اقل الكلام : قمة الكويت على مائدة «المفكرين العرب»
التأم في القاهرة ، وبدعوة من جامعة الدول العربية ، اجتماع "المفكرين العرب" ، وبهدف التحضير للقمة الاقتصادية - الاجتماعية العربية التي قررت "قمة الرياض" عقدها في الكويت في يناير المقبل ، وأعادت "قمة دمشق" التأكيد على وجوب التحضير الجيّد لها ، وفي هذا السياق ، تنظم الجامعة العربية سلسلة اجتماعات تحضيرية لمفكرين وإعلاميين ورجال أعمال وناشطين في مؤسسات المجتمع المدني ، باعتبار أن جميع هذه الأطراف ، معنية بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، وليس الملوك والرؤساء والقادة العرب وحدهم. والحقيقة أننا كنا أمام اجتماع "لمفكرين مصريين" باميتاز ، فالحضور "الفكري" العربي ، كان نادرا ، وساهم في زيادة "ندرته" أن الدعوة للاجتماع لم تتضمن العبارة "المطمئنة" التي يتلقفها عادة ، متعهدوا المؤتمرات والندوات وورش العمل العربية والإقليمية والدولية: "تتكفل الجهة الداعية والمنظمة بتغطية تكاليف السفر - على الدرجة السياحية - والإقامة في فندق خمس نجوم" ، وليس هذا بيت القصيد على أية حال ، فلم يحضر اللقاء سوى عدد قليل من المفكرين العرب ، وغالبا ممن كانت لهم "أجندة" أخرى لزيارة القاهرة.
اجتماع المفكرين خصصت له ساعات أربع ، بدأ بجلسة افتتاحية ألقت فيها سعادة السفيرة الدكتورة ميرفت تلاوي كلمة ترحيبية وتعريفية بالمشروع ، تلاها ثلاثة متحدوثون - مصريون - بدأوا جميعهم عرض أوراقهم بجملة اعتذارية عن "عدم إعداد" ورقة مكتوبة ، والاكتفاء بعرض أفكار مرتجلة ، شفهية ومعدة على عجل ، وقد تفاوتت الكلمات من حيث "جودتها" منها ما اكتفى بتأبين العمل الاقتصادي العربي المشترك ، والغرق في استعراض تاريخ إخفاقات ، ومنها من ألمح إلى بعض الأفكار والمقترحات التي يمكن أن تشكل بداية حديث ونقاش حول هذا الموضوع ، ولكم كانت خشيتي عظيمة من أن يكون الإعداد المتواضع للاجتماع ، مؤشرا على نوعية الإعداد للحدث الكبير في الكويت. لست هنا في الحقيقة بصدد تقييم الجوانب اللوجستية والعملية لاجتماع المفكرين العرب ، ولا أنا بصدد توجيه اللائمة للجهات المنظمة عن أي تقصير ، مع أن حديثا كثيرا يمكن أن يقال في هذا الصدد ، ما أود التشديد عليه ، أن مناخات الإحباط وانعدام الثقة واليقين في إمكانية تحقيق تقدم حقيقي - اختراق - في العمل العربي المشترك ، هي المسؤولة عن هذا الضعف في الإعداد وانعدام الحماسة في التحضير ، وتلاشي الرغبة في بذل الجهد في مسألة يعرف الجميع أنها عصية على الحل في الكويت ، تماما مثلما كانت عصية على الحل في قمة عمان الاقتصادية قبل ثلاثة عقود تقريبا. ذهب "المفكرون العرب" شرقا وغربا في تحليل أسباب ضعف التبادل التجاري والتكامل الاقتصادي والاندماج الأقليمي ـ العربي ، بعضهم أسهب في الحديث عن أثر تضارب التشريعات والأنماط والهياكل الاقتصادية وتشابه البنى الانتاجية ، وبعضهم تحدث بالتفصيل عن غياب المؤسسات والمؤسسية ، وفريق ثالث توقف أمام الظروف الدولية المحيطة بهذا العمل والمعرقلة له ، بيد أن إجماعا قد تحقق بين من تحدثوا في القاعة وخارجها ، حول "غياب الإرادة السياسية العربية الكفيلة بتحقيق التكامل والاندامج ، وإنتاج السوق المشتركة والوحدة الجمركية وزيادة التبادل البيني والاعتمادية المتبادلة". إذا كان غياب الإرادة السياسية هو السبب الذي أحبط مشاريع التكامل والسوق المشتركة لأكثر من ستة عقود مرت على تأسيس الجامعة العربية ، وأكثر من أربعة عقود على قرار إنشاء السوق المشتركة ، فما الذي يدفعنا للاعتقاد ، بأن الإرادة السياسية ستكون متوفرة في قمة الكويت لدفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية العربية ، خصوصا في هذه الفترة التي تشهد عودة الحرب الباردة في العلاقات العربية البينية؟،. والحقيقة أننا لسنا من المتفائلين سلفا ومقدما بنتائج أشغال قمة الكويت ، ولسنا مأخوذين بالتصريحات المتفائلة التي تعكس الكثير من النوايا اللفظية والاستعدادات "الصوتية" لدفع مسيرة التكامل والاندماج قدما ، فالعرب سياسيا "عربين" ، وهم اقتصاديا "طبقات" تتحكم بعلاقاتهم تراكيب غريبة عجيبة من الفوقية والاستعلائية والغيرة والحسد والخوف المتبادل وانعدام الثقة ، إلى الدرجة التي تدفع بدول الخليج العربي الغنية لاستقدام ملايين العمال الآسيويين ، في الوقت الذي يقف ملايين العمال العرب في طوابير البطالة الطويلة وفي معظم الدول العربية ، متمنين في لحظة حنق أن يحترق أشقاؤهم بنفطهم ذات يوم. وإذا كان ثمة من معيار لنجاح قمة الكويت أو فشلها فإن يتثمل بلا شك ، في قدرة الزعماء والملوك والرؤساء على تحقيق إنجاز ملموس وفي حقول محددة ، وتحديدا في سياق مواجهة واحتواء أهم المشاكل الفورية التي تواجه الأمة العربية: أزمة الطاقة وأزمة الغذاء ، فإن لم يرصد عشرات المليارات من الدولارات في صناديق لتأمين "الأمن الغذائي" ومصادر "الطاقة البديلة" ، فإن "أزمة الرغيف" و"وقود التدفئة" و"أنبوبة غاز الطبخ" ، ستصبح عناوين لـ"ثورات جياع" ستهدد أمن واستقرار العديد من الدول العربية غير النفطية ، وستمتد آثارها الخطرة وتداعياتها المقلقة ، لتطال الدول الغنية ذاتها ، وستواجه بعض الدول العربية "الفقيرة والفاشلة والشائخة" أزمة حكم ونظام وعلاقة بين المواطن والحاكم ، تنقلب معها موازين القوى ومعادلاتها ومواقع الأطراف ومواقفها ، وسنكون أمام شرق أوسط جديد ، أو عالم عربي جديد ، لم نتعرف على ملامحه من قبل.
*المقال نقلا عن جريدة الدستور الاردنية