الاردن .. بين أوباما و"جبهة التضامن العربي"

الرابط المختصر

يراهن الأردن الرسمي على جهد الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما لإنقاذ السلام المتعثر بعد أن أوصدت الانتخابات الإسرائيلية الباب أمام فرص تحقيق "حل الدولتين", وسط تنامي هواجس ساسة وحزبيين من التغيير المرتقب في استراتيجية واشنطن تجاه المنطقة ينحصر بالشكل بعيدا عن المضمون.

بالتزامن, تعمل عمان مع العواصم الثماني المؤسسة لما تسمى "جبهة التضامن العربي" على تحقيق حد أدنى من التوافق بين دول المنطقة قبل قمة الدوحة العادية الشهر المقبل, كمفتاح لحفز مصالحة فلسطينية باتت رهينة بيد إيران. في حال نجحت تلك الجهود, ستحضّر الأرضية للتشبيك مع إدارة اوباما من خلال شريك فلسطيني, مدعوم بمبادرة سلام عربية, لحل القضية, ولو كطلقة أخيرة لقنص الفرصة, قبل التفكير في خيارات أخرى مستقبلا.

فقدوم رئيس غير تقليدي كأوباما, حملته إلى السلطة ظروف استثنائية داخلية وخارجية كانت أوصلت الإمبراطورية الأمريكية إلى نهاية الطريق, قد يخفف من مصاب منطقة ساءها تكليف بنيامين نتنياهو, زعيم حزب الليكود اليميني, تشكيل حكومة إسرائيلية ينتظر أن تدير ظهرها لعهود السلام بينما تقدّم أولوية توفير الأمن والأمان للإسرائيليين ومكافحة ما تزعم أنه "إرهاب فلسطيني". تلك السياسات الملتوية قد تدخل نتنياهو إلى مسار تصادمي مع الحليف الأمريكي في حالة صدقت نوايا أوباما بحل ملف السلام في الشرق الأوسط..

باختصار, تحاول "جبهة التضامن" فرز الدول العربية على قاعدة من يقف مع مصالح الأمة, بما فيها خيار السلام كإستراتيجية عربية وحيدة, ومن يقف مع مصالح إيران, و"يخوّن" من لا يدعم شعار المقاومة بهدف كسب شعبية, مع انه ما يزال ملتزما بخيار التفاوض, مثل سورية وقطر.

فالعدوان الأخير على غزة, بحسب دبلوماسيين ومسؤولين عرب, فتح الباب واسعا أمام قوى إقليمية غير عربية - إيران الشيعية وتركيا »العثمانية« للتدخل لصالح فرض أجنداتها. وعلى نحو غير مسبوق تم تخوين أنظمة ما يسمى بالاعتدال العربي. وهكذا تطايرت السهام صوب مصر لعدم قبولها فتح معبر رفح بطريقة أزاحت الغضب عن إسرائيل ووضعت مصر في قفص الاتهام.

كذلك ألغت معركة غزة التمايز بين "محوري الاعتدال والممانعة" إلى من بات يقف مع وضد التضامن العربي وجهود توحيد الجبهة الفلسطينية, وليس مع من يقف مع خيار السلام. فالعرب جميعا ما زالوا ملتزمين بالسلام كخيار إستراتيجي, وإن حاولت دمشق والدوحة سحب مبادرة السلام العربية لأنها لم تفض إلى نتيجة منذ إطلاقها في قمة بيروت عام 2002 وإعادة تكريسها في قمة الرياض (2007).

في خلفية المشهد, محاولات مستمرة لكسر النظام العربي وخلخلته عبر طروحات من طراز توسيع الجامعة العربية لتضم أطرافا إقليمية غير عربية كإيران وتركيا بصفة عضوين مراقبين, أو البحث عن مرجعية جديدة تحل مكان منظمة التحرير الفلسطينية, الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني منذ عام ,1974 بقرار عربي.

مجموعة حشد التضامن العربي, برأي القائمين على المبادرة, تريد توحيد الصف الفلسطيني, ما يسقط حجّة غياب شريك فلسطيني فاعل وقادر على التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل, وينعش الآمال بإمكانية تحرك أمريكا والغرب على قاعدة حل الصراع وليس إدارته كما ثبت حتى الآن.

