشتهم على صفحات الصحف او عبر اثير الاذاعات.
يعتقد الاعلامي انه بذلك ادى خدمة للجمهور او للاسرة الفقيرة، فيما هو في هذه الحال يؤدي خدمة مميزة للمسؤول الذي سوف "ينهي" مشكلة الاسرة الفقيرة وينال المديح كما يحصل كل مرة يتحرك فيها مسؤول بناء على تقرير او "تحقيق" او شكوى مقدمة ضمن برنامج ما.
فيما تؤكد الارقام الصادرة في شهر آب الماضي، عن دائرة الاحصاءات العامة :" ان 10% من الاردنيين يقل دخلهم اليومي عن دينار واحد، اي ان هناك حوالي 450 الف فرد من اصل 5.4 مليون نسمة نستطيع ان نطلق عليهم فقراء بكل ما في الكلمة من معان قاسية، وهو رقم الى حد ما مشابه لما اعلنته الاحصاءات في وقت سابق من ان نسبة الفقر في المملكة تبلغ 14%...". سلامة الدرعاوي، العرب اليوم. تساعد وسائل الاعلام عبر هذه الطريقة في التغطية على تصوير او محاولة اعادة صياغة الواقع بطريقة مجزءة تحت مسمى "التغطية الانسانية"، فتعطي الانطباع بأن مشكلة الفقر ليست اكثر من مشكلة حالات معزولة او "جيوب" متفرقة، هذه "الجيوب" التي يسخر منها الكاتب في الدستور يوسف غيشان :" أما ما يزيدني عجبا واستغرابا ، فهو ما نسميه (جيوب الفقر) ، وهذا تناقض وتضاد صارخ ، لا افهمه.. فما حاجة الفقر إلى جيوب ما دام فقرا ، وماذا يضع بجيوبه.. عدا (القشل والبين)؟".
"بعد نشر هذه الحالة في جريدتكم الموقرة فان اهل الخير في هذا البلد المعطاء سوف يكونوا عند حسن ظنكم وخاصة في هذا الشهر الفضيل.."، يكتب احدهم تعليقا على موقع صحيفة "الدستور".
وترد صحيفة "الغد" بتقرير معنون بـ:" موائد الرحمن": محسنون يتسارعون لمضاعفة الاجر في رمضان".
تتيح التغطية "المجزئة" لمشكلة الفقر "للاغنياء" ان يعرضوا عضلاتهم، او بالاحرى ان "يلمعوا" انفسهم، فكثير من الشركات ترعى "تحقيقات" الصحف هذه حول الفقر مثلما كانت شركة زين ترعى "تحقيقات" الغد " محرمون بيننا". وطبعا فان "احسان" هذه الشركات ينعكس "خصومات" من ضريبة الدخل المفروضة عليها، ما يحرم الدولة من ايرادات كثيرة هي اقدر على تخصيصها لمعالجة مشكلة "الفقر الكلي"، والحال ينطبق على كافة "المحسنيين". الا تسهم الصحافة، والحال هذه في تعميق مشكلة الفقر لا في حلها، تحت مسمى الاحسان والتضامن ومبادرات "كلنا أهل"، التي تحظى باهتمام اعلامي كبير ضمن حملات "التبرع" للفقراء التي تستشري في رمضان.
على اي حال، الاحصاءات التي خرجت بها دائرة الاحصاءات العامة، التي اشار اليها الدرعاوي وغنيمات، لم تحظ فعلا بتغطية اعلامية مناسبة وقد مرت الارقام على الصحف مرور الكرام عبر خبر في المحليات.
وهكذا فأن سؤال غنيمات حول من يعرف عدد الفقراء في الاردن يصبح مشروعا طالما ان الاعلام لا يلعب دوره في الاهتمام بكليات الفقر.
لا يمكن بحال من الاحوال اتهام الصحافة المحلية بـ"التقصير" في تغطية مشاكل الفقر، وخاصة صحف الدستور والعرب اليوم والى حد كبير صحيفة الغد. لا بل ان الارتفاع المتواصل في تكاليف المعيشة والمؤشرات الدالة على زيادة عدد الفقراء جعلت من مواضيع الغلاء والاسعار المواضيع الاكثر استقطابا لاهتمام وسائل الاعلام وتحديدا في العامين الاخيرين.