احمد يروي تجربته في معتقل غواتنانامو
لم يكن الأردني احمد سليمان يتوقع ان ذهابه الى السوبر ماركت لشراء حاجيات العيد في مدينة بيشاور بباكستان -مكان إقامته- سيؤدي في النهاية الى اعتقاله ....
من قبل القوات الباكستانية، فمنذ ان خرج من منزله عام 2002 لم يعد من وقتها.
التقينا أحمد في منزل أسرته في جبل الحسين، لكنه رفض جلوسي أمامه ومخاطبته مباشرة وجلست خلفه دون معرفته، في حين قام زميلي بتوجيه الأسئلة له، وروى لنا الحلم الذي راوده قبل الإفراج عنه.
"راية بيضاء يحملها بين يدية يركض بعيدا... ويضع الراية في يد الرسول عليه الصلاة والسلام وبيتسم"... يستيقظ في صباحات المعتقل الباكرة، واذ بخبر الافراج عنه قد اعلن.. بهذا الحلم الذي راوده افرج عن احمد بعد ستة سنوات قضاها تحت عذابات مضنية في معتقل غوانتانامو.
خرج من المعتقل إلى التحقيق مباشرة، فور أن وطأت قدماه ارض وطنه من قبل الجهات الامنية الاردنية وبعد اسبوع من التحقيق والاسئلة والعناية الطبية، تنفس الحرية اخيرا واتجه صوب منزله المطل على شرفات المدرج الروماني ... وعادت به ذكريات الطفولة الى الوراء.
استقبلته الشمس ضاحكة... وادارج المدرج الرماني أنحنت له وأضواء وسط المدينة أنيرت ترحيبا بعودته سالما بعد ستة سنوات.
ركع على الارض شاكرا ربه... ركع على قدم اباه وامة مقبلا كل طرف في اجسامهم بشوق لا تصفه الكلمات كان يختلج في نفسه.. فالنوم جفى عيونه وأراد أن تشبع عيناه من وهج اشعة الشمس ومن عائلته التي افتقدها لسنوات وسنوات.
بداية الرحلة...
رحلتة في المعتقل بدات مطلع عام 2002 عندما اعتقل في بيشاور الباكستانية، نقل على الى معتقل "باغرام" بالعاصمة الأفغانية ثم إلى سجن قندهار في جنوب افغانستان ليقبع نهائيا بعد هذه الرحلة في معتقل غوانتانامو.
يسرد احمد لعمان نت تفاصيل اعتقاله بدا من باكستان وانتهاء في معتقل غوانتانامو بقولة:" عملت هنا في الاردن لفترة ثم قررت المغادرة صوب افغانستان عام 1990 انضممت للمجاهدين لمدة سنة واحدة وبعدها انتقلت الى باكستان ومكثت بها حتى عام 1998 الذي تزوجت فيه من باكستانية، وبعد محاولات قامت بها عائلتي عدت إلى الأردن رغم رفض الجهات الامنية الاردنية دخولي الى البلد، في السنتين التي عشت بها في الاردن انجبت طفلي الاول عبد الله وفي عام 1999 عدت بادراجي مرة اخرى صوب باكستان ومنذ عودتي وانا اتعرض لمضايقات من بعض الجماعات لازمتني طوال سنتين".
ويكمل سرد قصته بعد تنهديده طويلة مثقلة بعذابات الم سنين:" رزقت في ذاك الحين بابنتي عائشة وعملت في مجال فني كهربائي كوني انهيت تعلمي حتى الصف التاسع ..عندما وقعت احداث الحادي عشر من سيبتمر شنت القوات الباكستانية حملة واسعة على كل عربي مسلم حيث كان الباكستانيون انذاك يسلمون العرب إلى الأمريكان مقابل مبالغ مالية تقدر بعشرين ألف دينار..فاعتقلت في عيد الاضحى عام 2002 في منطقة بيشاور القريبة من حدود افغانستان ونقلت من بعدها الى قاعدة باغرام مكثت لمدة شهر تقريبا ومن بعدها الى قندهار لمدة اربع شهور واستقر بي المطاف اخيرا في معتقل غوانتانامو في كوبا".
رحلة طويلة تعرض فيها احمد لأسوأ أشكال العنف من دول تنادي باحترام حقوق الانسان .. ولكن ما كان داخل هذه المعتقلات مختلفا كليا عن رسالة هذه الدول على ارض الواقع.على حد تعبيره.
يتوقف قليلا عن الكلام .. ويتابع وصور العذاب لم تفارق مخيلته في حديثه:" في معتقل القاعدة العسكرية باغرام كان يتم تعريتي وتفتش عورتي وغيرها من امور تخجل لها النفس.. اما في رحلتي من قاعدة باغرام الى معتقل غوانتانامو لا يمكنني ان اصف مدى قسوتها فكانت من اقسى واشد عذابات تلقيتها: كبّلو يداي بسلاسل حديدية وتم تلثيم وجهي بأكياس سوداء ووضعت في طائرة عسكرية اتذكر انها لم تحتوي على اي مقعد وأرضية الطائرة باردة ومليئة بالزيت واذا كنت اطلب شيئا يتم ضربي على راسي ضربا مبرحا".
