الأسرى الأردنيون: لا بواكي لهم في صحافتهم المحلية

الرابط المختصر

كان الاعتقاد أن كل ما يصدر عن إسرائيل سيكون محط اهتمام الصحف المحلية وكتابها، ولكن هذا الاعتقاد يبدو بحاجة لمراجعة في ضوء تغطية الصحف المحلية لقضية الأسرى الأردنيين في سجون ومعتقلات إسرائيل، إذ يبدو أن الصحف وكتابها يلتقطون كل ما يصدر عن هذه الدولة باستثناء ما يتعلق منه بالأردن حيث ترفع الأقلام وتجف الصحف.

في الثالث عشر من شهر شباط الماضي أعلن الأسرى الأردنيون البدء بإضراب عن الطعام لتحقيق مطلب الحرية استمر نحو عشرة أيام، قبل أن يتم تعليقه لمنح الحكومة فرصة لبحث مطالبهم مع الحكومة الإسرائيلية.

لم تكن هذه المرة الأولى التي يعلن فيها المعتقلون الاردنيون، وينفذون، إضرابا عن الطعام أو يرفعون صوتهم واهاليهم احتجاجا على استمرار اعتقالهم غير ان هذا الإعلان أو هذا التحرك جاء بعد خطوات واسعة قامت بها الحكومة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل خاصة بعد قمة "شرم الشيخ" وما تبعها من إعادة السفير الأردني إلى إسرائيل، وباقي الخطوات المعروفة.

عقب هذا الإعلان، صدر إعلان ثاني في السادس والعشرين من الشهر الماضي في بيان للجنة أهالي الاسرى يعلنون فيه ان أبنائهم، أبناء الاردن، المعتقلين سيبدأون إضرابا عن الطعام مع الاول من الشهر الحالي تحت مسمى "معركة الأمعاء الخاوية" تيمنا بتسمية زملائهم الفلسطينيين لإضرابهم الشهير عن الطعام قبل عدة اشهر.

حتى الثاني من الشهر الحالي، تعاملت الصحف اليومية الرئيسية مع خبر الإضراب، والبيانات والمؤتمرات الصحفية والتصريحات الصادرة عن لجنة الأهالي، بانتقائية شديدة، واعطى معلقو وكتاب هذه الصحف، على شتى محاملهم الأيديولوجية، أذنا من طين واخرى من عجين، إزاء هذا التحرك الذي لا يتعلق فقط بقضية وطنية عادلة ومهمة بل وبقضية حقوق إنسان، تدعي الصحف او بعضها على الأقل انها وجدت لتدافع عن هذه الحقوق ولترفع سقف الحرية وتفرد مساحة اكبر للرأي الآخر، وتراقب عمل السلطات الثلاث.

التعليقات

يجد كتاب الصحف موضوعات كثيرة للكتابة عنها بما في ذلك المسلسلات المروجة للتخلف واضطهاد المرأة مثل المسلسل السوري "ليالي الصالحية"، وتتنوع اهتماماتهم في كافة مجالات الحياة، بما في ذلك العلوم وخريطة الجينيوم البشري والاستنساخ وغيرها، ولهم في كل قضية دولية أو إقليمية رأي، ولكن عندما يتعلق الامر بالحكومة وسياساتها فإن شهرزاد تصمت عن الكلام المباح. هذا ما فعله معلقو الصحف اليومية والاسبوعيات على كثرتهم في قضية الاسرى الاردنيين وإضرابهم وصراخ عوائلهم وأطفالهم.

في الوقت الذي اشبع فيه كتاب الصحف اليومية خطوة إسرائيل بالإفراج عن 500 معتقل فلسطيني تحليلا ونقدا وتعليقا، وكتبت عدة مقالات عن اعتقال مراسل قناة "الجزيرة" تيسير علوني، فان إضراب السجناء الاردنيين عن الطعام لم يجد صدى في تعليقات كتاب الصحف، باستثناء كاتبين فقط تناولا قضية الأسرى الاردنيين.

في المرات السابقة التي كان يضرب فيها السجناء الأردنيين عن الطعام او يعلنون عن تحرك ما لاطلاق حريتهم وجدوا آذانا صاغية من لدن بعض الكتاب اكثر من الآن، بيد ان هذه المرة تتميز بحساسية خاصة فلا يمكن الحديث عن المعتقلين بدون ربط قضيتهم بتحركات الحكومة وخطواتها التطبيعية تجاه إسرائيل، وهو الامر الذي سبب حرجا لكثير من الكتاب فأحجموا عن التعليق.

يقول صالح العجلوني، الناطق باسم لجنة أهالي المعتقلين الأردنيين في إسرائيل، معلقا على تجاهل وسائل الاعلام لهذه الانتقادات خلال المؤتمر الصحفي: "أنا انتقدت الجميع، كل المعنيين بالبلد، بدءا من رجل الشارع وانتهاء بالمسؤول والنقابات والنواب ووسائل الإعلام، لأن الجميع مقصر ولم يعطوا هذه القضية ما تستحق".

ويضيف: "بالنسبة لوسائل الإعلام فإنها تتعامل مع الحدث بالمناسبات ودائما تأتي المبادرة من الأسرى أنفسهم عندما يقومون بنشاط ما تهب وسائل الإعلام بالسؤال والتغطية، وإلى غير ذلك، ونحن نأمل أن يكونوا هم المبادرين، وأن يتعلموا من الإعلام الصهيوني المعادي، فعندما ألقي القبض على عميلي موساد في العام 1997 كان أول تصريح لهما حين سلما لدولتهم الصهيونية، أن توجهوا لوسائل إعلامهم وقالوا لهم: كنا واثقين أنكم لم تنسونا، ادراكا منهم بأهمية الإعلام".

