"إعادة خلق" الزرقاء..جديد الأفلام الأردنية
إذا كانت مدينة الزرقاء قد اخرجت أبا مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة والذي قتل قبل أكثر من عامين فها هو أبو عمار يخرج من نفس المدينة ولكن بظروف أخرى.أبو عمار شخصية أنتجها الفقر والوضع المعيشي المتردي، وها هو يخرج من ذات المدينة مجسدا تفاصيل حياته اليومية في فيلم" اعادة خلق".
ومدينة الزرقاء تجمع ومضات عديدة بين ازقتها كالفقر والجوع والبطالة حيث يعتبرها البعض بأنها من أخصب الأماكن لتصوير هذه الومضات وجعلها صورة ملموسة لها اثر في نفوسنا.
فمن هنا انطلق المخرج محمود المساد اردني الهوى والنشأة.. ولادته وترعرعه في "مدينة الفقراء" الزرقاء ودراسته في عدة بلدان أوروبية واستقراره في هولندا كان لهما اثر كبير عليه في كتابة وإخراج فيلم يحاكي الواقع كما هو.. حيث لا تصفه الكلمات؛ فالصور ابلغ من أن تعبر عن حالة المكان.
تعايشه مع المكان وبضوء تجربة حياتية جعل المساد ينال جائزة التصوير في مهرجان "سندانس" السينمائي لعام 2008 عن فيلم " اعادة خلق"، كما اختير الفيلم في اكثر من 80 مهرجانا عالميا ولقي استحسان النقاد الدوليين..فضلا عن الصدى الذي لقية في العرض الأول هنا في الأردن.
الفيلم الوثائقي "اعادة خلق" وصلت مدته إلى 80 دقيقة ،هو فيلم كما اراد له المساد التوفيق بين الإيمان والواقع بشكل بسيط وقوي في آن واحد، ويطرح الأسئلة أكثر من أن يأتي بالجواب من خلال سيناريو يروي قصته في تفاصيل حياة ابو عمار وعائلته في حي فقير في الزرقاء.
"حصولي على الجائزة يعتبر بمثابة مفاجئة بالنسبة لي.. شعرت بالظلم الكبير لانني حصدت على سبعة جوائز مقابل تسعة وغيري لم يحصل على شيء"..هذا ما قاله المخرج محمود المساد خلال لقاء اجريناه معه في مقر الهيئة الملكية للافلام التي استضافته لعرض فيلمه على النقاد والجمهور الاردني.
واردف قائلا "من خلال متابعتي لتغطية وسائل الاعلام الغربية باستمرار عن الشرق الاوسط، اكتشفت كم من المعلومات المغلوطة التي تبث عبر هذه الوسائل عن العرب وعلاقة الارهاب بالعرب، فكيف اصبحنا مهمشين على حساب فئات اخرى في المجتمع بغض النظر إذا كنا مسلمين أم مسحيين ولكن نحن نعيش في الشرق الاوسط".
نبذه عن الفيلم...
الفيلم يحكي قصة أبا عمار المجاهد في افغانستان الذي يعود الى بلدته الزرقاء، ويبدأ حياة جديدة مع عائلته المكونة من زوجتين وثمانية أولاد، ولكنه سرعان ما يصطدم بالواقع الذي دفعه إلى جمع الكرتون وبيعه لمصانع إعادة التدوير بأجر زهيد.
يحاول أبو عمار نشر كتابه الذي ضمنه تجربة عشرين سنة من القتال والبحث، ولكن لا يسعفه لا الوقت الذي أصبح ملكا بالكامل لتوفير لقمة العيش ولا للإمكانيات المادية التي تمّكنه من عملية الطبع، بالإضافة إلى وقوف ماضيه عائقا أمام قبول دور النشر تبني نشر الكتاب.
ويتابع مساد سرد حديثه عن فيلمه الذي سيصل الى العالمية بعد تلقيه العديد من الاتصالات من منتجي هوليود "ما يحيرني أن أي شخص على سبيل المثال يذهب الى الزرقاء ليومين فقط ويقوم بالتصوير ويبث ما قام به على التلفاز وهو لا يعرف المكان ولا طبيعته ولا عن الدين الاسلامي ولا اللغة وبالتالي هنا تكثر المعلومات المغلوطة عن العرب والتهجم زاد عن حدة ، فمن خلال (اعادة خلق) أردت أن أقدم الفيلم للجمهور وليس للاعلام".
نبذة اخرى..
يتضمن الفيلم إشارات بسيطة إلى بعض التفاصيل من حياة أبا مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين. ويرصد أمل أبو عمار الملتحي في أن تحل شحنة سيارات للعراق مشاكله المالية وإحباطه حين عاد خالي الوفاض بعد أن تعرض لمشاكل من جانب القوات الأميركية والشيعة الذين ظنوا أنه من أتباع الزرقاوي.
وتصل احباطات أبو عمار إلى ذروتها وتهتز معتقداته الراسخة بعد ثلاثة تفجيرات متزامنة في فنادق بالعاصمة الأردنية عمان عام 2005 ويتغير تماما.
11-9ضريبة معاناة!
