إلزامية العضوية في نقابة الصحفيين: واقع الصحافة ذريعة سلطوية

الرابط المختصر

ما كان للمواطن الاردني ان يسمع بنقابة الصحفيين أو بصوتها عاليا كما زميلاتها الاخريات لولا توصية لجنة الاجندة الوطنية بإلغاء إلزامية العضوية في هذه النقابة دون سواها. نقابة الصحفيين وعلى غير عادتها في المراوحة بين مهادنة الحكومة وموالاتها، دبت الصوت هذه المرة عاليا، ووضعت برنامجا مضادا للتوصية بخطوات تصعيدية بدأته ببيان "ناري" لا تعوزه لغة "التخوين" و"التكفير" ولا ينقصه "التعالي"، ثم أردفت بدعوة الصحفيين إلى التوقف ساعة عن العمل، ثم أخرجت طائفة منها للاعتصام أمام مقر رئاسة الوزراء احتجاجا، ومن المفترض أيضا أو من المقرر ان تتخذ خطوات اخرى لاحباط توصية اللجنة الفرعية الخاصة بالإعلام ضمن لجنة الأجندة.

ناهيك بالطبع عن تسطير عشرات المقالات من كتاب الأعمدة المؤيدة للنقابة، حتى بدت وكأنها "حرب استباقية" على توصيات لجنة الاجندة الوطنية، بحسب عريب الرنتاوي (الدستور 6/10).

لا غرو إذا كانت نقابة الصحفيين هي الأكثر مهادنة للحكومة من بين النقابات الاخرى، فهي النقابة التي تتشكل اغلب عضويتها من العاملين في مؤسسات الإعلامية الرسمية وشبه الرسمية، وهم الكتلة الأكبر في كل عملية انتخاب لمجلس النقابة.

وإذ يعتقد البعض أن حجم نقابة الصحفيين، 720 عضو تقريبا، لا يتيح لها ان تلعب الدور الذي تقوم به نقابات اخرى كالمهندسين مثلا التي تضم اكثر من 56 الفا، فإن هذه المحدودية في العضوية بقيت كذلك لا بسبب قلة عدد الصحفيين العاملين أو الممارسين للمهنة في البلد إنما بسبب تواطؤ النقابة او مجالسها، المعلن وغير المعلن، مع الحكومات المتعاقبة، إذ حرصت دوما عبر قانونها وإجراءات اخرى على ضبط العضوية في حدود يمكن السيطرة عليها من جهة، ووضع جسم كبير من الصحفيين الاردنيين غير المنتسبين تحت طائلة التهديد بقطع الأرزاق، وهو سلاح طالما أشهرته النقابة والحكومات في وجه صحفيين في مواقف وازمات معينة، وآخرها توصية النقيب الحالي طارق المومني، التي اخذ بها رئيس الوزراء عدنان بدران، بالامتناع عن التعاطي مع الصحفيين غير النقابيين، وعلى كل فإن هذا الوضع المقيم هو من مخلفات ما قبل عودة الحياة الديمقراطية للبلد ولا ينسجم مع توجهات الدولة في مجتمع وإعلام ديمقراطي منفتح.

تعدنا النقابة، وكل من كتب مؤيدا وجهة نظرها، بعظائم الأمور في حال أسقطت إلزامية العضوية بما في ذلك تهديد سيادة البلد، على ما يقول بيان النقابة، الذي يصف هذه الخطوة او الدعوة بـ "كلمة يحق يراد بها باطل وفوضى مهنية تسمح بتمرير اجندات خارجية تمس معتقداتنا ومبادئنا الوطنية والقومية وتفتح أبواب التطبيع والتغريب على مصاريعها"، (17/9)، لاحظ هنا اللغة التي تستخدمها النقابة التي اقل ما يقال فيها انها متعالية، إن لم نقل "تكفيرية أو تخوينية"، إذ تضع نفسها دون سائر الناس حارسا على سيادة البلد وعلى مبادئه ومعتقدات،ه أما الآخرون، وعلى رأسهم أعضاء اللجنة الإعلامية الموصية الممثلين لمختلف قطاعات الإعلام والمشهود لهم بالكفاءة والانتماء، إما متواطؤون مع أصحاب "الاجندات الأجنبية" أو "ارجوزات" بأيديهم.

