الأطفال العاملون في المزارع... بذور ترويها المعاناة والفقر
"بروّح ظهري بوجعني، ما بحسن ساوي شي"، بهذه الكلمات يُلّخص الطفل السوريّ محمد* (16 عامًا)، معاناته مع عمله في الزراعة بإحدى مناطق محافظة المفرق، إذ يعجز والده عن الحركة وهو ما يجعله المعيل الوحيد لوالديه وشقيقته ذات الثمانيّة أعوام.
يروي الطفل ذهابه للمزرعة برفقة أقاربه و(الشاويش) أو مراقب العمال الذي يعيش قريبًا من منطقته، متوجهًا للعمل في الساعة السابعة كل صباح وحتى الواحدة ظهرًا، وأحيانًا يُطلب منه العمل مساءً – أي بعد الساعة الثانية عشر- ويستمر حتى السادسة مساءً، وذلك بحسب تنسيق الشاويش وصاحب المزرعة.
ويتقاضى محمد مبلغ نصف دينار عن كل ساعة عمل، قائلًا "الكبار بياخدوا دينار ونص عن كل ساعة"، وهو ما يدفع أصحاب العمل لتفضيل تشغيل الأطفال، فيما تتوجهُ عائلاتٌ بأكملها، من الكِبار والصغار للمزارع، على حدِّ وصفه.
تُبدي والدته استيائها من عمله المتواصل دون أيِّ يوم عطلة ولساعات، ما سبب له آلامًا في الظهر، إلا أنها تستدرك "لما ما يكون بالمزرعة بروح يلم قناني من الشارع ويبيعها، قلبي بيتقطع عليه بس مو طالع بإيدي شي".
الأطفال الأردنيون لا يعملون
يشير مدير عام اتحاد المزارعين محمود العوران إلى عدم وجود أطفال أردنيين يعملون في الزراعة؛ إذ يشكّل السوريون غالبية العمال فيها، فيما يتحركون على شكل مجموعاتٍ تحوي الكبار والصغار، قائلًا " من الصعب أن يترك الأهالي أطفالهم في الخيم؛ لذا يصطحبونهم للعمل في المزارع، خاصةً وأنهم يتلقون أجرًا مُقابل العمل".
ويتابع أنَّ مُشاركة الأطفال مُقتصرةٌ على عمليّة القطف، في حين يقوم بعض أصحاب المزارع بشكلٍ فرديّ بتوكيل مهام أُخرى قد تكون خطرةً عليهم، مثل عملهم برّش المبيدات الحشريّة، مؤكدًا أنها "حالات فرديّة".
ويلفت العوران إلى أنَّ لجوء أصحاب العمل لتشغيل الأطفال السوريين بعد الاتفاق مع العائلة، نتيجة شُحِّ العمالة، واحتساب الطفل عاملًا يتقاضى الأجر، مشددًا على أنه لهذا السبب "لا يوجد أصحاب عمل يشغّلون الأطفال الأردنيين في الزراعة".
تحرّش بطفلة
3 سنواتٍ مرّت على تنقل الطفلة الأردنيّة نُهى ببين مزارع الأغوار؛ إذ بدأت االعمل حين بلغت الثانية عشر من العمر؛ لمساعدة أُسرتها في مصاريف المنزل بعد تهرّب والدها من مسؤوليّاته ومغادرته منزلهم، وعلى الرغم من الذلك، فإنّ عمل الفتيات الصغيرات بالزراعة من سمات منطقتهم، شارحةً "أُختي اشتغلت وهي عمرها 10 سنوات، كل بنات الحارة بشتغلوا، صاحبتي تركت المدرسة واشتغلت".
عانت نُهى من الدوار في كُلِ مرةٍ عملت بها في المزارع؛ فهي تخرج من الساعة 4:30 صباحًا وتستمر بالعمل حتى الثالثةِ عصرًا دونَ توقف، مع استراحة 10 دقائِق، قائلةً "كنت بدوخ وبغيّب لأني ما بوكل، مرة وقعت بس المعَلمِة –أي مراقبة العمال- ما قبلت تروحني، روحني المعلِّم صاحب المزرعة"، لافتةً إلى أنَّ مُراقبة العمال تستمر بإلقاء الأوامر عليهن ولا تعمل إلا حين يتواجد صاحب المزرعة، وتتلقى أجرًا أكثرَ من أجور العاملات.
ضاعفت جائحة كورونا من عمل الطفلة، والذي تقلّص إلى 4 أيامٍ في الأسبوع بعد عودة التعليم الوجاهي، بدلًا من 7 أيام خلال التعليم عن بُعد؛ إذ تعمل في الأيام التي لا ترتاد بها المدرسة، وتروي أنَّ أحد العُمال لاحظ في يومٍ ما تعبها أثناء العمل واقترب منها ليطلب منها النوم معه والحصول على حياةٍ جيّدة، ما جعلها ترتعد وتُخبر صاحب المزرعة الذي طرده من العمل، مؤكدةً "أنا بتعب بالشغل بس ما بحكي لحدا لما أكون تعبان عشان آخذ حقّ الشغل اللي تعبته".
