إعلام الأرقام... بدل الأنام!

الرابط المختصر

انشغلت كل وكالات الأنباء المحلية والعربية وحتى الدولية منها، كما هو حال الفضائيات بكل أطيافها، بإحصاء عدد الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا جراء القصف الإسرائيلي لقطاع غزة، وعدد المصابين، وكم من بينهم من الحالات الخطرة، وكم هي عدد الغارات والأهداف التي تم قصفها، وكم طائرة شاركت في الهجوم، وكم وكم الكثير من هذه الاحصاءات التي أصابت المشاهد أو المستمع أو القارئ بحالة من التشتت والارتباك لهول ما يجري.

 

لكن كل وسائل الإعلام هذه تناست مرة أخرى أن من تتحدث عنهم هم في الأصل بشراً، وتناست وجوب الوصول إلى عائلاتهم وأهلهم، وذويهم وأطفالهم، لنقل الجانب الإنساني من القصة، واكتفت بتعداد الخسائر بعيداً عن الأنسنة التي وجد لأجلها الإعلام، في محاولة لنقل حقيقة ما يحدث في قطاع غزة كما هو الحال في كل هجوم إسرائيلي.

يبدو أننا في عصر "إعلام الأرقام" بدل أن يكون الأصل "إعلام الأنام" وإن كان عدد الشهداء قد تجاوز الثلاثمائة حتى صباح اليوم الثالث للعملية، فمعنى ذلك أن هناك مئات القصص الإخبارية الإنسانية التي يستطيع الإعلام تغطيتها وإرسالها إلى العالم، لتعريفه بأنه حتى وإن كانت إسرائيل تتحدث عن حرب ضد "الإرهاب" ضد "حركة حماس" لكن الأمر بعيد كل البعد عن ذلك.

فمساحة قطاع غزة لا تتجاوز الثلاثمائة كيلو متر مربع، ويعيش فيه مليون ونصف المليون فلسطيني، ومغلق من كل الجهات سواء الإسرائيلية أو المصرية، أو حتى من قبل التضاريس الطبيعية أي البحر من الجهة الأخرى، وبالتالي فإن كل من في القطاع من بشر هو عرضة للاستهداف من قبل إسرائيل حتى وإن كانت تزعم استهداف فئة معينة.

لسنا بحيوانات نحن الفلسطينيين فانتبهوا، وتوقفوا عن تعداد القتلى بهذه الطريقة المهينة للأحياء قبل الشهداء، واذهبوا لمعرفة أين ينام من دمرت منازلهم، وأين يقطن من سقط لهم جرحى، وأين دفنوا شهدائهم، وكيف يأكلون ويشربون، وكيف هو حال أطفالهم وسط هذا الرعب اللامتناهي في ظل هذا القصف الإسرائيلي المتواصل دون توقف، وكيف يواجهون جيش بكامل عتاده بأجسادهم، تغطيهم السماء والأرض فقط.

نحن نموت في كل دقيقة في فلسطين، لكننا لا زلنا بشراً، نمتلك من المشاعر ما يمتلك الآخرون في هذا العالم، فرفقاً بنا، ولسنا نطلب إلا معاملتنا كالبشر، وليس كالحجر الذي لا يدري بما يجول حوله، وليس كالشجر الذي يموت إن أوقفت عنه المياه، إننا جزء من خلق الله، ولسنا نطلب الكثير!