إعادة الهيكلة غطاء قانوني لتسريح الموظفين
"إعادة الهيكلة" هو المسمى الذي اتفق عليه اصحاب البنوك والشركات كغطاء لتسريح اكبر عدد من العاملين لديها تحسبا لمواجهة آثار الأزمة المالية العالمية التي بدأت تدخل الاردن من جهاته الأربعة.
فلا يزال شبح الأزمة المالية العالمية يلقي بظلاله عالميا وعربيا ومحليا، فالأزمة وتداعياتها أصبحت حديث المجالس الأردنية لما تركته من أثر كبير في عمل بعض المؤسسات والبنوك الأردنية التي بدأت باتخاذ إجراءات احترازية لحماية نفسها من الوقوع في شباك الأزمة.
وعمدت شركات محلية على إجبار موظفيها على تقديم استقالاتهم بحجة "اعادة الهيكلة" وضبط النفقات المالية لهذه الشركات، فيما استخدمت شركات أخرى أساليب "ترغيبية" للموظفين لحثهم على تقديم استقالاتهم من خلال عرض ما يعادل راتب سنة أو مكافأة مجزية لتحفيزهم على تقديم استقالاتهم بإرادتهم.
ضحايا الأزمة المالية...
موظف في البنك العربي رفض ذكر اسمه وكان يعمل في قسم تسهيلات الأفراد، يرى نفسه كضحية من ضحايا عاصفة الأزمة المالية العالمية التي عصفت به وبزملاء له في ذات القسم.
لم يمض على تعينه في البنك سوى ثلاثة أشهر كانت كفيلة بتقييمه وإنهاء عقده ، بحجة أنه لم "يحقق الهدف المطلوب أثناء عمله" رغم خبرته الممتدة لعامين في هذا المجال في بنك " HSBC"، وفقا لما قاله لعمان نت.
وأضاف" قبل أن يتم تسريحي كنت دائما أتعرض من قبل المسؤولين "للتلميح والغمز" بطريقة غير مباشرة بان الأزمة المالية أثرت بشكل كبير على البنك، من ثم عمدوا إلى استخدام أسلوب الضغط النفسي، فبدأت اسمع باستمرار ان فريقي لم يحقق هدفه المطلوب منه، على الرغم ان جميع الفرق في هذا القسم لم تحقق هدفها المطلوب في ظل الأزمة، التي أدت إلى إغلاق باب القروض من قبل البنك في وجه العملاء، فكان الأمر الطبيعي أن يتراجع عمل الفريق نوعا ما".
بعد تعرضه لهذا الضغط النفسي من قبل المسؤولين عليه في البنك، قدم له البنك "كتاب استغناء" لإنهاء خدماته بالكامل وهو ما يجيزه قانون العمل الأردني الذي يسمح لرب العمل إنهاء العقد مع الموظف خلال ثلاثة أشهر من تعيينه دون إبداء الأسباب و دون أن يعتبر ذلك أحد أشكال الفصل التعسفي بمبرر أن تلك الفترة(الأشهر الثلاثة) هي فترة تجربة نص عليها قانون العمل الأردني لمصلحة رب العمل.
"بعد ذلك تقدمت بالاستقالة وخرجت بكل هدوء كوني غير مثبت بعد بالبنك، ومازلت حتى هذه اللحظة لم أحصل على حقوقي المادية بالكامل بعد بحجة ان الوضع المالي متأزم، وألان ابحث عن عمل لكن الوضع سيء جدا في ظل الأزمة".
ضحية أخرى...
موظف آخر من بنك HSBC رفض ذكر اسمه كان أحد الذين تضرروا من زوبعة الأزمة المالية،حيث فقد عمله و لكن تم إنهاء خدماته بأسلوب توافقي بين الطرفين والعنوان العريض لهذا الحل التوافقي " اخرج من البنك مقابل مبلغ مجز!" و إذا كانت هذه هي الجزرة فالعصا هي "من يرفض العرض يتم أجبارة على القبول به، او طرده من البنك" على حد قوله.
وأضاف،" منذ بدء الأزمة المالية بدأت ادارة البنك تشير إلى أنه لا بد من وضع آلية عمل جديدة وضرورة الاقتصاد بالمصاريف الجارية حتى لا يتم الوقوع بشباك الأزمة، فوجدوا أن أجدى أسلوب هو تسريح العاملين من خلال تقدم عروض مغرية، وأنا قبلت بهذا العرض ولكن للأسف بعدما قبلت بالعرض بدؤوا بخصم المستحقات المالية علي رغم أننا اتفقنا على عدم خصمها، فضلا عن تخفيض قيمة المبالغ التي قدمت لي ولزملائي".