ماذا يقول مراقب العمال؟
يطلق السورييون مُسمى الشاويش على مراقب العُمال الخاص بهم، وهي تسميةٌ أخذها بعض الأردنيين العاملين في الزراعة، في حين يناديه آخرون بـ"المعَلّم"، ولا يختلف ذلك إن كان المراقب امرأة أو رجل، فيما يتفقان بكونهما الوسيط بين صاحب العمل والعمال.
وتختلف المهام التي يقوم بها المراقب من واحدٍ لآخر، ففي الوقت الذي يعمل به البعض مع العمال يستمر البعض الآخر بمراقبتهم وإلقاء الأوامر عليهم في ضوء عدم وجود أصحاب المزارع ونيابة المراقبين عنهم.
يوضح الشاويش أبو توفيق صعوبة المهمة التي يقوم بها، فهو ينظّم عمل 17 أُسرة، وكل أُسرةٍ منهم تحتوي على 5- 7 عمال كبارًا وصغارًا يعملون في الزراعة، إذ يقوم بتنظيم عملهم وتوزيع أجورهم التي يضطر لتغطيتها في حال تهرَّب صاحب المزرعة من الدفع له، قائلًا "لو ما دفع بدبّر من العالم، صرنا نعرف اللي بدفع واللي ما بدفع".
وحول الأطفال الذين يعملون معه، يبيّن أنَّ عددهم كان كبيرًا خلال الجائحة وكانوا يتركون المدارس ويتجهون للعمل، ولا يمكن للشاويش منعهم من فعل ذَلك، إلا أنَّ أعداد الأطفال العاملين قلّت بعد عودة التعليم الوجاهيّ؛ على حدّ قوله.
عمل الأطفال في الزراعة
يعمل العدد الأكبر من الأطفال الأردنيين في قطاعات؛ تصليح المركبات والتنظيف، والحدادة والتجارة والخياطة، في حين يتجه معظم أطفال اللاجئين السوريين للعمل في الزراعة، والخدمات، والصناعة، بحسب منظمة العمل الدوليّة.
في حين يكشف ممثل منظمة الأغذيّة والزراعة في الأردن، نبيل عساف عن نسبة عمل الأطفال في قطاع الزراعة والتي وصلت إلى 71% في الأردن والعالم، وغالبًا ما يعملون لساعات طويلة ويواجهون مخاطر مهنية.
ويتابع خلال تقرير عالميّ صادرٍ عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونسيف" بالشراكة مع مجموعةٍ من المنظمات، بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال 2021، أن هذا العمل ينتهك حقوقهم ويعرّض صحتهم للخطر، كما يشكل عقبة أمام الإنماء الزراعي المستدام والأمن الغذائي.
وفي السيّاق ذاته، يرجح تقريرٌ نشره بيت العمال الأردني للدراسات، ارتفاع عدد الأطفال العاملين في البلاد نحو 100 ألف طفل مقارنة بـ 76 ألفًا عام 2016، مُعتبرًا انضمام أكثر من 80 ألف شخص لصفوف البطالة، وانخفاض أجور أكثر من 500 ألف عامل خلال عام 2020 بسبب جائحة كورونا، من العوامل التي تدفع الصغار إلى العمل.
ويشير إلى أنّ 45 ألف طفل في الأردن، يمتهنون أعمالًا تصنف بأنها خطرة، وفق قانون العمل الأردني، وبحسب مطوياتٍ نشرتها جمعية تمكين للمساعدة القانونيّة وحقوق الإنسان فإنَّ الزراعة من ضمن الأعمال الخطرة جسديًّا على الأطفال.
ويلفت التقرير إلى أنَّ أبرز النشاطات الاقتصادية التي يعمل بها الأطفال تتمثل في تجارة الجملة والتجزئة وإصلاح المركبات بنسبة 29 %، يليه العمل في الزراعة والحراجة بنسبة 28 %، وفي الصناعات التحويلية والإنشاء والتشييد بنسبة 11 %.
لماذا يعمل الأطفال؟
تُرجِع عضو الهيئة الإدارية في جميعة معهد تضامن النساء الأردني (تضامن) كلثم مريش خلال تصريحات صحفيّة، أسباب ارتفاع أعداد عمالة الأطفال في البلاد، لأسباب اقتصادية وعلى رأسها الفقر، والتفكك الأسري، وجائحة كورونا التي أثرت بشكل كبير على الأسرة، إضافةً إلى ارتفاع ظاهرة التسرب من المدارس.
فيما تشير "تمكين" خلال مطويّاتٍ توعويّةٍ إلى أنَّ الظروف العائليّة مثل؛ غياب أحد الوالدين، والفقر، والتعليم عن بعد، واللجوء، وتفضيل أصحاب العمل تشغيل الأطفال بدلًا من الكِبار، هي من أبرز الأسباب التي تدفع الأطفال للعمل.
