إقالة شرف يعمق أزمة البخيت في إدارة المرحلة
إقالة فارس شرف من منصبه كمحافظ للبنك المركزي وما رافقه من سطوة أمنية للبنك لمنع دخوله وإرغاما له كي لا يدخل مبنى المركز، ما كانت إلا حدثا سيسجله التاريخ الأردني لحكومةباتت تنهش حالها.
وحال الواقعة الأخيرة ما هي إلا أزمة وراء أزمة لا يستطيع البخيت في حكومته الثانية التعامل مع الواقع، ليتذرع بحجج "الليبرالية" التي كانت بشكل أو بآخر مدعاة لإقالة فارس شرف عن منصبه الذي لم يدم سوى عشرة شهور.
أزمة الإقالة التي وقعت خلال انعقاد مجلس النواب في دورة استثنائية للمناقشة وإقرار مواد الدستور الأردني، لم تجد صداها على مستوى النخب التي التزمت الصمت، وليخرج النشطاء في الاعلام الاجتماعي أكثر جرأة في التعاطي مع الحدث البوليسي وقراءته وتحليله ثم بدأت المقالات السياسية للحدث وجلها من صحيفة العرب اليوم.
ولولا العين السابق ليلى شرف التي فجرت اسقالتها من مجلس الأعيان ومطالبة ابنها فارس بالرد، لما أخذت القضية تلك الأبعاد أو بالأحرى هذا الانكشاف، ليخرج شرف بعد ذلك بأقل الكلمات وأهدأها بأنه "سيشرح أسباب استقالته في الوقت المناسب".
” استقالتي من المجلس جاءت لعدم جدية الجهات الرسمية في محاربة الفساد ” تقول ليلى شرف الأم، "ما معنى وجودي في المؤسسات الرسمية"، لتخلص إلى أنها ستخدم الأردن عبر مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني وليس من خلال مؤسسات الدولة.
”لقد حاول خلال عمله ضبط الأمور المالية وقضايا فساد “، الأسباب التي اعتبرتها وراء الطلب منه تقديم الاستقالة. معلقة أن اقالته كانت ”القشة التي قسمت ظهر البعير”، والتي دفعتها لتقديم استقالتها.
وفي كتابها الرسمي الذي سلمته لرئيس مجلس الأعيان طاهر المصري والذي حاول جاهدا ثنيها، تقول أن "اليوم اجد نفسي غير قادرة على الاستمرار في عضوية هذا المجلس الموقر المسؤول عن سن التشريعات وحماية الدستور ونحن نشهد احد اهم مؤسساتنا الوطنية تنتهك قوانينها وتهدد كرامة موظفيها ويعتدى على مبانيها بهجوم رجال الامن وهي المسؤول الاول عن اختزان ثروة الوطن المالية وحمايتها من العبث فاذا بها تقع هي نفسها ضحية لهذا العبث”.
وتابعت "لقد بدات مظاهر العبث الاداري وتجاوز احكام القوانين تنعكس على هيبة هذه القوانين وعلى مؤسسات الوطن فتهدد بنيته المؤسسية ومبادئه الدستورية والقانونية فتؤثر على الدور الرئيسي لمؤسسات التشريع ويهتز دور مجلس الامة وتضارب المبادئ الاساسية التي قام عليها دستورنا المميز من الفصل بين السلطات واختصاصات صنع القرار ومبادئ الديمقراطية التي انطلقت منها الفلسفة التشريعية لعل اولها التواصل والشفافية ومعرفة اسباب القرارات. وهذا ما غاب كليا فيما انتاب حياتنا السياسية مؤخرا.
سبق لشرف ان استقالت من منصب وزيرة الاعلام في حكومة احمد عبيدات في العام 1984 احتجاجا على الخطاب الرسمي.
لماذا لم يقل مجلس إدارة البنك أيضا!
في سياق الحدث، يسلط المحامي أسامة البيطار، في مقالة له، وقع المسؤولية على جميع مجلس إدارة البنك المركزي من باب الولاية العامة، وفقا للأسباب التي ساقها البخيت والمتمثلة بانه لا يتفق مع السياسة الاقتصادية العامة للحكومة ومخالفته الأهداف المرجوة من وجوده في البنك المركزي وهي "الحفاظ على الاستقرار النقدي وضمان قابلية تحويل الدينار الاردني وتشجيع النمو الاقتصادي المطرد"وفق المادة 4 من قانون البنك المركزي رقم 23 لسنة 1971 وتعديلاته.