"حاولت قدر الامكان في الفيلم ان اظهر شخصية ابو عمار الرافضة لمبدا القتل والدمار، فما حصل في التاسع من سبتمبر يعتبر صفعة كبرى لأمريكا.. ولكن لو فكرنا مليا فنحن تحملنا الكثير من بعد تفجيرات البرجين، فاصبح اي انسان شكلة يشبه العرب يدفع ضريبة ما حصل!".
"حاولت ان اظهر الفقر المدقع في مدينة الزرقاء، وركزت على الواقع المعيشي لابو عمار ومعاناته اليومية، اما عن شخصية الزرقاوي فكانت مجرد خلفية للفيلم، وأبو عمار يجسد واحد من الشخصيات في كافة دول العربية اي نفس الوضع والمعاناة اليومية". وفق المخرج محمود المساد.
احتجاز!
يحتجز أبو عمار مع مجموعة من المشتبهين لفترة خمسة اشهر، قبل ان تطلق الحكومة الاردنية سراحه لعدم وجود اية ادلة تثبت تعاونه مع تنظيم القاعدة، الذي اعلن مسؤوليته عن تفجيرات فنادق الأردن. بعد خروجه يفاجا الجميع بقرار الهجرة الى الخارج.
حي معصوم أحد أكثرالاحياء فقراً في مدينة الزرقاء، المتاخمة حدودها لحدود العاصمة عمان، تلك المدينة المزدحمة بالسكان وبالفقر أخرجت الزرقاوي وكذلك شخصية أبو عمار.
ويتابع المساد "90% من الفيلم لا يتعدى مربع سكن الزرقاوي وفابو عمار جار له ... وتعرفت عليه من خلال صديقي احمد، وبعد محاولات طويلة لما يقارب الثماني اشهر وافق على التصوير".
أبو عمار ليس بطلا كما يظهره المساد، وانما هو شخصا مشوشا مثل الملايين في المنطقة عاجزين عن مواجهة الذات ومواجهة اسئلة الحداثة والدين.. فهنا يتطرق المخرج في الفيلم الى الانفجارات التي حصلت في العاصمة عمان قبل نحو عامين والتي أودت بحياة ما يزيد عن 60 شهيدا، وكيف هذا الحادث لم يدفع شخصية ابو عمار الى اتخاذ موقف حازم من الفكر الذي يقف وراء هذه الاعمال او الاشارة الى البدء على محاسبته.
جائزة سندانس..
المساد نال الجائزة لما حظي به الفيلم من مهنية عالية وتقنية في التصوير والإضاءة، مما خولاه لنيل جائزة التصوير في مهرجان سندانس السينمائي لعام الحالي، يقول: "ركزت أكثر شيء على المرئي أردت أن اظهر الصورة كما هي كون كما نعلم فان الصور تضفي نوع من العواطف والمشاعر أكثر من أي وسيلة أخرى، والأمر لم يقتصر فقط على التصوير.. وإنما كيف استطعت أن اخرج بموضوع حساس يعتبر حديث العالم".
ويسرد تفاصيل جائزته "حصدت على سبع جوائز منها جائزة الـ35 ملي متر السينمائية وطباعة الفيلم وترجمته إلى لغات وتوزيع الفيلم بالإضافة إلى جوائز مادية، لا اخفي عليكم أنني لم اشعر بالفرحة كثيرا لأني حزنت على المخرجين الآخرون الذين لم يحصدوا أي جائزة سوى مخرجة حصدت على جائزيتن".
اصطدم المساد بحاجز التمويل لان باعتباره "من سيمول فيلما يتحدث عن الدين والإسلام من خلال شخصية إنسانية"، ويضيف: "ماديا لم يكن كافية مطلقا، حيث كان من الصعب أن احصل على تمويل لأنني لم أكن أتوقع أن انهي تصوير الفيلم واجعله يبصر النور، وقلت في نفسي من سيدعمني وأنا أتحدث عن هذا الموضوع، ولكن عندما أنهيت من المشاهد الأولية للفيلم تفاجئت بالردود كثيرا وأكملت دربي في تصوير الفيلم".
إنتاج أردني..
ماذا عن الانتاج الأردني، يجيب المساد: "هناك الكثير الأفلام الأردنية التي أنتجت لكنها لم تحصل على الدعم الكبير، متمنيا أن لا تحصل فجوة لعشر سنوات أخرى، "فلا بد أن نحصل على الدعم من وزارة الثقافة كون هناك الكثير من الشباب لديهم طاقات إبداعية".
ويسعى المساد حاليا البدء بتنفيذ مشروع جديد يتناول هجرة الشباب وأحلامهم من خلال التطرق إلى شخصيته التي تغربت عن العائلة والجيل الجديد الراغب بالذهاب إلى الخارج لتحقيق ذاته.
ويعد فيلم "إعادة خلق" للمخرج محمود المساد، أول فيلم وثائقي طويل يخرجه بعد أفلام قصيرة، وينفرد مهرجان دبي السينمائي الدولي بعرضه العالمي الأول.
وكان المساد أول مخرج أردني يرشح لنيل جائزة في مهرجان كان السينمائي عن فيلمه "الشاطر حسن" عام 2002، الذي يتناول فيه قصة موسيقار مغربي متشرد في مدينة أوتريخت.
إستمع الآن











































