اعتصام موانئ العقبة يكشف قصور الإعلام
هل فعلاً يمكن القول أن الإعلام في الأردن يهتم بالمركز ولا يأبه بما يدور خارج العاصمة؟ وهل قيمة الحدث تختلف باختلاف الجغرافيا؟ وما هو حجم المساحة المعطاة لقضايا الناس خارج العاصمة؟ هذه الأسئلة يجيب عليها تعاطي الإعلام الأردني المحلي مع اعتصام عمال الموانئ في مدينة العقبة الأردنية، والذي اشترك فيه 2600 عامل مياومة يطالبون بحقوقهم من مؤسسة كبرى كمؤسسة الموانئ في الأردن.
عمال المياومة في مؤسسة الموانئ بالعقبة اعتصموا يوم الإثنين الخامس والعشرين من تموز / يوليو، ولم تعطهم وسائل الإعلام المحلية أكثر من خبر عادي، رغم أنهم تسببوا في تعطيل ميناء العقبة. وبدأ الميناء يتكبد خسائر قدرت بعشرين مليون دينار. فلم يتنبه الإعلام المحلي إلى قيمة القضية اقتصادياً وسياسياً، أوحتى اجتماعياً.
تمثلت مطالب العمال في الاحتجاج على قرار إدارة المؤسسة منح كبار الموظفين تعويضات بدل سكن تقدر بعشرين ألف دينار أردني، أي ما يعادل ثلاثين ألف دولار أمريكي. وتم استثناء العمال من هذه التعويضات، مما جعلهم يشعرون بالتهميش وتعمد إدارة المؤسسة لإنكار جهدهم في بناء المؤسسة.
لكن يوم الأربعاء السابع والعشرين من تموز / يوليو لم يكن يوماً عادياً على مدينة العقبة بل كان صعباً حينما انقضّت قوات الدرك على المعتصمين وفرّقتهم بالقوة معتقلة العشرات منهم بالإضافة إلى إصابة عدد آخر. وفي ذات اليوم أيضاً، اعتدي على العامل عاهد العلاونة الذي دخل في غيبوبة جراء ضربه على رأسه، مما استدعى نقله إلى المدينة الطبية بطائرة مروحية. فالعقبة تبعد عن العاصمة عمان، حيث يتركز الإعلام المحلي، أكثر من ثلاثمائة وخمسين كيلو متر.
رئيس لجنة عمال المياومة وأحد منظمي الاعتصام، محمد السنيد، يقول: "لم نرَ أي صحفي يغطي الاعتصام. ولو كان هناك عدد من الصحفيين أثناء فض الاعتصام لما شهدنا هذه الوحشية، فقد استغلت الجهات الأمنية غياب الإعلام فنكّلت بنا". ويبدو أن السنيد يريد القول إن للإعلام دوراً في حماية جمهوره وتوثيق ما يجري حوله، وهذا ما لم يدركه إعلامنا.
ويصف السنيد التغطية الإعلامية في الأيام الأولى قبل الاعتداء على العمال: "الإضراب بدأ ولم يكن هناك تغطية إعلامية بالحجم المطلوب، بل كانت ضعيفة وبعض وسائل الإعلام نشرت أن أعداد المعتصمين بالمئات رغم أنهم كانوا حوالي 2600 عامل تحت حرارة الشمس، التي تجاوزت الأربعين في العقبة ".
ولايتفق الصحفي وكاتب العمود اليومي في صحيفة الغد سميح المعايطة مع السنيد في ذلك معتبراً أن أداء الإعلام لم يكن ضعيفاً بالمعنى الحقيقي "إنما بالبداية لم يكن الحدث لافتاً لأن الاعتصامات تكررت من عمال الموانئ سابقاً. والعمال لم يوصلوا القضية بشكل كبير إلى وسائل الإعلام. ولم يكن هناك إدراك لدى الصحافة بأن الأمور ستصل إلى هذا الحجم".
كما انتقد السنيد الإعلام الرسمي الأردني قائلاً: "نسجل نقطة عتب على المؤسسة الإعلامية الرسمية وخاصة التلفزيون الأردني الذي تجاهل الموضوع، والذي نطلبه أن يكون إعلام دولة وليس إعلام حكومة، وأن يأخذ وجهة نظر العمال والحكومة، وليس الحكومة فقط. خاصة أن هناك تنافساً شديداً بين القنوات وهذا يضر بسمعة التلفزيون الأردني".
