ارتفاع مؤشرات فقر الأسر التي ترأسها امرأة
لا توجد دراسات دقيقة لنسب الأسر الفقيرة التي ترأسها المرأة بغياب الزوج "المعيل"، إلا أن مدير مركز الثريا لدراسات الفقر، محمد الجرابيع، يعتقد أن السنوات الأخيرة "شهدت ارتفاعا ملحوظا في أعدادها، ما يخلق أسُراً غير مكتفية اقتصاديا واجتماعيا وتربوياً".
لا حل في الدعم
على أرض الواقع، هناك أسر لا يسد الدعم المقدم لها من الجهات المختلفة احتياجاتها اليومية. وتؤكد عدة نساء قابلتهن "عمان نت" في جبل النظيف، شرق العاصمة عمان، أن الدعم لا يكفي لسد الديون، وهذا يدفعن إلى الشعور بأن "الدعم يسمى علينا بالاسم فقط على أننا متلقياته"، تقول إحداهن بسخرية.
جميلة، 37 عاما، تعيش مع ابنين لها، بعد اختفاء زوجها قبل (18) عاما في اليمن، أدرجت اسمها ضمن متلقيات الدعم من صندوق المعونة الوطنية عن فئة "منفصلة ولا معيل لها ولأولادها"، وقبل عدة سنوات طلقت غيابيا لتدرج بفئة "مطلقة ولا معيل لها ولأولادها".
تقول إن مبلغ (40) دينارا الذي تتقاضاه من الصندوق لا يكفي عائلتها، ما دفعها إلى اللجوء لصندوق الزكاة وبعد جولات من محاولة إقناعهم بوضعها تم صرف مبلغ (20) دينار شهرياً.
تحمل جميلة فاتورة الكهرباء التي تراكمت ووصلت قيمتها إلى (800) دينار وفاتورة المياه إلى (95) ديناراً للجهات الحكومية المختلفة للحصول على دعم، تقول: "قطعوا المياه عن البيت والكهرباء قريباً، كيف لنا العيش في المنزل الذي يصل إيجاره الشهري إلى (75) ديناراً".
مدير عام صندوق الزكاة، د. علي القطارنة، يقول إن هناك حالات يتم دراسة أوضاعها كل على حدة ويكون المبلغ المقدم تبعا لأوضاع العائلة. ويلفت القطارنة إلى أن هناك حالات تستدعي "المعونة الطارئة" والتي فيها يتحقق موظفو الصندوق من الحالات التي يكون من بين أفرادها من يعاني من مرض جسيم مع شرط تقديم الوثائق الثبوتية في ذلك.
الأرملة حكمت، 55 عاما، من الجنسية المصرية، تتقاضى من الصندوق مبلغ 15 دينار، تقول إن المبلغ "لا يسد أي من احتياجاتنا المنزلية ولا فاتورة الكهرباء أو المياه ما يضطرني للذهاب إلى بعض الميسورين الذين يقدمون المواد التموينية لي ولأطفالي الثلاثة، واحد منهم يعاني من اعتلال دماغي".
تزوجت حكمت من أردني قبل عدة سنوات، تقول إنها لم توفر أي من الجهات الحكومية ذات العلاقة لطلب صرف راتب لأسرتها، لكن لم تجد نفعا، وهي التي كانت تعمل سابقا في مستشفى البشير لعدة سنوات، إلا أن المستشفى استغنى عن خدماتها في العام (2008) ما دفعها إلى التجوال يومياً بين كافة الجهات الخيرية بحثاً عن أي دعم مالي يسد متطلبات أطفالها.
الأرملة أم علاء تتقاضى مبلغ (20) دينارا شهرياً من صندوق الزكاة بعد أن تقطعت بها سبل الحصول على دعم من صندوق المعونة الوطنية ووزارة التنمية الاجتماعية. لأم علاء ابنين، أحدهما في السجن، والآخر كان يعمل في البناء لكنه حاليا عاطل عن العمل. تقول إن فاتورة الكهرباء تراكمت ووصلت قيمتها (200) دينار والمياه (50) دينار غير مسددة لغاية الآن.
وتضيف أنه "لولا أهل الخير لما استطعنا العيش. أما وزارة التنمية الاجتماعية وصندوق المعونة ينظران إلى حالي من منطلق أن لدي أبناء شباب يستطيع الواحد منهم أن يعيلنا، لكنهم لا يدركون أن أحدهم في السجن والآخر يبحث يوميا عن عمل ولا يحمل أي شهادة وهم لا يقتنعون".
آمنة، 60 عاما، تعيش وحدها في منزل إيجاره الشهري (60) ديناراً، فبعد طلاقها من زوجها قبل 25 عاما، وزواج بناتها وسفرهن خارج الأردن، أصبحت زائرة دائمة للجهات الحكومية لتحصيل معونة شهرية.
كانت آمنة تعمل تاجرة أقمشة في شبابها، أما الآن فلا تقوى على العمل وتعيش معاناة عند استحقاق دفع إيجار منزلها، وكذلك الفواتير المترتبة عليها من كهرباء ومياه. تقول: "الله يعلم بحالي كيف آكل وأنام دون مساعدة من أحد".
تأوي آمنة في بيتها أليكس، 40 عاما، وهي سيدة هجرها زوجها ولا يتواصل معها أفراد عائلتها المهاجرة إلى أميركا، إذ تقدمت لعدة مؤسسات كنسية مسيحية لمساعدتها ماليا، لكنها لم تحصل على أي دعم، ما دفع بها الحال إلى التنقل بين بيوت صديقاتها حيث تقيم وتأكل على نفقتهم الخاصة.