"الاولى اقالة مجلس الادارة برمته لانه شريك مع المحافظ المقال في عدم التوافق مع السياسة الاقتصادية العامة للحكومة".
ويوضح البيطار في مقاله المنشور في عمون، أن قرارات مجلس ادارة البنك المركزي تؤخذ بالاكثرية المطلقة والاعضاء معينين من الحكومة لا من المحافظ.
ويسجل هنا "لم نسمع استقالة او احتجاج من اي من اعضاء مجلس الادارة او نائبي المحافظ على مسيرة الشريف العشرية؛ كما ان الشريف من ابناء البنك المركزي اي انه لم ياتي (بالبراشوت) حتى يقال انه جديد على المهنة، والحكومة عينت نائبه محافظاً وهذا دليل على السياسة العامة تسير بشكل جماعي لا فردي كما ان القانون يجبر المحافظ على وضع مجلس الادارة بالقرارات المهمة وهو مسؤول امام المجلس عن تنفيذ هذه القرارات. يسجل للشريف انه حافظ على اموال الشعب بمؤسسة الضمان الاجتماعي وحارب شكلاً من اشكال الفساد الادراي ، اما اذا كان تعيينه لمثل هذا المنصب خطأً فهذا ليس ذنبه ولولا كفائته التي يقر بها الرئيس نفسه لما عين في عهد رئيس سابق”.
يقول الرئيس عن المحافظ المقال انه يعارض فكر الاقتصاد الاجتماعي أي انه يتهم المحافظ بعدم ايمانه بمبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والضمانات الصحية والتعليمية وتوجيه الإنفاق الاستثماري لتلبية الحاجات الاجتماعية، وفي هذا غرابة واجحاف لان المحافظ المقال تولى سابقاً المحفظة الاستثمارية لمؤسسة الضمان الاجتماعي وكان غير ذلك على ما فهمنا! على ما يقوله البيطار.
وفي السياق الاقتصادي، تعاين رئيسة القسم الاقتصادي في جريدة الغد، جمانة غنيمات وقع الأزمة على الساحة الاقتصادي، وذلك في مقالة لها، نشرتها بتاريخ الثامن عشر من أيلول، تقول فيها: حالة الاستياء واضحة في أوساط القطاع المصرفي الذي تفاجأ هو الآخر بالقرار خصوصا وان السياسات التي طبقها شرف سعت لمعالجة الاختلالات التي يعاني منها القطاع وهدفت الى الحفاظ على متانة القطاع وحمايته من كثير من الهزات.
الأردن ليس جمهورية موز
من جانبها، ترصد المديرة التنفذية لشبكة أريج للصحافة الاستقصائية، رنا صباغ في مقالة نشرتها صحيفة العرب اليوم، بتاريخ الخامس والعشرين من أيلول، أزمة حكومة البخيت من حيث أنه ليس القرار الأول في حياة من تربع على سدة هذا المنصب الحساس الذي يحول شاغله بحكم الموقع إلى "رئيس وزراء الخزانة", بصفته المسؤول الأول عن صون استقرار النقد وهيبة الدولة المالية, لجم التضخم,استدامة النمو الاقتصادي وحماية سمعة القطاع المصرفي وضمان شفافيته, حتى ولو "دق ذلك على عصب" الكثيرين.
وتصف صباغ أن قرار الإقالة "كان أسوأ قرار حكومي من نوعه لجهة تدني مستوى الإخراج الفني وتأثيره على تهديد مصداقية الحكم ونزاهته في زمن يواجه فيه الأردن تحدي الإصلاح السياسي, ويحاول إقناع المشككين داخل البلاد وخارجها بصدق نوايا التحديث ومحاربة الفساد والمفسدين, وسط رياح التغيير العربي".
