اغنى 30% من السكان يملكون 60% من الدخل
أظهرت دراسة بحثية أن توزيع الدخل غير متماثل بصورة عامة في الأردن، وعدم تحقيق أي تقدم يذكر في مجال الحد من عدم المساواة وان الواقع الجديد وتبلور عقد اجتماعي جديد أدى إلى تفاقم سوء توزيع الدخل عن طريق إلغاء منافع اجتماعية وإعانات لعدد كبير من السكان الأردنيين واتباع نظام ضريبي غير تصاعدي وتقليل فرص العمل.
وبينت الدراسة، التي أعدها الدكتور إبراهيم سيف وياسمين الطباع، تحت عنوان النمو الاقتصادي واليات تكيف الطبقات الوسطى في الأردن 2002-2006، أن أغنى 30% من السكان يمتلكون حوالي 60% من أجمالي الدخل، في حين يمتلك أغنى 10% من السكان 11% من الدخل.
ودعت الدراسة إلى وضع استراتيجية تنمية تسعى للجمع بين النمو الاقتصادي وسياسات الحد من عدم المساواة من خلال سياسات الضرائب التصاعدية وإيجاد الوظائف وسياسات الحد الأدنى للأجور وحماية العمال وتعزيز راس المال البشري.
وبعد تقسيم الدراسة، التي قدمت أمس في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، السكان ضمن عشر مجموعات عشرية استهلاكية على أساس الإنفاق الفردي، أوضحت أن هنالك تغييرا في توزيع الأسر، حيث انخفض عدد العائلات في أغنى مجموعات عشرية بين الأعوام من 2002-2006.
ونوهت إلى أن ضريبة المبيعات العامة تشكل (24%) من إجمالي الإيرادات الحكومية.
وبينت أن مجموعات الاستهلاك المتوسطة هي الأكثر تضررا جراء انخفاض الأجور، وأصبحت تلك المجموعات تعتمد بصورة أكبر على مصادر دخل مثل التحويلات المالية من المغتربين والتوظيف الذاتي.
ولفتت إلى صعوبة تحديد الطبقات الوسطى، ما يشير بحسب دلالات الدراسة، إلى أن العديد من الأسر، التي كانت في السابق تنتمي للطبقة الوسطى، أصبحت جزءا من الطبقة المتدنية الدخل أو من الطبقات ذات الدخل المرتفع.
وبينت الدراسة أن الأردن نجح في تحقيق الاستقرار والانخراط في عملية تحرير التجارة والتحرير المالي والخصخصة، ضمن عملية إصلاح اقتصادي بدأت بعد الازمة الاقتصادية عام 1989.
وقسمت عملية الإصلاح منذ اطلاقها إلى الان، إلى ثلاث مراحل: الأولى (1989- 1991)، وكانت تهدف إلى تحقيق استقرار الاقتصاد عن طريق تخفيض الميزانية وعجز الحاسب الجاري والسيطرة على معدل التضخم وإعادة بناء احتياطي العملات الأجنبية للبنك المركزي والتعافي من النمو الاقتصادي السلبي.
وتميزت المرحلة الثانية (1992-1999) ببداية إعادة هيكلة الضرائب وتحرير التجارة والخصخصة، فيما تتميز المرحلة الثالثة (1999-حتى الان) بتنسيق جهود التحرير الاقتصادي، حيث شهدت توقيع وتنفيذ اتفاقيات التجارة الحرة مع أميركا والاتحاد الأوروبي، والانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.
إلى جانب التحسن في النمو الاقتصادي، إذ بلغ المتوسط السنوي لنمو الناتج المحلي الإجمالي حوالي 6% منذ العام 2004.
إلا أنها تشير إلى أن هنالك الكثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، رغم مرور عقدين من الإصلاح، لافتة إلى بعض المؤشرات الرقمية(4ر14%) نسبة البطالة وما بين (15-30%) من السكان يعيشون تحت خط الفقر.
وبينت الدراسة أن زيادة عدم المساواة والإصلاح الهيكلي وتخفيف تدخل الدولة، أدى إلى ظهور عقد اجتماعي جديد، مشيرة إلى أنه في ظل العقد الاجتماعي القديم، كانت الدولة توفر الأمن الاقتصادي مقابل الحصول على الاستقلال السياسي، ومع الازمة الاقتصادية عام 1989 وما تلاها من اصلاحات ظهر عقد اجتماعي يشدد على الاعتماد المتزايد على الضرائب المحلية وتراجع دور الدولة في الرفاهية كشرط من شروط الشرعية السياسية.