ويوافق المعايطة رأي السنيد حول الإعلام الرسمي: "إن تعاطي التلفزيون الأردني الرسمي مع الموضوع كان فاضحاً، فلم يهتم بالموضوع على الإطلاق سوى بعد تدخل الحكومة واكتفى فقط بنشر الأخبار التي تحدثت عن تدخل رئيس الحكومة. وتناسى كل هؤلاء العمال ولم يعط الموضوع أي أهمية تذكر".
كما بين السنيد أن صحيفة الرأي كانت "واضحة في تبني وجهة نظر الحكومة، بل الترويج لأخبار غير دقيقة تفيد بانتهاء الاعتصام رغم أن الاعتصام كان مستمراً". وحول ذلك بيّن كاتب العمود اليومي في صحيفة "العرب اليوم" أحمد ابوخليل أن التغطية الإعلامية للحدث كانت سيئة جداً ولم تكن مهنية خاصة في صحيفة الرأي، فــ "كل يوم كانت صحيفة الرأي تخرج لنا بأخبار مثل: عاد العمال إلى مواقعهم أو انتهاء اعتصام العمال. وتنشر وجهة نظر الحكومة وتصريحات رئيس الوزراء فقط متجاهلة موقف العمال تماماً".
إلا أن صحف "العرب اليوم" و"الغد" و"الدستور" حاولوا التوازن بنشر جميع وجهات النظر، كما يقول السنيد، الذي يرى أن بعض الإذاعات الخاصة والمواقع الإلكترونية كثفت من متابعاتها للاعتصام بعد حدوثه، ومنها موقع كل "الأردن" و"عمون" و"عمان نت". ولقد كان واضحاً للعيان قصور الصحف اليومية والمواقع الإلكترونية في الحصول على الصور الحصرية من عدسة مراسليها، واعتمدت وسائل الإعلام المحلية في تغطية الحدث على ما يرسله العمال والمواطنون من صور ومعلومات عن الاعتصام.
وحول طريقة التغطية للحدث يقول رئيس تحرير موقع كل الأردن علاء فزاع "كنا نعتمد على المواطنين في الحصول على الأخبار. وكان لدينا توقع بأن الأمور ستتأزم، لكنّا لم نرسل مراسلاً إلى العقبة لضعف إمكانياتنا، لكنا استعضنا عن ذلك بالاتصال المتواصل مع العمال والمسؤولين في العقبة".
هذه الطريقة التي اتبعها فزاع في متابعة أحداث الاعتصام ربما تجعله عرضة لنشر أخبار غير دقيقة. وحول ذلك يقول: "التضخيم في المعلومات متوقع أن يحصل في مثل هذه الحالة، لكننا اعتمدنا أسلوب الاتصال بأكثر من مصدر للتحقق من صدقية المعلومة. وعندما نجد عدداً من المصادر تؤكد الخبر نقوم بنشره. كما أننا لم نغفل الاتصال مع المسؤولين دائماً للتحقق من المعلومة". لكن فزاع لم ينكر التحيز الواضح والمقصود من موقع "كل الأردن" لقضايا العمال معتبرا مسالة الاعتصام "إنسانية وطنية".
من ناحيته، يرى رئيس تحرير موقع "البوابة" الإخباري الإلكتروني محمد عمر أن خللاً أساسياً رافق تغطية المواقع الإلكترونية ووسائل الإعلام لاعتصام الموانئ قائلاً: "أي من المواقع الإخبارية الإلكترونية لم يقم بإرسال مراسلين لتغطية الاعتصام مباشرة حتى بعد تصاعد الاعتداء على العمال"، وهذا يعد تقصيراً واضحاً وقعت فيه وسائل الإعلام حسب عمر.
وحول استخدام مفهوم "المواطن الصحفي" في هذا الحدث، يرى عمر أنه كان ضعيفاً ولم يستخدم المعنى الحقيقي لمفهوم "المواطن الصحفي". مبيناً أن "المواطن الصحفي لا يتمثل فقط في إرسال الخبر أو المعلومة إلى وسيلة الإعلام، إنما يكمن المفهوم الحقيقي في التفاعل الجيد مع الشبكات الاجتماعية مثل "الفيس بوك" و"تويتر". بحيث يتم استغلال هذه الشبكات للحصول على معلومات وصور أكثر من خلالها". ويجد عمر أن الصحافة الأردنية بحاجة لإقامة مثل هذه الشبكات الاجتماعية لاغناء المادة الصحفية.
