اعتصام دوار الداخلية وتداعياته بين التحشيد الإعلامي والمهنية
منذ فض اعتصام دوار الداخلية بالقوة تباينت أدوار وسائل الإعلام المحلية بين التحشيد والتجييش عبر دعوات وجهها مذيعون وكتاب لجمهورهم للتعبير عن هويات فئوية، وبين إذاعات وصحف ومواقع إلكترونية آثرت المهنية وتحكيم العقل في خطابها.. موضوع ناقشه برنامج عين على الإعلام على أثير راديو البلد.
التغطية الإعلامية للأحداث:
الكاتب أحمد أبو خليل في رصده للتغطية الإعلامية لأحداث يوم الجمعة في ميدان جمال عبد الناصر “دوار الداخلية”، رأى أن التغطية شكلت نقطة تحول عما سبقها من اعتصامات ومسيرات، وأن الصحف وكتابها عادوا إلى حد ما إلى الاصطفاف التقليدي، حيث توزعت الصحف بين متبنٍ للموقف الرسمي وبين المعارض مرورا بالموقف الوسط.
وأضاف بأن الصحفيين أدركوا أن تداعيات الحدث لا تزال في بدايتها، وهناك قلق وتوتر متنام في الأوساط الصحفية، وكثيرون يضعون أيديهم على قلوبهم.
وخلص أبو خليل إلى أن حالة الابتهاج بالاعتصامات النموذجية قد انتهت ، وعادت التغطيات الصحفية إلى قواعدها سالمة أو ربما “غير سالمة” (للاطلاع على رصد الكاتب للتغطية الإعلامية للأحداث: الصحافة والاحتجاجات: انتهى زمن التغطيات البهيجة)
الكاتب والمحلل محمد أبو رمان أوضح أن معظم المؤسسات الإعلامية لعبت دورا إيجابيا من خلال تغطية الأحداث، وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان وما تعرض له المعتصمون والصحفيون من اعتداءات، مشيرا إلى أن الحكومة جانبت الصواب بانتقادها لوسائل الإعلام لقيامها بواجبها بتغطية الأحداث.
وأوضح أبو رمان في حديث لعين على الإعلام، أن هنالك بعض وسائل الإعلام المقربة من الحكومة والمدعومة من جهات رسمية وشبه رسمية هي من قام بتأجيج المشاعر العنصرية وتضليل فريق من الرأي العام وذلك من خلال تصويرها للاعتصام بأنه انقضاض على الدولة وهويتها وخروج عن الثوابت الوطنية، إلا أن هذه الوسائل الإعلامية المسموعة والمقروءة كانت محدودة وغير قادرة على التغطية على الدور المركزي للإعلام الذي قام بجهد كبير مع تفاوت بين وسائله من حيث الجرأة وسقف الحرية.
وتتحمل وسائل الإعلام، بحسب أبو رمان، مسؤولية أخلاقية وسياسية في عدم الترويج للغة التحريض، وهو ما نجحت معظم الوسائل بالقيام به، فمعظم الصحف وكتاب الرأي، على الرغم من انتقاد بعضهم لاختيار مكان وتوقيت الاعتصام، إلا أنهم وقفوا بجرأة وتحملوا مسؤولياتهم بالدفاع عن حق المواطنين بالتعبير عن آرائهم والوقوف بوجه ما وقع من اعتداءات على المعتصمين، وانتهاك لحقوق الإنسان، باستثناء عدد محدود من الأصوات التي باتت تفتقد للشعبية.
وحتى أن بعض منظمي مسيرة “نداء وطن” رفضوا ما وقع من أحداث اعتداء على المعتصمين، مشيرين إلى أن المجموعة التي قدمت من حدائق الملك حسين وانضمت للمسيرة لدى دوار الداخلية ليسوا من بنية “نداء وطن”.
أما في الجانب المهني، فأكد أبو رمان وجود ضعف لدى وسائل الإعلام من حيث قراءة الحدث وما ورائه والتحليل الإخباري، والسبر عن خلفيات جميع الأطراف، كالبحث عن تشكيل “شباب 24 آذار” والجهات الفاعلة فيها، والكشف عن “المقاولين” الذين عملوا على تأجيج المشاعر العنصرية ضد المعتصمين وتسييرهم للاعتداء عليهم.
وأوضح أن المواقف السياسية تغلبت على الجانب المهني في تغطية وسائل الإعلام لأحداث دوار الداخلية على اختلاف توجهات تلك الوسائل.
إذاعات وأغاني.. حيث يعلو صوت التحريض:
الكاتب في صحيفة الغد جهاد المحيسن، يرى أن العقل العربي بشكل عام هو عقل سماعي يعتمد على الخطاب اللفظي أكثر من اعتماده على الخطاب المكتوب، ومن هنا كان لبعض الإذاعات المحلية دور سلبي باستغفال عقل المواطن الأردني، من خلال حملة من التحريض والتحشيد.
وأشار المحيسن في حديث لعين على الإعلام، إلى استخدام بعض الإذاعات موجة جديدة ودخيلة من الأغاني، مما اكتشف أنها تستخدم للترويج لشركات إنتاج هذه الأغاني، وهي تروج لثقافة أقرب ما تكون لثقافة مجتمعات تخوض حروبا داخلية مرعبة، وهو ما عبر عنه رئيس تحرير “العرب اليوم” بمقاله عن هذه الإذاعات التي أصبحت شبيهة بإذاعات راوندا.