تحتاج النقابة إلى بعض التواضع في المقام الاول والالتزام بمعايير المهنة ومواثيق الشرف التي وضعتها هي قبل غيرها، فهي نقابة من المفترض انها تعمل على تنظيم مهنة أساسها نقل الخبر والمعلومة و"الحقائق" للناس، ومنح صوت لكل من لا صوت له، والسماح لكل الآراء بالتعبير عن نفسها، دون إطلاق أحكام دوغمائية على البشر، كما وافساح المجال للمواطن بتكوين رأيه بحرية وموضوعية بعيدا عن إلقاء الاتهامات والتنابز بالتوصيفات والألقاب.

وتحتاج النقابة، اكثر ما تحتاج، إلى الالتزام بميثاق الشرف الذي وضعته هي وليس غيرها في ان "رسالة الصحافة مقدسة، لا تخضع للانتهازية أو الاستغلال الشخصي أو الافتراء أو التشهير المتعمد أو الوشاية أو التهم الجزافية التي لا تستند إلى دليل أو تلفيق أقوال ونسبها إلى الغير"، كيف يتماشى هذا النص مع كل التهم التي كالتها النقابة جزافا لأعضاء اللجنة أو لكل صاحب رأي في إلغاء إلزامية العضوية.

يحق للنقابة ان تدافع عن وجهة نظرها بشتى الطرق القانونية، ولكن بيانها هذا، بلغته هذه، يعطي دليلا واضحا على عقلية المتحكمين بالنقابة بوصفها عقلية تحكمية ضيقة تخشى فقدان سلطتها على العدد المتحكم فيه أصلا من أعضاء النقابة، وهي عقلية أيضا "اتهامية" تخلط بين واجبها ورسالتها الإعلامية وبين التحريض على فئة دون أخرى، ومرة اخرى، بالضد من ميثاقها.

بعيدا عن بيان النقابة، وبعيدا عن حقها في الاستبسال دفاعا عن رأيها، وبعيدا عن كل من ساند هذا الرأي، ونحن لا نقطع بخطئه، فهو صحيح حتى يثبت العكس، ولكن لم لا تنظر النقابة إلى "اعوجاج رقبتها". وفي هذا تكمن القصة ولب القضية.

ما كان للجنة الاجندة ان تتقدم بمثل هذه التوصية فيما يخص نقابة الصحفيين تحديدا دون غيرها، لولا أنها رأت ان وضعا شاذا يجب ان ينتهي، وهي اجتهدت وقد تكون أخطأت وقد تكون أصابت.

اما الوضع الشاذ الذي نزعم ان اللجنة رأته في النقابة دون غيرها فهو متمثل في قانونها وتطبيقاته، هذا القانون الذي وضع أساسا ليبقي الجسم الصحفي في البلد تحت سيطرة الحكومات بواسطة مجالس النقابة أو بدونها او عن طريق ابقاء هذا الجسم ضعيفا ومفككا ومتنافسا.

تدرك الحكومات السابقة التي وضعت هذا التشريع "قانون نقابة الصحفيين"، ثلاث مرات في عام 1953 والقانون المؤقت لعام 1983 والقانون الاخير "قانون رقم 15 لعام 1998، ومررته عبر الطرق الدستورية، تدرك هذه الحكومات مدى خطورة الاعلام واهمية السيطرة عليه فوضعت في القانون قيودا وعقبات ومواد لا توجد في قوانين النقابات الاخرى، وكان الاحرى بالنقابة ان تعمل على رفضها وتطالب بتعديلها عوضا عن الاكتفاء بمهاجمة المطالبين بإلغاء إلزامية العضوية ورجمهم بشتى التهم.