ويتابع "وبعد هذه المعاناة وصلت الى معتقل غوانتانامو فكان بانتظاري عذاب اشد قسوة والم لا اتخيل انني سامحوها من مخيلتي.. شعرت لحظة وصلي بالحزن الشديد لاننا أصبحنا عند الاميركان الذين كان لديهم برنامج معين لتعذيب كل عربي مسلم".
التهمة...
احمد، الملقب بابو حذيفة وجهت له العديد من التهم منها انتمائة للقاعدة وانه من جماعة الشيخ عبد الله العزام الرائد في الجهاد الافغاني .. كلها اتهامات وصفها احمد بانه ليست حقيقية ابدا" لم يكن لديهم اي دليل انني منتمي الى القاعدة.. ولم يثبت علي اية تهمة".
داخل المعتقل...
معتقل غوانتانامو مقسم لاقسام بحسب درجة خطورة النزيل كما يميز أيضاً باللباس، فيصف احمد شكل الزنازين الموحشة وشبابيكها المغلقة باحكام بقوله:" الزنزانة مساحتها صغيرة جدا بداخلها كشافات ضوئية ومكيف وسرير من حديد وبطانية رقيقة جدا وكل جدران المعتقل من حديد مدهونة باللون الابيض لدرجة تخيل لك انها مبنيه من الحجارة ولكنها حديد، وتحتوي الزنازنة في اسفل جدارها على فتحه ويتم التبادل الحديث من خلالها، واما قضاء الحاجة فكان في الخلاء ومكشوف على الملا".
"الكشافات الضوئية كان يتم تسليطها علينا وكذلك المكيف على اعلى درجة من البرودة في منتصف الليل يتم اخذ البطانية ويسلط علينا المكيف.. ولكن ارادة الله القوية تمكننا من النوم دون ان نشعر حتى بالبرودة المسلطة على اجسامنا.. عند الاستحمام نستحم بالماء الباردة صيفا شتاء بواسطة رشاشات مياه مسلطة على اجسامنا فكان هذا نوع من العذاب الممارس بحقنا".
"أما عن طبيعة الطعام فحدث ولا حرج طعام لا يمكن ان يقدم للقطط فول سوادني وقطعة خبز توست صغيره، وفي بعض الاحيان كان يتم اضافة بعض انواع المنومات في طعامنا يهدف لاتلاف دماغنا ننام لايام وعندما نستيقظ لا نعرف ماذا حصل معنا".
" يومي في المعتقل يبدأ منذ صلاة الفجر اتناول الفطور وبعدها اتمشى في باحة المعتقل لمدة عشر دقائق تحت حراسة مشددة".
تدنيس القران...
اسوأ ما الم باحمد داخل المعتقل هو حادثة اعتداء الجنود الاميركان على القرآن الكريم ويتابع:" لقد تم تدنيس القران الكريم لاكثر من مرة ورميه في الخلاء كانوا يحاولون الاستهزاء منا ومن الاسلام.. رغم انه كان يسمح لنا نوعا ما باداء الشعائر الدينية الا عندما نهم لاقامة الصلاة يتم اشغال المسجل على اعلى درجة منبعثا منه الاغاني الصارخة ويقطعون صوت الاذان وبعدها يستهزئون".
الوضع الصحي...
علامات التعب بدت على محياه.. همته ثقيلة وذاكرته تخونه حينا وتعود حينا مستذكرا ما حصل معه منذ البداية حتى النهاية.
فاحمد يعاني من مشاكل صحية جمة نتيجة الضرب المبرح الذي كان يتلقاه على ارجله:" 5 سنوات وانا امشي على العكاز واعاني من مشاكل في العظم نتيحة تعرضي للبرد القارس واسناني تؤلمني كثيرا".
احمد كان يرفض تلقي العلاج في كل مرة يذهب للعيادة للكشف عن صحه كان يتم تفتيش عورته.
الانتحار...
"كنت أدعو الله ألا أستيقظ من النوم عندما كنت أنام.. من شدة التعذيب التي اتعرض لها يوميا، كنت اريد الموت ولكن ايماني كبيرا بالله وبقدرته الكريمة ويتابع:" لقد اشيع ان العديد من المعتقلين العرب وتحديدا من الجنسيات السعودية واليمنية انتحروا، هذا كلام عار على الصحة كليا فقد قتلوا على ايدي الاميركان فهم مسلمون ومن المستحيل ان يقدموا على الانتحار".
جنسيات...
"المعتقل كان يحوي على العديد من الجنسيات من :الأردن والسعودية وسوريا وقطر والبحرين وفلسطين ولبنان، جلهم غادر، ولكن لا يزال يقبع داخل المعتقل عدد من الاخوة من ليبيا والجزائر والمغرب وتونس وتراكستان وافغانستان وازوباكستان وطاجكستان" على حد قوله.
