الأردن: ألغاز وإرباكات… كيف يمكن تحديد «المسيء»؟
«القدس العربي»: قبل أيام معدودات من صدوره في الجريدة الرسمية؛ بمعنى بدء عملية تنفيذه على أرض الواقع، بقي قانون الجرائم الإلكترونية الجديد مفتاحاً لانتقاد أداء السلطات المحلية تشريعياً حتى من جهة الإعلام الدولي الذي يسلط الضوء على هذا التشريع ودوره في تقليص مساحات حرية التعبير، خصوصاً على منصات التواصل الاجتماعي.
تبرز في الحالة الأردنية المزيد من مظاهر الارتباك والترقب حول أو بعنوان آلية تنفيذ القانون، خصوصاً إذا تم تجاوز القاعدة التي وضعها نائب رئيس الوزراء علناً توفيق كريشان، عندما صرح بأن القانون الجديد سيطال المسيئين فقط وعلى منصات التواصل.
من هو «المسيء فقط»؟
سؤال طرحه المراقبون والنشطاء الحقوقيون بقوة، والجملة -برأي الحقوقي البارز عاصم العمري- قد تكون مستحيلة تطبيقاً؛ لأن المشرع يضع القوانين للجميع وليس لشريحة هنا أو هناك قد تنتقيها السلطة.
يصر السياسي مروان الفاعوري في نقاشات مع “القدس العربي” وغيرها على أن مظاهر الأزمة المجتمعية التي سيثيرها قانون جديد عند دخوله حيز التنفيذ ستبرز بحجم لا يمكن إنكاره. لكن في المقابل، صحيفة “نيويورك تايمز” كانت آخر محطة في التعبير الخارجي عن القلق على حريات التعبير التي تتقلص في الأردن، بل اعتبرت في تقرير تداوله النشطاء بكثافة في عمان لها، بأن الأردن حليف قوي ومهم للولايات المتحدة، وأن قانون الجريمة الإلكترونية المعدل الجديد يغير في النمط والمعطيات؛ لأن المملكة احتفظت بسجل معتدل في مجال حريات التعبير قياساً بعدة دول متعسفة في جوارها.
ما أرادت الصحيفة الأمريكية الشهيرة تسليط الضوء عليه، أن الأردن كان مزاجه معتدلاً في مسألتي الحقوق والحريات، وأن هذا المزاج يتبدل، وهو ما يشعر به الفاعوري وغيره من مراقبي وراصدي الحالة العامة حرياتياً في البلاد.
ومن باب التذكير بأن الحاجة لم تكن ملحة لقانون متشدد جديد تعاملت الصحيفة الأمريكية مع واقعة الكاتب الساخر والبارز أحمد حسن الزعبي، الذي صدر قرار بحبسه لمدة عام بسبب تعليق إلكتروني وبموجب التشريعات القديمة، الأمر الذي يعني عدم وجود حاجة ملحة لتشريعات متشددة جداً، فيما رأي خبير تشريعي وعضو في مجلس الأعيان هو جميل النمري، وعلى طاولة الحوار بوجود “القدس العربي” ورداً على استفسار، كان بأن عقوبة الحبس بحق الكاتب الزعبي لمدة عام وما حصل مع كاتب صحافي آخر، هو مؤشر مقلق فيما يتعلق بمعاقبة ومحاسبة من يمكن أن تنظر له المنظمات في الداخل والخارج باعتبارهم أصحاب رأي.
يشعر النمري مثل غيره من أبناء الدولة والمؤسسات، بقلق محتمل جراء التشدد في تطبيق نصوص القوانين، ويجتهد للقول إن مساحة الاعتدال في تقبل الرأي الآخر ينبغي أن تصمد، وفيها مصلحة للجميع. مثل هذه النقاشات والسجالات تسبق، بطبيعة الحال، صدور قانون الجرائم الإلكترونية الجديد في الجريدة الرسمية.
وهي محطة ستعني في اليوم التالي بعد نحو أسبوع واحد تقريباً، أن رفع الدعاوى والشكاوى القضائية باسم الحقين العام والخاص بناء على القانون الجديد هو عملية ستبدأ دون توفير ضمانات لا في اتجاه ضبط إيقاع الشكاوى من جهة السلطات ولا باتجاه ضمانات أن لا تتأثر الآراء وحريات سقف النشر ووسائل الإعلام نفسها بتطبيقات التنفيذ. سريان القانون الجديد محطة زمنية تقترب، بما فيها من ألغاز وإرباكات.
والانطباع حتى الآن كبير سياسياً وإعلامياً بأن الفوضى قد تحصل، لكن الجاهزية منقوصة، حيث لا نصوص أو أنظمة أو لوائح تفصل ما بين نقد أداء الموظف العام أو الإساءة إليه، وحيث لا نصوص أو لوائح تلجأ إلى تعريف مفهوم اغتيال الشخصية أو تعريف المسيء التواصلي من المتفاعلين، ولا عملية تثقيف تعيد تعريف المصطلحات والعبارات أو تشرح للناس كيفية تطبيقها في مراحل قال خبير قانون كبير هو المحامي أيمن أبو شرخ لـ “القدس العربي” مبكراً إنها أساسية وضرورية حتى لا يساء التنفيذ.
حالة هجوم وترقب وحيرة
على منصات تواصل الأردنيين حالة هجوم وترقب وحيرة ومبادرات لإلغاء صفحات تواصل أو تجميد خاصية الإعجاب والتعليق. وفي الفضاء رسالة من الطراز الذي من الصعب ترسيم دلالاته عبر رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي، الذي يحاول طمأنة الإعلاميين بمقولة “تستطيعون انتقادي في الأداء، وأي مسؤول آخر مادام النقد إيجابياً وقانونياً، مباح”.
تلك حقاً ضمانة تشريعية يعلم الصفدي أكثر من غيره بأنه قد لا يملك الفرصة لإنفاذها وسط أجواء مشحونة ومرتبكة. لذلك، ومع عبور الأيام قبل نشر القانون الجديد في الجريدة الرسمية ودخوله حيز التنفيذ، يمكن القول إن تأثيرات تطبيق هذا القانون لم تختبر بعد، ومن الصعب قياسها مسبقاً، لكنها تربك جميع الأطراف خصوصاً في مسار التحديث السياسي، رغم أن أحزاباً متعددة إما تحاول التعايش مع الحالة التشريعية الجديدة أو تعاملت مع قانون الجريمة الإلكترونية المستجد وكأنه عرس عند الجيران فقط.