"فكل المؤشرات حول أسباب الإقالة تدور للأسف تحت عنوان واحد اسمه عدم رضا رجال الحكم عن سياساته المتشددة كونه لم يكن على"قد اليد", عدم رضوخه لاستحقاقات سياسية معينة وما تستوجبه من قرارات لها تداعيات سلبية على الاستقرار النقدي, وضع الميزانية وصحة الاقتصاد الكلي على المدى المتوسط والطويل”، وفق صباغ.
القطاع المصرفي العربي والعالمي مصاب بالذهول ويبحث عن إجابات تشفي الغليل ،وما تكتبه رنا صباغ، فإن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي, الجهتان اللتان أشرفتا على برنامج الإصلاح الاقتصادي حتى مطلع العقد الحالي, يبحثان عن سبب واحد مقنع.
"والرواية الرسمية المرتبكة أهانت ذكاء الكثيرين. السياق الأوضح لما حصل، قطع الشك باليقين بأن تقاليد جديدة ومهينة باتت تتحكم بعالم إدارة شؤون الدولة الرسمية خلال السنوات الماضية في عصر تداخل الحكم بالتجارة وازدواجية الخطاب الرسمي الصارخة بين القول والفعل”.
وتسرد صباغ في مقالتها حول أن الرئيس يطلب من شرف الاستقالة والأخير يرفضها لعدم تطابق ذلك مع الحالات التي يجوز فيها لمجلس الوزراء إنهاء خدمات المحافظ في المواد 20-22 . شرف يحتج على أسلوب الإقالة ويرد أنه ليس رئيس بلدية أو مدير وحدة صحية لكي يقال بهذه الطريقة. وعلى الفور يعين محافظ جديد قبل أن يقبل استقالته. ثم تأمر الحكومة بإرسال عناصر أمن إلى البنك مساء السبت لمنع دخول المحافظ شرف الذي لم يكن قد قبل إقالته بعد. في الأثناء يتصل مكتب الرئيس بالشريف شرف ليعلمه أن الحكومة بصدد إصدار بيان للإعلان عن قبول الاستقالة لكن الأخير يهدد بنفي الخبر لأنه لم يقبل الاستقالة.
تخلص رنا بالقول: الشريف فارس ليس معصوما من الخطأ فهو إنسان. وبالتأكيد لم تعجب جرأته ووضوحه وشجاعته الكثيرين. ولرئيس الوزراء الحق في تشجيع المحافظ على الاستقالة اذا شعر ان سياساته لا تنسجم مع الفريق الاقتصادي أو مع توجهات الحكومة كما حصل مع غيره. لكن كان عليه إدراك تداعيات المس بهذا المنصب على الاستقرار النقدي. وكان عليه تحضير الأرضية لتمرير هكذا قرار في الداخل والخارج, فالأردن ليس جمهورية موز.
لم يأت أحد على أكتاف الصناديق
بتاريخ الواحد والعشرين من أيلول، كتب المحلل الاقتصادي ومسؤول الاقتصاد في العرب اليوم، سلامة الدرعاوي، مقالة وصف بأقسى الكلمات يقول فيها: ليس من المفترض ان يغضب اي مسؤول اذا اقالته او غيرته الحكومة, فهو يعلم ان احدا لم يتفاوض على منصبه عند تعيينه, فكيف الحال عند خروجه, فالجميع لم يأتوا على اكتاف الجماهير او صناديق الاقتراع.
حكومة سمير الرفاعي الثانية اقيلت بعد 50 يوما من تعيينها وبعد 40 يوما من حصولها على ثقة 111 الشهيرة, وبدران لم يكمل الستة اشهر من حكومته التي رفع فيها اسعار المحروقات مرتين, وقبله الروابدة الذي علم بتغيير حكومته من الاذاعة وهو عائد الى بيته,وغيرهم من المسؤولين الذين دخلوا وخرجوا بسرعة البرق وبطرق دراماتيكية, وهذا امر طبيعي في ظل غياب المؤسسية والتقويم والمحاسبة.
ويتابع درعاوي أنه ليس على الشريف فارس شرف ان يغضب مما حدث معه من قبل رئيس الوزراء معروف البخيت, فالاخير سيخرج بطريقة دراماتيكية ايضا, وهو يعلم ذلك جيدا, لكن اللافت هو ان الحكومة تتصرف بشكل يشوه صورة النظام نفسه بالأقاويل والاشاعات نتيجة سوء اخراجها للقرارات المختلفة, فما ضّر رئيس الحكومة لو كان جلس مع الشريف فارس وطلب منه الاستقالة باسلوب مرن بدلا من الاخراج البوليسي الذي اساء لهيبة الدولة مع مسؤوليها وقوانينها.
