اعتصام العاملين بـ"الرأي".. من يتحمل كلفة الإضراب؟
في الرابع والعشرين من شباط الماضي بدأ عاملون في المؤسسة الصحفية الأردنية، الناشرة لصحيفتي “الرأي” والـ”جوردان تايمز” الناطقة بالانجليزية، أول اعتصام ينفذ في عمر الصحيفة الأوسع انتشارا في المملكة.
واليوم يدخل الاعتصام يومه السادس والعشرين وسط صمت حكومي وإداري مطبق، رغم إشعار المعتصمين بتوجههم إلى تنفيذ إضراب مطلع الأسبوع المقبل، ما قد “يشل” الصحيفة التي قد تحتجب لأول مرة عن الصدور جراء أزمة داخلية.
ويطالب المعتصمون بتحسين ظروفهم المعيشية وزيادة الرواتب وتصحيح الاختلالات في سلم الرواتب وتنحية قيادات المؤسسة والصحيفة لوقف ما يقولون إنه “هدر وتسيب” إضافة إلى تهم بـ”شبهة الفساد” وانهيار المستوى المهني.
ويرى البعض أن لهذه الاعتصامات شكلا أو بعدا آخر يتمثل بأن كل هذا الحراك بين مؤيد ومعارض للاعتصام في الصحيفة ما هو إلا انعكاس للمعركة الانتخابية المقبلة على منصب نقيب الصحفيين الذي يشغله حاليا رئيس تحرير الرأي عبد الوهاب زغيلات.
الزغيلات خاطب المعتصمين وقال في تصريح مقتضب في بداية الأزمة بأن هناك مطالب إدارية للعاملين وأن صاحب القرار بها هو مجلس إدارة المؤسسة.
فيما رأى رئيس مجلس إدارة الصحيفة السابق فهد الفانك في مطالب المعتصمين تكلفة مالية تقدر بالملايين، داعيا المعتصمين بالتوجه إلى مؤسسة الضمان الاجتماعي صاحب القرار في تنفيذ المطالب.
الاعتصام انطلق بين عدد محدود من العمال الرافضين للأوضاع العمالية والمهنية، إلا أن عددهم سرعان ما ازداد في الأسبوع الثاني ليشمل جميع العاملين.
وتطور الأمر مع تجاهل مجلس إدارة المؤسسة، لمطالب المعتصمين التي تملك مؤسسة الضمان الاجتماعي 55% من أسهمها، ليوقع أكثر من 300 عامل (بينهم عشرات الصحفيين) من أصل نحو 600 على مذكرة إضراب عن العمل مع دخول الاعتصام أسبوعه الثالث، بعد أن نصبو أخيرا خيمة “الإصلاح والتغيير” أمام مبنى الصحيفة.
ودخل مئات من الجسم الصحفي ونخب سياسية وثقافية على الخط بتنفيذ اعتصام تضامني مع معتصمي الرأي في السابع من الشهر الحالي، طالبوا خلاله بوقف التدخلات الأمنية والحكومية ورفع سوية المهنة وسقف الحرية الصحفية.
واتجهت الأنظار إلى خيمة الاعتصام “الإصلاح والتغيير” هتافات.. شعارات.. حوارات وندوات وضيوف يزورون الخيمة متحدثين عن الحقوق العمالية والمهنية والحريات الإعلامية، بينما وجدها صحفيون من مختلف المؤسسات فرصة للدعاية الانتخابية لعضوية مجلس نقابة الصحفيين المزمعة أواخر نيسان.
ولاح الأمل بحل الأزمة عندما أعلن رئيس مجلس الإدارة فهد الفانك عن تنحيه عن منصبه على وقع هتافات المعتصمين الخميس الماضي خلال اجتماع للهيئة العامة للمؤسسة، بعد أن أمطره مساهمون وصحفيون بوابل من الاستفسارات حول مطالب المعتصمين ونفقات غير مبررة في الصحيفة، حيث تنصل من الإجابه عنها معلنا الاستقالة وانتهاء عهده بدء من نهاية الشهر الجاري.
ونقلت مصادر لعمان نت،أن الفانك استقال بعد أن طلبت الحكومة منه ذلك في محاولة لإنهاء الأزمة، ليرشح وزير التنمية السياسية السابق موسى المعايطة خلفا له.