واتفق البعض على أن بعد المسافة عن المركز أسهمت في إضعاف تغطية الإعلام الأردني لأحداث الاعتصام رغم أهميتها. فمن ناحيته يرى علاء فزاع، رئيس تحرير موقع "كل الأردن" الإلكتروني، أن بُعد الاعتصام عن العاصمة عمان، التي يتركز فيها الإعلام، أثر بشكل واضح على حجم التغطية؛ "لأننا شهدنا اعتصامات أقل حجماً من اعتصام العقبة في عمان وكانت تحظى بتغطية قوية".
كما لم يستبعد أيضاً محمد عمر، رئيس تحرير "البوابة"، أن تكون المسافة البعيدة التي تفصل مدينة العقبة عن العاصمة عمان سبباً مباشراً في ضعف التغطية مستذكراً مقارنة ربما تسهم في فهم ما حصل قائلاً: "عندما وقع اعتصام قبل فترة قريبة أمام وزارة الزراعة في عمان، نفذه عشرات من النقابيين وفرقته قوات الدرك، حظي بتغطية كبيرة رغم عدم وقوع إصابات. ولم تكن الاعتقالات بالحجم الذي شهده اعتصام العقبة الذي احتوى أيضاً على إصابات منها إصابة خطيرة للعامل عاهد العلاونة ".
ويعلل عمر ذلك بأن الإعلام المحلي في الأردن لا يزال محكوماً بعقلية المركز والتركيز على العاصمة التي تحتوي على الأحداث السياسية وأخبار الشخصيات السياسية والمشهورة. مضيفاً: "هناك استهانة بالتحركات والاحتجاجات من قبل المواطنين. وهناك إهمال للمسائل التي تتعلق بالحياة اليومية للناس. وهذا يظهر جلياً في إعلامنا المحلي". كما اعترف الكاتب سميح المعايطة بأن "بُعد مدينة العقبة عن المركز كان له دور كبير في ضعف التغطية الصحفية للحدث".
وذهب الكاتب أحمد ابوخليل لاتهام الصحف بالخوف من التغطية التي تتعلق بأحداث عنف تشترك فيها الأجهزة الأمنية قائلاً: "عندما يتعلق الأمر بصدام مع أفراد الأمن فإن الصحف ترتجف كثيراً قبل التغطية. وهناك صحف موقفها معروف ما دام الأمر يتعلق بالأمن، فإنها تتوقف عن التغطية".
إلا أن الكاتب المعايطة لم يوافق أبا خليل رأيه مستبعداً أن يكون الخوف قد سيطر على وسائل الإعلام في التعاطي مع قضية عمال الموانئ قائلاً: "الذي حصل هو عدم إدراك لما ستؤول إليه الأمور. أما الخوف فلم يكن موجوداً، ذلك أننا شهدنا مقالات جريئة تنتقد الحكومة وتستخدم لهجة شديدة. ولو كان هناك خوف لما نشرت تلك المقالات أصلاً".
لكن أبا خليل رأى أن "المقالات التي كتبت عن الموضوع لم تكن قوية ولم تكن على مستوى الحدث، بل كانت عمومية تحمل الوعظ. وهناك بعض الكتاب نصبوا أنفسهم كوسطاء بين الطرفين".
ويجد أبوخليل أن الصحف وقعت في خطأ عندما اعتمدت على المندوبين المحليين لها في العقبة مبيناً أن "المندوبين بالعادة لا يتمتعون بالخبرة المطلوبة. ولا بقدر من الجرأة الكافية لنقل الحقائق لأنهم محاسبون من المجتمع المحيط بهم كالمحافظ والأجهزة الأمنية والمسؤولين في المدينة. وفي مثل حالة العقبة هناك سلطة إقليم العقبة المسؤولة عن كل شيء والتي تعد حكومة بحد ذاتها وتمارس ضغوطاتها على الصحفيين في العقبة".
جدل كبير تطرحه أحداث اعتصام الموانئ في مدينة العقبة الأردنية حول دور الإعلام المحلي في متابعة الأخبار والأحداث خاصة في الأماكن التي تبعد عن العاصمة. كما أنها تفتح الباب على مصراعيه لمناقشة مشكلة تمركز الإعلام المحلي في المركز. فهل يحاسب الإعلام الأردني المحلي نفسه ويجري مراجعة عميقة لأدائه على الساحة المحلية بعد أن أخفق في تزويد جمهوره بصور حقيقية وسريعة لأحداث أكبر الاعتصامات في الأردن؟











































