اتصال مقطوع في أروقة المحاكم..حقوق لعمال أجانب تسقط في الترجمة
عام 2017، قدمت العاملة الأوغندية ميري* إلى الأردن قاصدة العمل. أمضت سنتين ونصف لدى ربة منزل في عمان لم تدفع لها أجرها، وكانت تمنعها من التواصل مع شقيقتها الوحيدة في أوغندا، كما حرمتها من الإجازات.
تقول ميري (21 عاما)، إنها تعرّضت للضرب على يد صاحبة المنزل بعد اتهامها بسرقة أجهزة إلكترونية. وساقتها بعد ذلك إلى مركز الشرطة الذي لم يتمكن من التواصل معها لأنها لا تجيد العربية، وتضيف "طلبت مترجما من الشرطة لكنهم لم يعرفوا ماذا أقول لهذا لم أكن أفهم ماذا يريدون".
تعاني ميري وغيرها من العمال غير الناطقين بالعربية في الأردن، من عدم توفير مترجمين في المحاكم لبعض اللغات، وقلة توفرّهم وانشغالهم للغات أُخرى، أو وجود خطأ في الترجمة يتم الطعن فيه عند الاستئناف، ما يُطيل أمد التقاضي، ويعقد عودة العمال إلى بلادهم لحين انتهاء القضيّة التي تمتد لأشهر بسبب عدم توفر المترجمين.
ما هي مشاكل الترجمة؟
لم يتوفر لميري مترجما إلى الإنجليزية أو السواحلية، وهما اللغتان اللتان يتحدث بهما السكان في أوغندا حتى أن مثلت أمام المحكمة، إذ أخبرتها إحدى العاملات عن جمعية تمكين للمساعدة القانونيّة وحقوق الإنسان التي ساعدتها بمترجم، وتابعت معها قضية اتهام السرقة. وطالبت الجمعية أيضا بأجور ميري المتأخرة.
تبدأ إشكاليّة الترجمة من مكاتب وزارة العمل والمراكز الأمنية والمحاكم، سواء عند المدعي العام أو أثناء الجلسات، ويعود ذَلك بحسب الرئيسة التنفيذيّة لـجمعية "تمكين" لندا الكلش، إلى تعدد الجنسيات في الأردن.
ومن خلال متابعة جمعيتها لقضايا العمال، تقول الكلش إن العمال يواجهون صعوبة في إيجاد ناطقين جيّدين باللغة الإنجليزيّة لمساعدتهم في تقديم إفاداتهم عند المدعي العام. إلى جانب، أن بعض المترجمين غير ملمين بالعربية بالشكل الكافي، ما يصعّب إيصال الرسالة لأطراف القضية.
وتسوق الكلش قضية لعمَّال هنود تأخرت قضيتهم في المحكمة نحو 5 أشهر، نتيجة عدم وجود مترجمٍ للغتهم الخاصة بمنطقتهم، ورفض الادعاء أن تكون الترجمة من لغة العمال إلى الإنجليزيّة ثم العربيّة، وأصّر أن تكون من لغة العمال الأصلية، وهو ما دفع "تمكين" للبحث عن أحد المتحدثين بهذه اللغة إلى أن وصلوا إلى أحد الأردنيين الذين درسوا أو وصلوا لأردني درس في المنطقة التي جاء منها العمال، وتمكّن من الترجمة لهم.
ينص قانون أصول المحاكمات الجزائيّة (فقرة 4 من المادة 72) على أنه "إذا كان الشاهد أصما أو أبكما ولا يعرف الكتابة، أو إذا كان لا يحسن التكلم باللغة العربية فيعين له المدعي العام مترجما".
وينص العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسيّة والمدنيّة (فقرة 3 من المادة 14) على أنه "لكل متهم بجريمة أن يتمتّع أثناء النظر في قضيّته، وعلى قدم المساواة التامة بأن يتم إعلامه سريعًا وبالتفصيل، وفي لغةٍ يفهمها، بطبيعة التهمة الموجهة إليه وأسبابها". |
ماذا يقول المترجمون؟
32 سنةً قضاها رشيد مياه عاملا في الأردن قادما من بنغلادش، وساعده ذلك على التحدث بالعربية بعد أن درس القليل منها في بلاده، وبدأ العمل منذ عام 2004 بالترجمة من اللغات: البنغاليّة والهنديّة والأوردو والإنجليزية إلى العربية والعكس.
