احتجاجات الأقصى: كيف بدأت وما مصيرها؟

هنالك أمكنة عصيّة على الفرح إلّا نصرًا، إذ يُصرّ الاحتلال على تنغيص حياة المقدسيين دومًا وفي رمضان حصرًا، وتُصرّ العصابات الصهيونيّة على تدنيس المسجد الأقصى في كلّ أيام السنة، وفي هذه الأيام المُباركة بالذّات، إلّا أنّ ما كُلّ ما يشتهيه الكهانيون يُدركونه، وتجري رياح المقدسيين فينتصرونه.

هذه المادة تتحدث عن تفاصيل الأحداث الأخيرة في القدس والمسجد الأقصى، وتشرح كيف بدأ المستوطنون بتصعيد الانتهاكات بدعم من سلطات الاحتلال مع بدء شهر رمضان:

اندلعت في الأيام الأخيرة من شهر أبريل/نيسان 2021، المواجهات في محيط الحرم القُدسي الشّريف، لم تأتِ هذه المواجهات بُغتةً أو فجأةً كما يحلو لشرطة “إسرائيل” أن تُصوّر، إذ أن القدس تشتعل منذ فترة طويلة على أثر السعي لإخلاء حيّ الشيخ جرّاح.

 إلا أن بدايات المواجهات في شهر رمضان كانت مع قيام شرطة “إسرائيل” بقطع أسلاك مُكبرات الصوّت في المسجد الأقصى في أولى أيام رمضان بحجة تخوّفها من قيام المُصلين بالإزعاج خلال طقوس الاحتفال بـ “يوم ضحايا الإرهاب”، مما أثار موجة غضبٍ عارمة لدى الشباب المقدسي، كما عبّر السفير الأردنيّ في “إسرائيل” عن غضب شديد اتجاه هذا التصرّف. (1)

تلا هذا اقتحامات مُستفزة لأفراد صهاينة مُتدينين للحرم القُدسي، ردّ عليها الشباب المقدسيّ مما أدى لمواجهات قامت على إثرها شرطة الاحتلال بتفريق صلاة التراويح واعتقال بعض الشباب المقدسيين. (2)

لم تتوقف استفزازات جماعات الصهيونيّة الدينيّة ليوم واحد في شهر رمضان، إذ يُظهر موقع “هار هبايت” على الانترنت، وهو الاسم الذي يُطلقونه على الحرم القُدسي، عشرات الاقتحامات كان أبرزها مثلًا دخول العشرات منهم برفقة عدد من رجال الدين اليهود للقيام بطقوس دينيّة.

ثُمّ إضاءة الشموع في يوم النكبة احتفالًا باستقلال “إسرائيل” بمُرافقة قوات مُعزّزة من الشرطة والجيش لحمايتهم.

وتضمن ذلك نشر فيديو مُستفزّ لعضو الكنيست اليميني المُتطرّف، إيتمار بن جفير، من داخل المسجد الأقصى، وهو من أتباع الراف كهانا، ويفتخر بالإرهابي، باروخ جولدشتاين، الذي قام بمذبحة الحرم الإبراهيمي في الخليل ويُعلّق صورته في صالون منزله. (3)(4)(5)

إقرأ أيضًا.. أحداث القدس: تجند للصحافة ضد الفلسطينيين

بدأت احتجاجات الأقصى خلال صلاة الجُمعة الأولى لرمضان في المسجد، التي يُشارك بها عشرات آلاف الفلسطينيين، إذ تجهّزت شرطة الاحتلال والجيش بقوّات مُعزّزة أحاطت المدينة شرقيّ القدس.

وانطلقت بعد أن قرّرت الشرطة إغلاق الطرقات المُؤدّية لبعض البوابات الرئيسيّة للمسجد، وفتح فقط معبر ضيّق جدًا، يُذكر أنّها أماكن اعتاد مئات الفلسطينيين أداء صلاة التراويح فيها منذ القِدّم.

اشتدّت المواجهات عندما قرر الشباب المقدسي رفع الحواجز عن الطرقات، واتّهمت الشرطة الشبان بإلقاء الحجارة على عناصرها بعد استخدامها القوّة المُفرطة معهم كما وثّقت الكاميرات، كما قامت بالاعتداء على الشباب واعتقال العشرات منهم.