الموظف بين ان عدد الموظفين الذين أبقت إدارة البنك على خدماتهم وصل إلى 20 موظفا في قسم الخدمات المصرفية والذي عمل به لمدة سنتين في حين كان عددهم قبل عمليات التسريح ثمانين موظفاً!
تأكيدات بنكية...
البنك العربي وفي تصريحات صحفية أكد أن عمليات خروج الموظفين من الخدمة هي في الحدود الطبيعية في أي مؤسسة في ظل كادر بشري يقارب سبعة آلاف موظف في مجموعة البنك العربي منهم في البنك العربي نحو 4500 موظف.
وقال مصدر مقرب من البنك "أن عدد الموظفين الذين خرجوا من الخدمة في البنك منذ شهر تشرين الثاني الماضي 118 موظفا غالبيتهم ممن بلغوا السن القانونية للتقاعد" مضيفا "ومقابل ذلك دخل الى البنك عدد كبير من الموظفين".
الأساس القانوني لعمليات التسريح
أجازت المادة 31 من قانون العمل تحت بند إعادة الهيكلة لصاحب العمل إنهاء عقود العمل غير محددة المدة اذا اقتضت ظروف اقتصادية او فنية هذا الإنهاء او التعليق كتقليص حجم العمل او استبدال نظام الإنتاج بآخر او التوقف نهائيا عن العمل شريطة أشعار وزارة العمل بذلك.
8 شركات أنهت خدمات عامليها
رئيس قسم علاقات العمل في الوزارة العمل ومقرر لجنة إنهاء أو توقيع العقود جهاد جاد الله، بين في حديثه لعمان نت ان عدد الشركات التي تقدمت بطلب تسريح موظفيها وصل الى ثماني شركات تعمل في مجالات مختلفة، قطاع الفنادق، قطاع صناعة المجوهرات، وكالات تجارية ووكالة سيارات، بالإضافة إلى شركتين في قطاع الإنشاءات وشراء الأراضي وبيع العقارات.
وأضاف جاد الله "يعود إنهاء هذه الشركات لخدمات عامليها الى أسباب اقتصادية وفنية، ويتم إنهاء خدماتهم وفقا للمادة 31 من قانون العمل، التي تتعلق بإعادة الهيكلة في المؤسسة ويتم الموافقة على الطلب بعد التأكد لمطابقتها القانون من خلال لجنة مشكلة من أطراف الإنتاج الثلاثة ممثلين عن أصحاب العمل وممثل عن العمال الاتحاد العام لنقابات العمال وغرفة صناعة الأردن وممثل عن الحكومة وزارة العمل".
وبين جاد الله ان شركة واحد فقط تقدمت في شهر شباط بتسريح عامليها" هذه الشركة تعمل في مجال صناعة المطابخ قامت بتسريح 31 موظفا من أصل 95 موظف، أما بالنسبة للشركات الأخرى فقد قامت بتسريح 167 موظفا".
في عام 2008 تقدمت 19 شركة لوزارة العمل بطلب إنهاء خدمات موظفيها، حيث تم إنهاء خدمات 489 موظف وفقا لما صرح به جاد الله لعمان نت.
وأكد جاد الله أنه لم يتقدم أي مصنع من مصانع في المناطق الصناعية المؤهلة بطلب إنهاء خدمات العمال لديها.
أين دور الحكومة؟
"الحكومة مطالبة بالتدخل فورا لدى ادارة تلك الشركات التي على ما يبدو أنها تتنصل من مسؤولياتها الاجتماعية تجاه الوطن الذي هيأ لها فرصة النجاح وتحقيق الأرباح من خلال الحوافز والتسهيلات والتشريعات المشجعة على الإنتاج والنمو الاقتصادي."وفقا لما أورده المحلل الاقتصادي سلامة الدرعاوي في مقالته في صحيفة العرب اليوم.