الرسائل...تصل ولكن بلا خبر
كان احمد يتلقى رسائل من عائلتة وزوجتة فكانت المتنفس الوحيد له داخل جدار المعتقل المعتمة ولكن الرسائل لم تحتوي الا على عبارة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ويتابع:" تصلني الرسائل فعلى سبيل المثال إذا كانت الرسالة بها 9 اسطر السطر الأول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هو السطر الوحيد الظاهر وباقي الأسطر مشطوبة لدرجة في بعض الأحيان لم اكن استطع قراءتها كنت الجأ لرؤيتها من خلال الكشافات الضوئية المعلقة في العنبر".
ويضيف:" كل رسالة كانت تخضع للتحقيق وكانت هذه واحدة من أساليب الضغط النفسي التي تستخدم على المساجين ولذلك قاطعت إرسال واستقبال الرسائل لعائلتي، وعندما انقطعت اخبار عائلتي كنت اراهم في احلامي واعرف اخبارهم".
التحقيق والتعذيب...
عندما دخل احمد المعتقل كان يخضع للتحقيق بشكل شبة يومي ولكن في السنوات الاخيرة خفف مسؤولي المعتقل من اجراء التحقيق واستجوابة، ويقول:" في السنوات الاولى كان التحقيق على اشدة حرب نفسية كبيرة شنت علي حيث واقدر انني خضعت لمئات من التحقيقات، والتحقيق كان ينطوي على اسئلة تتعلق بانتمائي الى القاعدة والمشاركة في تنفيذ هجمات الحادي عشر من سيبتمر، وخلال التحقيق استخدم بحقي العديد من اساليب التعذيب كالالصاق فمي واي حركة كنت اقوم بها يتم طرحي على الارض فضلا عن الضرب وتسليط الكلاب".
ويتايع سرد معاناته:" في احدى المرات واثناء التحقيق طلبت اذنا بالذهاب الى الحمام تخيلي الدرجة التي وصلت بهم انهم اكملو تحقيقهم معي في الحمام.. ولكن في السنوات الاخيرة لم يحققوا معي بنفس الدرجة بل اخفف بكثير".
وفد...
عندما وصل احمد وزملائة الاردنيين الذين جاوره في المعتقل، جاء وفدا من قبل الجهات الامنية الاردنية لمرة واحدة فقط واجروا تحقيقا مطولا معهم .. ولكن اغلب التحقيقات التي كان يخضعون لها كانت من قبل الاميركان.
الصليب الاحمر...
لم يستبعد احمد وفي تقرير صدر مؤخرا اشير فيه الا ان بعضا من اعضاء الصليب الاحمر كانوا عملاء لل"سي اي ايه" الامريكية :" هذا متوقع فمعاملتهم لنا سيئة للغاية فلم يدافع اي منهم عنا ولم ينقلوا معاناتنا للعالم الخارجي، والمحامون أيضا كانوا يسربون معلومات عنا".
ارحموا من في المعتقل...
رسالة اطلقها احمد عبر الاثير لكل الحكومات العربية التي لا يزال عدد من مواطنيها داخل المعتقل بقوله:" لا بد للدولة العربية كلها أن تنظر بحق رعاياها وترحمهم من وضع مزر داخل المعتقل".
دعوى ... ولكن
يرغب احمد برفع دعوى ضد امريكا وباكستان ولكن عدم جدوى وامكانية نجاحها تتدفعه لعدم رفعها:" حتى لو حصلت على تعويض لن يقبلها فكل اموال الدنيا لن تعوضني عن حريتي التي فقدتها لستة سنوات.
خبر الافراج...
احمد وزملاؤه تلقوا خبر الافراج عنهم من قبل محاميهم المتابع لقضيتهم منهيين بذلك ست سنوات من عذابات مضنية:" شعوري بالافراج كان ممزوجا بالفرح والحزن في آن واحد كنت فرحا لانني سارى عائلتي وحزينا في ذات الوقت على من بقي قابعا داخل معتقل لا يعرف معنى البشرية والحمد لله ان ربنا قد نجانا من قبضة الظالمين".
الافراج....
هذا وكانت السلطات الأميركية قد أفرجت قبل نحو اسبوع عن ثلاثة مواطنين أردنيين هم: إبراهيم مهدي زيدان وأحمد حسن سليمان وأسامة حسن أبو كبير وسلمتهم إلى السلطات المختصة في الأردن، التي بدروها افرجت عنهم بعد اسبوع من التحقيق والاشراف الطبي.
نهاية الرحلة...
وعاد احمد إلى عائلته المكونة من 19 فردا اخيرا... ولكن اخبار زوجته انقطعت عنه وعن عائلته اثناء مكوثه في المعتقل منذ ثلاث سنوات تقريبا، ابنه عبد الله اصبح عمره 9 سنوات ربيعا وابنته عائشة التي فارقها وهي لا تزال في عمر شهرين اصبحت الان 7 سنوات.. حالهما مجهول بالنسبة لاحمد الذي يامل ان يجتمع شمل العائلة من جديد.
وبعودة المعتقلين الثلاثة اغلق ملف المعتقلين الاردنيين في غوانتانامو نهائيا.
إستمع الآن











































