الأردن سيمول مئذنة الأقصى الخامسة
مثل أبواب البلدة القديمة في القدس، يحمل باب الرحمة، عدة أسماء، اشهرها الباب الذهبي، ويمتاز هذا الباب، الذي ينظر إليه كأجمل أبواب البلدة المغلقة، بأنه بالإضافة لكونه أحد أبواب البلدة القديمة، هو أيضًا أحد أبواب الحرم القدسي الشريف.ويقع هذا الباب، وهو عبارة عن بابين مغلقين، في السور الشرقي للبلدة القديمة والحرم القدسي الشريف، تم إغلاقه في وقت معين، قبل قرون، لأسباب يعتقد أنها دفاعية، ويبرز جمال هذا الباب الأخاذ، وفنونه المعمارية المختلفة، من داخل الحرم، حيث يبدو كقلعة صغيرة، ويطلق على الجزء العلوي من الباب من الداخل ( الغزالية ) حيث اعتزل فيه أبو حامد الغزالي، الذي أتى من بغداد إلى هذا المكان، وانجز أحد اشهر كتبه ( إحياء علوم الدين ). بالقرب من هذا الباب، الذي تنسج حوله القصص والحكايات الكثيرة، وتنسب إليه أحداث تاريخية تختلط فيها الحقيقة بالأساطير، سيتم تشييد المئذنة الخامسة للحرم القدسي، إذ يعتبر الإعلان عن تشييدها يحمل اكثر من مغزى.
في الأردن الذي سيتولى تمويل هذه المئذنة، أعلن عن استدراج عروض لتصميمها، ومن المعلومات المتناثرة المتوفرة، فإنها ستكون أعلى مآذن الحرم، حيث سترتفع 42 مترًا، وستكلف 700 ألف دولار. واعلن اهود اولمرت، رئيس الوزراء الاسرئيلي عن موافقته على بناء هذه المئذنة، التي ستكون الأولى التي ستبنى منذ ستة قرون، واستعد المتطرفون اليهود، الذي كانوا قد أعلنوا قبل اكثر من عامين، انهم لن يسمحوا بتشييد المئذنة الخامسة في الحرم الذي يطلقون عليه (جبل الهيكل) لإحباط هذا المشروع.
وكان أول رد فعل سجل للمتطرفين اليهود ضد تشييد المئذنة، في شهر أيلول (سبتمبر) 2004، عندما زار وفد اردني برئاسة المهندس رائف نجم – وزير الأوقاف الأردني السابق ونائب رئيس لجنة إعمار المسجد الأقصى-
الحرم القدسي، تفقد خلالها الوفد بعض أعمال الترميم والصيانة في المسجد التي تنفذها لجنة الإعمار والأوقاف الإسلامية في السور الشرقي والجنوبي للمسجد الأقصى وفي قبة الصخرة من أعمال الترميم للرخام الداخلي للمسجد.
وسبق زيارة الوفد بأيام تصريحات وزير الأوقاف الأردني احمد هليل أعلن فيها عن رغبة الأردن تنفيذ مشروع بناء مئذنة خامسة للمسجد الأقصى وان التفكير أن تكون في الجهة الشرقية من المسجد لعدم وجود مئذنة في تلك المنطقة.
في تلك الأثناء أعلن الشيخ عبد العظيم سلهب – رئيس مجلس الأوقاف الإسلامية في القدس - أنه خلال زيارة الوفد الأردني جرى بحث الأفكار وآليات التنفيذ لبناء مئذنة خامسة داخل المسجد الأقصى المبارك، وإن بناء المئذنة محور واحد من محاور وأهداف زيارة الوفد الأردني برئاسة المهندس رائف نجم.
وقال سلهب "إن المئذنة تأتي تيمنًا بأركان الإسلام الخمسة حيث يوجد في المسجد اليوم أربع مآذن وتخلو الجهة الشرقية من المآذن ووجودها يخدم ويسد حاجة ملحة، وقال إن البحث والتخطيط يجري الآن لبناء المئذنة الخامسة". ومقابل هذا الترحيب الفلسطيني، كان على الجانب الآخر من يتابع ما يجري أولا بأول، واعلنت جماعات يهودية متطرفة بأنها ستعمل وبكل وسيلة ممكنة لمنع بناء المئذنة الخامسة، مشددة على انه، من وجهة نظرها لا يحق لاولمرت، أن يحدث تغييرًا في ما يطلقون عليه جبل الهيكل، وهددت بالتوجه لمحكمة العدل العليا الصهيونية لمنع بناء المئذنة.
وقال يهودا عتسيون من زعماء منظمة أمناء جبل الهيكل "لن نسمح أبدًا بناء هذه المئذنة الخامسة وسيكون ذلك إن حدث على جثثنا".. هذه التهديدات تجددت مؤخرا بعد أن أفادت صحيفة يديعوت احرنوت العبرية، بان اولمرت ابلغ الأردن، بموافقته بناء المئذنة الخامسة في المكان الذي يطالب فيه المتطرفون اليهود بإقامة كنيس في المسجد الأقصى قرب المصلى المرواني، والمقصود المنطقة الشرقية من الحرم القدسي.