الدرعاوي بين في مقالته بان الحكومة مطالبة اليوم اكثر من اي وقت مضى بالتدخل لوقف حالات التسريح التي بدأت تنتشر بين الشركات، وهذا يتم من خلال إيجاد قناة اتصال مباشرة تشرف عليها وزارة العمل التي تلجأ إليها الشركات لأخذ الموافقة على إعادة هيكلة أوضاعها وتسريح عمال لديها تحت غطاء المادة 31 من قانون العمل.
إلا ان تجاهل القضية ضربا للجهود الحكومية التنموية من جهة وإرسال رسالة خاطئة للشارع العام مغزاها أن أصحاب النفوذ الاقتصادي وأرباب العمل باتوا يتسللون للقرار الحكومي ويوجهون المسؤولين نحو اتخاذ قرارات وسياسات تصب في صالحهم لا في صالح المواطنين.
ففي سؤال استفتاء لموقع عمان نت الالكتروني وجد 47.71% ان التوجه الشركات لتسريح العمال بعد الأزمة المالية العالمية ما هو إلا انتهاك لحقوق العمال، ورأى ما نسبته 40.46% بان هذا التوجه هو نتيجة حتمية لسياسة السوق، في حين اعتبر 11.83% انه حق قانوني للشركات.
المحلل الاقتصادي فائق حجازين، بين أن الطريقة الأمثل لمواجهة الأزمة المالية العالمية هو زيادة إنتاجية الشركات لا بتسريح العاملين لديها، وأضاف،" لا بد ان تعمل هذه الشركات على تحسين وسائل الإنتاج وزيادة إيراداتها وإنتاجيتها من خلال زيادة عدد الموظفين وزيادة إنتاجيتهم وكفاءة التشغيل وهذه أفضل من إنهاء خدمات الموظف التي تضر بمصلحة الموظف والمجتمع بشكل عام
وبين إذا لم تستطع الشركات زيادة إنتاجيتها، فهذا دليل على ضعف إدارات هذه الشركات، والتي لا يجوز ان يدفع ثمنها الموظف،" وما يحدث الآن هو تسريح الموظفين ذوي الرواتب المنخفضة وهذا يتناقض مع ما تسعى إليه الشركات بتخفيض كلفة النفقات العامة في هذه الشركات عن طريق إنهاء خدمات موظفيها".
وأوضح حجازين ان إنهاء خدمات عدد كبير من الموظفين سوف يؤثر على الاقتصاد، وبالتالي تراجع قدرة المواطن على الإنفاق والتعايش مع متطلبات الحياة اليومية،"إذا توسعت هذه الدائرة سوف تؤثر على حركة الاسواق وسوف يؤثر على الطلب والإنتاجية، كون الحكومة تسعى إلى تحفيز الطلب الذي لا يمكن ان يتأتى من خلال تقليل عدد الموظفين بل يتم من خلال زيادة عددهم وزيادة رواتبهم، واستمرار الحال على ما هو عليه سيؤدي إلى زيادة نسب البطالة في المجتمع الأردني". وهذا ما توافق عليه المحلل الاقتصادي فهد الفانك في مقالته التي جاءت تحت عنوان "لا لتسريح الموظفين".
حيث بين الفانك ان "معدلات البطالة المرتفعة في أي بلد تشـكل تهديداً للاستقرار والأمن الاجتماعي. وتسريح الموظفين يعني الإسهام في رفع معدل البطالة لدرجة خطـرة تبرر التدخل الرسمي، ولا يجوز أن يستمر التعامل بالسكوت مع الجهات التي تهدد إجراءاتها التعسفية استقرار البلد وأمنه الاجتماعي".
ووفق حجازين أن الكرة الآن في مرمى القطاع الخاص الذي عليه مسؤولية فتح فرص العمل، في ظل حصول على امتيازات وتسهيلات وبيئة مناسبة من قبل الحكومة.
والسؤال الذي يطرح من قبل الذين انتهت خدماتهم والذين أصبحوا في عداد الباحثين عن عمل خلف الأبواب الموصدة بإحكام في وجوهم، "من سيقدم على تعيين موظف جديد في ظل الأزمة المالية؟".
هذا وكان سؤال الاستفتاء الذي طرحه موقع عمان نت الالكتروني كالآتي
توجه شركات لتسريح عمال بعد الأزمة المالية
انتهاك لحقوق العمال 47.71%.
نتيجة حتمية لسياسة السوق 40.46%.
حق قانوني للشركات 11.83%.
إستمع الآن











