اذا ما دقق اي مراقب فيما قاله المحافظ السابق شرف في آخر حديث اعلامي له مع »العرب اليوم« فسيجد ان الشخص على خلاف كامل مع الحكومة في ادارة الشأن الاقتصادي, فهو ينتمي لمدرسة فكرية واضحة لا تتناسب مع التكتيكات التي يضعها فريق الحكومة.
ما يرصده درعاوي حول التطور الاخر الذي قد تكون له صلة في تدهور العلاقة بين حكومة البخيت والمحافظ هو ما كشفته وحدة غسل الاموال خلال شهر رمضان الماضي حول شبهة غسل اموال كبرى بقيمة 100 مليون دولار نفذها رجل اعمال اردني مقيم في امارة ابوظبي, حيث تم تحويل الملف للنائب العام الذي بدأ فعلا بالتحقيق في القضية التي اثارت جدلا واسعا في المجتمع خاصة وان الشخصية المشتبه بها تتمتع بعلاقات حيوية مع عدد كبير من المسؤولين وقدمت تبرعا مهما لمؤسسات حيوية مختلفة.
وقد يكون وجود بعض اسماء المتنفذين على القائمة السوداء في البنك المركزي مؤخرا ادى الى تفاقم الازمة بين الحكومة والمحافظ السابق, انعطاف اخر في علاقة الرئيس البخيت بمحافظ البنك المركزي يتعلق بالاجراءات التي اتخذها الاخير مع احد البنوك المحلية وطلب تصويب اوضاعه بشكل صارم, حيث تتحدث اوساط عن علاقات صداقة تجمع مسؤولي البنك مع عدد كبير من المسؤولين في الدولة، وفق درعاوي.
يتابع درعاوي سرده في أن البعض يرى انه قد يكون لمسألة المنح الخليجية علاقة بالتطورات السلبية في العلاقة بين الحكومة والمحافظ من عدة جوانب خاصة فيما يتعلق بأولويات انفاقها التي تختلف بين المركزي ووزارة المالية. الا ان هناك من يعتقد ان التحويلة المالية التي اجراها البنك المركزي السوري لدى احد المصارف المحلية الكبرى والتي تم تحويل مبلغ 400 مليون دولار الى ريال سعودي وهذا امر كان يتطلب موافقة مسبقة من البنك المركزي.
كرة آل شرف المتدحرجة
وما يجده الدكتور محمد أبو رمان في مقالة له في جريدة الغد نشرت بتاريخ العشرين من أيلول أن أزمة شرف ككرة الثلج المتدحرجة نحو الأزمة، لتدخل الحكومة في أزمة والبلاد في سجال، بدايةً من الغضبة الإعلامية وتبادل النخب لتفسيرات مقلقة حول أسباب القرار، ثم استقالة العين ليلى شرف من مجلس الأعيان، واستنفار القوى السياسية والكتل البرلمانية على خلفية الموضوع.
هذه التطورات أجبرت رئيس الوزراء على محاولة تقديم تفسير للقرار المفاجئ، الذي يرى فيه خبراء قانونيون واقتصاديون مخالفةً صريحة لقانون البنك المركزي الذي يحدّد أسباباً معينة واضحة لإقالة المحافظ.
إذا كان الأمر كذلك، وإذا كان مصير من يتبنى المواقف "الليبرالية" هو الإقالة من مؤسسات الدولة! فلماذا يحتفظ الرئيس بفريق اقتصادي لا يتحدّث سرّاً عن مواقفه الليبرالية في صالونات سياسية مغلقة، بل يتحدث عنها في العلن وخلال نشرات الأخبار الرسمية، ويقاتل داخل الحكومة لرفع الأسعار وتغيير سياسات الدعم وعلى رؤوس الأشهاد، وهذا الفريق هو المسؤول عن ترسيم سياسات الحكومة الاقتصادية، وليس محافظ البنك المركزي، يقول أبو رمان.