وأوضحت أن الإيرادات المحلية زادت كنسبة مئوية من الإيرادات الحكومية من (57%) عام 1988، إلى (8ر84%) عام 2007، منوهه إلى أن الزيادة الكبيرة في الإيرادات الحكومية المحلية هي نتيجة الإصلاح الضريبي وإدخال ضريبة المبيعات العامة، التي تشكل (24%) من إجمالي إيرادات الحكومة.
وأشارت إلى أن العقد الاجتماعي الجديد، لم يلغ الإعانات لعدد كبير من السكان الأردنيين فحسب، بل أثقلهم أيضا بأعباء الضرائب غير التصاعدية، وتفاقم الوضع جراء التضخم المتزايد منذ 2005 والزيادة الكبيرة في معدل التضخم من (4ر5%) عام 2007، إلى (8ر9%) في النصف الأول من العام الحالي 2008.
وحول توزيع الدخل في الأردن، بينت الدراسة أن هنالك انخفاضا ملحوظا في متوسط عدد أفراد الأسرة الواحدة من (3ر6%) فرد عام 2002، إلى (8ر5%) عام 2006، مما زاد بالتالي المتوسط السنوي للاستهلاك الفردي من (2ر990) دينار إلى (3ر1306) دينار، وزاد أغنى (2%) من السكان استهلاكهم الفردي بمتوسط الفين دينار أي أربعة اضعاف الحد الأقصى من الاستهلاك الفردي لأفقر (10%) من السكان لذات الفترة.
وعلى الرغم من النمو الاقتصادي والزيادات في الدخل الفردي، لا يزال هناك عدم مساواة كبيرة بين المجموعات السكانية ( العشرية)، فالمجموعتان الأولى والثانية والعاشرة فقط هما اللتان تظهران زيادة في حصتهما من إجمالي الدخل، وزاد أفقر (10%) حصتهم بنسبة (08ر0%)، فيما زاد أغنى (10%) حصتهم بنسبة (25ر1%).
وحدث اكبر انخفاض في الحصة من إجمالي الدخل في المجموعات العشرية المتوسطة ( الرابعة- السابعة) بمتوسط انخفاض يبلغ (18ر0%).
وبحسب تقسيم الدراسة للسكان لعشر مجموعات، فإن كل مجموعة تمثل عشرة بالمائة من أفراد عينة الدراسة، بحيث تعتبر المجموعة العشرية الأولى أفقر (10%)، في حين تمثل المجموعة العاشرة أغنى (10%).
وتشكل المجموعات العشرية المتوسطة الأكثر اعتمادا على الأجور كمصدر دخل، حيث تمثل (50%) من إجمالي دخلهم، وينخفض الاعتماد على الأجور بين المجموعات الأكثر فقرا والأكثر ثراء، حيث تمثل (40%) من إجمالي دخلهم.
واعتبرت الدراسة أن أكثر المجموعات فقرا هي الأكثر اعتمادا على التحويلات كمصدر رئيسي للدخل، فقد بلغت (29%) عام 2002، و(7ر53%) عام 2006 من إجمالي دخلهم.
وتشمل التحويلات : المعاشات التقاعدية والضمان الاجتماعي والإعانات الحكومية بالإضافة إلى المساعدات من صندوق المعونة الوطنية ومصادر أخرى.
ويظهر أغنى (10%) معدل نمو مختلف تماما في تركيبة الدخل الفردي عن السائد في المجموعات العشرية الأخرى، فقد حققت هذه المجموعة الجزء الأكبر من زيادة دخلها من التوظيف الذاتي، وقللت من اعتمادها على التحويلات، وزادت نسبة التوظيف مدفوع الأجر كحصة من إجمالي الدخل فقط للمجموعات العشرية الثامنة والتاسعة والعاشرة ( الطبقات المتوسطة العليا).
ويعكس تزايد الاعتماد على التحويلات انخفاض معدل التوظيف الإنتاجي والتوظيف مدفوع الأجر، والقطاعات التي أظهرت نموا قويا في الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 2002، وأوجدت وظائف هما قطاعا التصنيع والبناء، إلا أن الوظائف التي تم إيجادها منخفضة الأجور والتي لا تحتاج لمهارات عالية، وبالتالي لم تجتذب العمال الأردنيين.
وأشارت إلى نمو قطاعي التمويل والنقل،وهما قطاعان يميلان لتوظيف العمال الأردنيين بدلا من الأجانب، بصورة قوية، ولكنهما لا يتطلبان الكثير من الأيدي العاملة ولم يحققا سوى عدد قليل من الوظائف، ما زاد الهجرة الماهرة.