وتابع: "إعلامنا يتعامل مع هذه القضية بالمناسبة، فضلا عن ذلك فإنهم يغلبون الجانب المهني وما يسمى بالسبق الصحفي على الموضوع، بمعنى إذا نشرت صحيفة ما خبرا يتعلق بهذه القضية فإن الأخرى تمتنع عن نشره لأنها لم تكن هي المبادرة بظفر هذا السبق والمسألة خطيرة جدا طالما هي وطنية قومية وإنسانية، ولا تخضع لمقاييس العمل الصحف".

ويركز العجلوني في نقده لصحيفة "الرأي"، الاوسع انتشارا، ويقول: "صحيفة "الرأي" بالذات يبدو أن لها موقفا معينا وإذا لم يكن هناك مديح وتدبيج خطب للحكومة فإنها لا تغطي ولا تنشر، وأبرز مثال على ذلك يوم أمس (الثلاثاء 1/3) في المؤتمر الصحفي، انتقدنا الحكومة ووجهنا لها سهام نقدنا لكن لم تنشر "الرأي" الخبر إلا كلاما مشوها للذي حدث. وأنا ساخط على صحيفة "الرأي" للخبر الذي نشرته، والمكان الذي نشر فيه الخبر جاء تحت خبر وهو تصريح للناطق الإعلامي باسم الخارجية مبرزا ومن بعده خبر المؤتمر صغيرا لا يلحظه أحد".

ويضيف: "أنا أفكر جديا بمقاطعة "الرأي" وعدم إعطاءها أي تصريح فيما يتعلق بهذه القضية. وإما يتم تغطيتها بالشكل الصحيح أو أن لا يتم أصلا، أما أن تشوه وأن تجير لأفكار وأمور في اتجاه معين فهذا أمر مرفوض. نحن لسنا ضد الحكومة حتى تنتهج صحيفة "الرأي" مثل هذا النهج. يجب أن تكون صادقة مع نفسها وقراءها، لا أتصور الأمور بمنظار مخالف".

وعن كتاب الأعمدة يقول: "حقيقة، رجوت كتاب الأعمدة بأن يعطونا اهتمامهم، فهم يتحدثون عن قضايا لا ترقى عشر أهمية هذه القضية، لماذا لا يلتفتوا إلى الأسرى".

وعن التلفزيون يقول: "وأيضا تلفزيوننا الوطني الذي نموله من جيوبنا أين هو عبر 15 عاما لم نسمع به أبدا، وما تم تغطيته بالتلفزيون الأردني يوم أمس، كان أمرا يبعث على الغثيان، ولا نريد من التلفزيون الأردني شيء سوى أن يفتح أبوابه لأهالي الأسرى لكي يشرحوا للناس معاناتهم ومعاناة أبنائهم. وخلال 15 عاما لم يقابل التلفزيون واحدا من أهالي الأسرى، أو يتحدث مسؤول حول قضيتهم، فأي القضايا أهم. إن تغطيتهم انتقائية".

وايضا هذه ليست المرة الاولى الى ينتقد ويناشد فيها العجلوني الاعلام المحلي بإبداء الاهتمام بقضية الاسرى، ففي مقابلة له مع إذاعة "عمان نت" يقول: "التعاطي الإعلامي ليس بالمستوى المطلوب، فالإعلام لا يتذكر قضية الأسرى إلا بالهبات والفزعات، ولا يتذكرهم إلا عند حدوث إضراب معين يقومون به فقط".

ويضيف العجلوني: "للأسف الشديد فإن بعض الصحف اليومية، وخاصة واسعة الانتشار، مقصرة جدا، وأنا أقصد هنا صحيفة "الرأي" التي تتعامل مع الموضوع من منطلق مهني فقط، وليس كقضية وطنية تهم المواطنين جميعهم، فالأسرى يريدون منا الكثير، وهذه خدمة وطنية".

ولا يبخل العجلوني على كتاب الأعمدة بالنقد فيقول: "كتاب الأعمدة، في الصحف اليومية والأسبوعية، غائبون تماما، يتناولون قضايا لا ترقى عُشر أهمية قضية الأسرى، بل ويهملونها تماما. لا أدري هل يمنعون، أم هناك بعض المحاذير، ذلك عكس وسائل الإعلام العربية التي تولي أهمية أكبر، إضافة إلى التلفزيون الأردني الذي ندفع له ضريبة، لا يغطي القضية بالشكل الأحسن".

تبقى ملاحظة اخيرة، حتى لا نظلم الحكومة كثيرا، وليس الصحافة، اذ نعتقد ان سقف الحرية الممنوح للصحافة اكبر كثيرا من المستوى المنخفض الذي تتمسك به الصحف، والا كيف نفسر ان ينتقد فهد الخيطان في "العرب اليوم" الحكومة بشدة دون ان تترتب عليه او على الصحيفة أي مشكلة فيما يصمت الآخرون.

أليس واقعيا قول الملك عبدالله الثاني "قلنا لهم (للصحافيين) إن حرية الصحافة المسؤولة حدودها السماء، لكنهم يرفضون مغادرة طوابق المؤسسات الصحافية التي يعلمون بها، فالذنب ذنبهم".

وفي جانب آخر، بماذا تبرر الصحافة، السلطة الرابعة، صمتها على انتقادات لجنة اهالي الاسرى للاعلام. أي مصداقية ستبقى لهذه السلطة وهي تبرز النقود الموجهة للحكومة وتتجاهل ما عليها؟

أضف تعليقك