الأرض المجهولة: الهجرة والعلاقات العابرة...هموم الشباب في لبنان بفيلم غير موفق

الرابط المختصر

ثريا شابة لبنانية تعمل مرشدة سياحية، تأخذ دائما الأجانب إلى الأماكن الأثرية في لبنان، تعاني من ضغوطات نفسية، فالأوضاع الاقتصادية في لبنان، والعلاقات الاجتماعية غير الموفقة، كل ذلك يدفعها إلى إقامة علاقات عابرة مع شبان تتعرف عليهم في المقاهي، مبتعدة عن صديقها المنكب على نفسه بالعمل عبر الكمبيوتر الذي يصمم مدينة افتراضية عصرية لبيروت عبر تصوراته، إضافة إلى قضايا الشباب وأحلامهم في الهجرة وترك لبنان. كل ذلك تشاهده في فيلم "الأرض المجهولة" للمخرج اللبناني غسان سلهب، تمثيل كارول عبود، بطلة الفيلم الوحيدة، حيث تتقاطع الأحداث حول التركيز على علاقات الشباب اللبناني فيما بينهم، وما يدور بينهم من حوارات حول الطائفية والهجرة والحب والعلاقات الأسرية.



رغم جمالية بعض الأفكار، إلا أن سلهب لم ينجح في دفع المشاهد على متابعة الفيلم، حيث تتقاطع الأحداث بشكل غير منطقي، مع عشوائية الرسائل الموجهة للجمهور، فتارة نجده يستعرض مدى فقدان الشباب اللبناني لهويته في الاعتداد بشخص اللبناني العربي؛ فالهجرة أصبحت تشكل هاجسا مهما في حياة كل واحد منهم، إضافة إلى تصويره بل وإغراقه لحياتهم – أي الشباب- الاجتماعية الصاخبة في المقاهي والحانات البعيدة عن هموم واقعهم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.



لم تقدر ثريا على البقاء في لبنان، فنجدها مرارا تذهب إلى مكاتب الهجرة لأجل السفر، لكنها لا توفق على الأغلب، لنجدها تقول لصديقتها الملازمة لها باستمرار ذات الميول السحاقية أنها تريد الذهاب إلى كندا أو البرازيل أو إلى أي بقعة في العالم تقبلها، مع التركيز على تعلق صديقتها بها.



حاول غسان سلهب أن يسرد تفاصيل حياة الشباب اللبناني، لكنه فشل، لأسباب عديدة، منها؛ أن تسلسل الأحداث لم تكن منطقية ومقنعة للمشاهد، حرفية اللقطات بعيدة، ولم يظهر المخرج جُهدا يكاد يذكر، التركيز على لقطات غير مفيدة بل زادت من نسبة الملل لدى من يشاهده، اعتماده على اللقطات الجنسية الكثيرة، والتي لم تخدم الفيلم لا من بعيد أو من قريب، عدم التمكن من استخدام ملكات الكاميرا في أخذ لقطات تصويرية لمكان الحدث؛ كأن يظهر مثلا صديق ثريا وهو يركض في الروشة المنطقة الأشهر في لبنان سياحيا حيث جاذبية المكان تؤثر إيجابا لدى أي فيلم لكنه لم يركز عليها بتاتا.



وحاول الفيلم أن يرصد نظرة الشباب لرجال السياسة في لبنان، ومدى كثرة التجاذبات السياسية بينهم، وتحوز على اهتمام الإعلام اللبناني، حيث تجسد الكثير من اللقطات عدم اكتراث المواطن من الأخبار، كأن يكون مواطن في سيارة أجرة وعندما تظهر الأخبار التي تتناول مثلا التجاذبات بين الحريري وقرنة شهوان -المعارضة اللبنانية- يقلب سائق السيارة مؤشر الراديو على إحدى أغنيات نانسي عجرم، متزامنا ذلك مع خرق الطيران الإسرائيلي للأجواء اللبنانية ويحدثه ذلك من ضجيج مزعج لدى المواطنين.



ويمرر المخرج لقطات لمذيع نشرة الأخبار في إحدى إذاعات لبنان وهو يقرأ الأخبار، وانتقال اللقطة إلى بيت ثريا مثلا والراديو يصدح بصوت المذيع، وهكذا دواليك، بين لقطة وأخرى خصوصا في نصف الفيلم.



كثرة القصص المروّية في الفيلم، لم يخدم تسلسل الأحداث بل أثر سلبا عليه، فلم يتمكن المخرج سلهب من استغلال مقدرة البطلة ثريا – كارول عبود- من أداء الدور بالشكل الذي يجب أن يكون، مركزا على مفاتنها كثيرا في إغواء الشبان، أو تصويرها عارية وهي تستحم، أو لدى التقائها مع صديقها المنكب على نفسه، وعدم اطلاع المشاهد بمدى العلاقة بينهما، مكتفيا بأن ينهي الفيلم بثريا وهي تتمشى في أحد شوارع بيروت وباديا وجهها مضروبا، بعد لحاق صديقها لها وهي في جولة سياحية ذات يوم، حيث يأخذها جانبا، وبعدها تظهر اللقطة، وهنا أنهى سلهب فيلمه.



لم يكن الفيلم موفقا؛ في دفع المشاهد على المتابعة، فلم يجسد واقع الشباب في لبنان كما يجب، لكن عله نجح في إحدى حوارات البطلة ثريا مع سائق سيارة أجرة لدى استراحتها مع أفواج السياح في منطقة وسط بيروت المهدمة، حيث يقول لها السائق ذو الشعر الأبيض أننا – في إشارة إلى كل اللبنانيين وإلى المكان الذي بني وهدم مرارا وسط بيروت- متنا وعشنا سبع مرات، لترد عليه ثريا أنهم ليسوا نحن بل هُم، ذلك كان إشارة ذكية من المخرج، لكنها لم تسعف الفيلم من عدة سقطات ملاحظة للعيان.



قد تخرج من الفيلم، بأهمية الموضوعات التي تناولها، كالحيرة التي يعيشها الشباب اللبناني، حبهم للهجرة، مدى صخب حياتهم اللاهية، لكن، تخرج بقناعة بأن فكرة الفيلم موظفة بطريقة سيئة وغير ناجحة على الإطلاق، ولم تكن بالنقطة الإيجابية للمخرج غسان سلهب صاحب الفيلم الروائي "أشباح بيروت".



مدة الفيلم لم تتجاوز الساعة والنصف، حيث عرُض ضمن فعاليات مهرجان " كان " السينمائي عام 2003 إلا أنه لم يحز على أي جائزة تذكر.

أضف تعليقك