أما عن قيود القانون فهي كثيرة، تبدأ من تعريف الصحفي، فالصحفي في القانون هو عضو النقابة المسجل، وهو نص غريب يدور كحلقة مفرغة إذا ما اقترن أيضا بشروط العضوية أو الانتساب للنقابة، فالانتساب للنقابة يتطلب من كل راغب بذلك ان يتدرب في مؤسسة اعلامية رسمية، أو في صحيفة يومية أو اسبوعية محلية، فمثلا لا يحق لصحفي اردني يعمل مراسلا لاهم وكالات الأنباء التسجيل عضوا متدربا في النقابة، فيما يعطى هذا الحق لأي كائن يعمل في "أسوأ" صحيفة أسبوعية محلية، ولاحظ هنا الصياغة التي تتعمد التشكيك بوطنية كل صحفي لا يعمل بمؤسسة محلية، بغض النظر عن جهة "تمويل" المحليات من وسائل الاعلام.

ولا يحق ايضا لأي صحفي يعمل مع إذاعة محلية أو دولية أو فضائية محلية أو أجنبية أو موقع الكتروني أين كان مقره هنا أو في الخارج، الانتساب للنقابة.

وينقل سجل كل صحفي أردني يعمل في الخارج أو مع وسيلة إعلامية غير محلية، من خانة الممارسين الى خانة غير الممارسين ثم تسقط عضويته بعد مرور خمس سنين، هل تقوم نقابة المهندسين أو الأطباء أو غيرها بمثل هذا العمل مع عشرات الآلاف من الكودار الاردنية العاملة في الخارج؟.

ولمزيد من التضييق على الجسم الصحفي، لم يكتف المشرع بالشهادات الجامعية فقد اشترط فترة تدريب طويلة لكل حامل شهادة من مستوى الماجستير إلى حامل الثانوية العامة، وهي نصوص لا توجد في قوانين نقابات اخرى تعنى بمهن اخطر من مهنة الصحفي.

وفوق ذلك، فقد أعطى القانون لمجلس النقابة، نصا، الحق في تقدير التدريب إذ تقول الفقرة (ج) من المادة (16) ما نصه "للمجلس اتخاذ الإجراءات المناسبة للتحقق من أن التدريب يتم وفقا لتعليماته، كما أن له شطب اسم المتدرب الذي لا يلتزم بها من سجل المتدربين"، ولا شك ان هذا النص يسمح للمجلس بالتعسف في التطبيق، وهو واقع حصل فعلا.

وفي التطبيق ايضا، فإن عشرات الصحفيين الذين انهوا عملية التدريب، كان عليهم الانتظار اشهرا عديدة لترتيب أداء القسم، وهو امر يدخل في باب التعقيدات الإدارية وفي باب المماطلة أيضا، واخيرا أصبحت النقابة تطلب دراسة او بحث عملي من كل متدرب يخضع ايضا لتقييم لجنة العضوية.

وحظر القانون على كل صحفي "غير ممارس" أي غير مسجل ممارس في سجل النقابة، ان يعمل مع أي جهة، وان يطلق على نفسه صفة صحفي، وهنا نسأل نقابة الصحفيين الحريصة على حرية الصحافة ماذا لو ان صحفيا أوقف عن العمل بسبب تعسفي من قبل الحكومة او من قبل صاحب العمل؟ أليس المقصود من هذا النص ملاحقة الجسم الصحفي في "أرزاقهم".

وفي نفس السياق، ما هو دور النقابة في تأمين الحياة الكريمة لكل صحفي يتعرض للاضطهاد عن طريقة وقفه من العمل خاصة لأسباب سياسية، ماذا لو قامت الحكومة بفصل موظفة تعمل في التلفزيون بسبب "الحجاب" مثلا هل ستقوم النقابة بوضعها على سجل غير الممارسين ثم فصلها وحرمانها من مهنتها، هل وجدت النقابة لخدمة الصحفي ام لخدمة الحكومة واصحاب وسائل الاعلام؟ كيف تقبل النقابة ان تضع عدد كبير من الصحفيين الاردنيين الاكفياء العاملين في وسائل اعلام خارجية في سجل غير الممارسين؟.

كيف يمكن ان يستوي الصحفي مع صاحب الوسيلة الاعلامية، اين يوجد قانون في العالم يضع العامل ورب العمل في مستوى واحد، وكيف يقبل الجسم الصحفي بهذا الوضع الشاذ حقا والذي جعل النقابة مغلولة اليد في التعامل مع خروقات أصحاب العمل ومع الخروقات المهنية؟.

