"الإدعاء العام" خارج عباءة السلطات

"الإدعاء العام" خارج عباءة السلطات
الرابط المختصر

ما يزال الادعاء العام يشكل على أهمية موقعه في الجسم القضائي جدلا واسعا بين القضاة والمحامون، على اعتبار ان استقلاليته ما تزال محل السجال.

قانونيون سبق وان قاموا بصياغة خطة لتطوير النيابات العامة، في مسعى نحو جعلها مستقلة استقلالاً تاماً عن باقي الأجهزة القضائية، ومن بينها استقلالية عمل "المدعي العام".

ويعلق المحامي مازن الطويل، الذي كان عضوا في اللجنة القانونية لتعديل القوانين في وزارة العدل، إن التطوير سيشمل جهاز الادعاء العام برمته.

ويتابع «إن هناك خطوات لتطوير النيابات العامة في إطار خطة من شأنها أن تجعل عمل النيابات العامة مستقلاً، وأن تتم من خلاله ترقية قاضي الادعاء العام ليصبح في ما بعد رئيساً للنيابات العامة».

ويعتبر الادعاء العام الدعامة الأساسية التي يرتكز عليها العمل القضائي من خلال ممارسته لاختصاصاته وصلاحياته وفق نصوص القانون.

وتحدد مهام الادعاء العـام بأن يتولى الدعوى العمومية باسم المجتمع، ويشرف على شؤون الضبط القضائي، ويقوم بتطبيق القوانين الجزائية ومـلاحقة المذنبين وتنفيذ الأحكام.

وبصفته هذه، فإن المدعي العام يتمتع بالاستقلالية التامة. «وهو وإن كان يتبع وزير العدل، فإن له أن يمنع وزير العدل من التدخل في قضية ما. ومع ذلك فهو يواجه صعوبات تتعلق بالأمور المالية والإدارية وأيضا في التأهيل»، على وصف العميد السابق لكلية الحقوق في الجامعة الأردنية كامل السعيد.

وتكفل المادة التاسعة من قانون أصول المحاكمات الجزائية، مساعدة مدير الأمن العام والشرطة والمراكز الأمنية «المدعي العام» في سبيل إجراء وظائف الضابطة العدلية.

«لكن من الملاحظ أن علاقة المدعي العام معهم علاقة شخصية، فهي تعتمد على شخصية المدعي العام، فإذا كانت شخصيته قوية، تسير الأمور على ما يرام، ولكن إن كانت شخصيته ضعيفة، فإنه لا يستطيع أن يسّير الأمور، فهو لا يملك نصوصا قانونية واضحة، وبذلك فلا سلطة له عليهم، بحسب المادة التاسعة»، يقول المحامي الطويل.

ولا يتمتع المدعي العام بالاختصاص الكامل، فهو ينتقل مرة إلى قاض للصلح ومرة إلى قاض في محكمة أخرى، وهذا ما يضعفه، على ما يقول كامل السعيد.

لكن وزير العدل السابق شريف الزعبي يرى أن النقص يقع «في غياب التخصص لدى القضاة»، وخصوصاً في عمل النيابة العامة «حيث أصبح عمل القضاء معقداً؛ فهناك جرائم غير تقليدية لها علاقة بسوق عمان المالي أو البورصات العالمية أو قضايا بنكية مختلفة» كما يقول.

ويلفت الزعبي إلى أن الجرائم تنوعت في العصر الراهن، خصوصاً الاقتصادية منها، فهنالك البورصات وقضايا المطبوعات والملكية الفكرية، وهو ما يستدعي التخصص في عمل المدعين العامين، «لا بد من إعطائهم المكانة الصحيحة والتدريب والتأهيل وتعزيزهم بالكوادر الإدارية اللازمة ومنحهم السيارات والموبايلات».

ويعتقد الوزير الأسبق أن علاقة الادعاء العام بالوزير «غير واضحة»، فالمدعي العام مستقل بالكامل عن السلطة التنفيذية، أما في الأمور الفنية فلا يوجد مدع عام متخصص كما هو الحال في الدول المتقدمة التي تراعي التخصص، «عندنا، قد يكون الشخص قاضي صلح ثم يصبح مدعياً عاماً، أو محامياً ويعمل في بنك ويصبح مدعياً عاماً وهو لا يعرف كثيرا في أصول الجزاء أو أسلوب التحقيق. المدعي العام لا يعمر لدينا أكثر من عامين، وبعد ذلك سرعان ما يتحول إلى قاض في محكمة، في حين أنه في الدول الأخرى يبقى عشرين عاماً في منصبه»، كما يقول المحامي الطويل.