وقالت الصحيفة، بان اولمرت الذي أعطى موافقته الرسمية للملك عبد الله الثاني، لبناء المئذنة التي ستكون اكبر مآذن الحرم، ينتظر الوقت المناسب للإعلان عن ذلك. وانضمت مجموعات أخرى للجماعات المتطرفة اليهودية ضد بناء المئذنة الخامسة، تضم أكاديميين وأثرين وسياسيين، معتبرين ان بناء هذه المئذنة، يشكل خرقًا لمبدأ "الوضع المتنازع عليه" في الحرم القدسي، وان البناء سيتم من دون اشراف اثري اسرئيلي.
وحسب هؤلاء فإنه، إذا أريد بناء كوخ في منطقة نائية من اسرائيل، فان ذلك يستلزم موافقة سلطة الآثار المسبقة، لكن "إذا أراد المسلمون البناء في أهم موقع مقدس على الأرض، فانه لا تنطبق عليهم القوانين"- حسب قول احدهم. المئذنة الخامسة التي ستبنى على السور الشرقي للحرم، والتي ستكون الأكبر، ستنضم إلى المآذن الاربع الأخرى المنتشرة في جهات الحرم الأخرى الثلاث.
وفي ما يلي تعريف موجز بمآذن الحرم الأربع:
مئذنة باب المغاربة
المئذنة الأولى أقيمت في عام 1280م، وهي المعروفة باسم مئذنة باب المغاربة، لوقوعها شرق باب المغاربة، ويطلق عليها أيضًا مئذنة الفخرية، لقربها من الزاوية الفخرية، والغريب أن هذه المئذنة بنيت من دون أساس، على مسجد النساء الملحق بالمسجد الأقصى. وينسب بناؤها للسلطان الملك السعيد ناصر الدين برمة خان، وتصدعت عام 1922م، ويذكر الباحث احمد فتحي خليفة في كتابه دليل أولى القبلتين، بأن المجلس الإسلامي الأعلى هدم نصفها العلوي، واعاد بناءها، واستحدث لها قبة فوق المربع العلوي، ولكن يتضح من شكل البناء، بأن المجلس نفذ عملية ترميم في النصف العلوي، لأن اسلوب العمارة القديمة لها يظهر بشكل واضح.
مئذنة باب الغوانمة
المئذنة الثانية من حيث القدم، هي مئذنة باب الغوانمة، وهي مبنية على الرواق الشمالي للمسجد الأقصى المبارك، شمالي شرق باب الغوانمة الذي تحمل اسمه. وحسب الباحث خليفة فإن بانيها هو السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين في الفترة ( 1297-1299م)، وجددها المجلس الإسلامي الأعلى عام 1927م. ومثل باقي المآذن فإن لها اكثر من اسم، ويعرفها بعض الباحثين بمئذنة قلاوون، لان السلطان المملوكي هذا جددها عام 1329م، كما يشير النقش الذي ما زال عليها، وتدعى أيضًا مئذنة السرايا.
مئذنة باب السلسلة
تقع هذه المئذنة فوق باب السكينة، ولكنها حملت اسم باب السلسلة الذي تقع بمحاذاته من الناحية الشمالية، وهي المئذنة الرئيسة على الحائط الغربي لسور المسجد الأقصى المبارك. بنى هذه المئذنة الأمير سيف الدين تنكز بن عبد الله الناصري عام 1329م، ويعتبر هذا الأمير الذي كان واليًا على الشام في زمن المماليك، أحد كبار البناة في المسجد الأقصى وحوله، ومن بين آثاره المدرسة التنكزية، وسوق القطانين، وهي معالم في غاية الأهمية، بعضها استولت عليها سلطات الاحتلال مثل المدرسة التنكزية التي تحولت الى مركز لحرس الحدود الاسرائيلي، او مثل حمام العين الذي تحول الى كنيس.
وفي عام 1922م، رمم المجلس الإسلامي الأعلى مئذنة باب السلسلة.
مئذنة باب الأسباط
تقع هذه المئذنة على الرواق الشمالي للمسجد الأقصى المبارك، بالقرب من باب الأسباط داخل الحرم الذي تحمل اسمه، وهي قريبة أيضا من باب الأسباط الآخر، وهو الباب الشرقي المفتوح للبلدة القديمة، والذي يفضي إلى باب الأسباط وهو أحد أبواب الحرم القدسي. هذه المئذنة هي اخر مئذنة بنيت في الحرم عام 1367م، بناها السلطان الملك الاشرف شعبان بن حسن بن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، وما زال النقش الذي يؤرخ لذلك موجودا عليها.
يقول الباحث خليفة "صدعها زلزال سنة 1346هـ الموافق 1927م مما اضطر المجلس الإسلامي الأعلى إلى هدم القسم العلوي وبنائه من جديد. وعند احتلال إسرائيل للمكان في سنة 1967م، تضررت المئذنة اثر إصابتها بالقذائف، وقد جرى ترميمها كاملاً. وهذه المئذنة من أجمل مآذن المسجد مظهرًا، أمتنها بناء وأفخمها عمارة، ولها من الأسماء: مئذنة الصلاحية لكونها واقعة في جهة المدرسة الصلاحية".