مادة اخرى تحرم على الصحفي العمل في مجال آخر غير الصحافة بحجة "قدسية رسالة الصحفي"، هل يوجد في قانون نقابة الاطباء ما يمنع الطبيب مثلا من فتح متجر لبيع الادوات الطبية، هل ستقوم النقابة بفصل صحفي يكاد دخله يكفي لايام من العمل في مكتبة او مستشارا لدار تحرير او موظفا في قسم علاقات عامة لهذه المؤسسة أو تلك؟؟. هل يساوي القانون بين الصحفي العامل وصاحب المؤسسة الاعلامية، الذي تتنوع اعماله وتجارته ومصالحه. وهل حاسبت النقابة أصحاب العمل هؤلاء وما هو رأي النقابة بعشرات الصحفيين الذين يعملون "مستشارين" لهذا الوزير أو ذاك أو هذه المؤسسة الحكومية أو تلك؟ وهل حاسبت النقابة وفقا لقانونها عشرات الصحفيين "المحظوظين" على تلقيهم هدايا وعطايا من مؤسسات وشخصيات عامة وخاصة؟.

إن عمل النقابة الكيفي في تطبيق القانون وعدم مطالبتها بتعديله، وغض الطرف عن تطبيق ميثاق الشرف، خلق وضعا شاذا وغير عقلاني في الوسط الصحفي الاردني. وقبل ان يجري الحديث عن إطلاق الحريات ورفض توصيات اللجنة كان يفترض في النقابة اصلاح هذا الخلل والتعامل بمساواة مع الصحفيين.

ان التغاضي عن خرق القانون يساوي التشدد والتمسك بحرفية بعض نصوصه، وهذا التعامل الكيفي مع قانون في الاصل تشوبه عيوب كثيرة، هو المسؤول اولا عن الوضع الشاذ في الوسط الصحفي وقد بتنا نرى "صحفيين أولاد ست واخرين أولاد جارية"، واذا كانت الصحافة بالنسبة للبعض هي "مهنة المتاعب" لا يستأهل مردودها المادي والمعنوي هذه المتاعب، فهي بالنسبة للبعض أصبحت "الدجاجة التي تبيض ذهبا" و"مصباح علاء دين" جديد في يد الحكومات لشراء هذا الصحفي أو ذاك، كل هذا يجري والنقابة غير معنية بتفعيل ميثاق الشرف بقدر ما هي معنية بالحرص على التضييق على الصحفيين من غير المسجلين فيها.

لقد تغاضت النقابة كثيرا عن كل الخروقات المهنية في الوسط الصحفي، وحتى عندما تحدث الملك عبدالله الثاني عن هذه الخروقات، بقيت النقابة عاجزة ان ضبط "الفوضى" المهنية، وبالمناسبة كان الملك الراحل الحسين قد تحدث ايضا في خطاب له عن خروقات، وبقيت النقابة في وقتها عاجزة عن تفعيل ميثاقها وضبط الفوضى المهنية حتى تقدمت حكومة السيد عبد السلام المجالي مسرورة بغياب النقابة بقانون مؤقت للمطبوعات والنشر ادى الى مزيد من القيود ومزيد من ملاحقة الصحفيين. والان جاء دور الحكومة او لجنة الاجندة الوطنية لتصحيح ما عجزت النقابة عن إصلاحه.

مؤخرا اوحت النقابة او مجلسها انها لن تتشدد في تطبيق القانون فيما يخص العضوية، واوعزت لصحفيين عاملين في مؤسسات لا تنطبق عليها نصوص القانون بالتقدم بطلب عضوية، غير ان المطلوب ليس خرق القانون تحت شعار عدم التشدد بل العمل على وضع قانون اكثر عدلا واكثر تقدما.

على أي حال، فإن توصية لجنة الاجندة تبقى اجتهادا وتحتاج الى ان تصبح تشريعا يمر بقنوات دستورية طويلة قبل ان يصبح ملزما، وفي الغضون لا خلاف على حق النقابة في الدفاع عن نفسها وعن وجهة نظرها ولكن يبقى عليها ان تنظر الى الخلل في نفسها قبل ان تلقي على الآخرين "التهم جزافا".

أضف تعليقك