ويتطرق ناجي الزعبي، نائب مدعي عام عمان، إلى القانون الذي رسم حدود هذه العلاقة، «العلاقة بين وزارة العدل والنيابة العامة إدارية فقط»، والهدف منها «حسن الأداء وجودة العمل وتأمين احتياجات أعضاء النيابة العامة».

ويضيف السعيد «إن لم يكن من التطوير بد، فليكن في فصل النيابة العامة مالياً وإدارياً، على أن يبقى خاضعا لمجلس القضاء الأعلى، شريطة أن يكون لرئيس النيابة العامة القدح المُعلى في شؤون أعضاء النيابة العامة. ويجب أن يمنح رئيس النيابة العامة سلطات واسعة في شؤون أعضاء النيابة العامة، ويجب أن ينص القانون على ذلك، لا أن يكون النص من خلال تعليمات أو أنظمة».

في ضوء تجربة المحامي الطويل، فإنه يرى أن ثمة علاقة ملتبسة بين المدعي العام والشرطة المكلفين بتنفيذ الضابطة العدلية، ويقول إن هناك مدعين عامين يحوّلون قضاياهم إلى الشرطة، «كأن يقولوا إن القضية فنية تحتاج للشرطة الذين يقومون بالتحقيقات».

ويخلص الطويل إلى القول: «لا توجد رؤية واضحة للمدعي العام ليحقق في الدعوى، ولا يوجد نص واضح في القانون يتحدث عن تحويل المدعي العام القضية إلى الشرطة».

ناجي الزعبي، يرى أن علاقة النيابة العامة بالضابطة العدلية «تنمو وتزدهر كلما عرف كل منهما الواجب القانوني الملقى على عاتقهما، لكن المدعي العام ليس لديه ضابطة قضائية مختصة أو تابعة له، هناك ضابطة عدلية لكنها ترتبط معه عندما يباشر هذا العمل أما ما عداها فليس هناك ارتباط».

هناك قوانين تمنح صلاحيات للمدعين العامين، وقد يساء استخدام الصلاحيات، وهناك أخطاء مقصودة وأخرى غير مقصودة، وهناك خطة شمولية كاملة تبحث في أمور الادعاء العام والنيابة العامة»، بحسب الوزير الزعبي.

ويوضح ناجي الزعبي، نائب مدعي عام عمان، أن وزير العدل يرأس جهاز النيابة العامة من الناحية الإدارية فقط، أما من الناحية القضائية فليس له أن يتدخل بعمل أعضاء النيابة العامة، «والهدف من رئاسته من الجانب الإداري هو تأمين أكبر قدر ممكن من المساعدة لعمل أعضاء النيابة العامة في عملهم، لغاية تسهيل العمل وحسن الأداء».

المادة 100 من قانون أصول المحاكمات الجزائية توجب على رؤساء المراكز الأمنية والشرطة أن لا يحتفظوا في الأشخاص (الموقوفين) أكثر من 24 ساعة، على أن يتم تحويلهم خلال 24 ساعة إلى المدعي العام.

لكن بعضهم قد يبقى في بعض الحالات «أسبوعين أو ثلاثة عندهم»، وفق المحامي الطويل. وهم، بحسبه، «يتحايلون على المادة 100 عبر حصولهم على قرار من المحافظ بتوقيفه إداريا، حيث لا يتدخل المدعي العام عندها، فلا توجد لديه السلطة لذلك، رغم أن ذلك يعد جريمة لو ثبت أنه بريء بعد حجز حريته».

ويطالب الوزير الزعبي بإعادة النظر في التوقيف الإداري، فهو أمر كان له وقته في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، ولكن ليس الآن، «ففي العالم المعاصر انتهى التوقيف، فجاءت البينة وسماع الشهود التي حلت محل القرار الإداري الذي يتم من خلاله التوقيف».

العلاقة بين المدعين العامين والضابطة العدلية، «تعتمد على الأشخاص والتدريب والتأهيل فالاستقلالية تعطيهم استقلاليتهم وحريتهم»، وفق الوزير الزعبي.

النيابة العامة هي شعبة من شعب القضاء، فأعضاء النيابة العامة هم قضاة يتبعون المجلس القضائي مباشرة. في دول أخرى جهاز النيابة العامة له استقلال ذاتي ضمن جهاز القضاء، لا يتم النقل أو التأنيب إلا من خلال تنسيبات رئيس النيابات العامة أو النائب العام، كما يرى نائب مدعي عمان.