وترجم مياه في قضايا عدة لمفتشي العمل في المصانع وللعاملين في المنظمات الدوليّة، بمحاكم شمال عمان وغربها، وسحاب، وقصر العدل، وجرش، والرمثا. بعد أن ذاع سيطه، أصبح البحث الجنائيّ يتصل به في عديد القضايا، ويقول "أرسلوني للمدعي العام، وسألني بضعة أسئلة ليتأكد من لغتي وأجبته (…) بعد ذلك، أصبحوا يتصلون بي في أي محاكمة تحتاج لمترجم، فرقمي موجود في كل المحاكم".
ويلفت المترجم مياه إلى مشاكل تواجه الترجمة في المحاكم مثل "عدم وضوح وفهم الترجمة لدى أحد الأطراف، وتقاضي بعض المترجمين مبالغ طائلة من المتهمين أو المشتكيين لمساعدتهم في المحاكم، إضافة إلى اختلاف اللهجات واختلاف المصطلحات القانونية، وعدم معرفة الشخص المترجم له ما يقال للقاضي على لسانه".
ومن خبرته، يشدد على ضرورة إلمام المترجم بالمصطلحات والترجمة القانونيّة، لمنع تعرّض أي شخصٍ للظلم بسبب عدم الدقة في ترجمة مصطلح أو كلمة نقلت وترجمت في غير مكانها. ويضطر مياه أحيانًا لتأجيل الذهاب إلى المحكمة من أجل الترجمة نتيجة تزامن أوقات المحاكمات أو انشغاله، نظرًا لكونه المترجم البنغاليّ المعروف لدى المحاكم.
ويتفق معه مترجم اللغة السريلانكية قصيّ الخطيب. ويلفت إلى معوقات أخرى منها، عدم وجود مترجمين متخصصين. فغالبية العاملين في المجال تعلموا الترجمة إثر اختلاطهم مع عمال من جنسيات متعددة دون حصولهم على شهادات معتمدة في الترجمة، كما يقول.
وتدلل على ما قاله الخطيب ومياه، حادثة أوردتها المحامية أسماء عميرة مع إحدى العاملات من الفلبين التي عانت نتيجة للأسئلة القانونيّة التي لم تفهم معناها رغم تعلمها العربية، ومن ضمنها سؤال "هل لديكِ بيّنات؟". أجابت عليهِ بـ"لا" رُغم توافر البيّنات لديها.
الجهات المعنيّة لا تعلم بالمشكلة
يقول مقرر اللجنة القانونيّة في مجلس النواب صالح الوخيان، إنّ اللجنة لم تنظر بأي قضية أو قانون يتعلق بالترجمة في المحاكم. وهكذا قانون يحال من قِبل الحكومة، غير أنها لم تقم بإحالة أيَّ قانون من هذا القبيل.
ويؤكد على عدم متابعة اللجنة لتوفّر المترجمين في المحاكم نظرًا إلى أن "المحاكم توفر مترجمي اللغات المتعارف عليها عالميا، أما تلك التي تحتوي أكثر من لغة في نفس البلد فمن الصعب توفير مترجم لها"، قائلًا "في الهند مثلًا 80 لغة، فهل سأحصل على 80 مترجما؟ بالطبع، لا".
"المجلس لا علم له بوجود أي قضية تأخرت بسبب عدم وجود ترجمة"، تقول دانا كناكرية، رئيسة قسم التطوير المؤسسي في المجلس القضائي الأردني.
وتضيف أن النظام المعتمد للمترجمين، هو نظام الخبرة المُقرّ من وزارة العدل، ويتم من خلاله تنظيم أمور الخبرة والتحقق من الخبراء من قبل الجهة المختصة وهي وزارة العدل.
وفي حالة عدم توفر المترجم، توضح كناكرية أن القاضي بإمكانه مخاطبة السفارة المعنية للحصول على خدمات المترجم، وبإمكانه تسمية مترجم من خارج جدول الخبراء في حال وجود شخص صاحب خبرة بالترجمة.
وزارة العدل ردت منذ البداية أنها ليست صاحبة الاختصاص، وحولتنا للمجلس القضائي.
الكلش تقترح حلا للمشكلة بخلق تعاون بين الأردن والدول الخاصة بالعمال، واستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة أثناء المحاكمة من خلال الترجمة من اللغة الأم في بلادهم إلى العربية ووجود لغة وسيطة مثل الإنجليزية.
يقدّر عدد العمّال الحاصلين على تصاريح عمل في الأردن بـ 250 ألفا، يعاني بعضهم من مشاكل في الترجمة أو عدم توفر المترجمين في المحاكم، بحسب جمعية "تمكين".
العاملة الأوغندية ميري إحدى هؤلاء الذين ما زالوا يواجهون مشكلةً في تفرّغ المترجم لهم، أو عدم إيصال ما يرغبون بقوله في المحكمةِ بشكلٍ كامل، ليبقى الاتصال مقطوعا في أروقة المحاكم.