الجبهة تدعم أيضا جهد مصر لتثبيت التهدئة الهشّة في غزة منذ شهر, فتح المعابر وإجراء مصالحة للاتفاق على حكومة فلسطينية مقبولة لدى الجميع وقادرة على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وتسريع جهود إعادة إعمار غزة. حكومة كهذه قد تكون فاتحة لإعادة تأهيل حركة حماس ضمن أطر التعاطي مع الواقع الذي أفرزته الانتخابات, والعمل على تغيير شروط الرباعية الدولية القاسية منذ 2006 بما فيها الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود ووقف "العمليات "الإرهابية". بعد ذلك يأتي الاشتباك الايجابي العربي مع طهران لخدمة قضايا المنطقة على قاعدة الاحترام المتبادل بما فيها احترام سيادة الدول ووقف التهديدات كالتي تطلقها أصوات مسؤولين في طهران بين الفينة والأخرى تجاه البحرين بدعوى أنها "المحافظة الإيرانية رقم 14".

ولدت الجبهة خلال اجتماع مفاجئ خلف أبواب موصدة في أبو ظبي في الثالث من الشهر الحالي بمشاركة وزراء خارجية مصر, الأردن, السعودية, الإمارات العربية المتحدة, الكويت, تونس, المغرب, اليمن والبحرين, إضافة إلى وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي. مهّد لذلك اللقاء الموسع اجتماع تشاوري مغلق عقد في الرياض بمشاركة السعودية والأردن ومصر ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية المنتهية ولايته الدستورية. ذلك الاجتماع أثار وقتها حفيظة دمشق والدوحة, وقد جاء استكمالا لمبادرة ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز على هامش قمة الكويت الاقتصادية, التي نجحت في ترحيل الملفات الاشكالية إلى قمة الدوحة.

لكن بين طموح جبهة التضامن العربي قيد التأسيس, وواقع المنطقة المؤلم, تأتي التحذيرات من مغبة رفع الآمال حيال إمكانية تحقيق استقرار في الشرق الأوسط سواء بالنسبة لما قد يحمله الرئيس أوباما أو ما قد ينجح العرب في فرضه عليه, في حالة توحدت كلمتهم ومرجعيتهم.

فدول الاعتدال العربي لم تفلح فعليا في تشكيل "مجموعة ضغط" لإقناع الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بلعب دور الوسيط النزيه عبر الضغط على إسرائيل لقبول المبادرة العربية وحل الدولتين, ذلك الوعد الذي أطلقه أول مرة عام 2002 على أمل تحقيقه مع انتهاء ولايته الرئاسية بداية .2009

هذه الدول خسرت ماء وجهها أمام شعوبها المناوئة لسياسات أمريكا وانحيازها الواضح لمصالح إسرائيل التي تكشفت أكثر بعد الحملة العسكرية الأمريكية التي أطاحت بنظام صدام حسين في العراق وأزالت آخر قلعة صمود في وجه الأطماع الإيرانية.

سياسات المحافظين الجدد والأصولية المسيحية الموالية للصهيونية زعزعت قواعد دول الاعتدال, فيما تمّدد نفوذ محور الممانعة وأصبحت إيران تتحكم بملفات العراق وفلسطين ولبنان.

تبقى هناك أسئلة مشروعة حول ما إذا كان بإمكان الجبهة الجديدة جذب سورية ولبنان ودول مجلس التعاون الخليجي كافة كمقياس أساسي للنجاح أو الفشل? لكي تنجح وتكسب دعم الجميع, لا بد من الاتفاق على صفقة تحقق مكسبا لكل عضو وتضم مبادرة سلام للتوصل إلى حل الدولتين, تعزيز سيادة السلطتين اللبنانية والفلسطينية فوق أراضيهما مع إبعاد الأحزاب عن منافسة الأنظمة, إعادة أراضي الجولان المحتل لسورية مع حزمة مكاسب مالية واقتصادية. وبعد ذلك كله يأتي الحديث بصوت واحد مع إيران للاتفاق على القواسم المشتركة للعيش في إقليم مستقر وآمن.