ويؤكد الوزير الزعبي أن عهده شهد إصدار قرار بصرف مبلغ مالي لكل المدعين العامين؛ سيارات خاصة لكل واحد منهم، وهواتف خاصة ممولة من وزارة العدل. وهو يعتقد أن تحسين أوضاعهم المادية ينعكس على أدائهم، ولكن «آن الأوان لإعادة النظر بالقوانين».

رئيس النيابة العامة، القاضي يوسف الحمود، يرى أن أهمية وضع قانون خاص بالنيابة العامة «سيكون له أثره في تحقيق استقلالها وتعزيز دورها في حماية المواطن من التعسف، فجمع الاتهام والتحقيق بيد جهة واحدة لا تتمتع بحصانة القضاة واستقلالهم يؤدي إلى التغول».

بينما يدعو ناجي الزعبي، إلى حكم ذاتي للنيابة العامة ضمن الجهاز القضائي، وهو اعتبر أن النيابة العامة جزء من الجهاز القضائي، وأنه لا بد من تطوير النصوص التشريعية التي تنظم علاقة أعضاء النيابة العامة مع بعضهم البعض ومع الضابطة العدلية، ومع المجلس القضائي.

فصل النيابة العامة يحقق مطالب الأجندة الوطنية وتوصيات مؤتمر هافانا التي التزم بها الأردن وكذلك توصيات التقرير الوطني حول تطوير النيابات العامة، على ما يقول القاضي الحمود، «عدم استقلالية النيابة أدى أيضا إلى عدم وضوح أو غياب المرجعية القانونية والواقعية ما انعكس سلبا على عمل النيابة وعلى القرارات التي يمكن اتخاذها لتحسينها وتطويرها».

14 قاضياً لكل مئة ألف مواطن

إنفاق الحكومة الأردنية على القضاء يعد ضمن المعدلات العالمية، فهي تُخصص نسبة 1 بالمئة من الموازنة العامة لوزارة العدل، وتشكل 0,8 بالمئة من الموازنة وتعتبر تلك النسبة مرتفعة بالمقارنة مع السنوات الماضية.

ويصل تعداد القضاة في الأردن 700 قاضي، بمعدل 14 قاضي لكل مائة ألف من السكان، وقد ازدادت رواتب القضاة مؤخرا وتتراوح ما بين 1100 –1300 دينار أردني.

يتولى المعهد القضائي تدريب القضاة بشكل مستمر، فيما يخرج صندوق قضاة المستقبل، والذي من شأنه تخريج أفواج ذات نوعية جيدة، مئات الطلبة، ويبدي وزير العدل السابق شريف الزعبي تفاؤله بالصندوق.

ويقول: "علينا ان نستثمر الشباب ونستقطب أوائل كليات الحقوق الأربعة عشر ونبعثهم إلى جامعات عالمية لدراسة الماجستير والدكتوراه وقد أرسلنا في العام الماضي 50 طالباً وفي العام الجاري سوف تبتعث الوزارة العدد نفسه إلى الخارج".

وتعمل وزارة العدل ضمن خطة على بناء قصور عدل جديدة في محافظات المملكة، ومدينة قضائية تضم محاكم البداية والاستئناف إضافة الى مبنى للنيابة العامة والمحامي العام المدني والمعهد القضائي.

وكان تعديلا جرى في العام 2007 تعديل نظام المعهد القضائي الأردني لتخصيص 70 بالمئة من المقاعد المتوافرة لدبلوم الدراسات القضائية للعشرة الأوائل لكليات الحقوق في الجامعات الأردنية، أما النسبة المتبقية والبالغة 30 بالمئة من المقاعد المتوفرة لدبلوم الدراسات القضائية في المعهد القضائي، فقد جرى تخصيصها للفئات التالية: المحامي الأستاذ الذي عمل مدة لا تقل عن سنة بعد إنهائه متطلبات التدريب لدى نقابة المحامين، ومن أمضى مدة ثلاث سنوات في وظيفة كتابية في المحاكم النظامية إذا كان يحمل الدرجة الجامعية الأولى في القانون، أو من أمضى سنتين في الوظيفة إذا كان يحمل درجة الماجستير، أو من أمضى مدة سنة في الوظيفة إذا كان يحمل درجة دكتوراه.