هذا التطور أعطى مزيدا من الأمل للمعتصمين، ولكن سرعان ما أفل بعد سريان شائعة قوية بتسلم مدير عام وكالة الأنباء الأردنية (بترا) رمضان الرواشدة رئاسة التحرير خلفا لزغيلات، وفقا لما أكدته مصادر من الرأي لعمان نت.
وأوضحت المصادر أن الرواشدة اختير بضغط من رئيس مجلس النواب فيصل الفايز على الحكومة والأجهزة الأمنية، ما يرجح أن يشهد المستوى المهني، بسبب هذه التدخلات الأمنيه، مزيدا من التدهور بحسب مراقبين للشأن الإعلامي.
وكان هناك ثلاثة أسماء مرشحة من قياديي الرأي، هي: سمير الحياري وطارق المومني ويوسف العبسي.
ويرى عاملون في الرأي أن تعيين الرواشدة رئيسا للتحرير يمثل خطوة إلى الوراء، وتؤكد استمرار ذات العقلية في إدارة الصحيفة على المستويين المهني والإداري.
الناطق باسم اللجنة الممثلة للمعتصمين طارق المومني علق على هذه التسريبه بالقول “الأفضل أن يكون الرئيس الجديد من داخل هذه المؤسسة”.
هذا ما اتفق معه رئيس تحرير المندوبين سابقا عمر العساف الذي أكد على ضرورة أن يأتي رئيس التحرير من داخل الرأي لا من خارجها، ويفترض -بحسب العساف- أن يكون متسلحا بالمهنية العالية وذا أفق سياسي رحب.
وحذر من أن فرض أي شخص من الخارج “بالباراشوت سيلقى رفضا مطلقا ومزيدا من التصعيد”.
سكرتير تحرير الشؤون العربية والدولية في الصحيفة غيث العضايلة أكد أن بعض مراكز القوى تدفع باتجاه إبقاء المدير العام في مكانه، فيما تتدخل “أطراف أخرى لفرض رئيس التحرير في انتهاك واضح لولاية الحكومة”.
تعيين المعايطة رئيسا لمجلس إدارة الرأي سيجري الخميس في اجتماع يعقده مجلس الإدارة، في حين سيعقد اجتماع للجنة العمل النيابية الأربعاء بحضور وزيري العمل محمود الكفاوين والإعلام طاهر العدوان لبحث مطالب المعتصمين العمالية تلافيا للوصول للإضراب المفتوح المزمع السبت.
المعايطة في تصريح مقتضب لعمان نت أكد أن الإدارة الجديدة ستكون معنية بحل المشاكل القائمة في الصحيفة، رافضا الإدلاء بمزيد من التصريحات لحين تعيينه رسميا.
دخول المعايطة إلى صرح الرأي، اعتبره الصحفيون خطوة في الطريق الصحيح وبادرة إيجابية لجهة التغيير الشامل في الصحيفة وتلبية مطالب المعتصمين لتحسين ظروفهم وإعادة مسيرة الصحيفة المهنية إلى مسارها الطبيعي رائدة في مسيرة الإصلاح، وفقا لما قاله العضايلة.
“المواكب للرأي ومتابعها يعلم جيدا أنها لم تكن في يوم من الأيام على هذه الحال من السوء والتردي المهني والوظيفي، ويعلم جيدا أنها خسرت مكانتها السياسية والإعلامية وباتت قلعة متهرئة الجدران لا يتكأ عليها ولا يحارب منها” هذا ما قاله العساف في مقاله نشرها الاثنين بعنوان ” الرأي مطية.. أم قلعة دفاعية؟”.
العساف، في مقالته التي حملت نقدا لاذعا لواقع الصحيفة وتوصيفا لما يجب عمله لانتشالها من وهدتها، اعتبر أن ملف الرأي بكل بساطة هو “اختبار حقيقي لنية القيادة السياسية للدولة في التوجه نحو الإصلاح في زمن لا فسحة فيه أبدا لترف الوقت”.
وبينما يمضي الوقت قدما نحو اختبار جدية المعتصمين في التوجه إلى الإضراب، ومراهنة أشخاص من المؤسسة والحكومة على مدى هذه الجدية، هل يقع المحظور؟ ومن سيتحمل النتائج والكلف الصعبة حينذاك؟