فإذا لم ينضم الجميع تحت لواء التضامن, ستكرس قمة الدوحة الانقسام الحقيقي الذي بدأته قبل أسابيع عندما استضافت قمة غزة الطارئة في الدوحة بمن حضر لنصرة حماس والمقاومة الفلسطينية ولإحراج الرئيس عباس. شارك في تلك القمّة خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس, الذي دعا علنا لإسقاط منظمة التحرير وإنشاء منظمة بديلة. وفيها ألقى رئيس إيران محمود أحمدي نجاد خطابا مزايدا في الثورية مع أن الدعوة إليها تمت تحت عنوان انها قمة عربية خالصة. في المقابل قاطعها الرئيس عباس, وممثلون عن مصر والسعودية والأردن وغيرهم, ودعت قراراتها إلى نبذ البقية الباقية مما يجمع عليه العرب إزاء القضية الفلسطينية: مبادرة السلام العربية.

في البال أسئلة أخرى تمس الثمن الذي سيقنع سورية بالتخلي عن تحالفها الاستراتيجي مع إيران منذ ثلاثة عقود, بما فيها ترك أوراق حماس وحزب الله مقابل الانضمام لجبهة التضامن? أسئلة أخرى تتعلق بقدرة السعودية على قيادة النظام العربي, ومواجهة نفوذ إيران في المنطقة بعد أن تمددت في العراق, وفي الساحة اللبنانية والفلسطينية, وتغلغلت بين شيعة دول الخليج العربي, مع استمرارها في تقديم الدعم لحماس والجهاد الإسلامي وحزب الله, والإبقاء على شبكة مصالح مشتركة مع سورية.

هل ستستعمل السعودية بترودولاراتها للتأثير في صناعة القرار الأمريكي في الوقت الذي يجاهد الرئيس أوباما لإخراج اقتصاد بلاده من أزمة كساد.

على الأرجح لن يتغير الكثير خلال الأيام والشهور المقبلة. إيران ستظل قائدة محور الممانعة, وسيتحول الصراع مع إسرائيل إلى صراع ديني مطعّم بنكهة إسلامية إيرانية وعثمانية وسنية. الرئيس الأسد سيظل "يتدلل" على الشرق والغرب ويطلق الوعود ويشتري الوقت. الرئيس التركي رجب طيب اردوغان, زعيم حزب العدالة والتنمية ذو الجذور الإسلامية, سيستمر في البحث عن مكاسب في العالم العربي من خلال الورقة الفلسطينية وغيرها, بينما تعيش دول الاعتدال أحلام اليقظة على أمل إحداث تغيير في مضمون الاستراتيجية الخارجية لسياسة واشنطن تجاه الشرق الأوسط لعلها تنشلهم من ورطتهم.

التغيير الوحيد والمقنع للشارع العربي سيكون في حالة قبول الإدارة الجديدة التعامل مع المنطقة بمساواة ورفعت الحظر على الاتصال مع حماس, عبر "وضع شروطها والاستماع لشروط الحركة والضغط على إسرائيل لقبول حل الدولتين". فحزب إسرائيل بيتنا اليميني المتطرف, الذي يلغي الآخر, صعد إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع تماما كحماس. لن يقتنع أحد بالكيفية التي تقبل فيها واشنطن التعامل مع حكومة إسرائيلية جديدة يشارك فيها حزب "إسرائيل بيتنا" المتطرف برئاسة العنصري افيغدور ليبرمان بدعوى أنه نجح في انتخابات ديمقراطية, ولا تستعمل نفس المنطق والمقياس في التعامل مع حماس كجزء من سلطة جاءت عبر انتخابات نزيهة في 2006?

بخلاف ذلك لن تفيد الخطوات التي قام بها أوباما تجاه المنطقة مباشرة بعد حفل تنصيبه من خلال اتصالات هاتفية طمأن فيها الرئيس عباس وزعماء مصر والسعودية والأردن حول التزامه بحل الدولتين. أعقب ذلك مقابلة حصرية لفضائية العربية أكد خلالها اعتزازه بالإسلام, بسبب روابط الدم. وأوفد مبعوثه الشخصي للشرق الأوسط السيناتور جورج ميتشل إلى المنطقة لتثبيت هدنة غزة ودراسة آفاق استعادة المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية. وها هو ميتشل يستعد لجولة ثانية في المنطقة بعد أن قال لزعمائها انه سيعمل بـ "دوام كامل وليس جزئي لتحقيق الأمن والسلام, ذلك الحلم الذي تحول إلى كابوس ثقيل مع تكليف نتنياهو بتشكيل حكومة يمينية متطرفة.0