ومع تقديره الكامل لمؤسسات الجيش والأجهزة الأمنية، إلا أن المحيسن رأى أنه من غير الجائز “تفصيل” أغاني لكل جزئية في هذه المؤسسات وبشكل يومي، مما يأتي ضمن حرب ثقافية غير معلنة وغير مفهومة.
وحتى على صعيد اللحن، فإن مثل هذه الأغاني تعمل على “تمييع” النغم والإيقاع المحلي وتذويبه ضمن قوالب وألحان متعددة الهويات، كما أن كلمات الأغاني من هذا النوع، هي ذاتها مع إعادة تركيبها بين أغنية وأخرى.
وطالب المحيسن بإعادة إحياء الأغاني الوطنية الأصيلة والعمل على تطويرها، إضافة إلى وجود أصوات أردنية جديدة تستطيع نقل الثقافة الوطنية بشكل أكثر إنسانية.
وفي حديثه وانتقاده للإذاعات التي عملت على تقزيم قضية المواطنة والانتماء برفع علم الأردن على السيارات، جدد المحيسن ما قاله في مؤتمر نقابة الصحفيين، بأن من يتربعون على الإعلام هم شكل آخر من أشكال “البلطجية”.
وطال انتقاده نقابة الصحفيين التي من المفترض أن تقوم بدورها بلجم تلك الإذاعات، حيث أوضح أن النقابة من أضعف النقابات، مؤكدا ضرورة أن يكون أعضاؤها نقابيين حقيقيين، إضافة إلى غياب الرؤية الاستراتيجية للإعلام لدى النقابة
وأوضح المحيسن أن على النخب السياسية والإعلامية كشف هذا الدور السلبي لعدد من الإذاعات، بما يخدم حماية الوحدة الوطنية، والتركيز على الثقافة المحلية الوطنية في وجه الترويج لثقافة الرعب والتخويف والتخوين.
كما تقع المسؤولية على عاتق الحكومة من خلال هيئة المرئي والمسموع بالرقابة على ما يصدر من تلك الإذاعات “مثل إذاعتي روتانا وأمن fm”، ومحاربة لغة التدمير والتحريض التي تنطلق منها، إضافة إلى الدور المنوط بنقابة الفنانين لمراقبة ما يروج من أغاني على أثيرها للحفاظ على هويتنا الوطنية الأردنية.
وكان وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة طاهر العدوان طلب من الصحفيين في ورشة في تعليقه على التغطية الإعلامية لأحداث الجمعة الماضية، احتواء الموقف وتجاوز ما حصل على ميدان جمال عبد الناصر/ دوار الداخلية، للوصول إلى إصلاح شامل بما فيه الجسم الإعلامي.
كما اعتبر العدوان أن تلويحه في تصريحات لإحدى الإذاعات الخاصة بالاستقالة من الحكومة جاء لرفضه لـ”التحشيد والتجييش الذي تقوم بها بعض وسائل الإعلام”، مؤكدا أن “التحريض لا يعبر عن رأي الحكومة، ولا يمثل نهجها”.
فيما أكد مدير عام هيئة المرئي والمسوع أمجد القاضي على قيام بعض الإذاعات شبه الرسمية بالتحريض والتحشيد والفتنة وتخريب الوحدة الوطنية من خلال بعض برامجها المباشرة أو الحوارية التي تبثها.
وقال القاضي في حديث لعمان نت “إن بعض الإذاعات أخذت تضع أجنداتها وتفكر نيابة عنا ولم تقم بدورها الإعلامي بل بدور المحرض على الفتنة”، مشيرا إلى أن هذه الإذاعات صورت للأردنيين كأننا في ساحة حرب وأن هناك فتنا طائفية وكأننا مجموعة من الشعوب اجتمعت وبينها صراع على بقعة معينة، وأن كل مجموعة تحقق مكاسب على حساب الآخرين”.
كما أكد القاضي أن الهيئة رصدت الكثير من وسائل الإعلام خلال الفترة الماضية وتبين أن “من يقوم بتقديم البرامج الحوارية والمباشرة على أهميتها هم أشخاص معرفتهم متدنية بالإعلام وأساليبه”، مبينا أن هذه المسألة مرفوضة وعلى وسائل الإعلام أن تلتزم بعقد الاتفاقية مع الهيئة والغايات التي رخصت على أساسها حتى لا تضطرنا للجوء إلى القضاء، مشيرا إلى أنه تم توجيه تحذيرا لهذه الإذاعات في اجتماع الأربعاء.
وتمنى القاضى أن تكون تغطية هذه الإذاعات لجميع الأحداث وخاصة اعتصامات ومسيرات الجمعة، متوازنة وتنقل الحقائق ووجهات النظر المختلفة بحيث تترك للجماهير أن تحكم وتختار بشكل واعي.
للاستماع لحلقة برنامج: عين على الإعلام











