ما هو تأثير العمل على الأطفال؟
يقول أخصائيّ الحماية محمود حمدان إنَّ هناك أضرارًا نفسيّة، وإجتماعيّة وأخلاقيّةً، وفي الجانب المعرفيّ والتطوّر للأطفال العاملين، إذ يمكن للأطفال أن يسمعوا الكلام السيء أو يتعرّضوا للمشاكل نتيجة عملهم في بيئاتٍ معيّنة.
ويضيف أنَّ بعض التقاليد والعادات تفرض على الأطفال العمل نتيجة ثقافة الأهل، كما يحدث في المناطق التي يعمل أطفالها في الزراعة، خاصةً مع تحوّل عملهم إلى ظاهرة بعد أن كان مُشكلة، مؤكدًا أنَّ "الظاهرة أكبر من المشكلة".
ويشير حمدان إلى ضرورة قيام الجهات المعنيّة من وزارة؛ العمل، والتربية والتعليم، والتنمية الاجتماعيّة، بأدوارهم في حماية الأطفال ومراقبة عدم عملهم، وتفعيل القوانين الخاصة بالعمل، وإيجاد وزارة العمل لطريقةٍ من أجل تتبّع الأماكن التي تشغّل أطفالًا ضمن شروط.
وتنظّم نصوص المواد (73 – 77) من قانون العمل الأردنيّ وتعديلاته تشغيل الأطفال البالغة أعمارهم 16 – 18 سنة، إذ يحظر تشغيل الأطفال الذين لم يتموا السادسة عشر بأي شكلٍ من الأشكال، في حين يُسمح بعمل من هم فوق هذه السن تحت شروطٍ تضمنت ألا يعملوا لأكثر من ست ساعات مع استراحة لا تقل عن ساعة، وإلا يعملوا في الأعياد الدينيّة والعطل الرسميّة وأيام العطل الأُسبوعيّة.
وتنوه المواد إلى ضرورة حصول صاحب العمل على مستنداتٍ خاصةٍ بالطفل من وليّ الأمر، مع حظر عمل من لم يكملوا الثامنة عشر في الأعمال الخطرة أو المرهقة أو المضرة بالصحة.
ما هو رأي وزارة العمل؟
تكشف رئيسة قسم عمالة الأطفال في وزارة العمل هيفاء درويش عن وجود نحو 712 حالة عمل طفل منذ بداية العام الحاليّ وحتى شهر أيلول، إضافةً إلى 21 ألف زيارة ميدانيّة لمفتشي العمل، و350 إجراء قانونيّ.
وتوضح أنَّ اكتشاف أطفالٍ يعملون في الأعمال الخطرة ضمن الفئة العمريّة 16 – 18 سنة، يؤدي إلى توجيه مخالفةٍ أو إنذارٍ لصاحب العمل وهذا الأجراء المُتبّع حال إيجاد حالات عمل أطفال، مفسرةً "مفتش العمل هو الذي يقدّر توجيه الإنذار أو المخالفة وذلك بحسب جسامة الفعل ووجود الأطفال في بيئة معيّنة والحد الأدنى للأجور أو لا"، ويُغرّم صاحب العمل الذي يشغّل أطفالًا من 300 – 500 دينار وتتضاعف في حال تكررت المخالفة.
وتلفت درويش إلى أنَّ هناك مؤشرات تدل على زيادة عمل الأطفال نتيجة كورونا، إلا أنه لا أرقام حتى الآن، فيما قامت الوزارة بالتنسق مع منظمات المجتمع المدنيّ من أجل هذه الحالات، والإشراف على المشاريع أو تمويلها، فيما سيتم تفعيل نظام العمال المزارعين الذي صدر حديثًا خلال الأيام المُقبلة، على حدّ تعبيرها.
في حين يُعتبر قطاع الزراعة أحد القطاعات غير المنظمة في الأردن والتي لا تحتوي على عقود عمل، وإنما يرأسها أفرادٌ أو شركاتٌ صغيرة، غير مسجّلة ولا تخصع لأنظمة الضرائِب، وهو ما دفع الحكومة بعد ضغوطاتٍ من مؤسسات المجتمع المدنيّ إلى إقرار نظام العاملين في الزراعة.
وصادق الأردن على أهم الاتفاقيات الدولية في مجال مكافحة عمل الأطفال، ومنها اتفاقية حقوق الطفل التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، واتفاقيتا العمل الدوليتان الأولى رقم 138 الخاصة بـ "الحد الأدنى لسن الاستخدام" والثانية رقم 182 الخاصة بـ"حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال"، وهو ما يدع الباب مفتوحًا للتساؤل عن حقيقة تفعيل تطبيق ما جاء في هذه الاتفاقيات؟
_____
- الأسماء الواردة في هذا التقرير مستعارة