الأردن وتداعيات الأزمة العالمية
بدا الملك شفافا وواضحا ، وهو يتحدث عن طبيعة التداعيات والانعكاسات التي قد تترتب على تفاقم أزمة الاقتصاد العالمي ، على الأردن واقتصاده الوطني... الملك أشار إلى الفقر والبطالة كتحديات (قديمة متجددة) تتصدر قائمة أولوياتنا الوطنية ، وهو وإن عبر عن ارتياحه لقدرة الاقتصاد الأردني على التكيف مع مظاهر الأزمة العالمية وتداعياتها حتى الآن ، إلا أنه لم يخف قلقه من مغبة فقدان عاملين أردنيين في دول الخليج لوظائفهم واضطرارهم للعودة إلى الأردن والانضمام لقائمة العاطلين عن العمل ، وهو لم يخف كذلك تخوفاته من مغبة انعكاس الأزمة على ميادين عدة وأهمها الاستثمار المولد لفرص العمل والنمو الاقتصادي.
بعض الشخصيات الأردنية التي حضرت لقاء جلالته ، تناولت المسألة فيما يشبه المجاملة ، وأحيانا بلغة الشعارات والنوايا الحسنة والإرادة الطيبة ، فيما الملك كان الأكثر إدراكا لما تحمله الأزمة من احتمالات وتحديات على المديات المباشرة والقريبة والمتوسطة ، كان الأكثر ميلا لعدم الركون إلى "نتائج السنة الأولى" في التعامل مع هذه الأزمة ، وإلى التحوط لما يمكن أن تؤول إليه أرقامنا الاقتصادية الكلية في السنة أو السنتين القادمتين ، من نوع: حجم الاستثمار الوافد ، معدلات النمو الاقتصادي ، زيادة الصادرات ، الاحتياطيات من العملات الصعبة ، تحويلات العاملين في الخارج واستتباعا ميزاني المدفوعات والتجارة الخارجية ، إلى غير ما هنالك من نتائج وأعراض جانبية ستؤثر من دون شك على خططنا الوطنية لمحاربة الفقر والبطالة وحفز النمو وزيادة فرص العمل والتشغيل وتطوير الخدمات والضمانات والتأمينات الصحية والاجتماعية.
صحيح أن "مُخطط السياسة الاقتصادية الأردني ومنفذها" ليس مسؤولا عن تداعيات أهم وأخطر أزمة تجابه الاقتصاديات العالمية منذ مائة عام تقريبا ، وصحيح أيضا أننا لسنا بصدد "التلاوم" وتبادل الاتهامات عن أزمة لسنا المتسببين بها ، ولا قبل لنا عليها أو قدرة على درئها ، بل ولم يكن بإمكاننا أن نتنبأ بوقوعها قبل فوات الأوان ، وهي التي أخذت معظم أصحابها والمتضررين الرئيسين منها ، على حين غرة ، واحيانا "أخذ عزيز مقتدر" ، بيد أن الصحيح كذلك ، أن إخلاء جانبنا من المسؤولية عن الأزمة ، لا يجعلنا في حلّ من الالتزام أو يحللنا من المسؤولية عن وضع السياسات والاستراتيجيات الكفيلة بدرء الأخطار والانعكاسات الضارة ، أو على الأقل ، ضمان الخروج من عنق زجاجة الأزمة ، بأقل قدر من الخسائر والألم والمعاناة.
لقد فرحنا وفرح كثيرون ، بالآثار "الإيجابية" الفورية والمباشرة للأزمة العالمية على اقتصادنا الوطني ومستوى معيشة مواطننا ، فقد تراجع التضخم وهبطت الأسعار وانخفضت تكاليف المعيشة نسبيا ، تراجعت فاتورتنا النفطية وأمكن لنا أن تملأ خزانات وقود سياراتنا دون عناء ، لكننا في ذروة النشوة بالمكاسب الآنية ، لم نتوقف مليا أمام المخاطر الكامنة على المديين المتوسط والبعيد لهذه الأزمة ، التي قد تطال وتطاول ، أو بالأحرى بدأت تطال كثيرا من مناحي الحياة وقطاعات الاقتصاد الوطني ، فالبنوك التجارية كشفت عن وجه آخر خلال هذه الأيام ، وجه لا تراه إلا في دوائر التحصيل ووضع اليد والبيع في المزاد العلني ، بخلاف وجوه "شباب وصبايا" العروض المغرية التي طافوا بها علينا لتشجيعنا على شراء سيارة أو اقتناء منزل العمر ، أو حتى الاقتراض بداعي السفر والسياحة وتعليم الأبناء وشراء "لابتوب" أو "موبايل".
لقد ذكرتنا الأزمة ، بأننا ذهبنا بعيدا في "الاستهلاك" وأننا شعب لا يعرف الادخار ، يستهلك أكثر مما ينتج ، فتتراكم عجوزاته وديونه ، وربما تصفعنا بنوكنا التجارية منها والإسلامية على سواء ، لنستفيق من نشوة الميل للاستهلاك المفرط ، والتزام القاعدة الشعبية ، أو المثل الشعبي: "على قد لحافك.. مد رجليك".
لقد ذكّرتنا الأزمة بأننا لسنا "معولمين" كفاية ، وإلا لكانت التداعيات والآثار ، أكثر قسوة وسرعة ومباشرة... ونبهتنا الأزمة إلى أن طريقنا للعولمة يمر عبر الخليج ، وطالما كانت اقتصاديات الخليج بخير ، فإن قدرتنا على التكيف واحتواء الآثار الضارة للأزمة العالمية ، وعندما تبدأ اقتصاديات الخليج وعائداته النفطية وأسواقه التشغيلية بالانهيار ، سيبدأ اقتصادنا الوطني بدفع أثمان الأزمة وتسديد فواتيرها.











































