"اليوم اللي بنشتغل فيه بناكل فيه".. تكررت هذه العبارة عند العديد ممن يعملون بنظام العمل اليومي الحر الذين تحدث إليهم المرصد العمالي الأردني، الكهربائي والمواسرجي وغيرهما من المهن غير المنظمة التي لا تحقق أي شكل من الاستقرار الوظيفي للعاملين بها.
يزن، ذو الخامسة والثلاثين، أب لثلاثة أطفال، يعمل مواسرجي (تمديدات صحية) في منطقة الهاشمي الشمالي بالعاصمة عمان، يوزع يومياً رقم هاتفه الجوال على المحلات التجارية في المنطقة ثم ينتظر أي طلب ليتمكن من تأمين قوت يومه.
في الآونة الأخيرة بدأ يزن بنشر رقمه والخدمات التي يؤديها على مواقع التواصل الاجتماعي في محاولة منه لتحسين وضعه المادي بأي طريقة.
يؤكد يزن أن صعوبة الأوضاع كانت من قبل رمضان، وازدادت صعوبة خلال الشهر الفضيل، لأنه ولطبيعة عمله، لا يتمكن من التخطيط لمصروفاته أو الادخار مسبقاً، كما أن وضعه المادي يعتمد على كل طلب أو ورشة يتمكن من استلامها.
أما إبراهيم، فيعمل في مهنة التبليط منذ أكثر من 20 عاماً وفي كل سنة يواجه أزمة مالية في رمضان، إلا أن هذه السنة تختلف بسبب ارتفاع الأسعار "غير الطبيعي" كما قال إبراهيم، الذي تابع: "سعر كيلو الدجاج كان بدينار و80 قرشا أول رمضان، اليوم لا تجده بأقل من دينارين و30 قرشا للكيلو، هذا إذا توافر في السوق".
يؤكد إبراهيم في حديثه إلى المرصد العمالي الأردني، أن ارتفاع الأسعار في رمضان جعله يستغني عن بعض الأطباق من سفرته الرمضانية، مثل السَّلطات والحلويات المكلفة، حتى أنه قلل المصروف اليومي لأطفاله بحجة صيامهم وعدم حاجتهم للمصروف كاملاً.
إبراهيم، الذي حصل على قرض عن طريق زوجته من إحدى مؤسسات التموين، رأى أن عدم تأجيل أقساط القروض أيضا كان له أثر كبير في زيادة صعوبة الوضع المعيشي لهذا الشهر.
تقدم إبراهيم في العام الماضي بطلب إلى "المعونة الوطنية"، ولكن طلبه رفض، بحجة، وفق قوله، أن أجرة منزله مرتفعة (200 دينار) ما يعني مقدرته على دفع وتسديد التزاماته وعدم حاجته للمعونة.
"يريدوننا أن يعيش الواحد منا تحت لوح زينكو حتى يتأكدوا أنه محتاج" يقول إبراهيم.
ويقول الخبير الاقتصادي حسام عايش إن هذه المهن الحرة تختلف تسعيرتها بحسب المكان، إذ قد لا تقل التسعيرة عن عشرة أو عشرين دينارا في بعض الأحيان، ولكن تكمن المشكلة، بتقديره، في "عدم ثبات الطلبات" الذي يضعف ضمان الحصول على دخل ثابت.
وفي حديثه إلى "المرصد العمالي الأردني"، يلفت عايش إلى أن عمال المياومة هم الفئة "الأكثر تضرراً" في أي أزمة اقتصادية نمرّ بها وهم كانوا أول من تأثر بجائحة كورونا والإغلاقات التي شهدناها.
لذلك، يحض على العمل بجدية على حماية أصحاب هذه الأعمال من خلال شمولهم بالضمان الاجتماعي وضمان حصولهم على الرعاية الصحية والاجتماعية حتى نحفظ لهم حقوقهم الإنسانية وأن لا نُشغِلهم بالاحتياجات الأساسية.
ويوضح عايش أنه لا يمكن للمجتمع الاستغناء عن هذه المهن، غير أن غالبية من يخوضون مضمارها لا يمتلكون الخبرة مقارنة بالعمال الوافدين، ولذلك يفقدون القدرة على التنافس في السوق.
ويقترح هنا إيجاد برامج تدريبية تعمل على تطوير خبرات العمالة الأردنية وتحسين الأدوات لعمال المهن الحرة ليعود ذلك بعائد أكبر في هذه الحالة بسبب جودة العمل المقدم.
ويشدد عايش على ضرورة أن يكون التدريب على هذه المهن في برامج حكومية تقدم شهادات معتمدة وضمانات للتأكد من نوعية الخبرة التي يمتلكها العامل وكيفية أدائه لخدمته، والنتيجة التي سيحصل عليها المستهلك أو الزبون.
أوضاع الحرفيين لا تختلف كثيراً عن سائقي طلبات التوصيل في المملكة، إذ يواجهون حالا من الركود شبه كاملة في الطلبات نهارا، كما يقول حازم الذي يعمل سائقا لتطبيق "طلبات".
يؤكد حازم أنه لم يتمكن من تسديد إيجار منزله عن آخر ثلاثة شهور.
وعلى رغم أنه لم يُقِم أي مأدبة إفطار إلا أن مصروفه هذا الشهر كان غير اعتيادي، "أسعار المواد التموينية كاملاً اختلفت بشكل ملحوظ في آخر أسبوعين، المشكلة ليست برمضان، المشكلة بجشع التجار وضعف الرقابة".
ويوضح حازم أنه خلال اليوم كله "نحصّل 6 طلبات في أفضل الأحوال، كل طلب نتلقى عليه دينارا وربع الدينار، أي ما يقارب 8 دنانير يومياً فقط"، في إشارة إلى عدم كفاية عمله لتسديد مستلزمات رمضان عدا عن التزاماته الأخرى مثل دفع أجرة المنزل وبقية الفواتير.
ويلفت إلى أن أسرته لن تستطيع الاحتفال بالعيد بأي طريقة هذه السنة"، إذ أن شراء ملابس العيد أصبحت "رفاهية" لا يمكنه تحقيقها لأولاده كل عام.