الأردن يستعد لمعركة فاصلة مع عصابات مسلحة تحاول زراعة المخدرات
قرار محكمة أمن الدولة الأردنية تسجيل اول قضية زراعة مخدرات في تاريخ البلاد لا يعني فقط بأن تحدي المخدرات في هذا البلد دخل لمنعطف غير مسبوق بل يعني أيضا بأن الحكومة باتت مستعدة ولأول مرة للإعتراف بان بعض المناطق في الأردن تشهد ما لم تشهده في السابق من محاولات اصبحت الآن واضحة وملموسة، بعنوان التحول لزراعة المخدرات بعد ان نصح خبراء المخدرات السعوديون واللبنانيون والسوريون أشقاءهم الأردنيين بذلك منذ خمس سنوات تقريبا .
والحكومات المتعاقبة في عمان كانت تمتنع عن الإعتراف بتحول خطير في مسألة المخدرات يتمثل في رصد محاولات محدودة من قبل بعض المهربين وحيتان المخدرات بزراعة بعض الأراضي خلف بعض الجبال وفي بعض المزارع الخاصة وحتى داخل بعض البيوت وفي حرمها.
وهذه الحكومات كانت تبدو مسرورة للإعتراف بأن الساحة الأردنية معروفة بأنها ساحة 'ترانزيت' فقط بالنسبة لعالم المخدرات السفلي حيث نشطت بعض العصابات طوال عقود بتمرير البضاعة عبر الأردن ما بين السعودية والخليج ولبنان وسورية ومصر وفلسطين وحتى إسرائيل دون ان أي مؤشرات حول تزايد نسبة التعاطي او الزراعة في الأرض الأردنية.
وفي الواقع يقوم جهاز مكافحة المخدرات التابع لإدارة الشرطة بجهد جبار في إطار المعركة مع الطموحات المتنامية بتنشيط التعاطي والمتاجرة عبر الأردن. ولعقود ساهمت جهود الأجهزة الأمنية بحماية المجتمع الأردني وبمنع التعاطي والزراعة لكن ضعف الإمكانات المالية المخصصة للمكافحة حال مؤخرا دون توسيع خطط المواجهة رغم التصدي الأمني الشرس للظاهرة.
ومنذ ست سنوات تقريبا تحجب الحكومة اي معلومات حول مشاريع صغيرة لزراعة بعض أنواع النباتات المخدرة في الأرض الأردنية، لكن القدرة على الحجب تقلصت تماما مؤخرا بعد الإضطرار للتعامل مع المستجدات في عالم الحشيش والمخدرات وبعدما تبين حسب مسؤول سابق في الحكومة بأن الظاهرة تتسع وتحتاج لجهود وطنية عملاقة لا تقتصر على أجهزة الشرطة فقط.
ومن هنا إكتسب التدوين الرسمي لأول قضية زراعة مخدرات في محكمة امن الدولة أهميته خصوصا وان بعض مؤسسات المجتمع المدني تنشطت في الآونة الأخيرة في مجال مكافحة المخدرات بالتعاون مع السلطات المحلية.
والمعروف عن الأردن تاريخيا انه من انظف البلدان في مجال المخدرات ووجودها فيه كان دوما يقتصر على محاولات النقل والترانزيت التي تتصدى لها الأجهزة المختصة، لكن القضية التي سجلتها المحكمة العسكرية المعنية مؤخرا تتحدث عن زراعة أشتال ونباتات مخدرة في الأردن ولأول مرة بقصد التعاطي والمتاجرة خلافا لأحكام قانون المخدرات والمؤثرات العقلية.
وجاء هذا الإعلان لإن الحاجة باتت ملحة لإشراك المجتمع في المكافحة وعلى هامش إنذار قضائي صدر بحق عصابة مشكلة من 25 شخصا لتسليم انفسهم للمحاكمة بتهم لها علاقة بالمخدرات، وبين هؤلاء سوريان وسعودي ومواطن فلسطيني، الأمر الذي يظهر بأن رجال المخدرات في الدول المحيطة أقنعوا رفاقهم الأردنيين بالكار بالتحول للزراعة بدلا من النقل، وهو تحول خطير جدا بالنسبة لخبراء المكافحة والسلطات الأمنية.
وقبل يومين زار رئيس الحكومة نادر الذهبي وزارة الداخلية واستمع لإيجاز من كبار مسؤوليها المعنيين حول ملف المخدرات تمهيدا لمناقشة عامة بالموضوع طلبها مجلس النواب فيما يبدو، وخلال الزيارة أطلق الذهبي تصريحا غريبا تحدث فيه عن عدم وجود منطقة في البلاد لا يستطيع الأمن دخولها مؤكدا بان الحكومة تعتبر مكافحة المخدرات والمروجين والتجار من الأولويات.
ولم يعرف الصحافيون خلفية تحدث الرئيس الذهبي عن عدم وجود مناطق محرمة على الأمن، لكن في متابعة التفاصيل تبين أن الأمر يتعلق بتقارير أمنية داخلية تشير لمناطق تزرع فيها المخدرات وتتكاثف فيها العصابات المسلحة وأصبحت من المناطق المعروفة بتعقيداتها بالمستوى الامني.
وحسب المعلومات التي تلمح لها تقارير إعلامية رسمية وغير رسمية توجد في هذه المناطق وبعضها محاذ للعاصمة عمان عصابات مسلحة ومنهجية من الصعب الوصول لها وإختراقها تحمي عمليات المخدرات، وبعض أفراد هذه العصابات مدربون جيدا على إطلاق النار والملاحقة والمطاردة والإفلات من الكمائن وحتى على استعادة المخدرات التي تتم السيطرة عليها قبل حرقها.
ومن الواضح ان بعض النشطاء في الكار يتمكنون من الإفلات من المداهمات والحملات الأمنية قبل حصولها، وان مناطق صغيرة جدا في البلاد يحتاج اقتحامها لإمكانات تفوق إمكانات الشرطة العادية، حيث درست في الماضي عدة مرات خيارات الإقتحام على المستوى المتقدم وتنفيذ عمليات أمنية وعسكرية، وهذه المناطق يتجمع فيها النشطاء وأصبحت تتحدى السلطة والقانون عمليا وقد يتطلب الأمر القضاء عليها قريبا واحتمال التداعيات الإجتماعية.
والأرجح ان صناع القرار الحكومي يستعدون لمعركة أساسية مع حلقات المخدرات النشطة التي تحاول توسيع أعمالها وسط الأردنيين، والمجتمع بكل الأحوال سيدعم بحكم أخلاقياته هذه الجهود، لكن الشفافية باتت مطلبا لضمان النجاح ولضمان عدم وجود مستنسخات عن حي الباطنية في أحشاء الجغرافيا الأردنية.











































