الاستثمار الزراعي في السودان
انقضت عشر سنوات منذ قدم السودان للأردن قطعة أرض واسعة لاستثمارها في الزراعة، ولم يحدث شيء حتى الآن، لم نستطع توفير مائة مليون دينار، المبلغ المقدر لإدارة الاستثمار، وأهدرنا عشر سنوات وربما نهدر الفرصة للأبد لأن السودان لن ينتظرنا إلى الأبد لأننا غير قادرين/ راغبين/ مستعدين/ مقتنعين/ مدركين/ للاستثمار الزراعي وأهمية الفرصة التي أتاحها لنا السودان الشقيق.
كنا مستعدين لتوفير سبعمائة مليون دينار للاستثمار في ما سمي زورا "بورصة" وليته كان بورصة على ما في الاستثمار في البورصة الحقيقية أيضا من مغامرة وخطورة، ولم نقدر على تأسيس شركة مساهمة للاستثمار الزراعي في السودان. أما وقد جعلنا هذا العام للاستثمار في الزراعة، هل يمكن أن نرى مبادرة للاستثمار؟ هل ثمة ما يمنع إقامة شركة مساهمة يشارك فيها أكبر عدد ممكن من المواطنين؟
لماذا تتطلع الحكومة إلى الشركات والبنوك ولا تحاول إقامة شراكة مع المواطنين، أليست تجربة البورصة (بورصة مجازا) تشجع على عقد شراكة حقيقية وفاعلة بين الحكومة والمواطنين لإقامة شركة مساهمة كبرى وعامة؟ ثمة شعور مدعوم بأدلة وشواهد كثيرة بأنه لم يكن ثمة رغبة بإشراك المواطنين في عمليات الخصخصة وأنها صممت لصالح كبار المستثمرين والتجار، ولم يتح المجال للدخول في مساهمات صغيرة في المؤسسات التي خصخصت، مثل الفنادق والاتصالات والإسمنت والبوتاس والفوسفات، وربما لو أتيح المجال لمساهمات صغيرة لاشتراها المواطنون وتحولت إلى ملكية لمعظم الاردنيين إن لم يكن جميعهم بدلا من أن تكون ملكية لشركات أجنبية!
الأردن يستورد من القمح والشعير سنويا بأكثر من مائتي مليون دينار، كم يمكن أن توفر لنا الأرض الزراعية في السودان من القمح والشعير؟ سوف تنتج على أقل تقدير مائتي ألف طن سنويا، وهذا يوفر 10% من احتياجات الأردن، ولكن بمرور الوقت والخبرة وإدخال التقنيات سيتضاعف الإنتاج، وبخاصة أن الأرض السودانية مروية، ويتوافر هناك الماء بكثرة، بحيث يمكن استخدام الأرض مرتين في السنة، وأقدر أن استثمارا بمائة مليون دينار ليس كبيرا بالنسبة للأردنيين وبالنسبة للإنتاج والإيراد المتوقع، ومن المخجل بحقنا مجتمعا وحكومة أن نقول بأن المانع من استخدام الأرض الزراعية في السودان هو نقص السيولة.
ومع أزمة المياه التي نواجهها، واحتمال تقليل التكاليف فإن الاستثمار الزراعي في السودان يمنحنا مزايا كبيرة جدا، فيمكن بالوفر المائي المتحقق أن نحل مشكلة مياه الشرب والري، ويمكن أيضا بتراتيب إدارية واستثمارية أخرى أن تكون الاستثمارات الزراعية في السودان مصدرا لاستثمارات غذائية وفي الثروة الحيوانية والأعلاف وتشغل عددا كبيرا من المزارعين والمهندسين والعمال الأردنيين في السودان، إننا نهدر فرصة ثمينة وهائلة للاستثمار ومواجهة نقص المياه بلا مبرر معقول، وفي الوقت نفسه فإننا نرى إنفاقا في استثمارات لا يفيد منها أحد سوى حفنة قليلة، وثمة أفكار لاستثناء بعض الاستثمارات من قانون الحد الأدنى للأجور لأجل مساعدة المستثمرين المساكين، فإذا كانت هذه الاستثمارات التي خصصت لها أراض واسعة ومياه وكهرباء وتسهيلات وطرق غير قادرة على دفع أجور العمال، فما جدواها وما فائدة بقائها واستمرارها؟
نحتاج إلى قدر كبير من الخيال وحسن النية أيضا، وأعتقد أن أزمتنا لم تكن في الموارد وتدبيرها، ولكن توزيع وإدارة الإنفاق على المستوى الرسمي والمجتمعي تحتاج إلى مراجعة وتساؤل عن جدواها وأهميتها وحسن توزيعها، فلا يعقل أن الأردنيين الذين ينفقون مليارات على الاتصالات غير قادرين على تدبير مائة مليون لأجل مشروع استراتيجي سيوفر في الماء والعجز في فاتورة الاستيراد والتصدير ويحقق الأمن الغذائي ويوفر فرصا هائلة في العمل للأردنيين والسودانيين.











