وفي ضوء تلك التغييرات، حددت الدراسة التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها المجموعات العشرية منها الأجور غير كافية ولا يمكن تسميتها أجورا معيشية أي أجور تغطي تكاليف الحياة، الأمر الذي اضطر جميع المجموعات إلى إيجاد مصادر أخرى لتغطية تكاليف المعيشة.
وخلصت الدراسة إلى أن الطبقة الوسطى موزعة عبر المجموعات العشرية من الرابعة- العاشرة)، وتضم العمال الحرفيين الذين يعملون لحسابهم الخاص ذوي الدخول القليلة وتمتد لتشمل المهنيين في المجموعات العشرية السابعة والثامنة والتاسعة، والمديرين ذوي الرواتب العالية في المجموعة العشرية العاشرة.
وحول أنماط الاستهلاك، أظهرت أن الإنفاق على الطعام انخفض لدى جميع المجموعات، وان أعلى زيادة في الإنفاق كانت على الملابس، ما يدل على تحسن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للأسر، إلا الإنفاق على الثقافة والسياحة والرياضة انخفض، ما يشير إلى عدم استطاعة الأسر تحقيق جوانب أخرى من رفاهيتها الشخصية بعد تلبية احتياجاتها الأساسية.كما بينت أن جميع الأسر من مختلف المجموعات تضررت جراء الارتفاع الضخم.
وما كان أكثر وضوحا هو أن هناك انخفاضاَ في الاعتماد على التوظيف بوصفه مصدر دخل بين المجموعات العشرية المتوسطة. فمن الواضح أن الأجور غير كافية، ولا يمكن تسميتها أجوراَ معيشية، أي أجور ورواتب تغطي جميع تكاليف الحياة.
وقد عانت هذه المجموعات العشرية من ضغوط من حيث انخفاض الأصول والإيجارات، بالإضافة إلى الأجور المنخفضة، مما دفعها للبحث عن مصادر أخرى للدخل من خلال التنقل بين الوظائف والتوظيف الذاتي.
ويشير الانخفاض في ملكية الأصول إلى احتمالية أن تكون المجموعات العشرية المتوسطة لجأت أيضا إلى مدخراتها وثرواتها من أجل تغطية التكاليف، مما يعني أنها استنفدت شبكة أمان مستقبلية، وقد تعاني أكثر من الصعوبات الاقتصادية المتزايدة. ويعني هذا أن هناك حاجة ملحة لوضع سياسة تنمية وطنية شاملة تهدف إلى تعزيز وتوزيع منافع النمو الاقتصادي على جميع سكان الأردن من خلال التوظيف الإنتاجي بأجر لقوة العمل الشابة من أجل ضمان الأمن المالي للجيل التالي.
ويظهر الإنفاق على التعليم مدى جمود التركيب الطبقي، حيث تنفق المجموعة العشرية العاشرة ( الأغنى) على التعليم أكثر مما تنفقه المجموعة العشرية الأولى (الأفقر) خمسة عشر ضعفا وأكثر بحوالي ضعفين مما تنفقه المجموعة التاسعة.
وتقرأ الدراسة هذا النتائج، إلى أن التركيب الطبقي في الأردن مقسم إلى طبقات عبر التعليم الحكومي والخاص والتعليم الخاص للنخب. وبدلا من أن يوفر النظام التعليمي وسائل الحراك الاجتماعي، يعمل على استنساخ نفس الهيكل الاجتماعي وعدم المساواة حيث لا يتم توفير نوعية عالية من التعليم سوى لأطفال المجموعات العشرية الأكثر ثراء. ولا شك أن هذا يعني أن هناك حاجة ماسة لتحسين نوعية التعليم الحكومي من أجل زيادة فرص الحراك الاجتماعي التصاعدي بين الأجيال.
وتبين هذه الدراسة أنه على الرغم من زيادة النمو الاقتصادي والجهود المتزايدة للحد من الفقر منذ أزمة عام 1989، إلا أن تفاوت الدخول ما يزال مشكلة قائمة في الأردن.
وقد ركزت جهود الحد من الفقر على تحفيز النمو، على أمل إحداث تأثير ينعكس إيجابا على الجميع، بالإضافة إلى برامج محددة لتقليل الفقر تستهدف الفقراء. ولكن لم يتم الاهتمام كثيرا بمعالجة قضية عدم المساواة، حيث يفترض أن عدم المساواة سيختفي تلقائيا مع زيادة النمو الاقتصادي. فالمطلوب إذاً هو استراتيجية تنمية تسعى للجمع بين النمو الاقتصادي وسياسات الحد من عدم المساواة من خلال سياسات الضرائب التصاعدية، وإيجاد الوظائف، وسياسات الحد الأدنى للأجور، وحماية العمال، وتعزيز رأس المال البشري.