تعاني اليكس من كسور في عظام حوضها، حيث تحتاج إلى عدة عمليات جراحية ولعدم قدرتها على التكاليف، اضطرت إلى البقاء في بيت مستضيفتها دون حركة كي لا تزيد حالتها سوءا. تقول: "لم أكن أدرك معنى الفقر والتشرد بحياتي إلا عندما أصبح الجوع شعورا يرافقني".
ازدياد فقر النساء
في أيار2009 نشرت الباحثة منى خليل من اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، دراسة عن واقع المرأة في الأردن، خصصت بندا يتحدث عن "فقر المرأة"، مفصّلة الأسر الفقيرة التي ترأسها المرأة تبعا لحالتها الاجتماعية، بمجموع تراكمي يصل إلى (14.1%).
وتتفاوت نسب الحالة الزواجية لربة الأسرة، إذ تبلغ (1.8%) عندما تكون عزباء، و(14.6%) عندما تكون متزوجة، وترتفع هذه النسبة لتبلغ (15.6%) إذا كانت ربة الأسرة أرملة، و(19.6%) إذا كانت مطلقة، و(37.9%) إذا كانت منفصلة، وفق الدراسة.
من جانبه، يدعم صندوق المعونة الوطنية 261 أسرة ترأسها امرأة، وتصل قيمة ما ينفقه عليها إلى (14) ألفا و(339) دينارا.
وتصل نسبة الأسر التي ترأسها المرأة، من نسبة المستفيدين من الصندوق، إلى (60%). ويكشف مدير عام صندوق المعونة الوطنية محمود الكفاوين لصحيفة العرب اليوم بتاريخ 11 -8 -2009 عن ازدياد عدد النساء اللاتي (لا معيل لهن) منذ بداية العام 2009 حتى شهر آب (15) ألفا و(957) سيدة، بالمقارنة مع العام 2008 الذي كان (4600) سيدة.
ويزيد عدد النساء من فئة (عزباء) التي لا معيل لها ويعانين من ظروف اقتصادية صعبة إلى (2425) بعد أن كان العدد (2400) عزباء، وانخفض عدد أسر الغائبين نتيجة غياب الزوج غيابا متقطعا من (500) أسرة إلى (448) أسرة.
بحسب تقرير لمنظمة الأغذية العالمية، فإن أعداد الجياع في الأردن وصل إلى (60) ألف أسرة، في وقت تشير النسبة المئوية للفقراء إلى (14%) وعددهم (770) ألف نسمة.
لكن هناك منظمات مجتمع مدني تساهم في التخفيف من فقر النساء. فبالعودة إلى دراسة اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة يبلغ مجموع المستفيدات من مشاريع القروض الصغيرة التي يمنحها الاتحاد النسائي الأردني خلال الفترة (2002-2008) (611) سيدة، بدخل شهري للسيدة يتراوح ما بين (200-400) دينار، فيما قدّرت القيمة الإجمالية الفعلية للمشاريع الناجحة بحوالي (6) ملايين دينار.
وبلغت قيمة التمويل الذي مُنح للإناث من صندوق التنمية والتشغيل خلال الفترة (2004-2009) ما قيمته (24.573) مليون دينار، تُمثل ما نسبته (42%) من إجمالي قيمة التمويل الممنوحة.
ووصل عدد مشاريع الإناث التي تم دعمها إلى (12295) مشروعاً، تُمثل ما نسبته (64%) من إجمالي المشاريع المدعومة. كما بلغ عدد فرص العمل التي تم توفيرها للإناث (14031) فرصة عمل، تُمثل ما نسبته (51%) من إجمالي فرص العمل المتاحة.
دراسة (تقييم الفقر في الأردن)، التي أصدرها البنك الدولي بالتعاون مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي في العام 2004، تعزو السبب الرئيس لانخفاض نسب الفقر خلال الفترة (1997-2002) إلى النمو في إجمالي الاستهلاك الفردي الحقيقي الخاص بنسبة (3.5%) سنوياً مقابل نمو دخل الفرد السنوي بمعدل (0.8%) سنوياً.
وساعدت تحويلات العاملين في الخارج في انخفاض نسبة الفقر بمقدار (1.8%)، وخاصة بين الأسر التي ترأسها امرأة. حيث يعتمد حوالي (50%) من الأسر التي ترأسها امرأة على هذه التحويلات كمصدر رئيسي للدخل، وذلك خلال فترة الدراسة.
علمني كيف اصطاد؟
تطبيقا للمثل الصيني "لا تعطني سمكة علمني كيف اصطادها"، يرى الباحث الجرابيع أن الراتب الشهري الذي تتقاضاه الأسر من الجهات الحكومية المختلفة ليس حلاً لمشكلة الفقر، "طالما أن الأسر التي ترأسها المرأة لا تعلم كيف تصل إلى مصادر الدخل الموجودة، بالتالي سيبقى الفقر موجوداً".
"المطلوب إعادة النظر بالاستراتجيات الخاصة بعمل المرأة"، يقول الجرابيع، و"تدريب النساء اللواتي يترأسن أسرهن، على كيفية إدارة وتسويق المشاريع المنزلية لسد احتياجات أسرهن".
روابط ذات صلة:
دراسة (تقييم الفقر في الأردن) أصدرها البنك الدولي بالتعاون مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي، في العام 2004،
دراسة المرأة الأردنية والتنمية الاقتصادية، أعدتها الناشطة النسائية أنس الساكت
إستمع الآن











