ولم تكتفِ الشرطة بهذا بل خصصت على ما يبدو وحدة سايبرانيّة لمُراقبة ما يتم نشره وقامت باعتقال عدد من الشباب بعد نشرهم لفيديوهات عبر منصّة “تيك توك”. (6)

خلال مقابلة إذاعية مع رئيس بلديّة الاحتلال في القدس موشيه ليوان، صرّح على غير العادة أنّه يتمنى أن تهدأ الأمور في القدس، إلّا أنّ الأكثر غرابة أنّه حمّل غلاة الصهيونيّة الدينية المسؤوليّة مباشرة، مُشيرًا إلى أنّها المسؤولة عن الاستفزاز والعنف، وأنّه حاول منع مظاهراتهم إلّا أنّه لم ينجح لأنّها كان مُرخّصة من قِبَل الشّرطة. (7)

احتجاجات الأقصى بين التهدئة والتصعيد

تُشير التقديرات الأمنيّة الإسرائيليّة إلى أنّ الأمور قابلة للتصعيد أكثر، وأنّها على شفير الاشتعال، ليس في القدس وحسب، بل وتحمل التقديرات تخوّفًا من اشتعال جميع الساحات الفلسطينيّة، في الداخل والضّفة وغزّة، خاصّةً بعد إطلاق عدد من الرشقات الصاروخيّة من غزّة في الأيّام الأخيرة وفق ما جاء على لسان المصادر الأمنيّة الإسرائيليّة، هذا عدا عن إمكانيّات استثارة الرأي العام في العالم العربي والإسلامي. (8)

كل ذلك، دفع ببنيامين نتنياهو عقد جلسة مُستعجلة للأجهزة الأمنية ونشر فيديو يدعو فيه للتهدئة، إذ يسعى مؤخرًا لتهدئة الأجواء في القدس بعد استشعاره الغضب العارم وعدم قدرة الأجهزة الأمنية احتواء ما سببته عصابات الصهيونيّة الدينيّة، التي أطلق لها نتنياهو شخصيًا العنان ومكّنها من الوصول للكنيست عبر تحصين مواقع لها في قائمة الليكود، ودخول الائتلاف، مما أكسبها شرعيّةً على المستوى الإسرائيلي الداخلي، وأتاح لها أن تستشرس أكثر وأكثر. (9)

وصاحَبَ تصريحات بنيامين نتنياهو، تصريحات للوزير السّابق وعضو الكنيست، بتسلئيل سموترتيش، الذي هاجم نتنياهو ودعا للتصعيد في القدس ضد “إرهاب العدو العربي” وفق تصريحاته.

هذا وتَذكر مصادر إعلاميّة أنّ أعضاء الكنيست عن الصهيونيّة الدينيّة يُشاركون شخصيًا في التحريض ويُديرون مجموعات “واتساب” تدعو للاعتداء على المقدسيين وتخريب ممتلكاتهم، إذ تترصد العصابات الصهيونية المُسافرين العرب لتكسير سياراتهم ومهاجمة بيوتهم.

وتشهد الساحة الإعلاميّة الإسرائيليّة من يمينها حتّى يسارها، تجنّدًا كاملًا لجانب ما تنشره الشّرطة، وتبنٍ مُطلق للرواية الصهيونية بتعبيراتها واصطلاحاتها، كاستخدام “هار هبايت” بدلًا من المسجد الأقصى والعاصمة الأبديّة أو أورشاليم الموحّدة عن مدينة القدس ونحوها. (10)

وقد نُشر مؤخرًا كتاب تحت عنوان: “إرهاب الأقصى – فريّة الدّم” الذي يستعرض كاتبه بعض الأحداث التاريخيّة دون أن ينسى التدليس، لإثبات مقولته في الكتاب بأنّ صرخة “الأقصى في خطر” “الدعائيّة الكاذبة” تحوّلت لـِ “مستنقع إرهاب لا يتوقّف”. (11)

إلى أين تتجه احتجاجات الأقصى ؟

من غير الممكن توقّع ما ستؤول إليه الأمور في القدس، لا سيّما وأنّ المواجهات مُستمّرة دون توقف، واعتداءات العصابات الصهيونيّة تشتدّ، والشرطة الإسرائيليّة تستمر بالتضييق واعتقال الشباب المقدسيين فقط، والشباب المقدسي لا يرضى بالإهانة ولا يقبل بتدنيس المُقدّسات ولا يرضخ للإملاءات، ويراها معركة جديدة على السيادة كما معركة البوابات السابقة، التي خرج منها مُنتصرًا على قوات القمع، لا سيّما وأنّ إنجازات عينيّة بدأت تتحقق كقرار رئيس شرطة الاحتلال مساء الأحد

في 25 أبريل/نيسان 2021، إزالة الحواجز عن البوابات، لحقه احتفالات عارمة واعتبار هذا القرار نصرًا جديدًا. (12)

 

المصادر:

(1) “ماكو”: https://bit.ly/3vz2msS

(2) “كيكار هشابات”: https://bit.ly/2QNKzzs

(3) “هار هبايت”: https://bit.ly/3xIYd7q

(4) “هار هبايت”: https://bit.ly/3nI55NL

(5) “هار هبايت”: https://bit.ly/3ueCLFg

(6) “هآرتس”: https://bit.ly/3xFvy3k

(7) “العين السابعة”: https://bit.ly/3aWq9Lg

(8) “هآرتس”: https://bit.ly/3ede7za

(9) “يسرائيل هيوم”: https://bit.ly/2PNifNe

(10) “هآرتس”: https://bit.ly/3gWhzQH

(11) “ميدا”: https://bit.ly/3ecopjf

(12) “واينت”: https://bit.ly/3eNV9hN

أضف تعليقك